الأحاديث المعلة في الصلاة [46]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فنتكلم في هذا المجلس عن شيء من الأحاديث المعلولة في أبواب سجود السهو وهو تكملة للمجالس السابقة في هذا الباب.

وأول هذه الأحاديث: هو حديث محمد بن شهاب الزهري مرسلاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أن آخر الأمرين منه السجود للسهو قبل السلام ).

هذا الحديث أخرجه الشافعي في كتابه القديم من حديث مطرف بن مازن عن معمر بن راشد الأزدي عن ابن شهاب الزهري مرسلاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهذا الحديث معلول بعدة علل سواءً كانت متنية أو كانت إسنادية، أو مشتركة، وذلك أن هذا الحديث تضمن نسخاً لسائر الأحاديث التي فيها السجود بعد السلام، وهذا الحديث قد تفرد به مطرف بن مازن ولا يحتج بحديثه، وقد اتهمه غير واحد من الأئمة بالكذب كـيحيى بن معين وغيره.

وكذلك فإن راوي الحديث من أهل اليمن ويروي عن معمر بن راشد وهو يماني عن ابن شهاب الزهري وهو إمام من أئمة المدينة مرسلاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أن النبي عليه الصلاة والسلام كان آخر الأمرين منه السجود للسهو قبل السلام )، وتفرد مطرف بن مازن في هذا الحديث موجب لرده منفرداً.

ومن وجوه الإعلال: أن هذا الحديث تفرد به عن ابن شهاب الزهري وابن شهاب الزهري من أئمة المدينة من جهة الرواية وله أصحاب يروون عنه حديثه فحديثه يؤخذ ولا يترك إذا كان ثابتاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا تفرد به أحد من أهل الآفاق ولم يروه أهل المدينة عنه فهذا أمارة وقرينة على إعلاله، فإن ابن شهاب الزهري له أصحاب كثر ينقلون حديثه منهم: الإمام مالك رحمه الله، وعبيد الله بن عمر العمري ، وجماعة من الحفاظ الثقات الذين لا يدعون مثل حديثه هذا لو كان صحيحاً أو جرى عليه العمل.

ومن وجوه الإعلال: أن هذا الحديث يرويه محمد بن شهاب مرسلاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، و محمد بن شهاب الزهري في الطبقة الأخيرة من التابعين، ولو كان الحديث عنده مسنداً لأسنده، خاصةً أن العمل عند أهل المدينة لم يكن على الاتفاق عليه وذلك أدعى لروايته مسنداً حسماً للخلاف.

ومن قرائن الإعلال في هذا الحديث: أن هذا الحديث تضمن نسخاً لكل حديث جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام في سجود السهو بعد السلام، ومعلوم أن سجود السهو يكون قبل السلام ويكون بعده، والأدلة في ذلك عن النبي عليه الصلاة والسلام ليست بالقليلة في هذين، وإن كانت الأحاديث الدالة على أنه قبل السلام أكثر وأوفر إلا أن الأحاديث الدالة على أنه بعد السلام جاءت عن النبي عليه الصلاة والسلام منها في الصحيحين وغيرهما، وهذا الحديث يتضمن النسخ لتلك الأحاديث، وعند التعارض عند العلماء أن الحديث إذا كان ناسخاً لحديث وجب أن يكون الحديث الناسخ صحيحاً من جهة الإسناد.

ومن القرائن عندهم أن يكون الحديث الناسخ أقوى من الحديث المنسوخ أو مساوياً له، فكيف والأحاديث التي جاءت عن النبي عليه الصلاة والسلام في أبواب السجود بعد السلام أكثر عدداً وأصح إسناداً من الناسخ وهو مرسل ابن شهاب الزهري ! وهذا أيضاً من قرائن الإعلال.

وينبغي عند النظر في علة حديث عند التعارض مع غيره أن ينظر إلى عدد الأحاديث الواردة في ذلك الباب، وينظر إلى ما يخالفها، والأولى عند المخالفة أن يقدم الحديث الأقوى إسناداً، كيف والحديث في ذلك معلول بعدة علل، وأظهرها في ذلك هو تفرد مطرف بن مازن بهذا الحديث.

