حكم صن 400


الحلقة مفرغة

يشرع للمصلي أن يتخذ سترة يجعلها بين يديه، سواء خشي المرور أو لم يخشه، فإذا خشي مرور أحد بين يديه تأكد جعل السترة بين يديه، وإلا كان ذلك على أصل المشروعية، واختلف أهل العلم في حكم السترة، فذهب جمهورهم إلى أنها سنة مطلقًا، سواء خشي مرورًا أو لم يخشه، وذهب آخرون إلى أنها سنة إذا خشي المرور فقط، وذهب آخرون إلى وجوبها؛ لأن ظاهر النصوص التي ترد هنا تقتضي الوجوب

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

أحبتي في الله! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وهذا هو المجلس الخامس عشر من سلسلة الدروس العلمية والتي ينظمها المكتب التعاوني بمدينة الرس، وهذه الليلة ليلة الإثنين الموافق للخامس عشر من شهر شعبان للعام (1415هـ).

وموضوع هذا اللقاء كما هو معروف من خلال الإعلان بعنوان: (حكم صن 400) وأقصد (بحكم) هنا الحكم الشرعي، وليس ما تعارف عليه لاعبي البلوت من أنه (صن حكم 400) كما يقولون.

وهذا الموضوع أيها الأحبة! كان قد أُلقي قبل ثلاث سنوات تقريباً، وبالضبط في اليوم الحادي عشر من الشهر السادس للعام (1412هـ) وأذكر تلك الجموع الكبيرة التي حضرت ذلك الدرس، حتى صرح بعض الشباب أنهم لأول مرة يدخلون المسجد، وكانت ولله الحمد والمنة النتائج سريعة وفعالة بفضل الله عز وجل، فما أن خرجنا من المسجد حتى أعلن أعداد من الشباب توبتهم من هذه اللعبة، وهذا هو حسبنا بشبابنا أنهم إذا علموا الحق رجعوا إليه .

ومنذ ذلك الوقت والطلبات تتكرر لإعادة هذا الموضوع وتسجيله بوضوح، والحقيقة أنني أجدني مضطراً لإعادته الآن مع علمي بتطور هذه اللعبة والتفنن بطرقها، ونظراً لانتشارها وفشوها بين صفوف الشباب، فإن واجبنا التذكير والتنبيه مرات ومرات.

ويؤسفني حقيقة أيها الأحبة! أن مثل هذا الموضوع -وهو طاعون العصر كما يسمى- لم يأخذ حقه من الدراسة والطرح والتكرار من قبل المتخصصين، ومن قبل الدعاة إلى الله عز وجل، كغيره من مواضيع الشباب المهملة على الرغم من خطورتها، والانحدار الذي يعيشه شبابنا كما تعلمون .

وعناصر هذا الموضوع أعدها سريعاً .

1- أهمية الموضوع.

2- اعتذار.

3- مصادر البحث.

4- البلوت.. متى وكيف؟

5- قبل أن أبدأ.

6- حجج المؤيدين للعبة.

7- آثار وشرور هذه اللعبة.

8-أحداث ومواقف وحقائق مذهلة.

9- مواقف طريفة وغريبة .

10- الحكم الشرعي.

11- خاتمة.

يعلم الله أيها الأحبة! أنني لم أصدق نفسي أنه سيأتي اليوم الذي أتكلم فيه عن مثل هذا الموضوع؛ لأنني بفضل الله عز وجل لم يسبق أن مست أناملي هذه الورقات، ولم أعرف قواعد هذه اللعبة ولا أصولها لا من قريب ولا من بعيد، وهذا من فضل الله عز وجل.

وعندما جاء أعداد من الشباب يطرحون مثل هذا الموضوع للطرح في مثل هذه الدروس، في البداية كنت مستنكراً متعجباً أن يطلب مثل هذا الطلب، ولكن إصرار الشباب وتكفلهم -جزاهم الله عنا خيراً- بإجراء المقابلات واللقاءات والاستبيانات مع أعداد من لاعبي البلوت، ثم إحضارهم للنتائج المذهلة العجيبة الغريبة، التي لما وقفت عليها وقرأتها ما كان مني استجابة لهذه الإصرارات إلا أن أطرح مثل هذا الدرس.

وبعد الجمع، والوقوف على كثير من الأحداث، عرفت حقيقةً أن البلوت يجب أن يسمى: طاعون العصر!

ومن خلال الأحداث والمواقف التي جمعها الإخوة وهي أحداث عجيبة غريبة -كما ستسمعون- جعلني أقف مع هذا الموضوع وقفات كثيرة.

مصادر هذا البحث هي ثلاثة مصادر، وتعلمون أن هذا البحث ليس بحثاً شرعياً حتى نرجع لأمهات الكتب والأصول الشرعية لنستقي منها هذا العلم، وإنما كانت المصادر والمراجع هي: اللقاءات والجلسات والاستفتاءات مع كثير من اللاعبين، وقد قام بهذا بعض الإخوة فليس لي -يعلم الله- سوى طرح مثل هذا الموضوع بين أيديكم.

