خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/337"> الشيخ الدكتور محمد إسماعيل المقدم . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/337?sub=60531"> سلسلة الإيمان والكفر
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
الإيمان والكفر [9]
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتد، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، ثم أما بعد:
فما زلنا في استعراض المباحث الستة المتعلقة بمسائل الإيمان والكفر، وأنهينا الكلام فيما سبق على فاسق أهل القبلة، وأن الفاسق من أهل القبلة مؤمن ناقص الإيمان، أو هو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، فلا يعطى الاسم المطلق، ولا يسلب مطلق الاسم، فينفى عنه الإيمان بالكلية، وإنما يقال: مؤمن ناقص الإيمان، أو مؤمن بإيمانه وما معه من التصديق، فاسق بكبيرته ومعصيته، وذكرنا أمثلة كثيرة على أن الكفر والفسوق والعصيان والظلم والنفاق والشرك والجهل منه ما يخرج من الملة ومنه ما هو دون ذلك، فهناك كفران: كفر أكبر يخرج من الملة، وكفر دون كفر ، وكذلك النفاق والشرك وغير ذلك.
والاعتقاد بعقائد الفرق المخالفة لأهل السنة والجماعة شذوذ عن أهل السنة والجماعة في عقائدهم، وهذا من أكبر الضلال الذي يستوجب فساد العقيدة، وبالتالي دخول النار.
فقد روى أبو داود والدارمي والإمام أحمد والحاكم وغيرهم عن أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما أنه قال: (ألا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فينا فقال: ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة وأن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين؛ ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة) قال الحاكم بعد أن ساق أسانيده: هذه الأسانيد تقام بها الحجة. وصحح بها الحديث، ووافقه الذهبي ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : وهو حديث صحيح مشهور، وصححه الشاطبي في الاعتصام وغيره من العلماء.
إلا أن الشيخ صديق حسن خان في كتابه: يقظة أولي الاعتبار. ذهب إلى أن هذه الزيادة في آخر الحديث: (( كلها في النار إلا واحدة)، قال: هذه زيادة ضعيفة، ونقل تضعيف هذه الزيادة عن شيخ شيوخه الشوكاني ، ومن قبلة ابن الوزير ، ومن قبله أيضاً ابن حزم ، واستحسن قول من قال: إن هذا الزيادة من دسيس الملاحدة؛ فإن فيها التنفير عن الإسلام، والتخويف من الدخول فيه، وهذا غير صحيح من الناحية الحديثية، فالنقد العلمي الحديثي -كما قال بذلك الجهابذة المحققون- دل على صحة هذه الزياد (كلها في النار إلا واحدة)، فلا عبرة بقول من ضعفها إذا كان ليس من أهل العلم الراسخين في علم الحديث، كما قال الإمام الحافظ العراقي رحمه الله في ألفيته:
ولا تعن به - أي: العلم الحديث - ولا تأخذ بالظن ولا تقلد غير أهل الفن
فينبغي للحكم بالتصحيح والتضعيف أن يتحرى اتباع أهل فن وعلم الحديث الخبراء فيه، وإلا يكون غير ممتثل تلك البيعة التي بايع عليها الصحابة رضي الله عنهم النبي عليه الصلاة والسلام: (وعلى أثرة علينا، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله)، فيترك الأمر لأهله أهل الحديث؛ إذ هم الذين يتكلمون، فعلماء الحديث صححوا هذا الحديث، والتقليد الذي أشار إليه الحافظ العراقي ليس هو التقليد المذموم في الفقه الذي هو: أخذ قول الغير بغير دليل في المسائل الفقهية، لكن التقليد هنا من باب قبول شهادة هذا العالم أو الإمام الذي حكم بالتصحيح؛ لأن قول الإمام العراقي أو غيره من الأئمة: هذا الحديث صحيح، يعني: أنه تحرى وتتبع طرق الحديث ورجاله إلى أن حكم عليه بهذه الصحة، المقصود: أن من صحح هذه الزيادة أكثر وأعلم من ابن حزم ، خاصة أنه معروف عند أهل العلم بالتشدد في نقل الأحاديث، فلا ينبغي أن يحتج به إذا تفرد عند عدم المخالفة، فكيف وقد خالفه هؤلاء الأئمة.
أيضاً ابن الوزير يرد هذه الجهة من جهة المعنى لا من جهة الإسناد، قال: إن فيها تنفير عن دخول الإسلام. وهذا يقتضي أن الذي يدخل الجنة من هذه الأمة قليل، بينما النصوص الثابتة الصحيحة تدل على أن الداخلين من هذه الأمة الجنة كثير، وأنهم سيبلغون نصف أهل الجنة، كيف يكون الجواب؟
يجاب عليهم أولاً: بأن الثلاث والسبعين فرقة كلهم من أهل القبلة، ولكن الفرقة الواحدة التي هي أهل الجماعة يدخلون الجنة، ولكن الفرق الاثنين وسبعين لهم نصيب من النار، وسوف يدخلون الجنة.
