خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/2102"> الشيخ عبد العزيز الطريفي . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/2102?sub=56801"> تفسير آيات الأحكام
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
تفسير آيات الأحكام [12]
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
المراد بالصيام في قوله تعالى: (كتب عليكم الصيام)
فأول آيات اليوم هو قول الله جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183].
الله سبحانه وتعالى وجه الخطاب للذين آمنوا ببيان وجوب الصوم, والصوم هنا قيل: إن المراد به شهر رمضان, وهذا هو الأشهر.
وقيل: إن المراد بذلك هو غيره, وأشاروا إلى هذا المعنى بأن هذه الآية كانت في ابتداء مشروعية الصيام, والله عز وجل لم يشرع صيام رمضان ابتداءً وإنما شرع الصيام قبله ليوم عاشوراء, وشرع الله عز وجل صيام ثلاثة أيام من كل شهر, ولهذا قال بعض العلماء: إن المراد بالصيام هنا هو عموم الصوم, ويأتي الكلام على هذه المسألة في مسألة مراتب الصيام.
توجه الخطاب من الله عز وجل للذين آمنوا بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ [البقرة:183], لأن الخطاب في الفروع يتوجه إلى أهل الإسلام, وبهذه الآية يستدل لمن قال: بأن الكفار لا يخاطبون بفروع الشريعة, ولهذا توجه الخطاب بفرضية الصيام على ذلك.
فالنبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة لم يكن لديه قبل ذلك شيء مشروع للأمة على العموم من أمر الصيام, وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يمسك ويصوم تطوعاً, فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم في مكة, ولما قدم المدينة وجد النبي صلى الله عليه وسلم اليهود يصومون يوم عاشوراء كما جاء في الصحيح من حديث عبد الله بن عباس، وجاء أيضاً في حديث عبد الله بن عمر عليهما رضوان الله, ( فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك, فقالوا: هذا يوم نجى الله فيها موسى وقومه وأغرق فيه فرعون وقومه, فنحن نصومه شكراً, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نحن أحق بموسى منكم, فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر الناس بصيامه ).
مراحل تشريع الصيام
مراتب الصيام التي جاءت في الشريعة من جهة التشريع, أول هذه الشرائع هو صيام يوم عاشوراء, ثم جاء معه صيام ثلاثة أيام من كل شهر قبل أن يفرض الله عز وجل رمضان, ثم لما فرض الله صيام رمضان جعل الله صيام عاشوراء تطوعاً, وفي هذا الترتيب جاء جملة من الأحاديث؛ منها: ما جاء في الصحيح من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة.
وجاء التفصيل أيضاً في المسند وغيره من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل في بيان مراحل الصيام, والغالب في الشرائع المتأكدة أن الله لا يفرضها ابتداءً, وإنما يجعل ذلك على سبيل التدرج, ومن نظر إلى الفرائض من أركان الإسلام يجد أن الله عز وجل جعلها ابتداءً سنة وشريعة قبل وجوبها, بخلاف ما فرض ابتداءً.
فما فرض ابتداء لا يخلو من حالين: إما أن يكون معظماً لا يقبل التدرج؛ وذلك كالتوحيد, ولهذا أمر الله عز وجل به ونهى عن ضده على الإطلاق, وإما أن يكون المفروض ليس بذات المرتبة التي تقارن بأركان الإسلام, ولهذا جاء فرضه ابتداءً, فيكون ذلك ليس على التشديد؛ وذلك لكثير من الواجبات التي أمر الله عز وجل بالإتيان بها ابتداء من غير تدرج.
وأما ما كان على سبيل التدرج فهذا يأتي في المهمات كبقية أركان الإسلام من الصلاة والزكاة والصيام, وكذلك الحج.
والترتيب في ذلك إما أن يدل الدليل على أصل المشروعية؛ وذلك كالصدقة والإنفاق, فإنها من جنس الزكاة, كذلك الحج فإنه كان قبل ذلك سنة, وقد حج النبي صلى الله عليه وسلم قبل حجة الإسلام؛ كما جاء في الصحيح من حديث جبير بن مطعم، وكان ذلك مشروعاً, ثم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم قبل فرضية الحج, والعمرة من جنس الحج, ثم فرض الله عز وجل على نبيه الحج وجعله ركناً من أركان الإسلام, وذلك توطيناً للنفس, وكلما كانت الشريعة أعظم كان التدرج فيها أظهر, ويستثنى من ذلك كما تقدم ما كان من شرائع الإسلام مما لا يقبل التدرج؛ كتوحيد الله جل وعلا.