ثم أيضاً اطلعت على كتاب مصنف اسمه ( البلوت ) لـفؤاد عبد الحميد عنقاوي وهو تقريباً بحجم متوسط يقرب من خمسين ومئتي صفحة، ومرجع ثالث وهو استفتاء أجرته مجلة الدعوة السعودية في العدد (1315)، بتاريخ: (1/5/ 1412هـ).

هذه المراجع تقريباً هي مراجع هذا البحث.

واعتذاراً لأحبائنا وإخواننا الأفاضل متابعي الدرس العام أن نقطع عليهم لذة الدروس الإيمانية لنفاجئهم بهذا الموضوع، ولعل في حضورهم لهذا الموضوع فوائد كثيرة، منها:

أولاً: أن يعلموا أن لإخواننا وشبابنا الذين يعيشون في العالم الآخر -وأقول: العالم الآخر أي: عالم الشهوات والمغريات- ليعلموا أن لهم حقوقاً كثيرة، فإن من واجب الدعاة إلى الله عز وجل، ومن واجب شباب الصحوة مشاركة إخوانهم مشاكلهم وهمومهم والوقوف معهم للأخذ بأيديهم لطريق الاستقامة، خاصة وأن الكثير منهم يشكو هجر الصالحين لهم، بل كما صرح بذلك أعداد كبيرة منهم يلقون باللائمة عليكم أنتم وأنهم -كما يدعون ويذكرون- يستحيون منكم، مع أن (98%) منهم صرح بحبه للصالحين، ورغبته وأمنيته لو أنه كان منهم.

ولعل طرح مثل هذا الموضوع مشاركة منا لحل مشكلة هي من أخطر وأكبر المشاكل على شبابنا، فهي البوابة لكل رذيلة، وهي البداية للانحراف والضياع، وعالم المخدرات والشهوات، وهذا كله من نتائج هذا البحث المتواضع.

ثانياً: أيها الأحبة! أنتم تسمعون هذا الموضوع، وعند سماعكم تعرفون فضل الله عز وجل عليكم يوم أن هداكم وفضلكم على كثير ممن خلق تفضيلاً، ونجاكم من مثل هذه الأخطار، فلله الحمد والمنة أولاً وآخراً.

ثالثاً: التعرف والوقوف على عالم الشباب .. عالم العجائب والغرائب .. عالم التفنن في المعاصي والشهوات .. عالم الفتوة والقوة والهمم العالية، لكنها للأسف همم عالية في الفساد والضياع، سيندهش الكثير منكم مما يسمع، وسيتعجب مما يقال، ولكني أقول: إن ما سأذكره هو شيء يسير جداً من الحقيقة ، فهذه الدراسة على فئة قليلة، وفي مكان محدود، وعلى عجل وبدون تخطيط ولا تنظيم، فكيف لو تجمعت هذه الأسباب كلها؟ لتفطرت الأكباد، وتحرقت القلوب، وطاشت الألباب من النتائج العجيبة.

هذا وهو موضوع واحد في عالم الشباب وهو: البلوت، فكيف لو أننا تطرقنا ونظرنا ووقفنا على الغناء والفن والرياضة والتشجيع واللواط -أعزكم الله- والمخدرات والسفر إلى الخارج والزنا، وغير ذلك من مواضيع الشباب المتعددة، وكيف بإضاعة الصلاة والأوقات والمروءات وعالم الرجولة وغيرها من مشاكل الشباب.

لعلكم بعد هذا أيها الأخيار! وأنتم تسمعون الكلام عن مثل هذا الموضوع تعذرون وتشجعون على إلقاء مثل هذه المواضيع والحرص عليها، بل أقول: لعلكم تنشطون وتتحمسون للدخول في أوساط الشباب وانتشالهم مما هم فيه، لعلنا أن نترك الخلاف بيننا ولنبدأ العمل ولنحمل الهم، فإن الميدان بحاجة للجميع.

أيها الأحبة! إن إخواننا من الشباب أمانة في أعناقنا، أنتم هداة ضلال، ودلال خير، فقوموا بواجبكم بارك الله فيكم، وعندها أبشروا بوعد الله وبالنصر والتمكين.

اختلف الرواة في كيفية ظهور البلوت في الحجاز، غير أن أكثر الروايات تشير إلى أنه ظهر في النصف الثاني من القرن الهجري الماضي، أي: في نهاية العهد العثماني، وفي أواخر أيام حكم الأشراف الذين حكموا الحجاز وما جاورها.

ويعتقد أنها لعبة أوروبية وصلت إلى الحجاز عن طريق الهند بما كانت تمثله العلاقة بين البيوت التجارية في مدينتي مكة وجدة وبين الهند.

ونلاحظ في مسميات ومصطلحات البلوت، والتي لا تزال تستعمل حتى الآن بعض الكلمات الإنجليزية والفرنسية، غير أن الشيخ أبا تراب الظاهري العلامة المؤرخ المعروف يتحفظ على هذا الرأي ويقول: إن ورق اللعب -ومن ضمنه لعبة البلوت- ترجع أصولها إلى الهند شكلاً ومضموناً، والدليل على ذلك أن أسماء أنواع الورق: (الكالة، والشيرية، واللال، والشوكت) كلمات كلها هندية الأصل، وقد لاقت هذه اللعبة -وللأسف- رواجاً كبيراً، وطغت على بقية الألعاب الأخرى التي كانت سائدة آنذاك، حتى وصلت إلى ما وصلت إليه كما تسمعون وترون بأعينكم.

