الشيوعية بين السقوط وإعادة البناء


الحلقة مفرغة

القرآن الكريم مليء بالأحكام الشرعية الكثيرة، وهذه الأحكام تحتاج إلى معرفة بعض المباحث المهمة المنظمة لمعرفة الحكم الشرعي مع كثرة الآيات الواردة في نفس الحكم، ومن تلك المباحث المهمة: تخصيص الكتاب بالسنة والعكس، ومنها بيان المجمل في القرآن ومبينه، والمفهوم في القرآن والأخذ به، والناسخ والمنسوخ وغيرها.

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه محمد المبعوث رحمة للعالمين، القائل: (بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وكتب الذل والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم) وعلى آله وأصحابه وسلفنا الصالح أجمعين.

وبعــد:

فأشكر الله تبارك وتعالى على ما أنعم به علينا من نعمة الإيمان.

أما الموضوع الذي نريد أن نتحدث عنه، ونريد أن نستمع جميعاً، ونحرص كل الحرص على كل ما له علاقة به وعلى كل تحليل له، وهو موضوع (الشيوعية بين السقوط وإعادة البناء) ومستقبل العالم الإسلامي في ضوء هذه التحولات العالمية الكبرى.

هذا الموضوع موضوع مهم للغاية، ومتشعب جداً، ولا يستطيع الإنسان أن يحدد كيف يبدأ وكيف ينتهي، أو كيف يلم بأطرافه.

أما أهميته فلا تخفى على أحد، فنحن جزء من هذا العالم المتغير المتماوج، والعالم تقارب بشكل لم يسبق له نظير مطلقاً، وأصداء التغييرات العالمية تدخل -لا نقول كل دولة أو كل مدينة- بل نقول: تدخل كل بيت يومياً، وقضايا مصيرية تتحدد بناء عليها مصائر الشعوب ومستقبل الأمم، ومثل هذه الأمور لا يجوز أن تمضي هكذا دون أن نستعمل انتباهنا بالتحليل والتدقيق.

ونحن الأمة الإسلامية مع الأسف الشديد، تعودنا في الآونة الأخيرة، على ما يمكن أن نسميه (الأحلام أو الدغدغات العاطفية) أمام قضايا كبرى كان ينبغي لنا، بل يجب علينا أن نأخذها مأخذ الجد والعقل والدراسة، والتحليل العلمي المنطقي البعيد كل البعد عن الآثار العاطفية، على ما للعاطفة من دور.

وهذا الحدث العظيم، نموذج لذلك، ونعني به ما يجري الآن في الاتحاد السوفيتي وقد شارف على إكمال السنة الخامسة من بداية عملية أو فكرة إعادة البناء، كما نادى بها الرئيس السوفيتي جورباتشوف، فماذا وراء هذه العملية؟

وماذا يريد بها جورباتشوف؟

وما هي أصداؤها في الغرب؟

وما هي آثارها في واقع الأمة الإسلامية؟

كلها قضايا مهمة.

وإنني لأقول وأؤكد؛ أنني إن استطعت أن أثير الانتباه إلى أهمية القضية وتحليلها ودراستها، فإنني أكون -إن شاء الله- قد نجحت فيما أريد، بغض النظر عن أي تفصيل آخر، إذ الموضوع أخطر وأهم مما يخيل لنا، ومما كتب أو قيل في الأعم الغالب عن هذا الحدث العظيم، الذي وصف بحق بأنه أكبر حدث في تاريخ العالم المعاصر بعد الحرب العالمية الثانية.

أو ليس عجيباً أن ذلك الستار الحديدي ينهار! أو ليس عجيباً أن دولاً استبدادية دكتاتورية، تنهار في أسابيع متلاحقة! وكأنها أمور تجري على المسرح، وإنما هو مسرح الحياة الكبير، وبطل هذا المسرح، وبطل هذه اللعبة رجل داهية متميز له صفات سوف نعرض لبعضها -إن شاء الله- في الحديث عن خططه وأعماله، جعلته يكون -كما أجري في أكثر من إحصاء- رجل العالم للسنوات الحالية.

أو ليس عجيباً! أن الاتحاد السوفيتي يتغير تغيراً مفاجئاً مذهلاً إلى حد الإعلان أن الحزب الشيوعي لن يحتكر السلطة، وأن البلاد تؤمن بالتعددية الحزبية، إنها لأمور لا بد أن تشد الانتباه، ولا بد أن يتصدى لها المؤمنون، والحريصون على مستقبل هذا الأمة بكل تحليل وتدقيق.

ونحمد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، بادئ ذي بدئ أننا نثق في المستقبل البعيد، بلا ريب ولا مرية، ولكن يجب علينا أن نحسب الحساب في مستقبلنا الحالي، في واقعنا المعاصر، ولمستقبلنا القريب، وكيف يمكن أن نكون على مستوى التحدي، وعلى مستوى المواجهة.

إن الشيوعية التي كانت بعبع العالم وصنمه في الستينيات الميلادية (الثمانينات الهجرية) مذهب فكري معروف لدى العالم كله، ولكنه في الوقت نفسه مجهول، فمعروف أنه نظام جماعي استبدادي مطلق، وأنه نظام شمولي -كما يسمى- ونظام عقائدي يبني كل صغيرة وكبيرة على العقيدة والمبدأ، ويفسر التاريخ تفسيراً مبنياً ومشتقاً من العقيدة.

يحلل جميع الأحداث تحليلاً مبنياً على العقيدة الماركسية، ولكن الحقائق الخفية، أو المجهول لا يظهر إلا بعد حين، ومما ينبغي أن يعلم -ونحن لا نستطيع بالطبع عرض الشيوعية كاملة- ولكن نعرض فقط ما يتعلق بالتفسير المادي للتأريخ لنصل منه إلى المرحلة المعاصرة التي هي محل النزاع ومحل النظر والتحليل.

إن الشيوعية تقسم تاريخ الإنسانية إلى مراحل خمس، وهي بإيجاز:

مرحلة الشيوعية البدائية

مرحلة الشيوعية البدائية -كما تصوروها- وهي أن العالم أول ما وجد كان شيوعياً بحتاً، ويسمونها الشيوعية الأولى أو البدائية، أي تماماً على ما نطلق عليه نحن، (بحق وحقيقة) كما نطق به وصرح به كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، من أن البشرية الأولى أول ما كانت على الإسلام: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً [البقرة:213] قال المفسرون: أي: على الإسلام ثم اختلفوا بعد ذلك وكما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث عياض بن حمار - الصحيح-:{وإني خلقت عبادي حنفاء، فاجتالتهم الشياطين} فهكذا عشرة قرون، كانوا على التوحيد حتى ظهر الشرك في قوم نوح.والمقصود أن هذه هي المرحلة الأولى كما يزعمون.

مرحلة الرق

يتبعها بعد ذلك، أو جاء بعدها مرحلة الرق، والانتقال من مرحلة إلى مرحلة، وسببه عامل مادي بحت.

كيف انتقلت الإنسانية بزعمهم كما نظرها ماركس وفريدرك أنجلز وغيرهما إلى مرحلة الرق؟

قالوا: عندما اكتشفت الزراعة عن طريق المرأة -كما يقولون- ورأوا أن البذور التي تتساقط تنبت، فكان هذا العامل الاقتصادي عاملاً أساسيا واحداً للانتقال إلى المرحلة التي تليها وهي مرحلة الرق.

مرحلة الإقطاع

بعد مرحلة الرق يقولون: انتقلت الإنسانية أو المجتمع البشري بعمومه إلى مرحلة الإقطاع، وكيف انتشر الإقطاع؟

أيضاً بعامل مادي، والمقصود أن المراحل المهمة هي الانتقال من الإقطاع إلى الرأسمالية.

مرحلة الرأسمالية

وكان الانتقال من الإقطاع إلى الرأسمالية نتيجة اكتشاف الآلة، كما يقولون في أوروبا الثورة أو الانقلاب الصناعي.

مرحلة الشيوعية

ثم المرحلة الأخيرة بعد الشيوعية الأولى والرق والإقطاع والرأسمالية، تأتي المرحلة الأخيرة التي لا بد أن تقع حتماً وهي الشيوعية النهائية.

المرحلة الأخيرة هي مرحلة سيادة الشيوعية وسيطرة الشيوعية على العالم كله، حيث تلغى الدول، فلا دولة، ولا أسرة، ولا ملكية خاصة، ولا قوانين، ولا مبادئ، ولا أخلاق، إلا مبادئ (البروليتاريا) أي الطبقة الكادحة التي سوف تحكم العالم أجمع، ويكون الفردوس الذي يحلم به الناس جميعاً، كل بحسب طاقته، ولكل بحسب كفايته.

هكذا حَلُم الفكر الشيوعي وأسس هذا في التطبيق أو في مبدأ المنهج النظري وهو -كما هو معلوم- تحوير لمنهج الجدل، أو(الديلكتاليكي)، الذي وضعه هيجل الفيلسوف المثالي الذي هو أكبر فيلسوف ظهر في أوروبا في عصورها كلها، وعلى الأقل في العصر التاسع عشر، أو العصر الحديث، فحول عالم المثل الخيالية، إلى عالم الواقع، وحول التطور الذي نادى به داروين من نظرية علمية بيولوجية (أحيائية) إلى أن وضع أساساً للتغير الحتمي، عندما يصبح العالم حتماً وقهراً شيوعياً.

مرحلة الشيوعية البدائية -كما تصوروها- وهي أن العالم أول ما وجد كان شيوعياً بحتاً، ويسمونها الشيوعية الأولى أو البدائية، أي تماماً على ما نطلق عليه نحن، (بحق وحقيقة) كما نطق به وصرح به كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، من أن البشرية الأولى أول ما كانت على الإسلام: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً [البقرة:213] قال المفسرون: أي: على الإسلام ثم اختلفوا بعد ذلك وكما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث عياض بن حمار - الصحيح-:{وإني خلقت عبادي حنفاء، فاجتالتهم الشياطين} فهكذا عشرة قرون، كانوا على التوحيد حتى ظهر الشرك في قوم نوح.والمقصود أن هذه هي المرحلة الأولى كما يزعمون.

يتبعها بعد ذلك، أو جاء بعدها مرحلة الرق، والانتقال من مرحلة إلى مرحلة، وسببه عامل مادي بحت.

كيف انتقلت الإنسانية بزعمهم كما نظرها ماركس وفريدرك أنجلز وغيرهما إلى مرحلة الرق؟

قالوا: عندما اكتشفت الزراعة عن طريق المرأة -كما يقولون- ورأوا أن البذور التي تتساقط تنبت، فكان هذا العامل الاقتصادي عاملاً أساسيا واحداً للانتقال إلى المرحلة التي تليها وهي مرحلة الرق.

بعد مرحلة الرق يقولون: انتقلت الإنسانية أو المجتمع البشري بعمومه إلى مرحلة الإقطاع، وكيف انتشر الإقطاع؟

أيضاً بعامل مادي، والمقصود أن المراحل المهمة هي الانتقال من الإقطاع إلى الرأسمالية.

وكان الانتقال من الإقطاع إلى الرأسمالية نتيجة اكتشاف الآلة، كما يقولون في أوروبا الثورة أو الانقلاب الصناعي.

ثم المرحلة الأخيرة بعد الشيوعية الأولى والرق والإقطاع والرأسمالية، تأتي المرحلة الأخيرة التي لا بد أن تقع حتماً وهي الشيوعية النهائية.

المرحلة الأخيرة هي مرحلة سيادة الشيوعية وسيطرة الشيوعية على العالم كله، حيث تلغى الدول، فلا دولة، ولا أسرة، ولا ملكية خاصة، ولا قوانين، ولا مبادئ، ولا أخلاق، إلا مبادئ (البروليتاريا) أي الطبقة الكادحة التي سوف تحكم العالم أجمع، ويكون الفردوس الذي يحلم به الناس جميعاً، كل بحسب طاقته، ولكل بحسب كفايته.

هكذا حَلُم الفكر الشيوعي وأسس هذا في التطبيق أو في مبدأ المنهج النظري وهو -كما هو معلوم- تحوير لمنهج الجدل، أو(الديلكتاليكي)، الذي وضعه هيجل الفيلسوف المثالي الذي هو أكبر فيلسوف ظهر في أوروبا في عصورها كلها، وعلى الأقل في العصر التاسع عشر، أو العصر الحديث، فحول عالم المثل الخيالية، إلى عالم الواقع، وحول التطور الذي نادى به داروين من نظرية علمية بيولوجية (أحيائية) إلى أن وضع أساساً للتغير الحتمي، عندما يصبح العالم حتماً وقهراً شيوعياً.

نسوق هذه الحقيقة لنقول: إن الفكر الشيوعي يقول- وهذا من ضرورياته ولا ردة عن هذا المبدأ- إن العالم حتماً سيصل إلى مرحلة الشيوعية المطلقة، وحكومة أو مجتمع البروليتاريا (أي الطبقة الكادحة).

والتراجع عن هذه الفكرة هو هدم لكل الأسس الخمسة، هدم للتفسير المادي للتاريخ بأكمله، وبالتالي فهو هدم للنظرية الماركسية، وللنظرية الشيوعية مطلقاً، هذا من جهة المنهج.

أما من جهة التطبيق فـالشيوعية أول ما وجدت كوجود حقيقي- بغض النظر عن حكومة الكوميو التي وجدت في باريس أو غيرها مما يسمى بالشيوعيات الساذجة- وجدت وجوداً فعلياً في ثورة عام (1917م)، في الاتحاد السوفيتي عندما ثار الشيوعيون، بل في الحقيقة ثار الشعب الروسي الذي ضغط على الحكومات القيصرية وعلى الاضطهاد والظلم والإقطاع، ثار بعد أن توالت الثورات -طبعاً كانت أول ثورة في أوروبا هي الثورة الفرنسية عام (1787م)- ثم توالت الثورات وآخر ثورة تقريباً هي الثورة الروسية (1917م).

عندما قامت الثورة، كان أول من قام بها فئات لا يهمنا الآن الحديث عنها، وإنما يهمنا أن الشيوعيين تسلقوا وقطفوا ثمرة الثورة بعد أشهر من قيامها، وحولوها إلى ثورة شيوعية، وكان هذا أول انعطاف عن المراحل الخمس، التي وضعها ماركس، وذلك أن روسيا انتقلت من دولة زراعية إلى دولة شيوعية، وهنا نقطة مهمة بالنسبة للتأريخ.

كان الحاكم الأول هو لينين وهو رجل يهودي معروف وهو أول من حكم ونَظَّر.

اضطر لينين إلى تنظير جديد، يتناسب مع المرحلة الموجودة، فقد كان ماركس وفريدرك قد تنبأ بأن الدولة المهيأة لأن تكون شيوعية هي بريطانيا، والسبب هو أنها الدولة التي بلغت قمة الرأسمالية في ذلك الزمن، فبالتالي النقلة الطبيعية من رأسمالية إلى شيوعية سهلة عليها.

أما النقلة من مجتمع زراعي إلى مجتمع شيوعي، فمعنى ذلك أنه لا بد من مرور بالمرحلة الحتمية الجبرية، التي هي المرحلة الخامسة، وهذه قضية فكرية، صاحبها في الواقع أن لينين عندما حكم البلاد، سلم الحكم -أو كما زعم- إلى مجالس السوفيت والبروليتاريا فعجزوا عن إدارة البلاد -وطبيعي أن يعجزوا عن ذلك- وهنا تدخل لينين ولخطط مقصودة أراد أن يحرف المسار عن التطبيق الحرفي للشيوعية.

انقسمت الفئة أو الطغمة الشيوعية على نفسها في تلك الأثناء، وظهر المصطلح المعروف وهو البلشفيك والمشفيك، والبلشفيك معناها الأكثرية، والمشفيك معناها الأقلية.

الأكثرية كانت تدعي أنها على منهج لينين، وكان منها جوزيف استالين الطاغية المعروف المشهور، والمشفيك الأقلية، كان لها نظرة في التطبيق تختلف، ولها تفسير للاشتراكية الحقيقة تختلف وكانت بزعامة تراوتسكي.

الحكم الشيوعي في عهد إستالين

وحصل الانشقاق الأول، ومن هنا ظهر الانتقاد، والقول بأن الشيوعية لم تطبق وأن الانحراف وقع عن مبادئ ماركس على يد لينين.

توفي لينين وانتهى عام (1925م)، وورث الحكم الطاغية الرهيب المستبد استالين الذي دمر الشعوب، ولا سيما الأمم الإسلامية وقتل منها عشرات الملايين في مجزرة رهيبة بعد أن وضعت لهم الوعود المعسولة، بأن حكم القيصر وظلمه قد انتهى، وإننا نحن رسل الإنسانية والعدالة والحرية، وأن في إمكان المسلمين بل يجب عليهم أن يكونوا معنا يداً واحدة في هذا العصر الجديد الزاهي، لنحقق العدالة والأخوة والمحبة.

وخُدع المسلمون بالطبع، أو طائفة كبيرة منهم -على الأقل- بهذه العهود المعسولة والأماني، ثم عقبها انقضاض استالين وبكل شراسة وعنف، على الإبادة الجماعية للمسلمين والتهجير الجماعي، حتى إن جمهوريات إسلامية كاملة، هُجِّر أهلها بالكامل، وأحل محلها مستوطنون من روسيا ومن النصارى، ونزح بهؤلاء المسلمين إلى سيبيريا والمصانع في مناطق أخرى.

فترة استالين هذه سماها جورباتشوف نفسه في كتابه إعادة البناء: "مرحلة عبادة الفرد"، وهكذا كان بالفعل، ومع ذلك، حتى جورباتشوف نفسه يعتذر لـاستالين بأن ظروف الحرب والأوضاع الدولية أملت عليه بعض التصرفات وإن كان لا يرى أنها كافية للعذر.

مرت مرحلة استالين، وكانت العلاقة مع العالم متأثرة فعلاً بظروف الحرب العالمية الثانية، وكان الغرب والشرق - أعني غرب أوروبا وشرقها- مضطراً للتعاون والاندماج في سبيل القضاء على النازية والفاشية على هتلر وموسليني دول المحور (محور الوسط).

كان لا بد من شيء من هذا، فـاستالين جعل هذا غطاءٌ لحكم استبدادي مطلق، ولتعديلات جذرية في المنهج الشيوعي فكراً وتطبيقاً على أن الأمر أمر مرحلي! وأن المسألة لن تتجاوز استثناءات وقتية أملتها الظروف، وبعد هذه الإجراءات الاستثنائية، وبعد انتهاء الحرب يمكن أن تعود الأمور إلى مجاريها، ولكن طال الأمد جداً وحكم هذا الطاغوت حكماً طويلاً، وكانت العلاقة مع الغرب كما قلنا علاقة وئام بسبب الموقف الموحد من النازية والفاشية. أعقب ذلك - ونحن نوجز الأحقاب سريعاً حتى نصل إلى المرحلة الحالية- مرحلة خورتشوف.

جاء خورتشوف وقال: ''إن استالين انحرف'' وندد بسياسة استالين تنديداً فضيعاً، وقال لا بد من العودة إلى منهج لينين العظيم، وهناك ما يشبه النكتة وهي حقيقة وقعت، بعد أن تولى خورتشوف رئاسة الاتحاد السوفيتي، وعقد اجتماعاً موسعاً في اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، أخذ يتحدث لهم عن مساوئ استالين، ومظالمه واستبداده ودكتاتوريته، فجاءته أوراق، ومن جملة الأوراق جاءت ورقة مكتوب فيها: أين كنت يوم كان استالين يصنع هذه الأمور؟ وهو سؤال وجيه.

طبعاً كان موجوداً في الوزارة، مشتركاً في كل النشاطات، ومع ذلك كان ساكتاً، والآن يندد تنديداً رهيباً فضيعاً.

وكان خورتشوف داهية خبيثاً كالباقين هؤلاء، طبعاً وهم يهود، فـلينين يهودي، واستالين يهودي، وخورتشوف يهودي، وبرجنيف يهودي.

فقال: من الذي كتب هذه الورقة لأتناقش معه؟ فلم يرفع أحد يده.

قال له: كنت أنا في أيام استالين كما أنت الآن في أيامي.

إذن من يستطيع التكلم، فالقضية واحدة! المهم أن اللاحق ينتقد السابق، وهكذا.

الحكم الشيوعي في عهد خورتشوف

خورتشوف مرحلته تميزت بما يسمى بالتعايش السلمي، وقد كان معاصراً لـجون كنيدي الرئيس الأمريكي القوي، وهو الذي حدثت في أيامه أزمة صواريخ كوبا وغيرها، وانتشر السلاح النووي في العالم، وكادت أن تؤدي إلى حرب عالمية ثالثة.

فاضطر الاتحاد السوفيتي أمام ضغوط كثيرة، إلى إعلان ما يسمى بالتعايش السلمي والتآلف بين الشعوب، وكانت مرحلة الحرب الباردة التي استمرت، ولكن اتفق الطرفان على أن لا يبدأ أحدهما الآخر بهجوم.

وكان الهدف الشيوعي في هذه المرحلة يتلخص في: تنشيط الأحزاب الشيوعية في أوروبا الغربية، وفي العالم الإسلامي، وفي العالم الثالث- لتقوم الثورات تلقائياً من داخل هذه الشعوب.

وتسيطر الأحزاب الشيوعية، وحينئذٍ تسيطر الشيوعية على العالم.

وبذل الاتحاد السوفيتي لـخورتشوف جهوداً كبرى مضنية، لنشر الشيوعية ومساعدات كبرى ضخمة للأحزاب الشيوعية التي لم يبق بلد في العالم إلا وأنشئت فيه، حتى الدول الغربية التي هي أشد حرباً للفكر الشيوعي (كـأمريكا مثلاً).

وجدت الأحزاب الشيوعية، واستطاعوا أن يقيموا حتى في العالم الإسلامي دولاً شيوعية ومن بعضها قامت ثورات شيوعية ولكنها فشلت، كما حدث في السودان، وكما حدث في إندونيسيا فتحكم عدة أيام ثم تنتهي، وأما الأحزاب كأحزاب فبقيت منتشرة وموجودة في الدول كلها، وعن طريق دول عدم الانحياز وغيرها استطاعوا إيجاد مجالات أوسع للتغلغل الفكري والثقافي لنشر الشيوعية في العالم.

ولكن الذي حصل أنه عندما ذهب خورتشوف وجاء دور برجنيف وكان هو الرجل البارز في هذه المرحلة، رأى أن الأمر لم يؤد دوره المطلوب، وأن الوضع قد تفاقم داخلياً وخارجياً، وأن الشيوعية كادت بالفعل بل فشلت فشلاً ذريعاً بأن تسيطر على العالم، وبدا هذا لديهم في مرحلة برجنيف.

وقد كان الأمل معلقاً في الحقيقة على الأحزاب الشيوعية في أوروبا الغربية، ومدى ما تصل إليه من نجاح، وعلى التغيير الداخلي، إذ الانهيار الذي حصل في الاتحاد السوفيتي كان فضيعاً جداً في المجال الزراعي، وفي المجال الصناعي تفوق الغرب تفوقاً بعيد المدى.

استيقظ العالم في أكثر من منطقة وبدأ ينافس الشرق والغرب، ظهرت اليابان، وظهرت كوريا، ثم بدأت تظهر بعض الدول التي بدأت تنافس، فكان هناك خطر محدق بوجود الاتحاد السوفيتي كقوة عالمية عظمى، وكان لا بد من إعادة الحساب مرة أخرى.

الحكم الشيوعي في عهد ميخائيل جورباتشوف

هنا اصطنع بشكل ما ميخائيل جورباتشوف، وقد كان أعضاء الحزب الشيوعي الكبار كلهم من العجائز، الذين تعدوا السبعين أو الثمانين، وهذا الشاب الوحيد الذي رُبّي على أعين الحزب -بغض النظر عن الخلاف في هذه القضية على أية حال- لكن الأحداث الواضحة الجلية تدل على أن هذا الشاب ربي، وأنه يجمع بين الذكاء، والثقافة الواسعة في الفكر الشيوعي، والدهاء السياسي، والقدرة على إقناع الجماهير، وكل هذه الصفات جمعت في ميخائيل جورباتشوف، ورقي بسرعة إلى أن أصبح قابضاً على أعلى المناصب.

وهنا طرف لا بد أن نعرض له: وهو أن الغرب تدخل إلى حد ما في إذكاء جماهيرية وشعبية جورباتشوف، وفي فتح مجالات جديدة أمامه, ووعود معسولة فيما لو قام بنوع التجديد الذي بيِّت له. نستطيع نحن المسلمين -أو أي محلل آخر- أن نقول: إن وراء ذلك اتفاقاً سرياً ما وسيكشف، لكن سنحصد الأحداث الظاهرية نوعاً ما، حتى نرى ما ستكون النتيجة.

فجأة يبرز جورباتشوف ويبرز زعيماً أوحداً كما برز استالين، وكما كان خورتشوف وكما كان برجنيف في فترة ما يسيطر على أزمة الأمور.

وحصل الانشقاق الأول، ومن هنا ظهر الانتقاد، والقول بأن الشيوعية لم تطبق وأن الانحراف وقع عن مبادئ ماركس على يد لينين.

توفي لينين وانتهى عام (1925م)، وورث الحكم الطاغية الرهيب المستبد استالين الذي دمر الشعوب، ولا سيما الأمم الإسلامية وقتل منها عشرات الملايين في مجزرة رهيبة بعد أن وضعت لهم الوعود المعسولة، بأن حكم القيصر وظلمه قد انتهى، وإننا نحن رسل الإنسانية والعدالة والحرية، وأن في إمكان المسلمين بل يجب عليهم أن يكونوا معنا يداً واحدة في هذا العصر الجديد الزاهي، لنحقق العدالة والأخوة والمحبة.

وخُدع المسلمون بالطبع، أو طائفة كبيرة منهم -على الأقل- بهذه العهود المعسولة والأماني، ثم عقبها انقضاض استالين وبكل شراسة وعنف، على الإبادة الجماعية للمسلمين والتهجير الجماعي، حتى إن جمهوريات إسلامية كاملة، هُجِّر أهلها بالكامل، وأحل محلها مستوطنون من روسيا ومن النصارى، ونزح بهؤلاء المسلمين إلى سيبيريا والمصانع في مناطق أخرى.

فترة استالين هذه سماها جورباتشوف نفسه في كتابه إعادة البناء: "مرحلة عبادة الفرد"، وهكذا كان بالفعل، ومع ذلك، حتى جورباتشوف نفسه يعتذر لـاستالين بأن ظروف الحرب والأوضاع الدولية أملت عليه بعض التصرفات وإن كان لا يرى أنها كافية للعذر.

مرت مرحلة استالين، وكانت العلاقة مع العالم متأثرة فعلاً بظروف الحرب العالمية الثانية، وكان الغرب والشرق - أعني غرب أوروبا وشرقها- مضطراً للتعاون والاندماج في سبيل القضاء على النازية والفاشية على هتلر وموسليني دول المحور (محور الوسط).

كان لا بد من شيء من هذا، فـاستالين جعل هذا غطاءٌ لحكم استبدادي مطلق، ولتعديلات جذرية في المنهج الشيوعي فكراً وتطبيقاً على أن الأمر أمر مرحلي! وأن المسألة لن تتجاوز استثناءات وقتية أملتها الظروف، وبعد هذه الإجراءات الاستثنائية، وبعد انتهاء الحرب يمكن أن تعود الأمور إلى مجاريها، ولكن طال الأمد جداً وحكم هذا الطاغوت حكماً طويلاً، وكانت العلاقة مع الغرب كما قلنا علاقة وئام بسبب الموقف الموحد من النازية والفاشية. أعقب ذلك - ونحن نوجز الأحقاب سريعاً حتى نصل إلى المرحلة الحالية- مرحلة خورتشوف.

جاء خورتشوف وقال: ''إن استالين انحرف'' وندد بسياسة استالين تنديداً فضيعاً، وقال لا بد من العودة إلى منهج لينين العظيم، وهناك ما يشبه النكتة وهي حقيقة وقعت، بعد أن تولى خورتشوف رئاسة الاتحاد السوفيتي، وعقد اجتماعاً موسعاً في اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، أخذ يتحدث لهم عن مساوئ استالين، ومظالمه واستبداده ودكتاتوريته، فجاءته أوراق، ومن جملة الأوراق جاءت ورقة مكتوب فيها: أين كنت يوم كان استالين يصنع هذه الأمور؟ وهو سؤال وجيه.

طبعاً كان موجوداً في الوزارة، مشتركاً في كل النشاطات، ومع ذلك كان ساكتاً، والآن يندد تنديداً رهيباً فضيعاً.

وكان خورتشوف داهية خبيثاً كالباقين هؤلاء، طبعاً وهم يهود، فـلينين يهودي، واستالين يهودي، وخورتشوف يهودي، وبرجنيف يهودي.

فقال: من الذي كتب هذه الورقة لأتناقش معه؟ فلم يرفع أحد يده.

قال له: كنت أنا في أيام استالين كما أنت الآن في أيامي.

إذن من يستطيع التكلم، فالقضية واحدة! المهم أن اللاحق ينتقد السابق، وهكذا.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور سفر الحوالي - عنوان الحلقة اسٌتمع
المناهج 2599 استماع
(قاعدة أهل السنة في معاملة الأمة) لابن تيمية 2575 استماع
العبر من الحروب الصليبية 2509 استماع
محبة الرسول صلى الله عليه وسلم 2462 استماع
إبلاغ الأمة بكيفية محبة الرسول 2349 استماع
من أعمال القلوب: (الإخلاص) 2265 استماع
العبر من الحروب الصليبية [1، 2] 2261 استماع
الممتاز في شرح بيان ابن باز 2251 استماع
خصائص أهل السنة والجماعة 2198 استماع
الشباب مسئولية من؟ 2167 استماع