السواك وسنن الفطرة [1]


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

أما بعد:

فإن اصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

ثم أما بعد:

فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وقص الشارب)، رواه البخاري ومسلم ، والإمام مالك في موطئه، والترمذي ، وأبي داود ، والنسائي . وفي رواية: (خمس من الفطرة: الختان، والاستحداد، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وقص الشارب).

وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من طريق زكريا بن أبي زائدة عن مصعب بن شيبة عن طلق بن حبيب عن ابن الزبير عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظافر، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء)، وانتقاص الماء: هو الاستنجاء.

قال زكريا : قال: مصعب : ونسيت العاشرة، إلا أن تكون المضمضة. وبعض العلماء قالوا: لعل هذه التي نسيها هي الختان؛ لأنها أولى، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (خمس من الفطرة) يوضح معنى قوله: (الفطرة خمس).

وهذا يعني أن الفطرة لا تنحصر في خمس، ولا تنحصر في عشر، لكن هذه بعض خصال الفطرة، وحينما نتكلم على خصال الفطرة أو هذه الأبواب التي نحن بصدد دراستها الآن ليست مجرد أبواب من الفقه، وإنما هي اطلاعة على مظاهر تكريم الإسلام لهذا الإنسان.

وإذا تأملت نظرة الإسلام إلى الإنسان وتكريمه واحترامه، تجد فيها مصداق قوله تبارك وتعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا [الإسراء:70]، فما هو في الحقيقة إلا مظهر من مظاهر تكريم الإسلام للإنسان، وتعظيم حرمته، ورفع شأنه ومكانته.

وهذه الآداب والسنن كانت تنتشر مع الإسلام حيثما انتشر وسطع نوره في آفاق الدنيا، كما هو الحال في أوروبا؛ حيث أن الأوروبيين لم يكونوا يعرفون عادة الاستحمام الذي يعتبر شيئاً طبيعياً جداً عند المسلمين، ولم يكن الأوربيون يظنون أن الإنسان يمكن أن يستحم في بيته.

فتزامن انتشار عادة الاستحمام في الغربيين مع الوجود الإسلامي في الأندلس -تلك الجنة المفقودة- لما كان الطلاب الأوربيون يفدون إلى الأندلس ليتعلموا من المسلمين، كانوا يقتبسون منهم من الفضائل هذه العادات وهذه النظافة، فهم يعترفون بهذا، وكثيراً ما يتحدثون، بل حتى هذا الزمان الذي نعيش فيه أجريت عدة إحصائيات ودراسات في فرنسا، فوجدوا أن أغلب الفرنسيين لا يستحمّون مرة واحدة في العام، ثم قال الباحث -وهو كافر مشرك-: إن هذا هو سر تفوق الفرنسيين في اختراع أو صناعة العطور، حتى يكتموا بها رائحتهم الخبيثة؛ التي تتراكم خلال سنة كاملة.

حتى أنك إذا نظرت في الأحواض عندهم في كثير من البلاد -كألمانياً مثلاً أو غيرها- تجد أن الحوض عبارة عن خلاط ماء -لا يختلط فيه الماء الساخن بالبارد- لكن الحوض يكون فيه سدادة، ثم ماسورة مستقلة للماء البارد، وماسورة مستقلة للماء الساخن.

وقد تستغرب كيف تستعمل هذا الماء؟ حتى إن الإنسان أحياناً يحار كيف يتوضأ؟ لأنك إذا استعملت الماء البارد يكون بارداً جداً، وإذا استعملت الماء الساخن يكون ساخناً جداً، وكلاهما لا تستطيع أن تستعمله، فهم يفعلون ذلك؛ لأن النظافة عندهم أن أحدهم في الصباح حينما يريد أن يغسل وجهه يصب الحوض، ويملؤه بالماء، ويخلطه في نفس الحوض، ثم يغسل وجهه فيه، وانتهى كل شيء!!

هذه هي النظافة عندهم، بل يسخرون أحياناً من المسلمين لما هم عليه من آداب التخلي والاستنجاء والتنظف التي لا يعرفون لها معنى.

وهذا من مظاهر تكريم الإسلام للإنسان، وهذا السلوك الذي عليه الأوروبيون أو الغربيون الكفار ربما يكون صدىً لكلام أسلافهم الذين مضوا من قبل، وقد تكرر تصادم الديانة النصرانية المحرفة مع الفطرة، وكيف أنهم حمّلوا أنفسهم ما لا يحتملون، حتى أنهم صاروا يتعبدون بأن يأتي أحدهم إلى بئر مالح ماؤه ويمكث فيه ستة أشهر أو سنة، وهو يظن أن هذه عبادة، أو يحمل أحدهم ثقلاً كبيراً جداً من الحديد ويقف على رجل واحدة، وإذا أراد أن ينام يسند ظهره إلى حائط!