ومن العجائب أن القصائد لم تسلم من البلوت، ولذلك أسوق لكم على سبيل الطرفة هذه القصيدة التي جاءت على لسان أحد اللاعبين، قبل الدخول في الموضوع. يقول هذا الشاعر -إن صحت تسميته شاعراً- يقول:

يا لا عب الصن هذا كشفكم جاري     لكم عليكم ولا داع لسمسار

فاختر رفيقك حريفاً وكن يقظاً     إن قيل حكماً فخذه صناً بإجبار

وخل بالك من تنفير صاحبكم     أعطيه مطلوبه حتماً بإصرار

ولا يفوتك أن تنسى الصر أبداً     من الشرارة تأتي شعلة النار

أما إذا قيل أربعمائة حصلت     من الغريم فخذ بشتك ورح جاري

وإن غلبتم فلا داع لشوشرة     فالوقت لا يحتمل تصنيف أعذار

قبل البداية وقبل الدخول في حقائق ومواقف هذا الموضوع، أقول: يا أخي الحبيب! لعلك أن تفتح لي قلبك، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الدين النصيحة) ويعلم الله أن هذه الكلمات هي من قلب محب، وأخ يخاف عليك ويود لك الخير، أهديها لك مع باقة من الأماني والأمل والدعاء.. الأماني بأنك سوف تسمع كلماتي إليك.. والأمل بأنك سوف تفتح لها قلبك وعقلك.. والدعاء بأن توفق إلى العلم بما فيها والعمل به.

ولا ترج فعل الصالحات إلى غد     لعل غداً يأتي وأنت فقيد

أخي الحبيب! اسمع لهذه الكلمات، ولا تهملها.

ألا رب نصح يغلق الباب دونه     وغش إلى جنب السرير يقرب

وجوب التزام أوامر الشرع

فلك مني يا أخي الحبيب! هذه الكلمات الأخوية من قلب يحبك ويحترق من أجلك، ووالله ثم والله لولا حبي وخوفي عليك ما تفوهت بهذه الكلمات، وما أضعت الأوقات والساعات وذهبت أقلب الصفحات بحثاً عن الحق في مثل هذا الموضوع.

أخي الحبيب! أعرف أنك مسلم أباً عن جد، وأنك تعتز بإسلامك وتفخر بدينك، ولا ترضى أن يمس بسوء لا من قريب ولا من بعيد، وأنك أعلنتها صرخة قوية من قلب حار، وقلت بكل صدق -إن شاء الله- : رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً رسولاً.

وأعلم وتعلم أنت أيها العزيز! أن كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، فمن ذا الذي يسلم من الخطأ؟ ومن ذا الذي يسلم من الغفلة منا نحن البشر؟

إذاً: فالخطأ والتقصير والوقوع في المعصية هي صفة لنا، ولكننا نحمد الله كثيراً على أن فتح الباب على مصراعيه، فأرشدنا إلى التوبة والرجوع عند الغفلة والتقصير، بل قال صلى الله عليه وآله وسلم: (والذي نفسي بـيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم) والحديث أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة.

إذاً: فيا أيها الحبيب! أنا وأنت نبحث عن الحق، ونريد الوصول إليه، ولو كان يخالف أهواءنا وشهواتنا.

أخي الحبيب! أنت مسلم، فهلا أسلمت نفسك لله، وأخضعتها لأمره وحكمه؟!

أخي الحبيب! رضيت بالله رباً، فهل ترضى بحكمه واختياره وشرعه، أم ترضى بحكم نفسك واختيارها؟!

أخي العزيز! أنت رضيت بمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً نبياً، فهل خضعت لأمره، واعتصمت بقوله؟!

إذاً: فيا أيها العزيز! إذا رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وآله وسلم رسولاً، فاعلم أن كل فعلٍ تفعله، وكلمة تقولها، ولباس تلبسه، وشربة تشربها، بل وحركة وسكنة تصدر منك، لابد أن تكون كما أمر الله ورسوله، وإلا فما معنى قولك إذاً: إنك رضيت بالله رباً؟؟ وما معنى قولك: إنك رضيت؟؟ وما معنى قولك: إنك مسلم؟

ألم تعلم أن الإسلام: هو الاستسلام والخضوع لله؟! إذاً فليس لك اختيار مع أمر الله ونهيه، اسمع هذه الآية جيداً، وافتح لها قلبك، وأرع لها سمعك: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36].

إذاً: فالإسلام ما ترك خيراً إلا وأمرك به، ولا شراً إلا ونهاك عنه.

أخي الحبيب! تعال بقلب مؤمن مسلم معظم لأمر الله، تعال بنفس رضية للبحث عن الحق في مثل هذه القضية، نسأل الله عز وجل أن يرينا وإياك الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.

البلوت ورمضان

رمضان فرصة لكل مسلم للاستثمار، وللاتجار مع الله عز وجل، وهو فرحة لكل مذنب للمحاسبة والتوبة والرجوع والتعويض، حتى أن الفاسقين يحرصون على رمضان وعلى الخيرات فيه، من صلوات وصدقات وقربات، وهذا أمر مشاهد ومحسوس.

