أنا حرة - إيمان الخولي
مدة
قراءة المادة :
7 دقائق
.
أنا حرة (أنا حرة) كلمة نسمعها من كثير من شباب وفتيات هذه الأيام، المقصود منها التخلص مما يسمونه قيودًا، فكل تكليف والتزام في نظرهم يقيِّد، فهم يريدون أن يفعلوا ما يشاؤون ووقتما شاؤوا، يريدون حرية الاختيار في كل شيء، حتى في الدين.
والسؤال...
مَن قـيّد حريتك أختي...؟
ألم تسمعي قوله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} إن الإسلام غني عن مَن لا يريده، ويعتبره تقييد للحرية، لن ينقص ذلك من ملك الله شيء، ولكن أنت مَن تحتاجين لدين "افعل ولا تفعل"، حتى نعرف السبب من خلق الله لنا.
ولكن دعيني أسألك...
ـــ إنْ مرضتِ يومًا، هل ستأخذين الدواء من نفسك؟ أَمْ أنكِ ستبحثين عن طبيب ثقة ليعالجك؟
ـــ إذا اشتريتِ جهازًا كهربائـيًّا، ستقولين أنا حرة أشغله كيفما أشاء؟ أَمْ أنكِ ستقرئين (الكتالوج) ليبين لك كيفية عمل الجهاز؟ وذلك حتى لا يفسد ويصعب إصلاحه بعد ذلك.
ـــ لماذا وثقتِ فى الطبيب والشركة المصنعة للجهاز، وهم بشر، ولا تثقين فى صاحب الصنعة، خالقك؟
ترى...
أَمازلت مصر ِّة على رأيك؟
دعوني أعبد ما شئت، أعبد شجرًا...
حجرًا...
أو بقرًا...!
دعوني وشأني...!
أتصور أن الله ميّزنا بالعقل عن باقي المخلوقات؛ لأننا نهتدي به إلى إله هذا الكون الواحد الأحد، حتى عبيد الحجر والبقر لهم مرجعية ومنبع، نعم، إنها الفطرة التي فطرعليها الناس، وهو أن يتصلوا بإله، حتى وإن كان حجرًا، وإنما يقولون في أنفسهم كما قال المشركون قديمًا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ} ..
[سورة الزمر] ، إنهم يعلمون أن هناك إله في السماء يتقربون إليه بإله الأرض.
اسألي نفسكِ...
عندما تقدمين في وظيفة وتُقبلين فيها، هل تسيرين على نظام الشركة؟ أَمْ أنكِ تسيرين علي نظامًا بمفردك؟ ليغضب صاحب العمل!
هكذا الكون كله...
له نظام وله خالق، بل تخيلي أنّ كل ما حولك مستسلم وطائع لمنظِّم هذا الكون، وأنتِ وحدكِ مَن تهربين من التكليف وتدعين أنه قيد وعبء، وتريدين التحرر منه.
أرأيتِ يا مَن تقولين: إنني حرة، إن كنت فى بحر عميق وغرقت السفينة، ترى مَن ستدعو وقتها لكي ينجيكي من الموت ؟ أَمْ ستدعو القمر والشمس؟!
ثم مَن قال إن الإسلام قيد، هذا وقد أعطاكَ حرية التفكر والتدبر؛ لكي تصل إلى الحق (( {لعلكم تعقلون} ))، (( {لعلكم تتفكرون} ))...
اخترْ طريقك بنفسك .
انظر لطريقة معاملة النبي صلى الله عليه وسلم فى صلح الحديبية مع المشركين، وإلى وفائه ببنود الصلح، وذلك على الرغم من عدائهم له، فقد اشترطوا عليه أنه مَن فرّ من قريش يريد أن يدخل فى الإسلام وفرّ إلى المدينة، فإن على النبي وأصحابه أن يرجعوه، وأن مَن خرج من المدينة بإرادته مرتدًّا عن الاسلام إلى الكفار، فلا يرجعه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام، فإن الإسلام غني عنه، وظلّت الحال على ذلك، إلى أنْ مرّت سنوات الصلح والهدنة بين الفئتين؛ احترامًا للأعراف ولأن المؤمنين عند كلمتهم وعهدهم.
كما أن الإسلام أعطى الإنسان الحرية في التعبير عن رأيه، فلم يتعامل بالتجاهل مع المعترض والمتشكك فى الآيات، أو مع المُدَّعي على النبي أنه ساحر أو كاهن، أو مع مَن يرى أن القرآن أساطير الأولين، بل اعتبر كل ذلك آراء تُناقش كل مشكك في الآيات
فعلى سبيل المثال...
طلب من كل مشكك أن يأتي بعشر سور مثله، إذ يقول الله تعالى:
{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [ سورة هود ] ، بل بسورة واحدة مثله: قال تعالي : {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [ سورة البقرة ] .
ومَن يشكك فى الخالق، فعليه أن يأتي بخلق مثله، ولو ذبابة، إذ يقول تعالى:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} [سورة الحج ] .
لنكن صادقين مع أنفسنا...
لماذا نريد الحرية؟ هل نريدها لنخرج عن طاعة الله التي لا ترضي أهواءنا الشخصية؟ أَمْ أننا لا نقدر على الطاعة؟ ولكن...
كيف ذلك، وهو القائل سبحانه: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} [سورة النساء ] .
نتكلم هكذا ونحن لا نملك إلا الكلام...
تريد أن تنام، ولكنك لا تعرف.
وتريد أن تتذكر الشيء، لكنك تجد نفسك قد نسيته!
وتريد الصحة، فتمرض.
فماذا فعلت بإرادتك وحدها من دون الله؟!
لا شيء...
لا شيء سوى أنك أكلت من رزقه وعشت فى ملكه ولم تؤدِّ شكر النعمة، بل وتعاديه وتدعي أن الكون أوجد نفسه بنفسه، قال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ۖ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَٰذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [سورة الأحقاف] .
إنْ كنت تعتقد أنه لا خالق لهذا الكون، فما دليلك على ذلك! فلكل حقيقة دليل أم اننا لا نملك إلا أكاذيب فقط.
ترى...
ما قيمة الحرية التي تطالبين بها في كل وقت؟
لا قيمة لتلك الحرية، إن لم تكن في طاعة الله، وليس لإرضاء النفس المغرورة التي تريد أن تهرب من مسؤولية التكليف، تمامًا كمسلم يفرّ من خالقه في حين أنه أحوج الناس إليه!
عجـبًا...
لأناس يطعمهم الله ويرزقهم المال والصحة والنعيم، وهم يعادونه انتصارًا لأهوائهم فقط، ليس إلّا.