كل هذا من تعذيب النفس الذي كان عندهم وهذه صورة من صور التعبد عندهم، كما اقتبسه منهم بعض الصوفية الجهلاء، فيقول أحدهم متحدثاً عن واحد من أشهر رهبانهم: إنه لم يقترف إثم غسل رجليه طول عمره! وكان بعض هؤلاء الرهبان يتحسر على عدم اتباع سيرة أسلافه الذين مضوا، فيقول: لقد أتى علينا زمان كنا نتأثم أن يغسل أحدنا ثوبه أو رجليه. ثم يقول -متحسراً متأسفاً-: وها نحن الآن ندخل الحمامات. فهو يندم على هذا، ويعتبره من مظاهر الانحراف عن الجادة!

الشاهد: أن هذه السنن والآداب من مظاهر تكريم الإسلام للإنسان.

حكم سنن الفطرة

يقول الإمام أبو بكر بن العربي رحمه الله تعالى في شرحه على الموطأ: عندي أن الخصال المذكورة في هذا الحديث كلها واجبة؛ فإن المرء لو تركها لم تبق صورته على صورة الآدميين، فكيف من جملة المسلمين؟! فهذا مذهب الإمام أبو بكر العربي ، وهو حق؛ فلو تخيلت إنساناً مكث سنوات طويلة دون أن يقلم أظفاره، تخيل إنساناً أو امرأة بمثل هذه المخالب! ولا تسمى أظافر في هذه الحالة، بل هذه كمخالب الوحوش والأسود الجارحة أو الحيوانات المفترسة! ثم تأتي أحياناً المرأة فوق ذلك وتخضبها أيضاً بالأحمر، فكأنها لوثت بدماء الفريسة! وهذا شيء تنفر منه الفطرة، فكيف ترى النساء مثل هذه القبائح على أنها أموراً جميلة؟! يُقضى على المرء في أيام محنته حتى يرى حسناً ما ليس بالحسنِ تخيل إنساناً ترك شاربه حتى يطول وينسدل إلى كتفيه كما ترى في المناظر القبيحة لبعض أئمة الكفر، ونحو هذه الأشياء لو تخيل الإنسان أنه لم يتناوله بهذا التنظيم الإسلامي لما بقيت صورته على صورة الآدميين، فكيف يكون من جملة المسلمين أهل النظافة والعفاف والتقى؟! لكن بعض العلماء تعقبوا قول القاضي أبو بكر بن العربي ، فقالوا: ليست كل هذه الخصال واجبة لكن المطلوب من هذه الأشياء تحسين الخلقة والنظافة. فما كان من الفطرة ومن باب تحسين الخلقة فلا يحتاج إلى أن يأمر به الشارع ويوجبه على الإنسان، فمجرد الندب والإرشاد إليها كافٍ؛ لأن الإنسان بمقتضى فطرته يؤدي هذه الأشياء. وقال الإمام أبو سليمان الخطابي رحمه الله تعالى: ذهب أكثر العلماء إلى أنها -أي: الفطرة-: السنّة. ومعناه: أنها من سنن الأنبياء عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام، وقيل: هي الدين. وقال السيوطي رحمه الله تعالى: وأحسن ما قيل في تفسير الفطرة: أنها السنة القديمة التي اختارها الأنبياء، واتفقت عليها الشرائع، فكأنها أمر جبلي فطروا عليه. وهذا أحسن ما قيل في تفسير الفطرة. وقال الإمام ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى في معنى الفطرة: هي ما جبل الله الخلق عليه، وجَبَلَ طباعهم على فعله، وهي كراهة ما في جسده مما هو ليس من زينته، يعني: أن الإنسان يكره أشياء في جسده تنافي الزينة، وتنافي النظافة والتطيب.

أقسام الفطرة

يقول الإمام المحقّق شمس الدين قيم الجوزية رحمه الله تعالى: والفطرة فطرتان: فطرة تتعلق بالقلب، وهي معرفة الله، ومحبته وإيثاره على ما سواه. وفطرة عملية، وهي هذه الخصال.

فالفطرة الأولى تزكي الروح، وتطهر القلب، والثانية تطهر البدن، وكل منهما تمد الأخرى وتقويها، وكان رأس فطرة البدن الختان.

ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: فيتعلق بخصال الفطرة مصالح دينية ودنيوية تدرك بالتتبع، منها: تحسين الهيئة، وتنظيف البدن جملة وتفصيلاً والاحتياط للطهارتين، والإحسان إلى المخالط والمقارن بكف ما يتأذى به من رائحة كريهة، ومخالفة شعار الكفار من المجوس واليهود والنصارى وعُبّاد الأوثان، وامتثال أمر الشارع، والمحافظة على ما أشار إليه قوله تعالى: وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ [غافر:64]، لما في المحافظة على هذه الخصال من مناسبة ذلك، وكأنه قيل: قد حُسّنت صوركم -أي أن الله خلقنا وحسّن صورنا- فلا تشوهوها بما يقبحها، أو حافظوا على ما يستمر من حسنها.

