كلمات قاسية
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
بقلم/ فاطمة الأميرهل كنتَ يومًا ممَّنْ عانَوا قسوةَ الكلمات، وطُعِنُوا بخَنجر الصراحة؟ أم كنْتَ أنت الخنجرَ نفسَه الذي أدمى قلوبًا كثيرة؟!
إن كنتَ أنت الخَنجرَ نفسَه، وكنتَ قد تحامَلْتَ على غيرِكَ، وجعلتَه يُعاني مرارة وقسوة الكلمات؛ فعليكَ التوقُّف ومراجعة نفسِكَ، قد يكون بداخل الآخرين آلامٌ لم يخبروك عنها، أو أن بهم ما يكفي من الأسرار المملؤة بالأوجاع؛ ولكنهم لا يريدون التحدُّثَ عنها، تراهم طول الوقت ذوي ابتسامة مشبعة بالرِّضا والتفاؤل والكلمة الطيبة، فتظُن أن كلماتِكَ لن تُؤثِّرَ فيهم! تظُنُّ أن صاحب الفم المغلَق سيكون عند القسوة قويًّا وشامخًا مثل الجبال، فتُلقي بالكلمات، فتراه قد أمتصَّ غضبَه، وجمَّل نفسَه بالحِلْم والهدوء والقوة؛ ليس لأنه ضعيف لا يعرف كيف يُقابِل قسوة كلماتِكَ بكلمات أكثر قسوة، أو بقسوة مماثلة؛ بل لأن نفسَه بها الكثير، والكثير.
يخشى أن يتحدَّثَ فينفجر بركانُ قلبه، فيثور في وَجْهِ مَنْ أحبَّه، يخشى على نفسِه مع مرور الوقت أن يكونَ قاسيًا مثلَكَ، فيفقِد نقاءَ قلبه وحلاوةَ كلماتِه؛ فرِفْقًا بقلوب أتعبَتْها وأنهكَتْها الحياة - حتى وإن كنتَ على حقٍّ - تعلم كيف تتكلَّم، وتكسب وُدَّ مَنْ أمامَكَ، فكُلُّ ما عليكَ أن تفعلَه قبل إلقاء كلماتِكَ هو أن تستمع إليها أوَّلًا، وكأنَّ أحدَهم يُلقيها عليكَ، وانظُر هل سيتحمَّل قلبُكَ وعقلُكَ مثل هذه الكلمات؟ هل ستتقبَّلُها كما تَقبَّلَها منْكَ غيرُكَ أو أنَّكَ ستثُور في وجهه؟!
قد تظُنُّ أنها كلمات يسيرة؛ ولكنها موجِعة كخَنجر غرسْتَه في قلب مَنْ أحبَّكَ فجعلتَه يعاني ليالي وأيامًا.
هل تخيَّلتَ أن كلماتِكَ كانت سببًا في تذكُّره لجميع ذكرياتِه المؤلمة، نعم هي كلمة ألقيتَها، ولكنَّك كمن جعل بركانًا خامدًا يثور أو قد تجعله يفقِد الثقة في كلِّ مَنْ أحبَّه يومًا؛ فيتذكَّر للجميع كلَّ ما فعلوه به، ويتزاحم عقلُه بالأفكار، ويُوسِوس له شيطانُه: كيف له بالسكوت؛ فيبدأ في التحوُّل من ذاك القلب النقي الذي لا يعرف لسانُه كيف يردُّ القساوة بالقساوة، إلى قلبٍ متحجِّر ولسان يكيل بالعبارات القاسية لمن حولَه.
أرأيتَ ما فعلتَه؟! أرأيْتَ ما جعلتَه عليه؟! ولماذا؟ لأنك لا تعرف فنون التعامُل مع الآخرين، ولأنك لا تريد أن تكون وحيدًا في عالمك القاسي.
فلتجعل من كلماتِكَ عونًا لغيرِكَ؛ فاصْنَع من كلماتِكَ عِطْرَها الخاصَّ، أينما نزلْتَ تركتَ أثرًا لا يستطيع أحدٌ أن يُزيلَ عِطْرَه؛ فللكلماتِ عِطْرُها الخاصُّ، كلما شمَمْتَ عِطْرًا عرَفْتَ صاحبَه مَنْ يكون، حتى إن رحل يومًا تَتَبَّعْتَ خُطواتِه من عَبَقِ كلماتِه، وإنْ هو ذُكِرَ يومًا في مجلس طابَتْ سيرتُه، وحَسُن عملُه، وأثنى عليه أهلُ السماء والأرض.
احمِلْ دومًا في حقيبة يومِكَ ورودًا في كلماتٍ، وألْقِها في طريقِكَ لتُسْعِدَ يومَ أحدِهم؛ فيَذكُركَ بجميل ما فعلتَه.
انظُر لصاحب الكلمات الطيبة العَذْبة، ترَهُ يأسِرُ قلوبَ مَنْ حولَه، يُراعي هذا وذاك، فيكون ذا نفسٍ طيبة، وأخلاق مرتفعة، يسعى جاهدًا ألَّا يكون ذا خنجر يُدمي قلوبَ مَنْ حولَه، ويتسبَّب في الألم للكثير، فأصبح بلسمًا يَشفي كُلَّ ذي ألَمٍ، ويدًا حانيةً تُزيلُ خنجر الكلمات القاسية من قلوب الآخرين، فلتَكُنْ بلا خنجرٍ، فلتَكُنْ بلا كلماتٍ قاسية مُفجِعة، كُنْ فقط ذا أخلاقٍ طيبة، وبلسمًا يَشفي ويطيب.
فاطمة الأمير