ثانياً: أنهم لا يخلدون في النار.
ثالثاً: ليس معنى أن الأمة ستنقسم على ثلاثة وسبعين فرقة أن يكون أكثر هذه الأمة في النار؛ لأن أكثر هذه الأمة عوام، لم يدخلوا في تلك الفرق، والذين اخترقوا وقعدوا وأبطلوا مخالفين السنة هم قليلون بالنسبة لمن جالسوا النوابغ كلهم من أهل السنة والجماعة، فعدد الفرق بالنظر إلى مؤسسيها والذين يضعون قواعدها وأصولها قليل؛ فهؤلاء هم الذين يشذون ويستحقون ذلك الوعيد، أما العوام فهم من أهل السنة، وما من شك أنهم الأغلبية في كل عصر وفي كل مصر.
رابعاً: ليس كل من خالف أهل السنة في مسألة من المسائل يعد من الفرق المخالفة للسنة، بل المراد بهؤلاء: الذين يتبنوا أصولاً تصيرهم فرقة مستقلة بنفسها تركوا من أجلها نصوصاً كثيرة من الكتاب والسنة؛ كالخوارج والمعتزلة والرافضة. أما الذين يتبنون الكتاب والسنة ولا يحيدون عنهما، فكونهم يختلفون في مسألة من المسائل أو مسألتين فليسوا بذلك يعدون فرقة من الفرق.
خامساً: هذه الزيادة، وهي: قوله صلى الله عليه وسل (كلها في النار إلا واحدة)، دلت على أن الفرق المخالفة في النار لكنها لم توجب لها الخلود في النار، مع أن بعض هذه الفرق لديها بعض بدع تكفر وتخرج من الملة وتخلد أهلها في النار كغلاة الشيعة الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر كالإسماعيلية والنصيرية والبهائية ونحو ذلك، حتى أنه وجد في مصر من طالبوا بأن يوضع في خانة الديانة في البطاقات الشخصية بدل مسلم يكتب: بهائي، وهذا مما طالب به بعض البهائية منذ زمن.
المقصود: أن أهل هذه الفرق الذين شذوا عن أهل السنة والجماعة لا يستوجبون بذلك في كل الأحوال الخلود في النار.. بل منهم فرق قليلة تخرج من الإسلام بالكلية، وتستوجب الخلود في النار كهذه الفرق، ومنهم من خالف أهل السنة في مسائل عظيمة كبيرة من مسائل أصول الدين، لكنها لا تصل إلى حد الكفر.
فهؤلاء وإن لم يكن لهم وعد مطلق بدخول الجنة لكنهم تحت مشيئة الله تبارك وتعالى إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم، وقد تكون لبعضهم أعمال عظيمة صالحة تنجيهم من النار، وقد يخرجون من النار بشفاعة الشافعين، وقد يدخلون النار ويمكثون فيها ما شاء الله أن يمكثوا، ثم يخرجون بشفاعة الشافعين وبرحمة أرحم الراحمين تبارك وتعالى.
الامتناع عن الهجرة
الجور في الحكم
الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم
من هذه الذنوب الخطيرة: الكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد تواتر عنه صلى الله عليه وآله وسلم قوله: (من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)، هذه من كبائر الذنوب والعياذ بالله، وقال عليه الصلاة والسلام: (إن كذباً علي ليس ككذب على أحد)؛ لأن الكذب على النبي صلى الله عليه وآله سلم يستوجب أن يضاف إلى الشريعة ما ليس منها؛ لأن سنته حجة فمن كذب عليه فقد أضاف إلى الدين ما ليس منه، فأهل السنة يعتبرون هذا من الكبائر المهلكة المستوجبة دخول النار، وإن لم يكفروا صاحبها ويخلدوه في النار خلافاً للخوارج.
الكبر
أيضاً من هذه الذنوب: الكبر، يقول صلى الله عليه وسلم: (يقول الله تعالى: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري؛ فمن نازعني واحداً منهما أدخلته النار)، وفي رواية: (أذقته النار).
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة أحد في قلبه مثقال ذرة من كبر، فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسناً. فقال صلى الله عليه وسلم: إن الله جميل يحب الجمال، الكبر: بطر الحق، وغمط الناس)، رواه مسلم .