إلا أنك تجد في السنوات الأخيرة كثيراً من شبابنا غفلوا عن أهمية رمضان وقيمته، وعن فضل ساعاته ولياليه، فلم تعد تؤثر فيهم تلك الروحانيات، ولا ذلك الجو الإيماني الجميل الذي يعيشه المجتمع المسلم من حولهم، ففقد أولئك المساكين لذة رمضان، ولذة مناجاة ربهم، ولذة التضرع والانكسار والافتقار إلى الله عز وجل، ولذلك ما أقول إلا : قم لزيارة إلى الأرصفة في كل مدينة من مدننا لتجد مئات الشباب يتناثرون طوال الليالي من رمضان على امتدادها، ولتقف على الحلقات المعقودة لصفقات البلوت وما يصاحبها من صرخاتٍ وسبابٍ وشتامٍ، والنتيجة فرقة ونزاع وخصام، هذه كلها أوزار يحاسب عليها العبد، وهذه كلها تضييع للأوقات والأعمار، خاصة خلال هذه الليالي الفاضلة.

ومن خلال هذه الدراسة تبين أيها الأحبة! أن أكثر الليالي احتداماً لحلبات الصراع -أي: صراع البلوت- هي ليالي رمضان وللأسف، وربما عقدت هذه الحلبات من بعد صلاة الفجر إلى ما يقرب من صلاة الظهر أو العصر عياذاً بالله.

في رمضان الناس يركعون ويسجدون، وأولئك في صراخ وخصام.

في رمضان الناس يقلبون صفحات القرآن، وأولئك يقلبون صفحات البلوت.

في رمضان الناس تلهج ألسنتهم تسبيحاً لله، سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، وأولئك تلهج ألسنتهم بـ (شيريا) و

(سبيت) و(سبيل) و(بنت) و(شاكوش) و(ولد)، وغيرها من ألفاظ وألقاب تلك الورقة.

في رمضان الناس يسألون الله عز وجل العفو والعافية والفردوس الأعلى، وأولئك يسألون الله (صن حكم 400) والعياذ بالله.

أين أنتم يا شباب؟ أين عقولكم؟ لماذا لا نفكر؟! أسألكم بالله، ألستم بحاجة إلى العمل الصالح؟ ألستم بحاجة لمحو السيئات؟ أو نقرأ أيها الشباب! سير أجدادنا وسلفنا الصالح رضوان الله عليهم أنهم هجروا حلق العلم والدروس، لماذا؟ من أجل التفرغ للعبادة وقراءة القرآن وكثرة الذكر في هذا الشهر، أما أنتم فقد هجرتم العبادة، وهجرتم قراءة القرآن وتركتم الذكر، من أجل ماذا؟ من أجل البلوت والجلوس على الأرصفة والرياضة وغير ذلك، فرمضان يشكو هجركم أيها الشباب!

رمضان شهر القرآن والغفران والجنان .. رمضان شهر العتق من النيران .. رمضان شهر الصيام والقيام .. رمضان شهر التذلل والافتقار، والخضوع والانكسار، رمضان الشهر الذي يفخر ويعتز فيه كل مسلم على وجه الأرض، وشبابنا يضيعونه بالجلوس على الأرصفة، ولعب البلوت، والرياضة والغناء.

لا وألف لا أيها الشباب! إنكم أكبر من ذلك وأعقل، فقط وقفة صادقة مع النفس، ولحظة محاسبة للنفس ومراجعة، وبعدها ستجد نداء الفطرة، ستجد الخير في نفسك، وعندها ستعلم أن رمضان لا يمكن أن يباع ولو بأغلى الأثمان.

فلك مني يا أخي الحبيب! هذه الكلمات الأخوية من قلب يحبك ويحترق من أجلك، ووالله ثم والله لولا حبي وخوفي عليك ما تفوهت بهذه الكلمات، وما أضعت الأوقات والساعات وذهبت أقلب الصفحات بحثاً عن الحق في مثل هذا الموضوع.

أخي الحبيب! أعرف أنك مسلم أباً عن جد، وأنك تعتز بإسلامك وتفخر بدينك، ولا ترضى أن يمس بسوء لا من قريب ولا من بعيد، وأنك أعلنتها صرخة قوية من قلب حار، وقلت بكل صدق -إن شاء الله- : رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً رسولاً.

وأعلم وتعلم أنت أيها العزيز! أن كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، فمن ذا الذي يسلم من الخطأ؟ ومن ذا الذي يسلم من الغفلة منا نحن البشر؟

إذاً: فالخطأ والتقصير والوقوع في المعصية هي صفة لنا، ولكننا نحمد الله كثيراً على أن فتح الباب على مصراعيه، فأرشدنا إلى التوبة والرجوع عند الغفلة والتقصير، بل قال صلى الله عليه وآله وسلم: (والذي نفسي بـيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم) والحديث أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة.

إذاً: فيا أيها الحبيب! أنا وأنت نبحث عن الحق، ونريد الوصول إليه، ولو كان يخالف أهواءنا وشهواتنا.

أخي الحبيب! أنت مسلم، فهلا أسلمت نفسك لله، وأخضعتها لأمره وحكمه؟!