وقول الله جل وعلا: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ [البقرة:183], تقدم الكلام على معنى كتب في قوله: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى [البقرة:178]، الخطاب هنا يتوجه لأهل الإيمان, وهذا دليل على فرضية الصوم.
تعريف الصوم
والصوم في اللغة هو: أن يمسك الإنسان عن أي شيء اعتاد قوله أو فعله, ولهذا قال الله جل وعلا: إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا [مريم:26], يعني: إمساكاً عن الكلام, ولهذا يقول الشاعر:
خيل صيام وخيل غير صائمة تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما
والمراد بهذا خيل صيام يعني: ممسكة عن الصهيل عند لقاء العدو, وخيل غير صائمة يعني: تصهل عند لقاء العدو, وأخرى ثالثة منشغلة بعلك لجامها, والمراد بذلك هنا المعنى الاصطلاحيوهو: الإمساك عن الأكل والشرب وما في حكمها مما جعله الله عز وجل مناقضاً لهذه الشريعة.
وقوله هنا: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ [البقرة:183], يعني: الإمساك, والإحالة هنا في قوله: الصِّيَامُ [البقرة:183], يعني: إمساك عن المفطرات المعهودة مما حرمها عليكم وفصلها الله جل وعلا في كتابه والنبي صلى الله عليه وسلم في سنته.
المراد بالذين كتب عليهم الصيام قبل أمة محمد صلى الله عليه وسلم
قول تعالى: كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:183], ذكر الله أن هذه الشريعة مفروضة على السابقين, ولذلك لمعانٍ جليلة منها تسلية للمؤمنين, كون هذه الشرائع ليست خاصة بأمة محمد صلى الله عليه وسلم, فأراد الله عز وجل عليهم شدة ليست على غيرهم, بل هذه شريعة من الله جعلها للسالفين, وقد جاء تأويل ذلك عن بعض السلف في قوله: كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:183], أن المراد بذلك أهل الكتاب, جاء هذا عن مجاهد بن جبر كما رواه ابن جرير الطبري من حديث ابن أبي نجيح عن مجاهد بن جبر أنه قال في قول الله: كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:183], قال: أهل الكتاب.
وهل فرض على من قبل أهل الكتاب؟ الذي يظهر والله أعلم أن الله عز وجل شرع ذلك قبله, وهذا هو الأصل فيما يتعلق بأركان الإسلام, ويستثنى من ذلك الحج, وذلك أن الله عز وجل جعل ابتداء رفع قواعده بيد إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام, ثم كانت شرعة لمن جاء بعدهم.
أهمية الصيام لكونه شرع عاماً لكل الخلق
وفي قوله أيضاً: كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:183], إشارة إلى أهمية هذه الشعيرة, والقاعدة لدينا: أن الأمر إذا عم دل على أهميته, وذلك أن الخطاب إذا توجه إلى الجميع فإن الأمر هام, وإذا توجه إلى فرد بعينه دل على أنه لا يعني البقية, ولهذا الألفاظ العامة التي تأتي بصيغة الأمر آكد في الشريعة من الألفاظ الخاصة, وعند العلماء أن اللفظ العام الذي لم يدخله تخصيص أقوى من اللفظ الذي دخله تخصيص, وهذه الشريعة؛ شريعة الصيام, كتبت على هذه الأمة وعلى الأمم السابقة بلا استثناء على من كان من أهل التكليف.
إذاً: أراد الله عز وجل بذكر أن هذه الشريعة فرضت على السابقين أن يبين أهميتها, وجبراً وتسلية لهذه الأمة أن الله عز وجل لم يشدد عليها شرعة ليست مفروضة على من سبق من الأمم, وإنما هذه موجودة عن الأمم السالفين.
بيان كيفية الصيام المفروض على من قبل أمة محمد صلى الله عليه وسلم
وهل هذه الفريضة التي فرضها الله عز وجل على هذه الأمة هي بنوعها وصفتها مفروضة على أمة محمد صلى الله عليه وسلم على حد سواء؟ يعني: الأمم السابقة هل فرض عليها رمضان أم لا؟ الله أعلم بهذا, ولكن الذي يظهر والله أعلم أن الله عز وجل إنما جعل الصيام مفروضاً على الأمم السابقة كحال هذه الأمة, أما رمضان فيحتمل أن يكون خاصاً بهذه الأمة, وذلك أن الله عز وجل ذكر التفصيل بذلك في قوله: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [البقرة:185], يعني: أن إنزال القرآن هو خاص بهذه الأمة, وهذا من القرائن التي تدل على أن الصيام عام, وأما تخصيص رمضان بأيامه وكذلك صفته وما جاء فيه من تفاصيل من مستحبات ونحوها فإن هذا خاص بأمة محمد صلى الله عليه وسلم, والإمساك الذي كان في الأمم السابقة كان في النهار قطعاً, ولكنهم كانوا يزيدون على النهار شيئاً، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتعجيل الفطر, وحض على أكلة السحر؛ لأنها هي الفيصل بين صيام أهل الإسلام وصيام أهل الكتاب, إذاً: فهم يتفقون في مرحلة النهار ويختلفون في الإمساك من الليل.
فضل الصيام وكونه سبباً للتقوى
وفي قوله جل وعلا: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183], إشارة إلى فضل الصيام, وذلك أن أثره على الإنسان أن يولد فيه التقوى, وكذلك أن يقيه عقاب الله جل وعلا, والله سبحانه وتعالى إذا رتب ثواباً معيناً على عمل من الأعمال وجاء هذا الثواب مفصلاً فينظر إلى ذات التفصيل, فإذا كان هذا التفصيل من ألفاظ العموم التي يتحقق فيها مطلق النجاة, فهذا دليل على فضله, في قوله هنا: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183], و(لعل) إذا وردت في كلام الله عز وجل وكذلك (عسى) فهي على التحقيق، إذا حقق الإنسان ما أمر الله عز وجل به باطناً وظاهراً, وجاء في فضل الصيام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة في الصحيحين وغيرها تدل على منزلته وفضله, وتفصيل التقوى المذكورة في هذه الآي، يعني: أن الإنسان إذا جاء بالصيام بجميع تفاصيله المشروعة كان متقياً لله, أي: متسبباً بجميع أنواع وأسباب الغفران لذنوبه, ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ), وقال: ( من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ), وقال: ( من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ), وهذا دليل على أنواع التقوى والوقاية التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في هذه الآية.
قياس فضل صوم الفرض على النفل
ثم هذا الفضل هل هو للمفروض أم للنافلة كذلك؟ الآية نصت على المفروض, في قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ [البقرة:183], نقول: النافلة تلحق الفريضة من جهة مجمل الأجر لا من جهة خصيصته, وذلك أن الفريضة أعظم عند الله من النافلة, والنافلة إذا كان أصلها ركناً فهي أفضل من النافلة من غيرها, وهذا أمر معلوم.
ولهذا كل ما كان له أصل مفروض فهو أفضل من غيره ممن ليس له أصل مفروض, فننظر إلى الصلاة؛ السنن, وقيام الليل, والنوافل المطلقة, أصلها مفروض, وفرض أصلها وهي الركن الثاني من أركان الإسلام فهي أعظم من نافلة الصيام؛ لأن نافلة الصيام لها أصل مفروض, وفرض أصلها دون فرض أصل الصلاة, وكذلك يليها بعد ذلك ما يتعلق بالزكاة والصيام والحج, والنافلة التي ليس لها أصل مفروض فإنها تأتي بعد ذلك بمرتبة, ولهذا في أمور المفاضلة في أمور العبادات إذا أراد الإنسان أن يفضل بين عملين فلينظر هل من جنسه عمل مفروض أم لا, فإذا من جنسه عمل مفروض فهو أفضل من غيره, ولهذا الصلاة أفضل من نافلة الصيام, وأفضل من نافلة الصدقة, وأفضل من نافلة العمرة والحج والصيام, وهذا دليل على ما تقدمت الإشارة إليه, ومن نظر إلى النصوص وجد هذا مطرداً بحسب الأصل المفروض.
وأما بالنسبة للنافلة فهي تلحق الفريضة بمجموع الفضل, ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث القدسي: ( قال الله جل وعلا: كل عمل ابن آدم له, الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصوم, فإنه لي وأنا أجزي به ), وهذا بيان لمنزلة الصيام على غيره.
فأول آيات اليوم هو قول الله جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183].
الله سبحانه وتعالى وجه الخطاب للذين آمنوا ببيان وجوب الصوم, والصوم هنا قيل: إن المراد به شهر رمضان, وهذا هو الأشهر.
وقيل: إن المراد بذلك هو غيره, وأشاروا إلى هذا المعنى بأن هذه الآية كانت في ابتداء مشروعية الصيام, والله عز وجل لم يشرع صيام رمضان ابتداءً وإنما شرع الصيام قبله ليوم عاشوراء, وشرع الله عز وجل صيام ثلاثة أيام من كل شهر, ولهذا قال بعض العلماء: إن المراد بالصيام هنا هو عموم الصوم, ويأتي الكلام على هذه المسألة في مسألة مراتب الصيام.
توجه الخطاب من الله عز وجل للذين آمنوا بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ [البقرة:183], لأن الخطاب في الفروع يتوجه إلى أهل الإسلام, وبهذه الآية يستدل لمن قال: بأن الكفار لا يخاطبون بفروع الشريعة, ولهذا توجه الخطاب بفرضية الصيام على ذلك.
فالنبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة لم يكن لديه قبل ذلك شيء مشروع للأمة على العموم من أمر الصيام, وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يمسك ويصوم تطوعاً, فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم في مكة, ولما قدم المدينة وجد النبي صلى الله عليه وسلم اليهود يصومون يوم عاشوراء كما جاء في الصحيح من حديث عبد الله بن عباس، وجاء أيضاً في حديث عبد الله بن عمر عليهما رضوان الله, ( فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك, فقالوا: هذا يوم نجى الله فيها موسى وقومه وأغرق فيه فرعون وقومه, فنحن نصومه شكراً, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نحن أحق بموسى منكم, فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر الناس بصيامه ).
مراتب الصيام التي جاءت في الشريعة من جهة التشريع, أول هذه الشرائع هو صيام يوم عاشوراء, ثم جاء معه صيام ثلاثة أيام من كل شهر قبل أن يفرض الله عز وجل رمضان, ثم لما فرض الله صيام رمضان جعل الله صيام عاشوراء تطوعاً, وفي هذا الترتيب جاء جملة من الأحاديث؛ منها: ما جاء في الصحيح من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة.
وجاء التفصيل أيضاً في المسند وغيره من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل في بيان مراحل الصيام, والغالب في الشرائع المتأكدة أن الله لا يفرضها ابتداءً, وإنما يجعل ذلك على سبيل التدرج, ومن نظر إلى الفرائض من أركان الإسلام يجد أن الله عز وجل جعلها ابتداءً سنة وشريعة قبل وجوبها, بخلاف ما فرض ابتداءً.
فما فرض ابتداء لا يخلو من حالين: إما أن يكون معظماً لا يقبل التدرج؛ وذلك كالتوحيد, ولهذا أمر الله عز وجل به ونهى عن ضده على الإطلاق, وإما أن يكون المفروض ليس بذات المرتبة التي تقارن بأركان الإسلام, ولهذا جاء فرضه ابتداءً, فيكون ذلك ليس على التشديد؛ وذلك لكثير من الواجبات التي أمر الله عز وجل بالإتيان بها ابتداء من غير تدرج.
وأما ما كان على سبيل التدرج فهذا يأتي في المهمات كبقية أركان الإسلام من الصلاة والزكاة والصيام, وكذلك الحج.
والترتيب في ذلك إما أن يدل الدليل على أصل المشروعية؛ وذلك كالصدقة والإنفاق, فإنها من جنس الزكاة, كذلك الحج فإنه كان قبل ذلك سنة, وقد حج النبي صلى الله عليه وسلم قبل حجة الإسلام؛ كما جاء في الصحيح من حديث جبير بن مطعم، وكان ذلك مشروعاً, ثم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم قبل فرضية الحج, والعمرة من جنس الحج, ثم فرض الله عز وجل على نبيه الحج وجعله ركناً من أركان الإسلام, وذلك توطيناً للنفس, وكلما كانت الشريعة أعظم كان التدرج فيها أظهر, ويستثنى من ذلك كما تقدم ما كان من شرائع الإسلام مما لا يقبل التدرج؛ كتوحيد الله جل وعلا.
وقول الله جل وعلا: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ [البقرة:183], تقدم الكلام على معنى كتب في قوله: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى [البقرة:178]، الخطاب هنا يتوجه لأهل الإيمان, وهذا دليل على فرضية الصوم.