قتل النفس التي حرم الله
من هذه الذنوب: قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وهذا الذنب بالذات من الأشياء المختلف في خلود صاحبها في النار، لكن عموم أهل السنة والراجح: أن قاتل النفس ليس مخلداً في النار، بل هو تحت مشيئة الله تبارك وتعالى، يقول الله تبارك وتعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93]، فلا يجوز أبداً قتل النفس التي حرم الله إلا بإحدى ثلاثة أفعال كما جاء في الحديث المتفق عليه من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس -قصاص- والثيب الزاني يرجم والتارك لدينه المفارق للجماعة)، يعني: المرتد المفارق لجماعة المسلمين، ومما يؤسف له تلاعب بعض الجماعات الجاهلة والمبتدعة بمثل هذه النصوص، فيستدلون بهذه النصوص التي وردت بشأن جماعة أهل الإسلام وجماعة المسلمين في حق جماعتهم، فيقول: إن من يخرج عن جماعتهم يستحلون قتلهم، بسبب سوء فهمهم لمثل هذا النص، تقول: ما الدليل على قتل الذي يخرج عن جماعتكم أو ينسل منها كما حصل من جماعة التكفير والهجرة، أو بتعبير أدق: كما كانت تسمي نفسها: جماعة المسلمين، بمعنى: أنهم هم جماعة المسلمين ومن لم يدخل في جماعتهم ويبايع أميرهم فليس من المسلمين، وهو خارج عن الإسلام وكافر، ويجب الانتماء لهذه الجماعة حتى تكون مسلماً، فهذا أيضاً من التلاعب بنصوص الوحي من السنة الشريفة، إنما المقصود بقوله: (التارك لدينه المفارق للجماعة)، ما جاء في الرواية الأخرى: (قتل النفس التي حرم الله، أو زنا بعد إحصان، أو كفر بعد إيمان)، فعبر عن هذا التعبير في نص آخر بقوله هذا. وقال عليه الصلاة والسلام: (لم يزل المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً)، وقال ابن عمر رضي الله عنهما: إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها: سفك الدم الحرام بغير حله. وحذر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يقاتل المسلمين بعضهم بعضاً، وأخبر أن القاتل والمقتول في النار، فعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، فقيل: يا رسول الله! هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصاً على قتل صاحبه)، ولذلك فإن ذلك العبد الصالح ابن آدم أبى أن يقاتل أخاه خشية أن يكون من أهل النار، فباء القاتل بإثمه وإثم أخيه: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة:27] ، لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ [المائدة:28] ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ [المائدة:29] .
أكل الربا
من هذه الذنوب التي تستوجب دخول النار: أكل الربا، يقول الله تبارك وتعالى في حق الذين يأكلونه بعد أن بلغهم تحريم الله إياه: وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:275]، وقال تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران:130] وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [آل عمران:131]، مع أن الخطاب للمؤمنين لكن يذكر بعض العلماء أنها أخوف آية في القرآن؛ لأن الله يخوفهم هذه النار؛ لأنهم أكلوا الربا فلذا هو يخوفهم النار التي خلقت أصلاً للكافرين، وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [آل عمران:131]، ومعروف أن النبي عليه الصلاة والسلام عد آكل الربا من السبع الموبقات، فقال في الحديث: (اجتنوا السبع الموبقات، قالوا: وما هن يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات).
أكل أموال الناس بالباطل
أيضاً من هؤلاء الذين يستوجبون عذاب النار: من يأكلون أموال الناس بالباطل، فهذا من الظلم العظيم الذي يستوجب العقوبة بالنار، يقول تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا [النساء:29] ، وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا [النساء:30]، وما أكثر صور أكل أموال الناس بالباطل في هذا الزمان، كأكل أموال اليتامى ظلماً، وخص الله تبارك وتعالى هذه المعصية بالذكر لضعف اليتامى عن متابعة أموالهم، وسهولة أكل أموالهم ممن لا خلاق له، يقول تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [النساء:10] .
التصوير
الركون إلى الظالمين وموالاتهم
الكاسيات العاريات والذين يجلدون ظهور الناس
من هؤلاء أيضاً: الكاسيات العاريات، والذين يجلدون ظهور الناس، فهذه الأنواع من أهل النار.. هؤلاء النسوة الفاسقات المتبرجات اللواتي يفتن عباد الله، ولا يستقمن على طاعة الله، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (صنفان من أهل النار من أمتي لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رءوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا)، أخرجه مسلم وغيره.
