أرشيف المقالات

ويحذركم الله نفسه

مدة قراءة المادة : 28 دقائق .
بسم الله الرحمن الرحيم

العلم بصفات الجلال من خلال آثار هذه الصفات في الخلق:

العلم بصفات الله سبحانه وتعالى يكون من خلال العلم بمعاني أسمائه ولا يتحقق هذا العلم إلاّ من خلال معرفة هذه الصفات في الخلق والنّاس، فإذا علمنا أنّ الله سبحانه وتعالى هو الخلاق فإنّ هذا المعنى لا يتضح إلاّ بالعلم بمخلوقات الله وإذا علمنا أنّ الله هو الرحمن الرحيم فإنّ المعرفة الحقيقية بمعاني رحمة الله لا تتأتى إلاّ بمعرفة آثار هذه الرحمة في الخلق والنّاس والدنيا والآخرة، وهكذا إذا علمنا أنّ الله شديد العقاب، يؤاخذ بالذنب، ويعاقب به فلن نعلم حقيقة هذه الصفة إلاّ إذا عرفنا آثارها في الخلق والنّاس.

الله سبحانه وتعالى هو الرب الرحمن الرحيم، الحليم الكريم المنان، الرؤوف، السميع العليم، الغفور الودود، ذو المن والإحسان، والذي وسع كل شيء رحمة وعلماً.

وهو نفسه سبحانه الملك القهار الغالب، الجبار المتكبر الذي يؤاخذ بالذنب، شديد العقاب ذي الطول لا إله إلاّ هو العزيز الحكيم.

وإذا قرأت القرآن الكريم وجدت أنّ الله سبحانه وتعالى لا يذكر رحمته إلاّ وذكر صفات عذابه ونقمته.

وأنّه يذكر عباده دائماً أنّه الرحمن الرحيم، وأنّ عذابه هو العذاب الأليم.

قال تعالى: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَ أَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ} [سور الحجر: 49-50].

وقال تعالى: {حم (1) تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [سورة غافر: 1-3].

فذكر عباده في مطلع هذه السورة (سورة غافر) أنّه الله العزيز العليم، وأنّه غافر الذنب، وهذا من صفات رحمته وإحسانه وبره بعباده المؤمنين التائبين، وأنّه سبحانه شديد العقاب، وهذا في عباده الظالمين الكافرين الفاسقين..

وأنّه سبحانه ذو الطول الغني عمّا سواه، الذي له الملك كله، وله الأمر كله..

وقال تعالى في ختام سورة الرحمن التي خاطب الله فيها الإنس والجان، ودعاهم إلى الإيمان به، وبين لهم أنّه مندوحة لأحد منهم عن الإيمان به والإذعان له، وأنه أحداً منهم لن يخرج من قبضته وملكه وقهره، ثم ذكرهم سبحانه وتعالى بكيفية عقوبته على الذنب فقال: {فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاء فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ{37} فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (38) فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلَا جَانٌّ (39) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (40) يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ (41) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ{42} هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43) يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (44) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [سورة الرحمن: 37-45].

ثم بين سبحانه وتعالى في وصف طويل كيفية إنعامه وإكرامه وإحسانه إلى عباده المؤمنين فقال: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (47) ذَوَاتَا أَفْنَانٍ (48) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (49) فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ (50) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (51) فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ (52) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (53) مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (54) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (55) فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (56) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (57) كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ (58) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (59)هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [سورة الرحمن: 46-59] ثم بين سبحانه نعيماً دون هذا النعيم لعباده المؤمنين.

ثم ختم ذلك سبحانه وتعالى بقوله: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [سورة الرحمن: 78]، فختم هذه السورة العظيمة ببيان أنّه الرب الإله المتصف بصفات الجلال، وهي صفات العظمة والكبرياء، والقهر والبطش، وصفات الإكرام وهي أنّه الرب الرحمن الرحيم الرؤوف الكريم ، ومن أجل ذلك نال أهل معصيته ما نالوا من النّار والخسار والدمار، ونال أهل طاعته ما نالوا من الجنّة والنعيم والرضوان والإكرام..