ولهذا نقول: إن أقوى العلل في هذا الحديث هو تفرد مطرف بن مازن وذلك لاتهامه بالكذب، ولتفرده في هذا الحديث، وكذلك عدم رواية أصحاب الزهري من أهل المدينة له، وللإرسال في هذا الحديث، ولأن هذا الحديث ليس بأقوى من الأحاديث المخالفة له، وسبق مراراً التأكيد على أن من أبواب العلل وقرائنه إذا أراد طالب العلم أن يعل حديثاً من الأحاديث أن ينظر إلى الأحاديث الواردة في الباب سواءً الموافقة أو المخالفة لهذا الحديث، والمخالف لهذا الحديث من الأحاديث التي جاءت عن النبي عليه الصلاة والسلام سواءً في السجود بعد السلام أو التخيير بين السجود بعد السلام وقبله، أو السجود قبل السلام، كلها لم تبين أن في الباب نسخاً، ويحتمل أن هذا القول فقه لـابن شهاب، فروي هذا القول عنه على أنه مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وليس كذلك.

والحديث الثاني من أحاديث السهو المعلة: هو حديث عبد الله بن مسعود عليه رضوان الله تعالى ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له في سجود السهو: اسجد سجدتين ثم تشهد ثم سلم ).

هذا الحديث أخرجه الإمام أحمد في المسند، و أبو داود في كتابه السنن، ورواه الدارقطني و البيهقي من حديث محمد بن سلمة عن خصيف بن عبد الرحمن ، فتفرد به خصيف بن عبد الرحمن ، و خصيف بن عبد الرحمن قد تكلم في حديثه غير واحد فقد ضعفه الإمام أحمد ، وقال النسائي : ليس بالقوي.

تفرد بهذا الحديث عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

علة حديث ابن مسعود: (اسجد سجدتين ثم تشهد ثم سلم)

وهذا الحديث معلول بعدة علل:

أول هذه العلل: أن هذا الحديث قد اختلف في رفعه ووقفه، فتارةً يرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وتارةً يجعل موقوفاً على عبد الله بن مسعود عليه رضوان الله، ولهذا نقول: إن تفرد خصيف في هذا الحديث سواءً في الوقف أو الرفع كافٍ في إعلاله، ويدل على اضطرابه في هذا الحديث أنه يروي الحديث من هذه الوجوه سواءً كان مرفوعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو كان موقوفاً عليه.

وقد روى الحديث عن خصيف بن عبد الرحمن جماعة موقوفاً على عبد الله بن مسعود عليه رضوان الله، فرواه عن خصيف بن عبد الرحمن سفيان و محمد بن فضيل و إسرائيل وغيرهم، يروونه عن خصيف بن عبد الرحمن عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث الأشبه فيه الوقف، وأعله بالوقف جماعة من العلماء كـأبي داود في كتابه السنن، و الدارقطني حينما نقل كلام أبي داود مقراً له، وكذلك البيهقي في كتابه السنن، وهو الأشبه بالصواب أعني: أن الحديث أقرب إلى كونه موقوفاً لا مرفوعاً.

ثم إن هذا الحديث ولو كان الأرجح فيه الوقف إلا أنه معلول أيضاً لتفرد خصيف به، و خصيف في تفرده بالحديث يحترز منه العلماء، ولهذا الإمام أحمد رحمه الله أشار إلى اضطرابه في المسند يعني: في الأحاديث المرفوعة إلى النبي عليه الصلاة والسلام.

والرواة في الضبط هناك من يعتني بالموقوف، وهناك من يعتني بالمرفوع، فيغلب على الظن أنه يهم إذا روى الحديث مرفوعاً ويضبطه إذا كان موقوفاً، وهناك من يقدمون في الرفع، وهناك من يقدمون في الوقف ممن يضبط الموقوفات فهشيم السلمي يعتني في أبواب الموقوفات وله عناية وضبط لها، وخصيف بن عبد الرحمن لا يضبط المرفوعات إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويهم فيها ويغلط، وقد أعل حديثه في ذلك جماعة من العلماء أعني: في المسندات كالإمام أحمد رحمه الله، وقد غمزه في حديثه غير واحد غير الإمام أحمد كـالنسائي ويحيى بن معين في رواية عنه، وعلى هذا فنقول: إن الحديث الأرجح فيه أنه موقوف، وأن الرفع في ذلك وهم، وكذلك الموقوف ضعيف لتفرد خصيف بن عبد الرحمن في هذا الحديث.

الرواية المنقطعة التي لها حكم الوصل

وأما علة الإرسال في عدم سماع أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود من أبيه حيث قيل: إن عبد الله بن مسعود توفي وابنه أبو عبيدة في بطنه أمه، فعلى هذا لم يدرك منه شيئاً، فهل هذه علة أم لا؟ نقول: هو قطعاً لم يسمع منه، ولكن العلماء لا يعلون الحديث إذا تفرد به أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود ما كان المتن مستقيماً، والإعلال برواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود فيها نظر، وأما من قال: إن الانقطاع في ذلك في رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود علة على ما يجري على قواعد أهل الاصطلاح والحديث فنقول: هذا فيه نظر، وذلك أن الانقطاع ليس علةً قطعية مطردة ولكنه علة ظنية غالبة؛ لأن الانقطاع علامة على وجود جهالة في الإسناد، والجهالة هي جهالة عين، وأبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود يري عن أبيه بواسطة أهل بيت أبيه، وأهل بيت أبيه أزواج عبد الله بن مسعود وأبناؤه الكبار، فلهذا يغتفر مثل هذا الانقطاع ولا يعل به الحديث، صحيح أن الأصل في الانقطاع أنه علة ولكنه يدفع إذا احتفت القرائن بمعرفة الواسطة ولو لم تعين، وذلك أن تعيينها محال، فربما كانت زوجته فلانة أو زوجته فلانة، أو كان ابنه فلان أو كان ابنه فلان، ولكن أياً كان منهما فذلك دليل على الاتصال، ولهذا يقول العلماء: رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه منقطع في حكم المتصل، وهذا له نظائر كثيرة كرواية إبراهيم النخعي عن عبد الله بن مسعود ، فالنخعي يروي عن عبد الله بن مسعود ولم يدركه أصلاً لأنه ولد بعد وفاته، وإنما حمل العلماء روايته على الاتصال؛ لأنه يروي عن أصحاب عبد الله بن مسعود كـعلقمة و الأسود و أبي الأحوص وعبد الرحمن بن يزيد وغيرهم ولهذا قد روى عنه الأعمش أعني: عن إبراهيم النخعي أنه قال: إذا حدثتكم عن عبد الله بن مسعود فسميت رجلاً فهو عن من سميت، وإذا حدثتكم عن عبد الله بن مسعود ولم أسم أحداً فهو عن غير واحد.

ولهذا نقول: إن رواية إبراهيم النخعي عن عبد الله بن مسعود منقطع في حكم المتصل.

والروايات المنقطعة التي تأخذ حكم الاتصال عديدة منها: رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه، ورواية إبراهيم النخعي عن عبد الله بن مسعود ، وعبد الجبار بن وائل بن حجر عن أبيه وائل بن حجر ، ورواية ابن أبي نجيح عن مجاهد بن جبر ، ورواية سفيان عن مجاهد بن جبر ، ورواية ابن جريج عن مجاهد بن جبر فهذه محمولة؛ لأن الواسطة في ذلك هو القاسم بن أبي بزة كما ذكر ذلك ابن حبان رحمه الله في كتابه معرفة رواة الأمصار، فالواسطة إذا علمت لو لم تسم فإن هذا يأخذ حكم الاتصال، بعض العلماء يلحق بهذا بعض الصور كرواية طاوس بن كيسان عن معاذ بن جبل وإن لم يسمع منه إلا أنه يروي عن من اعتنى بفقهه، ورواية سعيد بن المسيب وهي أصح من رواية طاوس عن معاذ بن جبل وقد قال بتصحيحها جماعة، وهو وإن لم يسمع من عمر بن الخطاب مرويه على الأشهر إلا أنه يروي عن أهل القربى من أهل بيت عمر ومن أقرب الناس إليه.

