خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/337"> الشيخ الدكتور محمد إسماعيل المقدم . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/337?sub=60531"> سلسلة الإيمان والكفر
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
الإيمان والكفر [11]
الحلقة مفرغة
ما زلنا في الكلام على قضية الرد على طرفي الانحراف في قضية الإيمان والكفر، وهم الغلاة من المرجئة، ثم في الطرف الآخر الخوارج والمعتزلة، وذلك ضمن حديثنا عن ستة مباحث تتعلق بمسائل أصول الدين، كما ذكرها الشيخ حافظ حكمي رحمه الله في معارج القبول، يقول: ولا نقول إنه في النار مخلد بل أمره للباري تحت مشيئة الإله النافذه إن شا عفا عنه وإن شا أخذه بقدر ذنبه وإلى الجنان يخرج إن مات على الإيمان والعرض تيسير الحساب في النبا ومن يناقش الحساب عذبا وذكرنا في الرد على المرجئة كلام إمام الأئمة أبي بكر بن خزيمة رحمه الله تعالى، وملخصه: أن المرجئة يأخذون بطرف من النصوص ويهملون الطرف الآخر الذي يفسرها ويوضحها ويبينها؛ فهم يزعمون أن النار حرمت على كل من قال: لا إله إلا الله، ولا يمكن أن يدخل النار أبداً، وهم بالتالي يؤولون كل ما خالف هذا الاعتقاد من النصوص، فذكرنا في رد الإمام أبي بكر بن خزيمة رحمه الله تعالى على هؤلاء حينما ذكر بعض أدلتهم مثل: قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان)، ومثل: قوله صلى الله عليه وسلم: (من مات وهو يشهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة)، إلى غير ذلك من النصوص، فقلنا: إن هذه النصوص ليست على إطلاقها، بل لابد من تقييدها وفهمها في ضوء جملة أخرى من النصوص، فمثل هذه النصوص إنما تأتي في فضيلة عمل معين من الأعمال الصالحة فقط، لكن لا تعني أن كل الإيمان هو ما ورد في هذا الحديث، فلا يجوز أن تقول: إن من قال: لا إله إلا الله. قد أتى بكل الإيمان، فهذه النصوص إنما هي في فضائل هذه الأعمال، وليست هي جميع الإيمان، بدليل أنه لا يخالف أحد أبداً في أن من قال: لا إله إلا الله ثم ضم إليها شهادة أن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، ثم هو في نفس الوقت مع أنه قال لا إله إلا الله محمد رسول الله، لكنه لم يؤمن بأي واحد من الأنبياء، فلم يشهد بعيسى ولا بموسى ولا بنوح ولا بهود ولا بغير ذلك من الأنبياء الذين يشهد لهم بالنبوة والرسالة، فهل يكون مسلماً مؤمناً؟! وهل يحرم على النار أم أنه يكفر بذلك؟! لاشك أنه يكفر بذلك؛ لأن الإيمان عبارة عن حقيقة مركبة من أجزاء لا تنفك ولا ينفصل بعضها عن بعض أبداً بأي حال من الأحوال، فالتكذيب بنبي واحد تكذيب بجميع الأنبياء، ولذلك يقول تبارك وتعالى: كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ [الشعراء:123]، ومع أن الذي أرسل إليهم كان رسولاً واحداً، لكن التكذيب برسول واحد هو تكذيب بجميع رسل الله عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام. فلا يمكن أبداً ولا يوجد أبداً في علماء المسلمين من يقول: إن من قال: لا إله إلا الله حرم على النار، أو دخل الجنة، حتى ولو لم يشهد بالنبوة وبالرسالة، أو قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وكذب بالجنة أو النار أو البعث والنشور، هل يعد مؤمناً مسلماً أم أنه يكفر بذلك؟ كلا لا ينطبق عليه هذا الحديث، فإذا صح أن يستدل بمثل هذه الأحاديث في فضيلة كلمة التوحيد صح بالتالي أن يحتج جاهل معاند بحديث: (من علم أن الصلاة عليه حق واجب دخل الجنة) إذا صح هذا الحديث جاز أن يدعي جاهل آخر بأن كل الإيمان هو أن تؤمن وتصدق أو تعلم بأن الصلاة عليك حق واجب، وتكون مؤمناً بمجرد ذلك وإن لم تقر بلسانك ولم تصدق بقلبك بشيء مما أمر الله بالتصديق به، وأنك إذا علمت أن الصلاة حق واجب فأنت تدخل الجنة حتى لو أتيت جميع المحرمات وعطلت جميع الواجبات. وبالتالي أيضاً يمكن أن يأتي جاهل ثالث فيستدل بمثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها حرمه