أخي الحبيب! رضيت بالله رباً، فهل ترضى بحكمه واختياره وشرعه، أم ترضى بحكم نفسك واختيارها؟!

أخي العزيز! أنت رضيت بمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً نبياً، فهل خضعت لأمره، واعتصمت بقوله؟!

إذاً: فيا أيها العزيز! إذا رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وآله وسلم رسولاً، فاعلم أن كل فعلٍ تفعله، وكلمة تقولها، ولباس تلبسه، وشربة تشربها، بل وحركة وسكنة تصدر منك، لابد أن تكون كما أمر الله ورسوله، وإلا فما معنى قولك إذاً: إنك رضيت بالله رباً؟؟ وما معنى قولك: إنك رضيت؟؟ وما معنى قولك: إنك مسلم؟

ألم تعلم أن الإسلام: هو الاستسلام والخضوع لله؟! إذاً فليس لك اختيار مع أمر الله ونهيه، اسمع هذه الآية جيداً، وافتح لها قلبك، وأرع لها سمعك: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36].

إذاً: فالإسلام ما ترك خيراً إلا وأمرك به، ولا شراً إلا ونهاك عنه.

أخي الحبيب! تعال بقلب مؤمن مسلم معظم لأمر الله، تعال بنفس رضية للبحث عن الحق في مثل هذه القضية، نسأل الله عز وجل أن يرينا وإياك الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.

رمضان فرصة لكل مسلم للاستثمار، وللاتجار مع الله عز وجل، وهو فرحة لكل مذنب للمحاسبة والتوبة والرجوع والتعويض، حتى أن الفاسقين يحرصون على رمضان وعلى الخيرات فيه، من صلوات وصدقات وقربات، وهذا أمر مشاهد ومحسوس.

إلا أنك تجد في السنوات الأخيرة كثيراً من شبابنا غفلوا عن أهمية رمضان وقيمته، وعن فضل ساعاته ولياليه، فلم تعد تؤثر فيهم تلك الروحانيات، ولا ذلك الجو الإيماني الجميل الذي يعيشه المجتمع المسلم من حولهم، ففقد أولئك المساكين لذة رمضان، ولذة مناجاة ربهم، ولذة التضرع والانكسار والافتقار إلى الله عز وجل، ولذلك ما أقول إلا : قم لزيارة إلى الأرصفة في كل مدينة من مدننا لتجد مئات الشباب يتناثرون طوال الليالي من رمضان على امتدادها، ولتقف على الحلقات المعقودة لصفقات البلوت وما يصاحبها من صرخاتٍ وسبابٍ وشتامٍ، والنتيجة فرقة ونزاع وخصام، هذه كلها أوزار يحاسب عليها العبد، وهذه كلها تضييع للأوقات والأعمار، خاصة خلال هذه الليالي الفاضلة.

ومن خلال هذه الدراسة تبين أيها الأحبة! أن أكثر الليالي احتداماً لحلبات الصراع -أي: صراع البلوت- هي ليالي رمضان وللأسف، وربما عقدت هذه الحلبات من بعد صلاة الفجر إلى ما يقرب من صلاة الظهر أو العصر عياذاً بالله.

في رمضان الناس يركعون ويسجدون، وأولئك في صراخ وخصام.

في رمضان الناس يقلبون صفحات القرآن، وأولئك يقلبون صفحات البلوت.

في رمضان الناس تلهج ألسنتهم تسبيحاً لله، سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، وأولئك تلهج ألسنتهم بـ (شيريا) و

(سبيت) و(سبيل) و(بنت) و(شاكوش) و(ولد)، وغيرها من ألفاظ وألقاب تلك الورقة.

في رمضان الناس يسألون الله عز وجل العفو والعافية والفردوس الأعلى، وأولئك يسألون الله (صن حكم 400) والعياذ بالله.

أين أنتم يا شباب؟ أين عقولكم؟ لماذا لا نفكر؟! أسألكم بالله، ألستم بحاجة إلى العمل الصالح؟ ألستم بحاجة لمحو السيئات؟ أو نقرأ أيها الشباب! سير أجدادنا وسلفنا الصالح رضوان الله عليهم أنهم هجروا حلق العلم والدروس، لماذا؟ من أجل التفرغ للعبادة وقراءة القرآن وكثرة الذكر في هذا الشهر، أما أنتم فقد هجرتم العبادة، وهجرتم قراءة القرآن وتركتم الذكر، من أجل ماذا؟ من أجل البلوت والجلوس على الأرصفة والرياضة وغير ذلك، فرمضان يشكو هجركم أيها الشباب!

رمضان شهر القرآن والغفران والجنان .. رمضان شهر العتق من النيران .. رمضان شهر الصيام والقيام .. رمضان شهر التذلل والافتقار، والخضوع والانكسار، رمضان الشهر الذي يفخر ويعتز فيه كل مسلم على وجه الأرض، وشبابنا يضيعونه بالجلوس على الأرصفة، ولعب البلوت، والرياضة والغناء.

لا وألف لا أيها الشباب! إنكم أكبر من ذلك وأعقل، فقط وقفة صادقة مع النفس، ولحظة محاسبة للنفس ومراجعة، وبعدها ستجد نداء الفطرة، ستجد الخير في نفسك، وعندها ستعلم أن رمضان لا يمكن أن يباع ولو بأغلى الأثمان.

أيها الأحبة! إن كل من جلس معه، وكل من نوقش حول البلوت، وجدنا أنهم يحتجون بحجج، بل ويذكرون أن للبلوت فوائد كثيرة، ولعلي لخصت هذه الفوائد والحجج بهذه النقاط سريعاً:

أولاً: يقولون: إن من أكبر فوائد البلوت القضاء على وقت الفراغ.

ويقولون أيضاً: إنها تحفظ الإنسان من الخوض في القيل والقال والغيبة والنميمة.

وثالثاً: يذكرون أن من فوائد البلوت أنها تثير الحماس والتحدي.

ورابعاً: يقولون: تعتبر وسيلة من وسائل اللهو البريء.

وخامساً: يقولون: هي تنفيس من مهام المسئوليات ومتاعب العمل.

وسادساً: أنها عاملٌ مهمٌ في تغذية أواصر الصداقة بين أفراد المجتمع وطبقاته كما يقولون.

وسابعاً: أنها رياضة ذهنية تنمي الذهن والفكر والانتباه.

وثامناً: يقولون: إن في البلوت الهروب من مشكلات اجتماعية، ومن هموم الحياة، وهو تبرير غريب لمواجهة هموم الحياة، فهم يناقضون السلوك الاجتماعي القويم في مواجهة المشكلات بمشكلات أخرى.

أقول : هذه تقريباً ثمان حجج يحتج بها لاعبي البلوت، وذكرتها بأمانة وصدق حتى يكون هذا العرض بأمانة.

يقول أحد الإخوة - ولا داعي من ذكر الأسماء وهو ممن أجرت معه مجلة الدعوة استبياناً أو استفتاء- يقول: عمره ثلاثون سنة وهو زوج وأب ، يقول: تسألني عن البلوت، تعلمته في سن التفتح وفي عمر سبع عشرة سنة، وكان السبب في تعثري في الدراسة وأحياناً في العمل، أنا الآن -وبفضل الله- مدير، وأصارحك بأنني أدمنت البلوت لسبب وحيد، أنني أهرب فيه من رتابة الحياة وزحف الهموم اليومية.

وقيل له: مع من تلعب البلوت؟ فقال: ألعب الآن مع زملائي، والبلوت يكشف لي أخلاقهم، ومشكلتي أنني لا أعرف كيف أتخلى عنه؟ وبسببه أتعرض لمشاكل كثيرة.

ثم قيل له: لماذا لا تتخلى عنه؟ قال: حاولت ولم أستطع، فأصدقائي مدمنون، وقد جروني لهذا الإدمان.

أهم حجة لديهم وردها

وأقف مع حجة واحدة ، وهي من أهم الحجج التي يحتج بها لاعبو البلوت.

تاسعاً: قولهم: نقضي على الفراغ؛ أوجه سؤالاً فأقول: أسألكم بالله، وهل يوجد في وقت المسلم الجاد فراغ؟! وعلى فرض موافقة هؤلاء على وجود الفراغ، فأسأل وأقول: كم وقت الفراغ لدى هؤلاء؟! أقصد من يحتج بلعب البلوت بالقضاء على الفراغ، كم الوقت الذي يعتبرونه فراغاً بالنسبة لهم؟ ساعة أو ساعتان أو ثلاث، أم أن حياته كلها فراغ ؟!

ثم أيضاً سؤال آخر: وهل وقت الفراغ يقضى بمثل هذه اللعبة؟! فأصبح يقضى على مشكلة الفراغ بمشكلة أخرى، وهي قتل الزمن وإضاعة العمر بلا فائدة، إلا إن قال قائلهم: إن في البلوت فائدة، وستأتي الإجابة على هذا.

ثم نقول أيضاً لهؤلاء الذين يشتكون من الفراغ، أجب على هذه الأسئلة بصدق وصارح نفسك ولا تخادعها:

أولاً: كم تقرأ القرآن في اليوم؟ بل أسألك قبل ذلك هل تجيد قراءة القرآن أصلاً أو تحفظ شيئاً منه؟!

ثم أيضاً أسألك فأقول: أسألك بالله هل قمت بصلة الرحم، وزيارة أقربائك؛ لأن ذلك واجب عليك؟!

ثم أقول لك أيضاً: هل جلست مع والديك ومع إخوانك؟ بل هل جلست مع زوجك وأولادك للتحدث معهم ومعرفة أحوالهم وحوائجهم؟!

كم درساً أو محاضرة تحضر خلال الأسبوع، أو خلال الشهر؟!

كم شريطاً مفيداً تسمعه في الأسبوع؟!

كم كتاباً تقرؤه خلال الأسبوع أو الشهر؟!

هل فكرت في قضاء هذا الفراغ الذي تدعيه بما يعود عليك بالفائدة من التحاق بالدورات العلمية، أو حتى بدورات الكمبيوتر أو اللغة الإنجليزية أو غير ذلك؟!

هل قمت بزيارة المرضى بالمستشفيات؟ هل فكرت بزيارة المقابر للاتعاظ والاعتبار؟!

بل هل أعطيت عملك الوظيفي حقه من الأمانة والصدق؟!

كل هذه الأسئلة وكثيرة هي تلك الأسئلة، فأقول بعد ذلك: أين الفراغ -أيها الحبيب- الذي تشكو منه، والذي تدعي أنك تقضيه بهذه اللعبة؟! إذا فكرت بعقل وفكر ناضج ستجد أن الواجبات أكثر من الأوقات.

ثم أقول أيضاً بعد كل هذه الأسئلة: لا تنس يا أخي الحبيب! أنك خلقت لهدف، وأن الله عز وجل خلقك للدعوة إلى الله عز وجل، وخلقك لعبادته، فإني أراك قد ضيعت الهدف الذي من أجله خلقت، أصبحت بدون مبدأ وبدون همّ، إن كثيراً من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ينتظر منك أن تقوم بإعانته، وبتوجيهه، وبإرشاده، فلماذا إذاً نخسرك ؟! لماذا نخسرك وتخسر أنت نفسك؟

اعلم أيها الحبيب! أن الثروة الحقيقية هي الوقت، وأن الوقت هو العمر، وأنه أثمن ما تملك، وأنك ستحاسب على كل دقيقة تمر من عمرك، وستسأل عنها، ألم تسمع لقول الحق عز وجل: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ [المؤمنون:115]؟!

ستسأل عن عمرك فيما أفنيته، وعن شبابك فيما أبليته، فماذا ستقول؟ في حلقات وحلبات البلوت.

ألا تعلم أن أهل الجنة -وهم أهل الجنة- يتحسرون على ذهاب ساعة، فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم : (لن يتحسر أهل الجنة على شيء، إلا على ساعة مرت عليهم في غير ذكر الله عز وجل) فكم من الساعات تقضى لأولئك اللاعبين في غير ذكر الله؟! بل أقول: في معصية الله! وفي سب وشتام عياذاً بالله.

إذاً: إذا أردنا الحق والتجرد من الهوى فالمسألة ليست مسألة فراغ، بل هي والله فتنة وشهوة، وهي والله ابتلاء ومحنة، فالساعات والليالي التي تضيع وتمضي من أجل البلوت خيالية لا تصدق، وخذ أمثلة على ذلك :

من قصص من ابتلي بضياع الوقت في لعبة البلوت

يقول أحد الإخوة : ذهب شباب في رحلة برية، فجلسوا يلعبون الورقة من الساعة السابعة مساءً، حتى صرفتهم أشعة الشمس المحرقة.

ويقول بعض اللاعبين: أحد الدوريات في البلوت أخذت تلعب هذه اللعبة عند أحد الإخوة -ولا تتعجبوا من الزمن- من مغرب الأربعاء حتى صباح الجمعة.

وقد استغربت هذا الأمر من الأخ القائل، لكنه أكد لي وقد وجدت علامة الصدق في وجهه أيها الأحبة!

ويقول آخر : إن أحد الدوريات تجتمع في شهر رمضان للعب وتبدأ من الظهر حتى قبل آذان المغرب، وأكثر ما يكون ذلك في العشر الأواخر.

ويقول أحد الإخوة -أيضاً- ممن أجرت معهم مجلة الدعوة استفتاء يقول: حتى تعلم خطورة البلوت، إليك ما حدث في شهر رمضان، يقول: دعيت إلى الإفطار عند أحد الجيران، وبعد الإفطار مباشرة بدأ المدعوون مهرجان اللعب دفعات، حتى صلاة العشاء، وصلوا العشاء في البيت بينما توجهنا إلى المسجد، وعدنا بعد صلاة التراويح، واكتشفت أنهم لم يصلوا التراويح، وظللت أراقبهم عن بعد واستمروا حتى السحور، ومن يدري ربما واصلوا أيضاً حتى بعد السحور.

أليس هذا أمراً مؤسفاً؟! لقد أضاعوا بهجة هذه الأيام، وأضاعوا هذا الموسم العظيم في عبث تحت مسمع ومرأى من الأهل والأولاد، فنقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، حتى في رمضان يسيطر البلوت على عقول الشباب!

ويقول أيضاً أحد الإخوة وهذه هي كتابته بخط يده: أذكر قبل أن ألتزم أنا كنا نلعب البلوت بعد صلاة الفجر في شهر رمضان حتى العاشرة صباحاً، وبعد ذلك ننام حتى المغرب، ثم نأخذ الشاي والفرشة ونذهب إلى الرصيف في وقت صلاة العشاء والتراويح، نلعب البلوت والناس تصلي حتى موعد السحور، ثم تدخل شلة وتخرج شلة -أي من الفرق التي تلعب البلوت- وفي بعض الأيام العادية وخاصة في الصيف عندما يأتي الليل، نلعب حتى خروج الشمس، وما يقيمنا إلا حرارتها.

والعجيب أنه قال: فإذا لم يغالبنا النعاس بعد صلاة الفجر من السهر طوال الليل، فإننا نكمل تحت الجسور، وكثيراً ما تحدث المشاكل بيننا، وتجدنا نجلس مع بعضنا ونحن حاقدون على بعض بسبب هذه اللعبة.