وفي سورة النجم يعلم الله سبحانه وتعالى بصفات جلاله وجماله، ورحمته وعظمته وكبريائه، مذكراً أنّ هذه الصفة مع هذه الصفة، وأنّه الرحمن والجبار والرحيم وشديد العقاب، وأنّه الغفور وشديد العقاب..

قال تعالى: {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى (42) وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (43) وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (44) وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى (45) مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (46) وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى (47) وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى (48) وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى (49) وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الْأُولَى (50) وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى (51) وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى (52) وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (53) فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى (54) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكَ تَتَمَارَى (55) هَذَا نَذِيرٌ مِّنَ النُّذُرِ الْأُولَى (56) أَزِفَتْ الْآزِفَةُ (57) لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ (58) أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (60) وَأَنتُمْ سَامِدُونَ (61 فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} [سورة النجم: 42-62].

فهو الذي أضحك أهل الجنّة عندما رحمهم ومن عليهم، وأبكى أهل النّار بكاء لا انقطاع له بكفرهم وعنادهم، وهو الذي أحيا بالإيمان من شاء، وأمات بالكفر من أراد، وهو الذي أهلك الظالمين وأنزل بهم بأسه الذي لا يرد {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الْأُولَى (50) وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى} [سورة النجم: 50-52](أحداً منهم يمشي الأرض)، وقال تعالى: {فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ} [سورة الحاقة: 8]، {وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى (52) وَالْمُؤْتَفِكَةَ} [سورة النجم: 52-53]، (قرى لوط في وادي الأردن التي قلبها على أهلها عند الصباح) {إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ}!! [سورةهود: 81] {فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى} [سورة النجم: 54] من المطر الخبيث وهذه آثاره لليوم (البحر الميت)، والحجارة التي حصدتهم عن آخرهم {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِباً إِلَّا آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ} [سورة القمر: 34] {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ (82) مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [سورة هود: 82-83].

قال تعالى: {وَقَوْمَ نُوحٍ} (أي: أهلكناهم) {إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى} أي: من قوم هود، وقوم صالح، وإخوان لوط!! ثم قال تعالى مخاطباً: {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكَ تَتَمَارَى (55) هَذَا نَذِيرٌ مِّنَ النُّذُرِ الْأُولَى}.

جميع أهل الإيمان يخافون عقوبة الله:

اعلم ـ رحمني الله وإيّاك ـ أنّ جميع أهل الإيمان والعلم بالله يخافون الله سبحانه وتعالى، فالملائكة مع شدة خلقهم، وعظيم بنائهم وقوتهم {يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [سورة النحل: 50] وهم كما وصفهم ربهم سبحانه وتعالى: {لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ}!! [سورة الأنبياء: 27-28].

وأهل الإيمان جميعاً من الإنس والجن يخافون ربّهم سبحانه وتعالى وكلما ازدادت معرفتهم وعلمهم بالله كلما ازدادوا منه خوفاً وله سبحانه وتعالى خشية، وذلك أنّه سبحانه وتعالى يعاقب بالذنب، ويؤاخذ به، وأنّ من عصاه فقد تعرض لسخطه وعقوبته.

ذنوب لا يغفرها الله لأحد من خلقه:

وثمة ذنوب لا يغفرها الله سبحانه وتعالى لأحد من خلقه ولو كان أعظم الطائعين وأقرب المقربين..
فالشرك به لا يغفره الله لأحد من خلقه مهما كان، لا لملائكته ولا لرسله ولا لأوليائه.
قال تعالى عن الملائكة: {وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} [سورة الأنبياء: 29].

وقال تعالى في شأن الرسل: {وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [سورة الأنعام: من الآية 88].
وقال تعالى لأشرف رسله وأكرم خلقه من البشر: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ} [سورة الزمر: 65-66].