يقول القرطبي في الذين رآهم كأذناب البقر: يبدو أن السياط بهذه الصورة التي نعتاد نحن الآن على معرفتها، وتكون مثل أسياط البقر؛ مدبب من نهايته ورفيع، ثم يكون سميكاً من أعلى ويبدو أنها لم تكن معروفة من قبل فلذلك وصفها لهم النبي عليه الصلاة والسلام على أنها شيء غريب، وبعضهم كان يقول: نحن قد رأيناها وصفتها كذا وكذا، أما نحن الآن فهذا شيء نعتاده من كثرة ما شاع وذاع، يقول القرطبي : وهذه الصفة للسياط مشاهدة عندنا بالمغرب إلى الآن. وقال صديق حسن خان معلقاً على قول القرطبي : بل هو مشاهد في كل زمان ومكان، ويزداد يوماً فيوماً عند الأمراء والأعيان؛ فنعوذ بالله من جميع ما كرهه الله، وهذا معروف في كثير من البلاد؛ إذا مازالت حتى الآن تستعمل هذه السياط في جلد أبشار الناس.
تعذيب الحيوان
من هؤلاء أيضاً: الذين يعذبون الحيوان، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (عرضت علي النار فرأيت فيها امرأة من بني إسرائيل تعذب في هرة لها -في هنا السببية- ربطتها فلم تطعهما ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت جوعاً) ، إذا كان هذا حال من يعذب هرة فكيف بمن يتفنن في تعذيب العباد؟! وكيف أيضاً إذا كان هذا التعذيب ليس للعباد الفاسقين وإنما للصالحين من الشباب والمسلمين بسبب إيمانهم وإسلامهم واستقامتهم على طاعة ربهم؟! فالله المستعان!
الرياء في طلب العلم
أيضاً من هذه الذنوب التي تستوجب دخول النار حتى ولو كان موحداً: عدم الإخلاص في طلب العلم، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله)، يعني: المصيبة أن الذي يتعلم ابتغاء الرياء وابتغاء مدح الناس أو ليماري به العلماء أو يجادل بها السفهاء، ويصرف وجوه الناس إليه ليس فقط يحبط عمله، لو كانت القضية أنه لا له ولا عليه. هذا قد يكون فيه نوع من السلامة والعافية له، لكنه ليس فقط يحبس أجره بل إنه يعذب بسبب هذا الشرك وهذا الرياء، يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عرْف الجنة يوم القيامة)، يعني: رائحة الجنة، ومنه قوله تعالى على أحد التفاسير: وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ [محمد:6]، يعني: طيبها لهم.
وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء، ولتماروا به السفهاء، ولا تخيروا به المجالس؛ فمن فعل ذلك فالنار النار)، وقال صلى الله عليه وسلم: (من تعلم علماً لغير الله أو أراد به غير الله فليتبوأ مقعده من النار) .
الشرب في آنية الذهب والفضة
من هذه الذنوب التي تستوجب دخول النار: أن يشرب الإنسان في آنية الذهب والفضة، بعض الناس يتفاخرون أنهم يملكون أواني الذهب والفضة، وأن فلانة لما تزوجت كان من أثاثها آنية الفضة وملاعق الفضة، وهذا مما لا يجوز بأي حال من الأحوال، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم) ، وفي رواية لـمسلم : (إن الذي يأكل ويشرب في آنية الفضة والذهب إنما يجرجر في بطنه نار جهنم) ، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تلبسوا الحرير والديباج، ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها، فإنها لهم في الدنيا وهي لكم في الآخرة)، متفق عليه.
قطع شجر السدر
قطع شجر السدر، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار) ، وأيضاً قال عليه الصلاة والسلام: (إن الذين يقطعون السدر - الأشجار - يصبون في النار على رءوسهم صباً)، الشاهد: أن هذا الذنب سواء قلنا: إن هذا من باب الذي يقطعه وهو داخل الحرم أو لا؛ فإن من يقطع شجر السدر داخل الحرم فإنما: (يصبون في النار على رءوسهم صباً) .
الانتحار
من هذه الذنوب التي تستوجب عذاب النار والعياذ بالله: الانتحار، أن يبادر الإنسان بقتل نفسه والعياذ بالله، فقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قتل نفسه بحديدة فحديديته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن قتل نفسه بسم فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً) ، هو يريد أن يتخلص من بعض الهموم الدنيوية والمصيبة في ماله، أو غير ذلك.. يريد أن يتخلص ويستريح فيوقع نفسه في عذاب لا ينتهي والعياذ بالله، وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الذي يخنق نفسها يخنقها في النار، والذي يطعنها يطعنها في النار) .
الممتنعون عن الهجرة
يوجد قسم من الفرق التي تستوجب دخول النار بسبب الذنوب ولا يخلد أصحابها في النار، وإن دخلوها بسبب هذه الذنوب.