وفي المحافظة عليها محافظة على المروءة وعلى التآلف المطلوب؛ لأن الإنسان إذا بدا في الهيئة الجميلة كان أدعى لانبساط النفس إليه، فيقبل قوله، ويحمد رأيه، والعكس بالعكس.

يقول الإمام أبو بكر بن العربي رحمه الله تعالى في شرحه على الموطأ: عندي أن الخصال المذكورة في هذا الحديث كلها واجبة؛ فإن المرء لو تركها لم تبق صورته على صورة الآدميين، فكيف من جملة المسلمين؟! فهذا مذهب الإمام أبو بكر العربي ، وهو حق؛ فلو تخيلت إنساناً مكث سنوات طويلة دون أن يقلم أظفاره، تخيل إنساناً أو امرأة بمثل هذه المخالب! ولا تسمى أظافر في هذه الحالة، بل هذه كمخالب الوحوش والأسود الجارحة أو الحيوانات المفترسة! ثم تأتي أحياناً المرأة فوق ذلك وتخضبها أيضاً بالأحمر، فكأنها لوثت بدماء الفريسة! وهذا شيء تنفر منه الفطرة، فكيف ترى النساء مثل هذه القبائح على أنها أموراً جميلة؟! يُقضى على المرء في أيام محنته حتى يرى حسناً ما ليس بالحسنِ تخيل إنساناً ترك شاربه حتى يطول وينسدل إلى كتفيه كما ترى في المناظر القبيحة لبعض أئمة الكفر، ونحو هذه الأشياء لو تخيل الإنسان أنه لم يتناوله بهذا التنظيم الإسلامي لما بقيت صورته على صورة الآدميين، فكيف يكون من جملة المسلمين أهل النظافة والعفاف والتقى؟! لكن بعض العلماء تعقبوا قول القاضي أبو بكر بن العربي ، فقالوا: ليست كل هذه الخصال واجبة لكن المطلوب من هذه الأشياء تحسين الخلقة والنظافة. فما كان من الفطرة ومن باب تحسين الخلقة فلا يحتاج إلى أن يأمر به الشارع ويوجبه على الإنسان، فمجرد الندب والإرشاد إليها كافٍ؛ لأن الإنسان بمقتضى فطرته يؤدي هذه الأشياء. وقال الإمام أبو سليمان الخطابي رحمه الله تعالى: ذهب أكثر العلماء إلى أنها -أي: الفطرة-: السنّة. ومعناه: أنها من سنن الأنبياء عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام، وقيل: هي الدين. وقال السيوطي رحمه الله تعالى: وأحسن ما قيل في تفسير الفطرة: أنها السنة القديمة التي اختارها الأنبياء، واتفقت عليها الشرائع، فكأنها أمر جبلي فطروا عليه. وهذا أحسن ما قيل في تفسير الفطرة. وقال الإمام ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى في معنى الفطرة: هي ما جبل الله الخلق عليه، وجَبَلَ طباعهم على فعله، وهي كراهة ما في جسده مما هو ليس من زينته، يعني: أن الإنسان يكره أشياء في جسده تنافي الزينة، وتنافي النظافة والتطيب.

يقول الإمام المحقّق شمس الدين قيم الجوزية رحمه الله تعالى: والفطرة فطرتان: فطرة تتعلق بالقلب، وهي معرفة الله، ومحبته وإيثاره على ما سواه. وفطرة عملية، وهي هذه الخصال.

فالفطرة الأولى تزكي الروح، وتطهر القلب، والثانية تطهر البدن، وكل منهما تمد الأخرى وتقويها، وكان رأس فطرة البدن الختان.

ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: فيتعلق بخصال الفطرة مصالح دينية ودنيوية تدرك بالتتبع، منها: تحسين الهيئة، وتنظيف البدن جملة وتفصيلاً والاحتياط للطهارتين، والإحسان إلى المخالط والمقارن بكف ما يتأذى به من رائحة كريهة، ومخالفة شعار الكفار من المجوس واليهود والنصارى وعُبّاد الأوثان، وامتثال أمر الشارع، والمحافظة على ما أشار إليه قوله تعالى: وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ [غافر:64]، لما في المحافظة على هذه الخصال من مناسبة ذلك، وكأنه قيل: قد حُسّنت صوركم -أي أن الله خلقنا وحسّن صورنا- فلا تشوهوها بما يقبحها، أو حافظوا على ما يستمر من حسنها.

وفي المحافظة عليها محافظة على المروءة وعلى التآلف المطلوب؛ لأن الإنسان إذا بدا في الهيئة الجميلة كان أدعى لانبساط النفس إليه، فيقبل قوله، ويحمد رأيه، والعكس بالعكس.