شرح سنن أبي داود [473]


الحلقة مفرغة

شرح حديث (أراد رسول الله أن يكتب إلى بعض الأعاجم فقيل له إنهم لا يقرءون كتاباً إلا بخاتم...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ كتاب الخاتم.

باب ما جاء في اتخاذ الخاتم.

حدثنا عبد الرحيم بن مطرف الرؤاسي حدثنا عيسى عن سعيد عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (أراد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يكتب إلى بعض الأعاجم، فقيل له: إنهم لا يقرءون كتاباً إلا بخاتم، فاتخذ خاتماً من فضة ونقش فيه: محمد رسول الله) ].

أورد أبو داود هذا الكتاب وهو كتاب الخاتم، وقال: [ باب ما جاء في اتخاذ الخاتم ] والخاتم هو ما يضعه الإنسان في أصبعه مما يجوز له استعماله من الفضة، فلا يجوز استعمال الذهب، ولا يجوز استعمال الحديد، أما الفضة فقد جاءت السنة ببيان جواز استعمالها.

واتخاذ الخاتم الأمر فيه واسع، إن فعله فلا بأس، وإن تركه فلا بأس، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يتخذه إلا عندما أراد أن يكتب إلى بعض الأعاجم، فقيل: إنهم لا يقرءون أو لا يأخذون الكتاب إلا إذا ختم عليه بخاتم مرسله، فاتخذ خاتماً من فضة، وكتب عليه: (محمد رسول الله) صلى الله عليه وسلم، فدل ذلك على جواز اتخاذ الخاتم، وكونه هنا اتخذه لحاجة واتخذه لمصلحة يدل على أن الأمر في ذلك واسع، فمن لبس خاتماً فلا حرج، ومن تركه فلا حرج.

أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: [ (أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب إلى بعض الأعاجم) ].

يعني: الذين هم من غير العرب، كالفرس والروم والحبش.

قوله: [ (فقيل له: إنهم لا يقرءون كتاباً إلا بخاتم) ] أي: لا يقبلون الكتاب إلا إذا كان مختوماً وكان عليه ختم صاحبه الذي أرسله.

قوله: [ (فاتخذ خاتماً من فضة، ونقش عليه: محمد رسول الله) ] فدل هذا على جواز التختم بالفضة، وأن ذلك سائغ في حق الرجال، وأما النساء فيتختمن بالذهب والفضة وغير ذلك.

تراجم رجال إسناد حديث (أراد رسول الله أن يكتب إلى بعض الأعاجم فقيل له إنهم لا يقرءون كتاباً إلا بخاتم...)

قوله: [ حدثنا عبد الرحيم بن مطرف الرؤاسي ].

عبد الرحيم بن مطرف الرؤاسي هو ثقة أخرج له أبو داود والنسائي .

[ حدثنا عيسى ].

هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن سعيد ].

هو سعيد بن أبي عروبة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن قتادة ].

هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أنس بن مالك ].

أنس بن مالك رضي الله عنه، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

حكم التختم وحقيقة الخاتم الذي كان يلبسه عليه الصلاة والسلام ويختم به

إن القول بأن التختم سنة ومأجور من يفعله ليس بواضح، وإنما يقال: إن هذا سائغ وللحاجة، ومن فعله مطلقاً لا ينكر عليه، ومن تركه لا ينكر عليه، ومن فعله للختم به لا ينكر عليه، والرسول صلى الله عليه وسلم إنما اتخذه للختم.

أما كون الخاتم المنقوش عليه اسمه صلى الله عليه وسلم هو نفس الخاتم الذي يلبسه، أو هو خاتم خاص للختم على الرسائل، فالذي يظهر أنه الذي يلبسه على الأصبع، وهو الذي يختم به، فلا يقال: له خاتمان: خاتم يختم به، وخاتم يلبسه للتزين.

شرح حديث سقوط خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من يد عثمان

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا وهب بن بقية عن خالد عن سعيد عن قتادة عن أنس رضي الله عنه، بمعنى حديث عيسى بن يونس زاد: (فكان في يده حتى قبض، وفي يد أبي بكر رضي الله عنه حتى قبض، وفي يد عمر رضي الله عنه حتى قبض، وفي يد عثمان رضي الله عنه، فبينما هو عند بئر إذ سقط في البئر، فأمر بها فنزحت، فلم يقدر عليه) ].

أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى عن أنس ، وفيه أن هذا الخاتم الذي اتخذه رسول الله عليه الصلاة والسلام قد كتب عليه (محمد رسول الله) كان في يده حتى توفاه الله عز وجل، ثم كان في يد أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم في يد عمر رضي الله عنه من بعده، ثم في يد عثمان ، يعني: أن الخلفاء كانوا يتعاقبون عليه، حتى كان زمن عثمان وكان عند بئر يقال لها: بئر أريس، فسقط الخاتم من يده فيها، فأمر بنزح مائها للبحث عنه فلم يجدوه، وكون أبي بكر وعمر وعثمان كانوا يلبسونه، لا شك أن ذلك للتبرك بهذا الخاتم الذي مس جسده الشريف صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

ومعلوم أن الصحابة كانوا يتبركون بما مس جسده صلى الله عليه وسلم، فكانوا يتبركون بشعره وببصاقه وبعرقه وبفضل وضوئه، وكل ذلك جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام، فلا يكون لأحد من بعده، بدليل أن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم ما فعلوا ذلك بعده مع أفضل هذه الأمة بعد نبيها عليه الصلاة والسلام أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وغيرهم من الصحابة، وإنما كانوا يفعلون ذلك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث سقوط الخاتم من يد عثمان

قوله: [ حدثنا وهب بن بقية ].

وهب بن بقية هو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي .

[ عن خالد ].

هو خالد بن عبد الله الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن سعيد عن قتادة عن أنس ].

سعيد وقتادة وأنس وقد مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.

شرح حديث (كان خاتم النبي من ورق فصه حبشي)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد وأحمد بن صالح قالا: حدثنا ابن وهب أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب حدثني أنس رضي الله عنه قال: (كان خاتم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من ورق فصه حبشي) ].

أورد أبو داود حديث أنس رضي الله تعالى عنه قال: [ (كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من ورق فصه حبشي) ] أي: من فضة، والفص هو المكان البارز الذي تكون عليه الكتابة.

قال: [ فصه وحبشي ] أي: أن صانعه حبشي، فهو منسوب إلى الحبشة من أجل الصنعة، وجاء في حديث سيأتي: (أن فصه منه) أي: أنه فضة، وهذا يدل على أنه لا تنافي بين الروايتين: بين قوله: [ فصه حبشي ] وبين قوله: [ (فصه منه) ] ويكون معنى ذلك أنه من فضة، وإنما هو صناعة حبشية.

تراجم رجال إسناد حديث (كان خاتم النبي من ورق فصه حبشي)

قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ].

هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ وأحمد بن صالح ].

هو أحمد بن صالح المصري ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.

[ حدثنا ابن وهب ].

هو عبد الله بن وهب المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرني يونس بن يزيد ].

هو يونس بن يزيد الأيلي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن شهاب ].

هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثني أنس ].

أنس وقد مر ذكره.

شرح حديث (كان خاتم النبي من فضة كله فصه منه)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثا حميد الطويل عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كان خاتم النبي صلى الله عليه وآله وسلم من فضة كله، فصه منه) ].

أورد أبو داود حديث أنس : [ (كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من فضة كله، فصه منه) ] يعني: أن الخاتم كله فضه، وفصه من فضة، وإذا كان الحديث السابق كما عرفنا فسر ما فيه من النسبة للحبشة بأنه من صنع الحبشة، فإنه لا يكون هناك تناف بين الحديثين.

تراجم رجال إسناد حديث (كان خاتم النبي من فضة كله فصه منه)

قوله: [ حدثنا أحمد بن يونس ].

أحمد بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا زهير ].

هو زهير بن معاوية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا حميد الطويل ].

هو حميد بن أبي حميد الطويل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أنس بن مالك ].

أنس قد مر ذكره.

وهذا الإسناد من الرباعيات التي هي أعلى الأسانيد عند أبي داود رحمه الله.

شرح حديث (اتخذ رسول الله خاتماً من ذهب وجعل فصه مما يلي بطن كفه...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا نصير بن الفرج حدثنا أبو أسامة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (اتخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خاتماً من ذهب، وجعل فصه مما يلي بطن كفه، ونقش فيه: محمد رسول الله، فاتخذ الناس خواتم الذهب، فلما رآهم قد اتخذوها رمى به، وقال: لا ألبسه أبداً، ثم اتخذ خاتماً من فضة، نقش فيه: محمد رسول الله، ثم لبس الخاتم بعده أبو بكر ، ثم لبسه بعد أبي بكر عمر ، ثم لبسه بعده عثمان رضي الله عنهم، حتى وقع في بئر أريس).

قال أبو داود : ولم يختلف الناس على عثمان حتى سقط الخاتم من يده ].

أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتماً من ذهب، فاتخذ الناس خواتم من ذهب، فرمى به النبي صلى الله عليه وسلم وقال: [ (لا ألبسه أبداً) ] يعني: أنه كان مباحاً ثم حرم على الرجال.

قوله: [ (ثم اتخذ خاتماً من فضة) ] يعني: بعد ما حرم خاتم الذهب وتركه النبي صلى الله عليه وسلم، اتخذ خاتماً من فضة.

قوله: [ (حتى وقع في بئر أريس) ] هي بئر في جهة قباء.

حكم الاهتمام بما يسمى بالآثار وترك الأحكام الشرعية

بعض الناس قد أولعوا بتتبع الآثار والحرص على الأشياء التي ما وردت السنة بالمحافظة عليها، مع أنهم في نفس الوقت لا يهتمون بالآثار الشرعية التي هي الأحكام الشرعية كالأوامر والنواهي، فهم يقصرون في امتثال الأوامر، ويقعون في شيء من النواهي.

هذه الآثار التي لم تأت بها سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد جاء ما يدل على التحذير من اتخاذ آثار الأنبياء؛ لأن ذلك يؤدي إلى الغلو ويؤدي إلى المحاذير، كما جاء عن عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه أنه كان في طريقه من مكة إلى المدينة، أو من المدينة إلى مكة، وكان هناك مسجد فرأى الناس يدخلون ويصلون فيه، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا مسجد يقال: صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إنما أهلك من كان قبلكم باتخاذهم آثار أنبيائهم مساجد، من أدركته الصلاة فليصل وإلا فليمض.

أي أنه لا يقصد مثل ذلك المكان ويتعمد الذهاب إليه من أجل أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى به هذا كلام عمر رضي الله عنه الذي هو الحريص على اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي هو ثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين الذين أمر النبي الكريم عليه الصلاة السلام باتباع سنتهم مع سنته، في قوله عليه الصلاة والسلام: (فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة).

فبعض الناس يولع بالآثار غير المشروعة، والتي ما جاء شيء يدل على اعتبارها ولا على قصدها ولا على تتبعها، ويغفلون ويقصرون عن الآثار الشرعية التي بعث بها رسول الله عليه الصلاة والسلام، والتي هي أوامر ونواه يجب امتثال ما كان مأموراً به، ويجب الاجتناب والابتعاد عما كان منهياً عنه.

فهذه البئر التي سقط فيها الخاتم، تجد بعض الناس يريد إظهارها وإبرازها وإيجادها؛ لطلب البركة منها؛ لأنه سقط فيها خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

نقول: إن البركة إنما هي باتباع الرسول الكريم عليه الصلاة السلام، والسير على نهجه واتباع سنته، وهي علامة محبة الله عز وجل للعبد، كما قال الله عز وجل: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31]، فعلامة المحبة وعلامة الصدق في المحبة أن يكون الإنسان متبعاً لا مبتدعاً، والنبي صلى الله عليه وسلم حذر من البدع وأمر بالسنن، ومثل هذه الأمور التي يعتني بها بعض الناس ويحرص عليها فيها محاذير وأضرار، وفي الوقت الذي يحرصون فيه على هذا يقصرون فيما هم مأمورون به.

[ قال أبو داود : ولم يختلف الناس على عثمان حتى سقط الخاتم من يده ].

لا ندري عن حقيقة هذا التوجيه أو هذا التعليل الذي ذكره أبو داود ، من كون الاختلاف إنما حصل في ذلك التاريخ.

تراجم رجال إسناد حديث (اتخذ رسول الله خاتماً من ذهب وجعل فصه مما يلي بطن كفه...)

قوله: [ حدثنا نصير بن الفرج ].

نصير بن الفرج هو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي .

[ حدثنا أبو أسامة ].

هو حماد بن أسامة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبيد الله ].

هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم العمري المصغر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن نافع ].

هو نافع مولى ابن عمر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن عمر ].

هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث نهي النبي عن النقش على نقش خاتمه وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا سفيان بن عيينة عن أيوب بن موسى عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما في هذا الخبر، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (فنقش فيه: محمد رسول الله، وقال: لا ينقش أحد على نقش خاتمي هذا)، ثم ساق الحديث ].

أورد أبو داود حديث ابن عمر من طريق أخرى وفيه زيادة قال: [ (لا ينقش أحد على نقش خاتمي هذا) ]، يعني: أنه ليس للناس أن يفعلوا كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذا النقش الذي نقشه يتعلق به ويخصه، وكان يختم به، فغيره ليس له أن يكتب عليه مثل ما كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم على خاتمه.

قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].

عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، إلا الترمذي .

[ حدثنا سفيان بن عيينة ].

هو سفيان بن عيينة المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أيوب بن موسى ].

أيوب بن موسى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن نافع عن ابن عمر ].

نافع وابن عمر قد مر ذكرهما.

شرح حديث (فاتخذ عثمان خاتماً ونقش فيه محمد رسول الله...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا أبو عاصم عن المغيرة بن زياد عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما بهذا الخبر، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (فالتمسوه فلم يجدوه، فاتخذ عثمان خاتماً ونقش فيه: محمد رسول الله، قال: فكان يختم به أو يتختم به) ].

قوله: [ (فالتمسوه فلم يجدوه) ].

يعني: عثمان رضي الله عنه هو الذي طلب التماسه والبحث عنه لما سقط في البئر، فلم يجدوه، وقد مر أنه أمر بنزح البئر فنزحت ولم يجدوه، وهذا مثل الذي قبله، إلا أن فيه أنهم التمسوه ولم يجدوه.

قوله: [ (فاتخذ عثمان خاتماً ونقش فيه: محمد رسول الله، فكان يختم به أو يتختم به) ].

يعني: أن عثمان رضي الله عنه لما بحث عن الخاتم الذي سقط في البئر، وهو خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان في يده فلم يوجد، اتخذ بعد ذلك خاتماً وكتب عليه: محمد رسول الله، فكان يختم به أو يتختم به.

إذاً: فمعلوم أن الخلفاء الراشدين الذين لبسوا خاتم النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو للتبرك، وأما كون عثمان رضي الله عنه يصنع خاتماً جديداً ويكتب عليه: محمد رسول الله ثم يتختم به، فهذا ليس مطابقاً لما قد حصل من فعل الخلفاء من جهة التبرك؛ لأن هذا لم يمس جسد الرسول صلى الله عليه وسلم، وليست القضية أنه يصنع خاتماً ويكتب عليه اسم الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الحديث الذي سبق أن مر يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ينقش أحد على خاتمي هذا) يعني: أنه لا يقلد ولا يصنع شيء على نحوه وعلى هيئته، ويكتب عليه كما كتب على خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أما نفس الخاتم الذي مس جسده الشريف صلى الله عليه وسلم، فالخلفاء كانوا يلبسونه تبركاً، وليس للختم به، وكيف يختمون بمحمد رسول الله وهذا شيء يخص الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما يختمون بأسمائهم، وليس باسم الرسول عليه الصلاة والسلام، فهذا اللفظ الأخير فيه نكارة من جهة أن عثمان رضي الله عنه اتخذ خاتماً وكتب عليه: محمد رسول الله، وكان يختم به أو يتختم به، فهذا لفظ منكر؛ لأن الصحابة إنما كانوا يتبركون بما مس جسده صلى الله عليه وسلم، وأما صناعة خاتم جديد ينقش عليه: محمد رسول الله، فإن هذا لم يمس جسده حتى يتبرك به، وهو أيضاً مخالف لما جاء من أنه لا ينقش أحد على نقش خاتمه صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث (فاتخذ عثمان خاتماً ونقش فيه محمد رسول الله...)

قوله: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ].

هو محمد بن يحيى بن فارس الذهلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.

[ حدثنا أبو عاصم ].

هو الضحاك بن مخلد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن المغيرة بن زياد ].

المغيرة بن زياد صدوق له أوهام، أخرج له أصحاب السنن.

[ عن نافع عن ابن عمر ].

نافع وابن عمر قد مر ذكرهما.

والألباني رحمه الله قال عن الحديث: إن إسناده ضعيف، ولعله من جهة المغيرة بن زياد ومن ناحية المتن فهو منكر، والنكارة فيه كما هو معلوم من الجهتين اللتين أشرت إليهما.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ كتاب الخاتم.

باب ما جاء في اتخاذ الخاتم.

حدثنا عبد الرحيم بن مطرف الرؤاسي حدثنا عيسى عن سعيد عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (أراد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يكتب إلى بعض الأعاجم، فقيل له: إنهم لا يقرءون كتاباً إلا بخاتم، فاتخذ خاتماً من فضة ونقش فيه: محمد رسول الله) ].

أورد أبو داود هذا الكتاب وهو كتاب الخاتم، وقال: [ باب ما جاء في اتخاذ الخاتم ] والخاتم هو ما يضعه الإنسان في أصبعه مما يجوز له استعماله من الفضة، فلا يجوز استعمال الذهب، ولا يجوز استعمال الحديد، أما الفضة فقد جاءت السنة ببيان جواز استعمالها.

واتخاذ الخاتم الأمر فيه واسع، إن فعله فلا بأس، وإن تركه فلا بأس، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يتخذه إلا عندما أراد أن يكتب إلى بعض الأعاجم، فقيل: إنهم لا يقرءون أو لا يأخذون الكتاب إلا إذا ختم عليه بخاتم مرسله، فاتخذ خاتماً من فضة، وكتب عليه: (محمد رسول الله) صلى الله عليه وسلم، فدل ذلك على جواز اتخاذ الخاتم، وكونه هنا اتخذه لحاجة واتخذه لمصلحة يدل على أن الأمر في ذلك واسع، فمن لبس خاتماً فلا حرج، ومن تركه فلا حرج.

أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: [ (أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب إلى بعض الأعاجم) ].

يعني: الذين هم من غير العرب، كالفرس والروم والحبش.

قوله: [ (فقيل له: إنهم لا يقرءون كتاباً إلا بخاتم) ] أي: لا يقبلون الكتاب إلا إذا كان مختوماً وكان عليه ختم صاحبه الذي أرسله.

قوله: [ (فاتخذ خاتماً من فضة، ونقش عليه: محمد رسول الله) ] فدل هذا على جواز التختم بالفضة، وأن ذلك سائغ في حق الرجال، وأما النساء فيتختمن بالذهب والفضة وغير ذلك.

قوله: [ حدثنا عبد الرحيم بن مطرف الرؤاسي ].

عبد الرحيم بن مطرف الرؤاسي هو ثقة أخرج له أبو داود والنسائي .

[ حدثنا عيسى ].

هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن سعيد ].

هو سعيد بن أبي عروبة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن قتادة ].

هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أنس بن مالك ].

أنس بن مالك رضي الله عنه، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

إن القول بأن التختم سنة ومأجور من يفعله ليس بواضح، وإنما يقال: إن هذا سائغ وللحاجة، ومن فعله مطلقاً لا ينكر عليه، ومن تركه لا ينكر عليه، ومن فعله للختم به لا ينكر عليه، والرسول صلى الله عليه وسلم إنما اتخذه للختم.

أما كون الخاتم المنقوش عليه اسمه صلى الله عليه وسلم هو نفس الخاتم الذي يلبسه، أو هو خاتم خاص للختم على الرسائل، فالذي يظهر أنه الذي يلبسه على الأصبع، وهو الذي يختم به، فلا يقال: له خاتمان: خاتم يختم به، وخاتم يلبسه للتزين.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا وهب بن بقية عن خالد عن سعيد عن قتادة عن أنس رضي الله عنه، بمعنى حديث عيسى بن يونس زاد: (فكان في يده حتى قبض، وفي يد أبي بكر رضي الله عنه حتى قبض، وفي يد عمر رضي الله عنه حتى قبض، وفي يد عثمان رضي الله عنه، فبينما هو عند بئر إذ سقط في البئر، فأمر بها فنزحت، فلم يقدر عليه) ].

أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى عن أنس ، وفيه أن هذا الخاتم الذي اتخذه رسول الله عليه الصلاة والسلام قد كتب عليه (محمد رسول الله) كان في يده حتى توفاه الله عز وجل، ثم كان في يد أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم في يد عمر رضي الله عنه من بعده، ثم في يد عثمان ، يعني: أن الخلفاء كانوا يتعاقبون عليه، حتى كان زمن عثمان وكان عند بئر يقال لها: بئر أريس، فسقط الخاتم من يده فيها، فأمر بنزح مائها للبحث عنه فلم يجدوه، وكون أبي بكر وعمر وعثمان كانوا يلبسونه، لا شك أن ذلك للتبرك بهذا الخاتم الذي مس جسده الشريف صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

ومعلوم أن الصحابة كانوا يتبركون بما مس جسده صلى الله عليه وسلم، فكانوا يتبركون بشعره وببصاقه وبعرقه وبفضل وضوئه، وكل ذلك جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام، فلا يكون لأحد من بعده، بدليل أن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم ما فعلوا ذلك بعده مع أفضل هذه الأمة بعد نبيها عليه الصلاة والسلام أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وغيرهم من الصحابة، وإنما كانوا يفعلون ذلك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قوله: [ حدثنا وهب بن بقية ].

وهب بن بقية هو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي .

[ عن خالد ].

هو خالد بن عبد الله الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن سعيد عن قتادة عن أنس ].

سعيد وقتادة وأنس وقد مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد وأحمد بن صالح قالا: حدثنا ابن وهب أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب حدثني أنس رضي الله عنه قال: (كان خاتم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من ورق فصه حبشي) ].

أورد أبو داود حديث أنس رضي الله تعالى عنه قال: [ (كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من ورق فصه حبشي) ] أي: من فضة، والفص هو المكان البارز الذي تكون عليه الكتابة.

قال: [ فصه وحبشي ] أي: أن صانعه حبشي، فهو منسوب إلى الحبشة من أجل الصنعة، وجاء في حديث سيأتي: (أن فصه منه) أي: أنه فضة، وهذا يدل على أنه لا تنافي بين الروايتين: بين قوله: [ فصه حبشي ] وبين قوله: [ (فصه منه) ] ويكون معنى ذلك أنه من فضة، وإنما هو صناعة حبشية.




استمع المزيد من الشيخ عبد المحسن العباد - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح سنن أبي داود [139] 2887 استماع
شرح سنن أبي داود [462] 2835 استماع
شرح سنن أبي داود [106] 2831 استماع
شرح سنن أبي داود [032] 2728 استماع
شرح سنن أبي داود [482] 2697 استماع
شرح سنن أبي داود [529] 2688 استماع
شرح سنن أبي داود [555] 2677 استماع
شرح سنن أبي داود [177] 2674 استماع
شرح سنن أبي داود [097] 2651 استماع
شرح سنن أبي داود [273] 2643 استماع