ومن المعاصي التي لا يغفرها الله لأحد من خلقه قط: الكذب عليه سبحانه وتعالى، وترك أمره كبراً وتعالياً.
قال تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ} [سورة الزمر: 32].

وقال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} [سورة الأنعام: 93].

وقال تعالى في شأن أشرف خلقه وأعظم رسله: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} [سورة الحاقة: 44-47].

المؤاخذة بصغار الذنوب وكبارها:

وكل من عصى الله سبحانه وتعالى فهو معرض للعقوبة والمآخذة مهما كانت قدمه في الخدمه، وسابقته في الفضل ما لم يغفر الله سبحانه وتعالى له.. فإنّ الرب هو الإله العظيم الكبير، ومعصيته شيء عظيم مهما كانت هذه المعصية..
لقد عصى آدم الذي خلقه الله بيديه، وأسجد له ملائكته وعلمه أسماء كل شيء، فلما عصى آدم ربه تعرض للمساءلة، ولو أنّه لم يتب ولم يستغفر لحلت به العقوبة.
قال تعالى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [سورة البقرة: 37].

وقد علم آدم عندما عصى الله أثر المعصية وجزاءها فقال مناشداً ربّه الصفح عنه وعن زوجه {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [سورة الأعراف: من الآية 23].

وكل رسول من رسل الله بدرت منه بادرة خلاف الأولى يظل خائفاً منها من يومه ذاك إلى يوم القيامة..

يقول آدم في حديث الشفاعة: «إنّ ربّي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله، ولن يغضب بعده مثله قط وإنّي عصيت ربّي فأكلت من الشجرة اذهبوا إلى غيري!! نفسي نفسي نفسي!!».

ويقول نوح: «إنّ ربّي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنّي عصيت ربي، فدعوت على قومي.
نفسي نفسي نفسي»
.

ويقول إبراهيم عليه السلام وهو خليل الرحمن: «إنّ ربّي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنّي قد عصيت ربّي فكذبت ثلاث كذبات.
نفسي نفسي نفسي!!»
.

ويقول موسى عليه السلام ـ نفس مقالة الرسل قبله ـ: «إنّ ربّي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنّي عصيت ربّي، فقتلت نفساً لم أومر بقتلها، اذهبوا إلى غيري.
نفسي نفسي نفسي»
.

وقد كان من فضل سبحانه وتعالى على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الرسل، وسيد المرسلين أنّ الله خصه بأن غفر له ذنبه في الدنيا وهو حي ما تقدم منه وما تأخر.

وعصاة المؤمنين بكبائر الذنوب ـ دون الكفر والشرك والإباء والعناد والتعالي على الله ـ معرضون للعقوبة وهم تحت المشيئة الإلهية من شاء الله عذبه ومن شاء رحمه.

والعقوبة على الكبائر شيء عظيم جداً فإنّ من ترك الزكاة من أهل الإيمان يعذب على تركها خمسين ألف سنة، يحمى له ذهبه وفضته التي كنزها ثم تصفح صفائح يكوى بها جبينه وجنباه وظهره في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ثم يحاسب بعد ذلك: إمّا إلى الجنّة، وإمّا إلى النّار، وصاحب الإبل التي لا يؤدي زكاتها يبطح لها يوم القيامة بقاع قرقر ثم يؤتى بها جميعها لا يترك منها فصيل: تعضه بأنيابها، وتطؤه بأخفافها كلما مر عليه أخراها رد عليه أولاها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة قبل أن يرى مصيره إلى الجنّة أو إلى النّار.

هذا في مانع الزكاة فقط وإن كانت له كبائر أخرى فقد يجتمع عليه عقاب هذا وهذا.

ومن عصاة المؤمنين من يمكث في النّار من شاء الله أن يمكث ولا يخرجون منها إلاّ حمماً سوداء يعاد بناؤهم من جديد ليسكنوا الجنّة في نهاية المطاف.