وأقف مع حجة واحدة ، وهي من أهم الحجج التي يحتج بها لاعبو البلوت.

تاسعاً: قولهم: نقضي على الفراغ؛ أوجه سؤالاً فأقول: أسألكم بالله، وهل يوجد في وقت المسلم الجاد فراغ؟! وعلى فرض موافقة هؤلاء على وجود الفراغ، فأسأل وأقول: كم وقت الفراغ لدى هؤلاء؟! أقصد من يحتج بلعب البلوت بالقضاء على الفراغ، كم الوقت الذي يعتبرونه فراغاً بالنسبة لهم؟ ساعة أو ساعتان أو ثلاث، أم أن حياته كلها فراغ ؟!

ثم أيضاً سؤال آخر: وهل وقت الفراغ يقضى بمثل هذه اللعبة؟! فأصبح يقضى على مشكلة الفراغ بمشكلة أخرى، وهي قتل الزمن وإضاعة العمر بلا فائدة، إلا إن قال قائلهم: إن في البلوت فائدة، وستأتي الإجابة على هذا.

ثم نقول أيضاً لهؤلاء الذين يشتكون من الفراغ، أجب على هذه الأسئلة بصدق وصارح نفسك ولا تخادعها:

أولاً: كم تقرأ القرآن في اليوم؟ بل أسألك قبل ذلك هل تجيد قراءة القرآن أصلاً أو تحفظ شيئاً منه؟!

ثم أيضاً أسألك فأقول: أسألك بالله هل قمت بصلة الرحم، وزيارة أقربائك؛ لأن ذلك واجب عليك؟!

ثم أقول لك أيضاً: هل جلست مع والديك ومع إخوانك؟ بل هل جلست مع زوجك وأولادك للتحدث معهم ومعرفة أحوالهم وحوائجهم؟!

كم درساً أو محاضرة تحضر خلال الأسبوع، أو خلال الشهر؟!

كم شريطاً مفيداً تسمعه في الأسبوع؟!

كم كتاباً تقرؤه خلال الأسبوع أو الشهر؟!

هل فكرت في قضاء هذا الفراغ الذي تدعيه بما يعود عليك بالفائدة من التحاق بالدورات العلمية، أو حتى بدورات الكمبيوتر أو اللغة الإنجليزية أو غير ذلك؟!

هل قمت بزيارة المرضى بالمستشفيات؟ هل فكرت بزيارة المقابر للاتعاظ والاعتبار؟!

بل هل أعطيت عملك الوظيفي حقه من الأمانة والصدق؟!

كل هذه الأسئلة وكثيرة هي تلك الأسئلة، فأقول بعد ذلك: أين الفراغ -أيها الحبيب- الذي تشكو منه، والذي تدعي أنك تقضيه بهذه اللعبة؟! إذا فكرت بعقل وفكر ناضج ستجد أن الواجبات أكثر من الأوقات.

ثم أقول أيضاً بعد كل هذه الأسئلة: لا تنس يا أخي الحبيب! أنك خلقت لهدف، وأن الله عز وجل خلقك للدعوة إلى الله عز وجل، وخلقك لعبادته، فإني أراك قد ضيعت الهدف الذي من أجله خلقت، أصبحت بدون مبدأ وبدون همّ، إن كثيراً من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ينتظر منك أن تقوم بإعانته، وبتوجيهه، وبإرشاده، فلماذا إذاً نخسرك ؟! لماذا نخسرك وتخسر أنت نفسك؟

اعلم أيها الحبيب! أن الثروة الحقيقية هي الوقت، وأن الوقت هو العمر، وأنه أثمن ما تملك، وأنك ستحاسب على كل دقيقة تمر من عمرك، وستسأل عنها، ألم تسمع لقول الحق عز وجل: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ [المؤمنون:115]؟!

ستسأل عن عمرك فيما أفنيته، وعن شبابك فيما أبليته، فماذا ستقول؟ في حلقات وحلبات البلوت.

ألا تعلم أن أهل الجنة -وهم أهل الجنة- يتحسرون على ذهاب ساعة، فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم : (لن يتحسر أهل الجنة على شيء، إلا على ساعة مرت عليهم في غير ذكر الله عز وجل) فكم من الساعات تقضى لأولئك اللاعبين في غير ذكر الله؟! بل أقول: في معصية الله! وفي سب وشتام عياذاً بالله.

إذاً: إذا أردنا الحق والتجرد من الهوى فالمسألة ليست مسألة فراغ، بل هي والله فتنة وشهوة، وهي والله ابتلاء ومحنة، فالساعات والليالي التي تضيع وتمضي من أجل البلوت خيالية لا تصدق، وخذ أمثلة على ذلك :




استمع المزيد من الشيخ إبراهيم الدويش - عنوان الحلقة اسٌتمع
المحرومون 2934 استماع
سهام للصيد 2612 استماع
توبة صايم 2611 استماع
اذهبوا بنا نصلح بينهم 2607 استماع
من كنوز الحج ... 2480 استماع
موعظة السبع البواقى 2466 استماع
بحر الحب 2409 استماع
بشائر ومبشرات 2353 استماع
السحر الحلال 2347 استماع
أهمية أداء الزكاة 2340 استماع