الله على النار)، يعني: صلاة الصبح وصلاة العصر؛ فإن فعل هاتين الصلاتين فقط توجب دخول الجنة، حتى ولو لم يأت الإنسان بأي شيء من المأمورات ولم يجتنب شيئاً من المنهيات. هذه الأحاديث وأمثالها إنما هي في فضيلة هذا العمل، ولا يمكن أن يفهم منها أن جميع الإيمان هو أن تأتي بما ورد في مثل هذه النصوص. فحقاً لا إله إلا الله كلمة النجاة وكلمة التوحيد، لكن للا إله إلا الله لوازم ومقتضيات وشروط قُيد دخول الجنة باستيفائها. أنت حينما تقدم أوراقاً لأي جهة رسمية، فهناك أوراق أساسية تطلب منك، وإذا قصرت في تقديم إحدى هذه الأوراق المطلوبة يقال لك: مطلوب منك استيفاء باقي الأوراق، فكذلك للا إله إلا الله شروط ومقتضيات ولوازم لابد من الإتيان بها، وإذا كانت لا إله إلا الله هي مفتاح الجنة، لكن كل مفتاح له أسنان، فإن أتيت بمفتاح له أسنان فتح لك وإلا لم يفتح لك، والأسنان هي الأعمال ومقتضيات هذا الإيمان. فكل ما ورد في فضيلة لا إله إلا الله لا يفهم منه أن كل الإيمان أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإلا فعلى هذه الطريقة المعوجة في فهم النصوص يمكن أن يأتي إنسان جاهل فيقول: إن كل الإيمان هو أن تقاتل في سبيل الله فواق ناقة، وهو الوقت ما بين حلبة وأخرى للناقة، وقت يسير جداً ويستدل بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من قاتل في سبيل الله فواق ناقة وجبت له الجنة)، فهل كل الإيمان أن تقاتل في سبيل الله هذه الفترة القصيرة من الزمن؟ أو هل كل الإيمان أن تغبر قدماك في سبيل الله، وتستدل بقوله صلى الله عليه وسلم: (من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار)؟ هل يكون الإنسان مؤمناً كامل الإيمان فقط بأن تغبر قدماه في سبيل الله حتى ولو عطل كل الأوامر؛ فما صلى ولا صام ولا زكى وشرب الخمر وفعل الفواحش وسرق.. إلى آخر هذه المحرمات؛ ولأنه اغبرت قدماه في سبيل الله دخل الجنة وحرم على النار؟ كلا. أو هل كل الإيمان أن يعتق الإنسان رقبة مؤمنة حتى ينجو؛ ويستدل على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: (من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل عضو منه عضواً من النار) ؟ هذا فقط يستدل به على فضيلة عتق الرقبة، لكن لا يقال: هذا هو كل الإيمان. كذلك أيضاً هل كل الإيمان أن يبكي الإنسان من خشية الله، ويستدل على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل النار من بكى من خشية الله تعالى) ؟ كلا، هذه في فضيلة البكاء من خشية الله، وليس معنى الحديث أن كل الإيمان أن تأتي بهذا العمل. أو هل كل الإيمان أن تصوم يوماً تطوعاً في سبيل الله، وتستدل على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: (من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً)؟ كلا، هذا إنما هو في فضيلة هذا العمل الصالح، وليس معنى ذلك أن كل الإيمان الإتيان بهذه الشعب من الأعمال الصالحة.
بعد أن استعرض الإمام ابن خزيمة رحمه الله تعالى هذه الجملة من النصوص لإبطال مذهب المرجئة شرع في بيان ما تشبث به الخوارج والمعتزلة الذين قالوا: إن من فعل أي معصية يدخل النار ولا يخرج منها؛ لأنه يكفر بالمعصية حتى لو بالذنب دون الشرك ودون الكفر، والله تبارك وتعالى بين أن هناك من الذنوب ما هو شرك وما هو دون الشرك، فقال: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، فهم يعدون أن كل من أتى ذنباً حتى لو كان من الذنوب غير المكفرة، فإنه إذا دخل النار -بناء على النصوص التي تثبت أن المعاصي تستوجب النار- لا يخرج منها، ومن ثم كذبوا بأحاديث الشفاعة؛ لأنها تبطل مذهبهم بالكلية، وإلا فهل يجوز أن يقال: أخرجوا من النار من ليس فيها؟ أو أن يقال: يخرج من النار من ليس في النار؟ كلا. فلأن أحاديث الشفاعة تبطل مذهبهم الباطل، ومنها: قول النبي عليه الصلاة والسلام: (شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي)؟ فلذلك كذبوا بها حتى لا تزعجهم ولا تقلقهم.