ومن عصاة المؤمنين من يعذب في قبره في صغير أو كبير ما شاء الله أن يعذب.

والحساب عند الله سبحانه وتعالى على كبير الذنب وصغيره.

وكما أنّ الثواب على عظيم الطاعة كالجهاد في سبيل الله والشهادة وقليل الطاعة كإطعام لقمة، والتصدق بدرهم، وسقي كلب شربة ماء «وفي كل كبد رطبة أجر».

قال تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [سورة الزلزلة: 7-8].

{وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [سورة الكهف: من الآية 49].

عذاب الله للكافرين:

وأمّا أعداء الله من الكافرين والمعاندين فإنّ عقاب الله سبحانه وتعالى لهم شيء عظيم كبير..
وإنزال الله سبحانه وتعالى عقوبته بالكافرين والمنافقين من آثار صفات جلاله وعظمته وكبريائه فإنّه سبحانه وتعالى هو القهار الجبار شديد العقاب، ذي الطول.

فأول أعداء الله هو إبليس اللعين، طريد الرحمة، الرجيم، وقد كان ما ناله من سخط الله وعذابه عقوبة على تكبره وتعاليه عن أمر خالقه وإلهه سبحانه وتعالى فلما تكبر عن طاعة ربه جل وعلا جاءه الأمر الإلهي: {قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ} [سورة الحجر: 34-35].

ثم كان مصير ومآل كل من اتبع هذا الشيطان الرجيم أن يناله ما ناله من اللعن والطرد والإبعاد: {قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُوماً مَّدْحُوراً لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ} [سورة الأعراف: 18].

فلما أطاعه أحد ولدي آدم في قتل أخيه كان مآله أن يتحمل إثم نفسه، وإثم كل من اتبعه في قتل مسلم ظلماً وعدواناً .
قال صلى الله عليه وسلم: «لا تقتل نفس ظلما إلاّ كان على ابن آدم الأول كفل من دمها، وذلك أنّه أول من سن القتل».

ولما عصى قوم نوح ربّهم، وأصروا على كفرهم وعنادهم وشركهم وعباده آلهة مفتراه لم يإذن الله لهم في عبادتها: {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلَا سُوَاعاً وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً} [سورة نوح: 23].

فلما أصروا على الكفر والشرك كان مآلهم كما قص الله علينا {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَاراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَاراً} [سورة نوح: 25].

ولمّا تبعهم في الكفر عاد قوم هود أهلكهم الله بالريح العقيم وجعل إهلاكهم آية لمن بعدهم، وجاءت ثمود فصنعوا مثل ما صنع من سبقهم من أهل الكفر والعناد، فكان مآلهم كمآلهم.

قال تعالى: {فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [سورة العنكبوت: 40]].

وقال تعالى في سورة هود بعد ذكره سبحانه لإهلاك الظالمين: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (96) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُواْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97) يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98) وَأُتْبِعُواْ فِي هَـذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (99) ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ (100) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـكِن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ مِن شَيْءٍ لِّمَّا جَاء أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (101) وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [سورة هود: 96-102].

ومن قرأ القرآن كله رأى أنّ عامة قصصه في ذكر مصارع الغابرين وما فعله سبحانه بالمكذبين والكافرين من العقوبة والنكال والدمار وأنّه سبحانه وتعالى اتبع بعضهم بعضاً في الهلاك.
قال تعالى: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَاء أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضاً وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْداً لِّقَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ} [سورة المؤمنون: 44].

هذا مع إخباره سبحانه وتعالى أنّ له الحمد في الأولى والآخرة على إهلاك الظالمين، وتطهير الأرض منهم، {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [سورة الأنعام: 45].

وأنّ هؤلاء المكذبين الضالين ليس هناك من بكى عليهم ولا ذرف دمعة من أجلهم {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ} [سورة الدخان: 29].

وقد قال صالح وهو يرى قومه يهلكون: {قَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ} [سورة الأعراف: من الآية 79].