أما عن الممتنعين من الهجرة؛ فلا يجوز للمسلم أن يقيم في ديار الكفر إذا وجدت ديار الإسلام، خصوصاً إذا كان مكثه في ديار الكفر يعرضه للفتنة في دينه، فالله تبارك وتعالى لم يقبل عذر الذين تخلفوا عن الهجرة، وأخبرنا في القرآن الكريم كيف أن الملائكة تبكت وتوبخ هذا الصنف من الناس حال الموت، وذلك حينما تأتيهم الملائكة عند الاحتضار وتخرج أرواحهم؛ فإن الملائكة لا تعذرهم حينما يدعون أنهم كانوا مستضعفين في الأرض، يقول الله تبارك وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء:97] إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا [النساء:98]، فلم يعذر الله من هؤلاء الذين أقاموا وسط الكفار بمحض إرادتهم إلا المستضعفين الذين لا يجدون حيلة للخروج، ولا يهتدون إلى الطريق الذي يوصلهم إلى ديار الإسلام، أما اليوم فللأسف الشديد صارت كلمة الهجرة يراد بها الهجرة إلى أستراليا أو أمريكا أو أوروبا، فانعكس الحال.. بدلاً من أن تكون الهجرة من ديار الكفر إلى بلاد المسلمين انعكس الحال وصارت الهجرة عندهم إلى بلاد الكفرة غير مبالين بذلك الوعيد الشديد، وغير مبالين بقول النبي صلى الله عليه وآله سلم: {أنا بريء من كل مسلم يقيم بين ظهراني المشركين}، وقال صلى الله عليه وسلم: {برئت الذمة ممن أقام مع المشركين في ديارهم}، إلى غير ذلك من جملة كبيرة من الأحاديث.
وفي الحقيقة كان كثير من الإخوة يثير هذه القضية لسبب أو لآخر، فكان مما قلت في بعض المناسبات لأحد الإخوة: إن هذه السفارات التي تشتكي من الزحام على أبوابها بالذات سفارة أمريكا وغيرها لو أنهم فقهوا لعلقوا جزءاً من آية سورة البقرة على باب القنصلية الأمريكية والسفارة الأمريكية، فلعل بعضاً أو كثيراً من المسلمين يرعوي إذا رأى هذه الآية، هذا الجزء من الآية هو قول الله تبارك وتعالى: إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ [البقرة:102]، لو أنهم علقوها على أبواب القنصليات والسفارات لأبى هذا الشباب الذي يخرج من بلاد المسلمين إلى حيث لا أذان إلا ما شاء الله وحيث الفتن العظيمة، والدنيا التي تفتن الناس، فتنة الأهل والأولاد والمعاصي، وحيث الكفر عال وظاهر، وحيث المنكر معروفاً والمعروف منكراً، حيث ضعف الدين فلا تكاد تجد إنساناً يذهب إلى هذه الأماكن ويرجع أحسن مما كان، فمن ذهب إليها وعاد بإيمانه سليماً فهذه بطولة، أما أن يزيد فليس هناك مظنة الزيادة في الدين، لكن مظنة الدين: أن تنتقل إلى المكان الذي يكون فيه دينك أقوى حتى لو كان غير البلاد الإسلامية، في بعض البلاد قد يعاني المسلم إما من ضيق الرزق أو غير ذلك من الأذى؛ فيبحث عن المكان الذي يعينه على دينه أكثر فيكون المقياس: ما هو الأسلم لدينك؟ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ [الزمر:10]. كما قال تعالى، وهي ما زالت واسعة وسوف تبقى واسعة لكن العبرة بالصدق، فمن تحرى وأخذ بالأسباب؛ فإن الله تبارك وتعالى وعد من يتقيه بأن يجعل له مخرجاً: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا [الطلاق:2] * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:3]، فإذا أنت حاولت وعانيت، ثم لم تجد مخرجاً؛ دل هذا على أن في تقواك نقص؛ فأنت لم تحقق التقوى، حقق فعل الشرط وعلى الله جوابه: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا [الطلاق:2]، فمن لم يتق الله لا يجعل الله له مخرجاً، فمن أراد أن يعالج أزمة ضيق الرزق بالخروج إلى بلاد الكفار وربما هناك يشتغل في المحرمات والشبهات والخنزير، وربما بأفعال غير مناسبة للمسلم وتتصادم مع عقيدته ودينه فهو لم يتق الله، فكيف يظن أن الله سيجعل له مخرجاً؟!
على أي الأحوال هذه من الذنوب التي يتهاون فيها كثير من الناس؛ لضعف تعظيم الدين في قلوبهم إلا من رحم الله، هناك حالات استثنائية بلا شك لكن ليس كل من يذهبون يخضعون لهذا الاستثناء، فالناس هناك إما معذورون وإما آثمون ببقائهم في وسط ديار الكفار، حتى تصل الفتنة -والعياذ بالله- ببعض الناس من شدة حاجتهم إلى المال أن ينضم إلى الجيش الأمريكي لما يعطى من المميزات والأموال.
الجائرون في الحكم
أيضاً من هؤلاء الذين توعدهم النبي عليه الصلاة والسلام بالنار، أو توعدهم الله تبارك وتعالى بالنار وهم من أهل التوحيد: الجائرون في الحكم، يقول الله تبارك وتعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ [النحل:90]، وفرض على الحكام والقضاة الحكم بالعدل وعدم الجور: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ [النساء:58] .
يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه عنه بريدة بن الحصيب رضي الله عنه: {القضاة ثلاثة: واحد في الجنة واثنان في النار، فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق وقضى به، ورجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار}، هذا الثالث قضى للناس على جهل حتى لو صادف حكمه الحق لكن لأنه قضى بجهل، فهذا أيضاً يكون في النار.
التصوير مضاهاة لخلق الله
أيضاً من أشد الناس عذاباً حتى لو كان من الموحدين: المصورون الذين يضاهئون ويتشبهون بخلق الله تبارك وتعالى، ففي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {أشد الناس عذاباً عند الله المصورون}، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: {سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفساً، فيعذبه الله في جهنم}، متفق عليه، وقال عليه الصلاة والسلام لـعائشة في النمرقة التي كان فيها التصاوير، قال: {إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم}، أنتم تتشبهون بفعل الله فهيا أحيوا ما خلقتكم.
ووصل افتتان بعض هؤلاء المصورين: أنه بعدما صنع بعض التماثيل، ومن شدة فتنته وخذلان الله إياه: أنه صرخ في التمثال بعدما صنعه، قال: هيا انطق، انطق. إمعانا في مضاهاة خلق الله تبارك وتعالى، فتصوير ذوات الأرواح هذا من خصائص الله عز وجل، فلا يجوز للإنسان أبداً أن يرسم بيده صورة شيء له روح أو تماثيل، والتصوير نقطة، واتخاذ التصاوير نقطة أخرى، فحتى من يبيح بعض أنواع التصوير للأسف فعليه أيضاً أن لا يبيح اتخاذها وتعلقيها في مواطن التعظيم على هيئة التوقير، كما يفعل بصور المشايخ والأقارب والأجداد فهذا من أقبح الذنوب اتخاذ الصور معصية إضافية بجانب ذنب التصوير في حد ذاته، فينبغي أن لا تتخذ وأن لا تصور، وقال عليه الصلاة والسلام: {أشد الناس عذاباً الذين يضاهون بخلق الله}، يعني: يتشبهون بخلق الله تبارك وتعالى، فالذي يصور وينازع الله تبارك وتعالى في هذه الخصيصة: تصوير ذوات الأرواح، فهو يضاهئ ويتشبه بفعل الله، فكما يحرم تشبيه الله بخلقه، يحرم تشبه المخلوق بفعل الخالق الذي اختص به الله تبارك وتعالى.
ويقول النبي عليه الصلاة والسلام: {قال الله تعالى: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا حبة أو شعيرة} متفق عليه. ومعروف أن هناك فرق من اليهود والنصارى يحرمون التصوير، فلسنا وحدنا المتطرفين في هذا الباب، مع التجوز في هذا التعبير، ففي فترة من الفترات أعلن عن أحداث معينة حصلت في المسجد الأقصى عن طائفة من اليهود -لعنهم الله- كانوا يتظاهرون ويستنكرون منكر التصوير، ويقولون: الدين اليهودي لا يبيح التصوير، فلذلك هم يستنكرون ذلك، ووصفوهم آنذاك بالتطرف، وأيضاً توجد طوائف من النصارى تحرم التصوير، وتحرم اتخاذ الصور والتماثيل.
الركون إلى الظالمين
من الأسباب التي تدخل النار: الركون إلى الظالمين، وموالاة أعداء الله تبارك وتعالى، يقول الله عز وجل: وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ [هود:113]، فهذا أيضاً نص على أن من يركن إلى الظالمين أو يوالي أعداء الله تبارك وتعالى ويوادهم فإنه يستحق دخول النار.