عقيدة الخوارج والمعتزلة في مرتكب الكبيرة
بيان معاني نصوص الوعيد التي يستدل بها المعتزلة والخوارج
كلام ابن خزيمة في معنى أحاديث الوعيد
درجات الجنة وتعددها
ساق بإسناده إلى أنس بن مالك رضي الله عنه: أن الربيع أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! أنبأني عن حارثة أصيب يوم بدر، فإن كان في الجنة صبرت واحتسبت، وإن كان غير ذلك اجتهدت في البكاء، فقال: (يا أم حارثة )، هذه ولدها قتل شهيداً رضي الله عنهما، فأتت النبي عليه الصلاة والسلام تقول له: يا رسول الله! أخبرني عن حارثة أصيب يوم بدر؛ فإن كان في الجنة صبرت واحتسبت، ويكون لها في ذلك عزاء، وإن كان غير ذلك اجتهدت في البكاء، فقال عليه الصلاة والسلام: (يا أم
قال أبو بكر : قد أمليت أكثر طرق هذا الخبر في كتاب الجهاد، وقد أمليت في كتاب ذكر نعيم الجنة: ذكر درجات الجنة وبُعد ما بين الدرجتين، منها: إخبار النبي صلى الله عليه وسلم أن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف كما ترون الكوكب الدري في أفق من آفاق السماء لتفاضل ما بينهما. هذه مرتبة أعلى بكثير، فهم يتراءون وينظرون إلى منازلهم وهم في الجنة كما تنظرون أنتم وأنتم في الأرض إلى الكوكب الدري الغابر في أفق من آفاق السماء، كم يكون بعيداً عنكم، فهذا تفاضل ما بين أهل الغرف وأصحاب الغرفات، وبين أناس في عموم أهل الجنة يتراءون هؤلاء الذين شرفهم الله بهذه المنزلة، فهذا يدل على أن الجنة نفسها درجات، كما قال تعالى: هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ [آل عمران:163]، فدرجات الجنة تذهب علواً ودركات النار تذهب سفلاًً.
وأيضاً يقول صلى الله عليه وسلم لما حكى هذا الحديث وأخبرهم: (أن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف كما ترون الكوكب الدري في أفق من آفاق السماء؛ لتفاضل ما بينهم، فقال بعض الصحابة رضي الله عنهم: تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم. قال: بلى، رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين)، يعني: هذه المنزلة قد يبلغها أناس ليسوا من الأنبياء ولا من المرسلين بل هم رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين.
يقول: وأمليت أخبار النبي صلى الله عليه وسلم بين كل درجتين من درج الجنة مسيرة مائة عام. بين كل درجتين مسيرة تقطع في مائة سنة.
فمعنى هذه الأخبار التي فيها ذكر أن من يرتكب بعض الذنوب لا يدخل الجنة معناها: لا يدخل العالي من الجنان التي هي دار المتقين الذين لم يرتكبوا تلك الذنوب والحوبات والخطايا.
ثم قال: وقد يجوز أن يقال: إن قوله صلى الله عليه وسلم: من فعل كذا وكذا لم يدخل الجنة. يريد لم يدخل الجنة التي يدخلها من لم يرتكب هذه الحوبة؛ لأنه يحبس عن دخول الجنة إما للمحاسبة على الذنب، أو لإدخاله النار ليعذب بقدر ذلك الذنب، إن كان ذلك الذنب مما يستوجب به المرتكب العقاب، إن لم يسمح الله ويصفح ويتكرم فيغفر ذلك الذنب. يعني: يدخل الجنة مع أول الداخلين لكن يحبس حتى يقتص منه، أو إذا كان الذنب يستوجب النار يدخل النار فترة حتى يتطهر، ثم يدخل الجنة إن كان مات على التوحيد، فهذه الأخبار إذا لم تحمل على هذه المعاني كانت على وجه التهاتر والتكاذب، وعلى العلماء أن يتأولوا أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم، على ما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إذا حدثتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فظنوا به الذي هو أهناه وأهداه وأتقاه. يعني: ظنوا بكلام رسول الله عليه الصلاة والسلام أحسن وأهدى الظن، وأهدى الفهم وأتقاه لله وأهناه، ثم ساق بإسناده عن علي رضي الله تبارك وتعالى عنه هذا الأثر فذكره.
فخلاف هذا المسلك الذي سلكه العلماء هو مسلك القاصرين الجهلاء الذين ينظرون بعين واحدة هي عين الرجاء، أو عين التخويف والوعيد والتهديد دون أن يجمعوا بين النصوص بهذا الجمع.
ثناء حافظ حكمي على طريقة ابن خزيمة
يقول الشيخ حافظ حكمي بعدما سرد هذا الكلام: انتهى كلامه باختصار، وهذا كلام متين من إمام متضلع من معاني الكتاب والسنة، ذي خبرة وعلم لمواردها ومصادرها.
وقوله رحمه الله تعالى: وعلى العلماء أن يتأولوا أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يعن رحمه الله التأويل الفاسد الذي اصطلح عليه المتكلمون المتأخرون من صرف النصوص عن معانيها إلى الاحتمالات البعيدة. هذا هو التأويل الفاسد، الذي هضموا به معاني النصوص بما اقتضته عقولهم السخيفة، وليس ذلك من طريقته -أي: ابن خزيمة - ولا من شأنه رحمه الله، وإنما عنى ما أشار إليه في غير موضع من كتبه من حمل المجمل على المفسر، والمختصر على المتقصي، والمطلق على المقيد، والعموم على الخصوص.. وما أشبه ذلك من التأليف بين النصوص ومدلولاتها؛ لئلا تكون متناقضة يرد بعضها معنى بعض، لأن هذا التناقض مما ينزه عنه كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا [النساء:82]، فهذه طريقة جميع أئمة المسلمين من علماء التفسير والحديث والفقه في أصول الدين وفروعه رحمهم الله تعالى ورضي عنهم.
الجمع بين عفو الله وعقابه لمن رجحت كفة سيئاته
يقول الإمام رحمه الله تعالى الإمام ابن خزيمة : باب ذكر أخبار رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم ثابتة من جهة النقل جهل معناها فرقتان: فرقة المعتزلة والخوارج، احتجوا بها وادعوا أن مرتكب الكبيرة إذا مات قبل التوبة منها مخلد في النار محرم عليه الجنان. الكلام بالنسبة للخوارج فيمن فعل الكبيرة ولم يتب منها، هم يقولون: إذا فعل المعاصي فقد كفر وارتد وعاد إلى الإسلام بالتوبة، فبالتالي لا يختلفون في أن من تاب فهو ناج بغض النظر عن تكييف هذه التوبة، أما أهل السنة والجماعة فيعتقدون: أن من تاب إلى الله توبة صحيحة تاب الله عليه، حتى ولو من أكبر الذنوب وهو الشرك بالله تبارك وتعالى، فباب التوبة مفتوح له ولا يغلق أبداً حتى تطلع الشمس من المغرب، أو قبل الغرغرة في حق عمر الإنسان، فليست القضية معهم في شأن الذي تاب؛ لأن الذي تاب توبته مقبولة، وهو ناج إن شاء الله؛ ما دامت التوبة صحيحة مستوفية لشروطها، لكن أهل السنة يعتقدون أن إيمانه ينقص بهذه المعصية، والخوارج يعتقدون أن إيمانه يحبط تماماً، وأنه إذا تاب يعود إلى الإسلام من جديد، حتى وصل الأمر أنهم كفروا الأنبياء، بعض الخوارج الجدد يعتقدون بتكفير بعض الأنبياء، فلما كنا نستدل عليهم في بعض المناقشات ببعض النصوص ونعتقد أنها سوف تفحمهم، ونقول لهم قال آدم عليه السلام: رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا [الأعراف:23]، وقال يونس عليه السلام: (لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء:87] قالوا: إن يونس كفر ثم عاد إلى الإسلام بالتوبة والعياذ بالله، فتجرءوا حتى على مقامات الأنبياء، بل حتى على خاتم الأنبياء وسيدهم عليه الصلاة والسلام، فالعياذ بالله من هؤلاء الهالكين الجهال الضالين، وذلك تبعاً لانحرافهم في تفسير قوله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ [التحريم:1]. فالمقصود أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحرمه، وإنما أخذ على نفسه أن يجتنب العسل؛ لما يصدر عنه من رائحة اشتكت منها بعض أزواجه. هذه قضية أخرى، ولم يكن تحريماً لما أحل الله. على أي الأحوال وصل بهم الجهل إلى هذا الحد من العدوان والظلم والبهتان، فادعى الخوارج والمعتزلة أن مرتكب الكبيرة إذا مات قبل التوبة منها فهو مخلد في النار محرم عليه الجنان. أما المرجئة فقد كفرت بهذه الأخبار وأنكرتها ودفعتها، جهلاً منها بمعانيها.