وقال شعيب وهو يرى عذاب الله يحل بقومه: {يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ} [سورة الأعراف: من الآية 93].

وأمّا الرب القدير سبحانه وتعالى فإنّه أهلكهم ولا يخاف أن يسائله أحد، فإنّه الإله المتفرد الذي لا إله غير ولا رب سواه..
قال تعالى عن قوم صالح: {فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14) وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا} [سورة الشمس: 14-15].

والقرآن في معظمه كتاب نذارة وتحذير من عقاب الله جل وعلا مع كونه كذلك كتاب بشارة.
قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً} [سورة طه: 113].

وقال تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا (1) قَيِّماً لِّيُنذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً} [سورة الكهف: 1-2].

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ{1} يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [سورة الحج: 1-2].

أهوال النّار والقيامة تنبئك بصفات الله سبحانه وتعالى:

ومن أراد أن يعلم صفات الجلال من الرب العظيم على الحقيقة فليقرأ ما أنزل الله من أوصاف العذاب والنكال وأهوال يوم القيامة، وما خلقه الله وأعده لأعدائه من النكال والعذاب والآلام والخزي والندامة، وليتفكر في هذا وليتعظ، وسيعلم أنّ من خلق هذا كله وأعده ليعاقب به أعداءه إله قوي قاهر جبار شديد العقاب، أخذه أليم شديد.

قال تعالى: {فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقاً} [سورة الكهف: من الآية 29].

وقال تعالى: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَا وَأَغْلَالاً وَسَعِيراً} [سورة الإنسان: 4].

وقال تعالى: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (47) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ} [سورة القمر: 47-48].

وقال تعالى: {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً (21) لِلْطَّاغِينَ مَآباً (22) لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً (23) لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلَا شَرَاباً (24) إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً (25) جَزَاء وِفَاقاً (26) إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَاباً (27) وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّاباً (28) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً (29) فَذُوقُوا فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَاباً} [سورة النبأ: 22-30].

وقال تعالى: {فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاء فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (38) فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلَا جَانٌّ (39) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (40) يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ(41) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (42) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43) يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} [سورة الرحمن: 37-44].

وقال تعالى: {فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ} [سورة الفجر: 25-26].
أي لا يعذب أحد أعداءه كما يعذب الله أعداءه، ولا يوثق أحد أعداءه كما يوثق الله أعداءه.

وقال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ (26) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ (29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ (32) إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (35) وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36) لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِؤُونَ} [سورة الحاقة: 25-37].

من أجل هذا يخاف المؤمنون ربّهم سبحانه وتعالى:

ولما علم العباد المؤمنون أنّ ربّهم سبحانه وتعالى شديد العقاب يأخذ الذنب، ويعاقب بالذنب، وأنّ عذابه ليس كعذاب المخلوقين، إن المخلوق الذي يقدر على غيره لا يملك أن يعذبه إلاّ إلى قبض روحه، وأمّا الرب سبحانه وتعالى فإنّه كتب الخلود أبداً في العذاب لأعدائه في أشد ما يعذب به المخلوق وهو النّار: {إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيى} [سورة طه: 74].

لما علم المؤمنين أنّ ربّهم يؤاخذ بالذنب، ويعاقب العقاب الأليم خافوه أشد الخوف، وباتوا ليلهم وظلوا نهارهم على وجل عظيم وخوف كبير.

وحق لهم ذلك فإنّ الله سبحانه وتعالى {هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} [سورة المدثر: 56].

وتحذير الله عباده من عقوبته لا يختص بالكافرين، بل والمؤمنين لو خالفوا أمره كما قال تبارك وتعالى مخاطباً عباده المؤمنين أن يعصوه ويوالوا أعداءه من الكافرين {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ (28) قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29) يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ} [سورة آل عمران: 28-30].

ومعنى {يُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ} أي يحذركم من نفسه من عقابه وسخطه إذا خالفتم أمره سبحانه وتعالى.









شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير