تفسير آيات الأحكام [41]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فقد تقدم الكلام معنا فيما يتعلق بالعدد، ومتعة الطلاق، وعدة المتوفى عنها زوجها، وفي متعتها، وتقدم معنا في عدد الطلاق ومهر المطلقة، وكذلك في أنواع الطلاق، وتكلمنا على المحافظة على الصلوات في قول الله عز وجل: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى [البقرة:238]، وكذلك صلاة الخوف لما عرضت لرسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم الأحزاب، وتكلمنا على ذلك، ويأتي تفصيل ذلك بإذن الله عز وجل في سورة النساء.

توقفنا عند قول الله عز وجل: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ [البقرة:240]، الله سبحانه وتعالى ذكر في عدة المتوفى عنها زوجها أنها تتربص أربعة أشهر وعشراً، وهذا مما لا خلاف عند العلماء عليهم رحمة الله تعالى فيه.

وهذه الآية التي ذكر الله عز وجل فيها حال المرأة بعد وفاة زوجها ذكر الله سبحانه وتعالى في هذه الآية أمرين:

الأمر الأول: تربص المرأة بعد وفاة زوجها حولاً كاملاً، وهذا التربص هو تربص الزوجة في بيت زوجها.

الأمر الثاني: ذكر الله عز وجل المتعة، مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ [البقرة:240]، يعني: أنه يجب للزوجة في مال زوجها المتاع مدة تربصها في بيت زوجها.

هنا ذكر الله سبحانه وتعالى الوصية للأزواج أن يتربصن حولاً، وذكر الله سبحانه وتعالى كذلك المتعة حولاً، وفيما تقدم معنا أن الله جل وعلا جعل عدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهرٍ وعشراً، وهذا في حق الزوجة من جهة المال، والسكنى بعد وفاة زوجها من غير الميراث.

وأما الآية السابقة فالعدة التي تكون على المرأة وهي ما يسمى بالحداد، تقدم معنا الكلام على هذه المسألة.

ومن العلماء من جعل هذه الآية سابقة للآية الأولى، ومنهم من جعل هذه الآية لاحقة للآية الثانية، ويأتي الكلام على ذلك.

أحكام المتوفى عنها زوجها والمرأة المطلقة

الله سبحانه وتعالى لطيف بعباده، ويجعل لحكمته جل وعلا أحكاماً تختلف وتتباين، وقد جعل الله سبحانه وتعالى للمرأة التي يتوفى عنها زوجها من الأحكام ما تختلف عن المرأة التي تكون في طلاق، وكلاهما مفارقة بين الزوجين، الطلاق مفارقة بين الزوجين، والوفاة مفارقة، ولكن بالنسبة للطلاق يكون من الزوج لزوجته باختيار، وأما بالنسبة لمفارقة الوفاة فإنه لا اختيار لواحد منهما في ذلك، ولهذا جعل الله سبحانه وتعالى العدد في ذلك متباينة، والحق في ذلك متبايناً، فجعل الله عز وجل في ابتداء الأمر للزوجة إذا مات عنها زوجها أن تبقى في بيت زوجها حولاً؛ لأن فراقها لزوجها ليس باختيارها، ولا عن علم منها غالباً، ثم إن الوفاة يصاحبها ألم ومصيبة تكون من الزوجة على زوجها، مما يشغلها عن تدبر أمرها، والنظر إلى مستقبل حالها، فجعل الله عز وجل لها من الحق والمتعة ما يختلف عن المطلقة التي طلقها زوجها باختيارها، فغالباً أن الألم والمصيبة التي تلحق الزوجين في المفارقة بالطلاق تختلف عن الوفاة التي تلحق الزوجة، فهي تأسف على وفاة زوجها، ثم تعتد عليه بعد وفاته أربعة أشهر وعشراً بخلاف ما يتعلق بعدة المطلقة، فإن عدة المطلقة في ظاهرها أنها استبراء، وتقدم معنا في ذكر الأقراء في قول الله عز وجل: ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة:228]، والمراد بذلك وكلام السلف عليهم رحمة الله في هذه المعاني.

ولما كانت المفارقة بين الزوجين في مسألة الطلاق تختلف وتتباين عن أمر الوفاة جعل الله جل وعلا لمن فارقت زوجها بسبب وفاته من الحق يختلف عن أمر الطلاق، فجعل لمن توفى عنها زوجها التربص في بيت زوجها حولاً، وهذا في ابتداء الأمر قبل أن يفصل الله عز وجل المواريث، وقبل أن يفصل عدة المرأة المتوفى عنها زوجها في تربصها أربعة أشهر وعشراً على ما تقدم معنا.

الجمع بين آية الإحداد وقوله تعالى: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصية...)

إذاً: هذه الآية وقع خلاف عند العلماء في تقدمها على آية الإحداد، فمن العلماء من قال: إن آية الإحداد ناسخة لهذه الآية مع أن آية الإحداد سابقة من جهة الموضع في سورة البقرة، وهذا عند عامة العلماء، على أن هذه الآية آية منسوخة، وأن المرأة إذا توفي عنها زوجها فإنها تمكث عدتها أربعة أشهرٍ وعشراً، وأن الحول في هذه الآية منسوخ.

وثمة قول آخر لبعض السلف وهو قول مجاهد بن جبر : أن هذه الآية محكمة، وأنها كما في ترتيبها في المصحف بعد آية عدة الحداد في المتوفى عنها زوجها، قال: وهذه الآية لها حكم منفصل عن تلك الآية، و مجاهد بن جبر روي عنه في هذه الآية في نسخها وعدمها وترتيبها روي عنه قولان:

القول الأول: يوافق فيه عامة العلماء أن آية الإحداد ناسخة لهذه الآية، ولو كانت سابقة لها من جهة الموضع، إلا أنه من جهة النزول هي لاحقة وهذه الآية سابقة، وبها نعلم أن ترتيب القرآن لم يرتبه العلماء من الصحابة عليهم رضوان الله تعالى بحسب نزوله، وإنما له مقتضيات في ذلك يطول ذكرها في مسألة ترتيب آي القرآن.

مجاهد بن جبر روي عنه في ذلك قولان: قول بأن هذه الآية منسوخة، وقول بأن هذه الآية محكمة وليست منسوخة.

وقد روى الإحكام البخاري رحمه الله في كتابه الصحيح، قال بالنسخ ابن جريج في روايته عن مجاهد بن جبر وهو ما يوافق عامة العلماء، وقال بعدم النسخ فيما رواه عن مجاهد بن جبر شبل كما رواه ذلك البخاري رحمه الله، وكأنه يوهم البخاري رحمه الله قول مجاهد بن جبر في أن هذه الآية محكمة، فقال: زعم ذلك شبل يعني: عن مجاهد بن جبر مع كون هذا الإسناد في ذلك صحيحاً.

وعلى كلا الحالين لا بد من الكلام على هذه الآية، سواءً كانت منسوخة أو ليست منسوخة لبيان الحكم المترتب على ذلك؛ لأننا لو قلنا بالنسخ في هذه الآية فليس لنا أن نقول: بنسخ جميع أحكامها؛ لأن هذه الآية تتضمن تربص المرأة حولاً كاملاً بعد وفاة زوجها في بيته، وليس هذا الإحداد، لأن الإحداد أربعة أشهر وعشراً، ولكن المراد بذلك أن لها حقاً في بيت زوجها ليس لها أن يخرجها الورثة، لا الأبناء ولا غيرهم أن يخرجوا الزوجة في حال وفاة زوجها حولاً كاملاً.

إذاً: الخلاف عند العلماء عليهم رحمة الله فيما زاد أربعة أشهر وعشراً، وأما بالنسبة لعدة المتوفى عنها زوجها، وبقاء المرأة في بيت زوجها فهذه مسألة أخرى قد تقدم الكلام عليها.

والمسألة الثانية في هذا هي المتعة في مسألة النفقة، هل يسقط في ذلك حقها عند القول بالنسخ أو لا يسقط، ويدخل في ذلك في باب النفقة الكسوة، ويأتي الكلام عليه بإذن الله تعالى.

الحكمة من التفريق بين أحكام المطلقة وأحكام المتوفى عنها زوجها

في هذه الآية على ما تقدم إشارة إلى حكمة الله سبحانه وتعالى بالتقرير في مواضع المفارقة بين الزوجين، فالله عز وجل على ما تقدم فرّق بين فراق الطلاق وبين فراق الوفاة؛ لأن فراق الوفاة فيه ألم وحسرة، والمرأة لا تستقبل من الخطاب، ولا تستقبل من أمرها لمصيبتها التي هي فيه، كذلك فإن الشارع ألزمها بالحداد، وذلك أربعة أشهر وعشراً، فمدتها وعدتها أكثر من المطلقة، وذلك حق للزوج عليها.

وهذه الآية يُخاطب فيها الأزواج بمعرفة الأحكام التي تتعلق بالزوجة بعد وفاته؛ ولهذا يقول الله سبحانه وتعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ [البقرة:234]، والمراد بذلك هم الرجال، وهذا ظاهر في قوله: (أزواجهم) إشارة إلى خطاب الرجال، وكذلك أيضاً: فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ [البقرة:234]، أي: أن الخطاب من الرجال إلى النساء.

ولا يتعلق في الزوج عند وفاة زوجته حكم، لا في مسألة التربص ولا في مسألة المتعة، وهذا لا خلاف عند العلماء عليهم رحمة الله فيه، وأما ما يتعلق بذكر الله عز وجل للأزواج، فهذا إشارة إلى خروج ما عدا الأزواج في ذلك، وذلك من الإماء، فإنه لا حق للأمة في مال سيدها عند وفاته لكونها من جملة المال، والله سبحانه وتعالى إنما ذكر الأزواج هنا وهذا تخصيص لهن عن غيرهن.

المراد بالوصية في قوله تعالى: (وصية لأزواجهم..)

وفي قوله سبحانه وتعالى: وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا [البقرة:240]، جاءت هذه الآية على قراءتين (وصيةً) بالنصب، وجاءت بالرفع، الرفع باعتبار ذلك حملاً على قوله: كتبت، يعني: الوصية، والذي كتبها هو الله سبحانه وتعالى، وليس المراد الخطاب للأزواج أن يكتبوا وصية عند وفاتهم، وذلك أنه حق من الله سبحانه وتعالى للزوجة تستحقه بعد وفاة زوجها، وهذا على ما تقدم رحمة من الله عز وجل ولطفاً بالمرأة، وذلك بعد وفاة زوجها أن تتربص في أمرها، وتبقى في بيت زوجها لا يخرجها الورثة ما دامت في العدة، وهذا كذلك حق للزوجة لها أن تتنازل عنه، فإذا تركته يسقط في ذلك التبع، ومعلوم أن الله عز وجل ذكر التربص وذكر المتاع، والمتاع المراد بذلك هو النفقة عليها بطعام وشراب وكساء.

المتاع للمتوفى عنها زوجها إذا أسقطت السكنى

فإذا أسقطت المرأة السكنى فهل يصلح من ذلك المتاع لأنها خرجت من بيت زوجها بخيارها، هل يخرج من ذلك أم لا؟

من العلماء من قال بالتلازم، قال: إذا أسقطت، أو إذا تركت المرأة بيت زوجها باختيارها من غير ضرورة ولا حاجة، والضرورة في ذلك أن تخاف المرأة من صفوة أو سرقة أو نحو ذلك، أو حاجة كأن تستوحش المرأة وحدها وإن كانت في أمان، كأن تكون المرأة قد توفي عنها زوجها من غير ذرية، ولا يوجد في ذلك أحد في بيتها فيقال حينئذٍ بجواز خروجها.

فإذا خرجت من غير ضرورة من بيت زوجها فهل يسقط من ذلك المتعة؟ جمهور العلماء قالوا بسقوط المتعة، ومن العلماء من قال بعدم سقوط المتعة إذا خرجت من بيت زوجها باعتبار أنها أسقطت بعضاً وأبقت بعضاً من حقها، وهذا حق لها تضع منه ما تشاء، وتأخذ منه ما تشاء.

ووجوب بقاء المرأة في بيت زوجها بعد وفاته: هل هو واجب أم حق تختاره المرأة أو تسقطه؟ ظاهر هذه الآية أنه اختيار للمرأة، إن شاءت فعلته وإن لم تشأ أن تفعله، وذلك أن الله سبحانه وتعالى قال: غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ [البقرة:240]، يعني: فإن فعلن باختيارهن ولم يتربصن في بيت أزواجهن فخرجن: فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ [البقرة:240]، وهذا السياق دليل على أن المرأة لو خرجت من بيت زوجها في عدة وفاتها ففعلت في نفسها شيئاً باختيار وذلك في مواضع الحاجات ونحو ذلك كأن تقيم عند أهل زوجها، أو عند أهلها، فهذا مما لا حرج به؛ لدلالة السياق؛ لأن الله عز وجل قال: مِنْ مَعْرُوفٍ [البقرة:240] فسماه معروفاً، والله عز وجل لا يسمي الأمر المحرم معروفاً، فجعل الله عز وجل اختيارها لنفسها ذلك من المعروف، وكذلك فإن المرأة في حال اتخاذ أو إسقاط حقها من السكنى في بيت زوجها، وسقوط النفقة على قول من قال بإسقاط النفقة في ذلك، هل يسقط من ذلك النفقة والمتعة لغيرها أم لا؟ وذلك كأن يكون لها ذرية تقوم بشأنهم أم لا؟ فهل يجب النفقة على الذرية على سبيل الخصوص من غير الميراث أم لا؟

نقول: إنه بمجرد وفاة الزوج ينقلب مال الزوج إلى ميراث، وهذا الذي ذهب إليه عامة السلف عليهم رحمة الله في هذه الآية، أن هذه الآية منسوخة بعدة الوفاة، وهي الإحداد، وهذا جاء عن عبد الله بن عباس عليه رضوان الله فيما رواه ابن جرير الطبري من حديث علي بن أبي طلحة عن عبد الله بن عباس ، وجاء عن مجاهد بن جبر و سعيد بن جبير وغيرهم، أن هذه الآية كانت في حقبة ثم نسخت بعدة الوفاة من جهة الزمن، فالحول نسخ بأربعة أشهر وعشراً، وأما بالنسبة للمتعة فنسخت بالميراث، فأعطيت حقاً من الميراث تأخذه وتمتع به نفسها.

ومن العلماء على ما تقدم، وهو قول مجاهد بن جبر قال: إن المتعة قائمة خارجة عن الميراث، وهذا له حظ من النظر، ولكن الميل إلى ما ذهب إليه عامة السلف أقرب إلى الرجحان.

رفع الحرج عن الأزواج إذا لم تبق الزوجات في بيوتهم بعد موتهم

وقوله هنا: فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ [البقرة:240]، هذا رفع للحرج عن الأزواج ألا يكلفوا أزواجهم بوصية بعد وفاتهم يلزمن البيوت ألا يخرجن منها، فالأمر يتعلق بالزوجة ولا يتعلق بالزوج، فليس للزوج أن يأمر بوصية أو يكتب وصية بعد وفاته أن المرأة لا تخرج من بيتها، فيقال: إن الله عز وجل قد جعل الحق في ذلك للزوجة لا للزوج، فلو خرجت باختيارها، وخالفت وصية زوجها، فنقول: إن الأمر في ذلك لا حرج فيه، ولا تأثم في ذلك الزوجة، باعتبار أن الزوجة لا يكلفها بشيء بعد وفاها، وإنفاذ الوصية في ذلك ليس بواجب.

وفي قوله سبحانه وتعالى: فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ [البقرة:240] إشارة إلى أن المرأة بعد وفاة زوجها أمرها إليها من جهة الاختيار، فالمرأة البكر أمرها إلى وليها وإذنها صماتها، فإذا سكتت ولم تجب، فإن ذلك كان برضاها إذا أراد وليها أن يزوجها، وأما بالنسبة للثيب فإن أمرها إليها لا بد أن يظهر منها قبول أو رفض، فيكون الولي في ذلك يمضي فقط، من العلماء من قال: إن اليتيمة تأخذ حكم الثيب، وليس لمن تولى أمرها أن يجعل صماتها في ذلك كحكم القبول، وهذا له وجاهة، وذلك أنه قد جاء في حديث أبي هريرة عليه رضوان الله تعالى قال: ( واليتيمة تُستأمر في نفسها )، وهذا له حظ من النظر، وإن كانت المسألة خلافية عند السلف لموافقته للدليل، كذلك فإن الإنسان ينظر إلى اليتيمة التي تكون في حجره نظرة تختلف عن بنته، وذلك أن بنته ينظر إليها من جهة الشفقة والمودة والمحبة وقضاء الحاجة، والرأفة بها، فتختلف عن اليتيمة التي تكون في حجره، فربما أراد منها خلاصاً أو وجد منها كلفة لرعايتها والقيام بها، فيستغل سكوتها، وربما حملها على ما لا تريد، فيطلب منها أن تقبل أو ترفض، وتظهر ذلك كله، فتأخذ بذلك حكم الثيب.

أمر المرأة الثيب إليها

وقوله جل وعلا: فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ [البقرة:240]، إشارة إلى أن الثيب يرجع فيها إلى اختيارها بذاتها، ولا يرجع في هذا إلى وليها، ولكن وليها هو الذي يقوم بعقد النكاح، وتقدم معنا الكلام في ذلك عند قول الله سبحانه وتعالى: وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ [البقرة:221].

وفي قوله سبحانه وتعالى: وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة:240] إشارة إلى ما تقدم الكلام عليه أن الله سبحانه وتعالى فرق بين عِدِد النساء من جهة المطلقة، والمتوفى عنها زوجها، والتفريق في ذلك للخلاف بين الحالين، وهذا غاية في الإحكام، فالمفارقة بالطلاق تختلف عن المفارقة في أمر الوفاة.

الله سبحانه وتعالى لطيف بعباده، ويجعل لحكمته جل وعلا أحكاماً تختلف وتتباين، وقد جعل الله سبحانه وتعالى للمرأة التي يتوفى عنها زوجها من الأحكام ما تختلف عن المرأة التي تكون في طلاق، وكلاهما مفارقة بين الزوجين، الطلاق مفارقة بين الزوجين، والوفاة مفارقة، ولكن بالنسبة للطلاق يكون من الزوج لزوجته باختيار، وأما بالنسبة لمفارقة الوفاة فإنه لا اختيار لواحد منهما في ذلك، ولهذا جعل الله سبحانه وتعالى العدد في ذلك متباينة، والحق في ذلك متبايناً، فجعل الله عز وجل في ابتداء الأمر للزوجة إذا مات عنها زوجها أن تبقى في بيت زوجها حولاً؛ لأن فراقها لزوجها ليس باختيارها، ولا عن علم منها غالباً، ثم إن الوفاة يصاحبها ألم ومصيبة تكون من الزوجة على زوجها، مما يشغلها عن تدبر أمرها، والنظر إلى مستقبل حالها، فجعل الله عز وجل لها من الحق والمتعة ما يختلف عن المطلقة التي طلقها زوجها باختيارها، فغالباً أن الألم والمصيبة التي تلحق الزوجين في المفارقة بالطلاق تختلف عن الوفاة التي تلحق الزوجة، فهي تأسف على وفاة زوجها، ثم تعتد عليه بعد وفاته أربعة أشهر وعشراً بخلاف ما يتعلق بعدة المطلقة، فإن عدة المطلقة في ظاهرها أنها استبراء، وتقدم معنا في ذكر الأقراء في قول الله عز وجل: ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة:228]، والمراد بذلك وكلام السلف عليهم رحمة الله في هذه المعاني.

ولما كانت المفارقة بين الزوجين في مسألة الطلاق تختلف وتتباين عن أمر الوفاة جعل الله جل وعلا لمن فارقت زوجها بسبب وفاته من الحق يختلف عن أمر الطلاق، فجعل لمن توفى عنها زوجها التربص في بيت زوجها حولاً، وهذا في ابتداء الأمر قبل أن يفصل الله عز وجل المواريث، وقبل أن يفصل عدة المرأة المتوفى عنها زوجها في تربصها أربعة أشهر وعشراً على ما تقدم معنا.




استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز الطَريفي - عنوان الحلقة اسٌتمع
تفسير آيات الأحكام [30] 2758 استماع
تفسير آيات الأحكام [48] 2719 استماع
تفسير آيات الأحكام [54] 2520 استماع
تفسير آيات الأحكام [22] 2443 استماع
تفسير آيات الأحكام [58] 2332 استماع
تفسير آيات الأحكام [25] 2313 استماع
تفسير آيات الأحكام [35] 2267 استماع
تفسير آيات الأحكام [5] 2250 استماع
تفسير آيات الأحكام [11] 2212 استماع
تفسير آيات الأحكام [55] 2172 استماع