التحذير من التساهل بالمعاصي
هذه جملة من الأحاديث تدل على أن هناك صنفاً من أهل النار لا يخلدون فيها، وكون الإنسان إذا مات على التوحيد فإنه ينجو من الخلود في النار، لكن إذا كان له ذنوب فإنه يعذب بها في جنهم، بعض الناس قد تتساهل في الأمر، وتقول: إذاً: سواء طالت أم قصرت سنخرج من النار، من قال لك: أنك ستموت على التوحيد؟ ومن ضمن لك أنك تموت على الإيمان وعلى التوحيد؟ أتظن أن الأمر في يدك أنت؟! هذا لا يملكه إلا الله تبارك وتعالى الذي يثبت الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ثم إن من المعروف أن المعاصي هي بريد الكفر، حيث تتدرج بالإنسان حتى توقعه في الكفر، والإنسان إذا تساهل في المعاصي ربما تنتهي به إلى الكفر والردة عن الإسلام.
أيضاً يتخيل هذا الإنسان ويجرب تجربة هو يقول: ماذا سيحصل لو أمكث في النار خمسة آلاف سنة أو عشرة آلاف سنة أو مليون سنة حتى، وبعد ذلك أخرج منها؟ نقول له: ضع يدك في هذه النار من نار الدنيا ثم انظر كم تتحمل هذه النار التي هي جزء واحد من سبعين جزءاً من نار جهنم، كما قال عليه الصلاة والسلام: {إن ناركم هذه الذي توقدون جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم}، فهذا من أتفه الناس عقولاً الذي يتهاون بالمعاصي، ويغتر بربه الكريم، ويظن أن المسألة يسيرة وهينة، وسبق أن تلونا الحديث الذي فيه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: {يؤتي بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في جهنم صبغة ثم يخرج منها ويقال له: يا ابن آدم! هل مر بك نعيم قط؟ هل رأيت خيراً قط؟ فيقول: لا والله يا رب! ما رأيت نعيماً قط، وما مر بي خير قط}، هذا بمجرد أن يغمس غمسة في جهنم فقط ينسى كل النعيم وقد كان أنعم إنسان في الدنيا.
إذاً: هذه بعض النصوص ترد على المرجئة الذين يقولون: إن المعاصي لا تضر أهل الإيمان ولا تؤثر في إيمانهم، والخوارج يقولون: هذه المعاصي تكفر فاعلها وتخرجه من الملة بالكلية. وأهل الحق وسط بين إفراط هؤلاء وتفريط أولئك فهم يقولون: إن المسلم العاصي يبقى في دائرة الإسلام وفي دائرة التوحيد لكن إيمانه ينقص بهذه المعاصي، ويستوجب عقوبة الله تبارك وتعالى، لكنه لا يخلد في جهنم، ولا يستوي مع من كفر بالله وأشرك به تبارك وتعالى.
أما عن الممتنعين من الهجرة من ديار الكفار مع القدرة؛ فلا يجوز للمسلم أن يقيم في دار الكفر إذا وجدت دار الإسلام، خصوصاً إذا كان مكثه في دار الكفر يعرضه للفتنة في دينه، فالله تبارك وتعالى لم يقبل عذر الذين تخلفوا عن الهجرة، وأخبرنا في القرآن الكريم كيف أن الملائكة تبكت وتوبخ هذا الصنف من الناس، وذلك حينما تأتيهم عند الاحتضار وعند خرج أرواحهم؛ وكذلك الملائكة لا تعذرهم حينما يدعون أنهم كانوا مستضعفين في الأرض، يقول الله تبارك وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا * إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا [النساء:97-98]، فلم يعذر الله من هؤلاء الذين أقاموا وسط الكفار بمحض إرادتهم، إلا المستضعفين الذين لا يجدون حيلة للخروج، ولا يهتدون إلى الطريق الذي يوصلهم إلى دار الإسلام، أما اليوم فللأسف الشديد صارت كلمة الهجرة يراد بها الهجرة إلى أستراليا أو أمريكا أو أوروبا، بدلاً من أن تكون الهجرة من دار الكفر إلى بلاد المسلمين انعكس الحال وصارت الهجرة عندهم إلى بلاد الكفرة، غير مبالين بذلك الوعيد الشديد، وغير مبالين بقول النبي صلى الله عليه وآله سلم: (أنا بريء من كل مسلم يقيم بين ظهراني المشركين)، وقال صلى الله عليه وسلم: (برئت الذمة ممن أقام مع المشركين في ديارهم)، إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة. وفي الحقيقة كان كثير من الإخوة يثير هذه القضية لسبب أو لآخر، فكان مما قلت في بعض المناسبات لأحد الإخوة: إن هذه السفارات التي تشتكي من الزحام على أبوابها بالذات سفارة أمريكا وغيرها لو أنهم فقهوا لعلقوا جزءاً من آية في سورة البقرة على باب القنصلية الأمريكية والسفارة الأمريكية، فلعل بعضاً أو كثيراً من المسلمين يرعوي إذا رأى هذه الآية، هذا الجزء من الآية هو قول الله تبارك وتعالى: إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ [البقرة:102]، لو أنهم علقوها على أبواب القنصليات والسفارات لأبى الشباب أن يخرج من بلاد المسلمين إلى حيث لا أذان إلا ما شاء الله، وحيث الفتن العظيمة والدنيا التي تفتن الناس، فتنة الأهل والأولاد والمعاصي، وحيث الكفر عال وظاهر، وحيث المنكر معروفاً والمعروف منكراً، حيث ضعف الدين فلا تكاد تجد إنساناً يذهب إلى هذه الأماكن ويرجع أحسن مما كان، فمن ذهب إليها وعاد بإيمانه سليماً فهذه بطولة، أما أن يزيد فليس هناك مظنة الزيادة في الدين، لكن مظنة الدين أن تنتقل إلى المكان الذي يكون فيه دينك أقوى، حتى لو كان في غير البلاد الإسلامية، في بعض البلاد قد يعاني المسلم إما من ضيق الرزق أو غير ذلك من الأذى؛ فيبحث عن المكان الذي يعينه على دينه أكثر، فيكون المقياس ما هو الأسلم لدينك؟ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ [الزمر:10]. كما قال تعالى، وهي ما زالت واسعة وسوف تبقى واسعة لكن العبرة بالصدق، فمن تحرى وأخذ بالأسباب؛ فإن الله تبارك وتعالى وعد من يتقيه بأن يجعل له مخرجاً: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3]، فإذا أنت حاولت وعانيت ثم لم تجد مخرجاً؛ فهذا يدل على أن في تقواك نقصاً ولم تحقق التقوى، حقق فعل الشرط وعلى الله جوابه: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا [الطلاق:2] فمن لم يتق الله لا يجعل الله له مخرجاً، فمن أراد أن يعالج أزمة ضيق الرزق بالخروج إلى بلاد الكفار وربما هناك يشتغل في المحرمات والشبهات كالخمر والخنزير، وربما بأفعال غير مناسبة للمسلم وتتصادم مع عقيدته ودينه فهذا لم يتق الله، فكيف يظن أن الله سيجعل له مخرجاً؟! على أي حال هذه من الذنوب التي يتهاون فيها كثير من الناس؛ لضعف تعظيم الدين في قلوبهم إلا من رحم الله، هناك حالات استثنائية بلا شك لكن ليس كل من يذهبون يخضعون لهذا الاستثناء، فالناس هناك إما معذورون وإما آثمون ببقائهم في وسط ديار الكفار، حتى تصل الفتنة والعياذ بالله ببعض الناس من شدة حاجتهم إلى المال أن ينضم إلى الجيش الأمريكي؛ لما يعطى من المميزات والأموال.
من هؤلاء الذين توعدهم الله تبارك وتعالى بالنار وهم من أهل التوحيد: الجائرون في الحكم، يقول الله تبارك وتعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ [النحل:90]، وفرض على الحكام والقضاة الحكم بالعدل وعدم الجور: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ [النساء:58] . يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه عنه بريدة بن الحصيب رضي الله عنه: (القضاة ثلاثة: واحد في الجنة واثنان في النار، فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق وقضى به، ورجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار)، هذا الثالث قضى للناس على جهل حتى لو صادف حكمه الحق فإنه يكون في النار؛ لأنه قضى بجهل.
من هذه الذنوب الخطيرة: الكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد تواتر عنه صلى الله عليه وآله وسلم قوله: (من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)، هذه من كبائر الذنوب والعياذ بالله، وقال عليه الصلاة والسلام: (إن كذباً علي ليس ككذب على أحد)؛ لأن الكذب على النبي صلى الله عليه وآله سلم يستوجب أن يضاف إلى الشريعة ما ليس منها؛ لأن سنته حجة فمن كذب عليه فقد أضاف إلى الدين ما ليس منه، فأهل السنة يعتبرون هذا من الكبائر المهلكة المستوجبة دخول النار، وإن لم يكفروا صاحبها ويخلدوه في النار خلافاً للخوارج.
أيضاً من هذه الذنوب: الكبر، يقول صلى الله عليه وسلم: (يقول الله تعالى: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري؛ فمن نازعني واحداً منهما أدخلته النار)، وفي رواية: (أذقته النار).
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة أحد في قلبه مثقال ذرة من كبر، فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسناً. فقال صلى الله عليه وسلم: إن الله جميل يحب الجمال، الكبر: بطر الحق، وغمط الناس)، رواه مسلم .