ولهذا نقول: إن أثر عبد الله بن مسعود لو كان من رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود وانفرد بها ولم يكن الحديث من طريق خصيف ولم يكن به إلا هذه العلة واستقام متنه فإنه لا يعل بهذا، فإن الحديث لا يعل بتفرد أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عليه رضوان الله تعالى، ونقول حينئذ بأن هذا الحديث حسن، ولكن الحديث لم يتفرد به من هذا الوجه، بل فيه علة أشد من هذا كما تقدمت الإشارة إليها.

ثم إن متن هذا الحديث متضمن للنكارة، والنكارة في هذا الحديث أنه جعل تشهداً بعد سجدتي السهو، فيكون التشهد مرتين، وهذا منكر يعل به الحديث.

وهذا الحديث معلول بعدة علل:

أول هذه العلل: أن هذا الحديث قد اختلف في رفعه ووقفه، فتارةً يرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وتارةً يجعل موقوفاً على عبد الله بن مسعود عليه رضوان الله، ولهذا نقول: إن تفرد خصيف في هذا الحديث سواءً في الوقف أو الرفع كافٍ في إعلاله، ويدل على اضطرابه في هذا الحديث أنه يروي الحديث من هذه الوجوه سواءً كان مرفوعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو كان موقوفاً عليه.

وقد روى الحديث عن خصيف بن عبد الرحمن جماعة موقوفاً على عبد الله بن مسعود عليه رضوان الله، فرواه عن خصيف بن عبد الرحمن سفيان و محمد بن فضيل و إسرائيل وغيرهم، يروونه عن خصيف بن عبد الرحمن عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث الأشبه فيه الوقف، وأعله بالوقف جماعة من العلماء كـأبي داود في كتابه السنن، و الدارقطني حينما نقل كلام أبي داود مقراً له، وكذلك البيهقي في كتابه السنن، وهو الأشبه بالصواب أعني: أن الحديث أقرب إلى كونه موقوفاً لا مرفوعاً.

ثم إن هذا الحديث ولو كان الأرجح فيه الوقف إلا أنه معلول أيضاً لتفرد خصيف به، و خصيف في تفرده بالحديث يحترز منه العلماء، ولهذا الإمام أحمد رحمه الله أشار إلى اضطرابه في المسند يعني: في الأحاديث المرفوعة إلى النبي عليه الصلاة والسلام.

والرواة في الضبط هناك من يعتني بالموقوف، وهناك من يعتني بالمرفوع، فيغلب على الظن أنه يهم إذا روى الحديث مرفوعاً ويضبطه إذا كان موقوفاً، وهناك من يقدمون في الرفع، وهناك من يقدمون في الوقف ممن يضبط الموقوفات فهشيم السلمي يعتني في أبواب الموقوفات وله عناية وضبط لها، وخصيف بن عبد الرحمن لا يضبط المرفوعات إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويهم فيها ويغلط، وقد أعل حديثه في ذلك جماعة من العلماء أعني: في المسندات كالإمام أحمد رحمه الله، وقد غمزه في حديثه غير واحد غير الإمام أحمد كـالنسائي ويحيى بن معين في رواية عنه، وعلى هذا فنقول: إن الحديث الأرجح فيه أنه موقوف، وأن الرفع في ذلك وهم، وكذلك الموقوف ضعيف لتفرد خصيف بن عبد الرحمن في هذا الحديث.

وأما علة الإرسال في عدم سماع أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود من أبيه حيث قيل: إن عبد الله بن مسعود توفي وابنه أبو عبيدة في بطنه أمه، فعلى هذا لم يدرك منه شيئاً، فهل هذه علة أم لا؟ نقول: هو قطعاً لم يسمع منه، ولكن العلماء لا يعلون الحديث إذا تفرد به أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود ما كان المتن مستقيماً، والإعلال برواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود فيها نظر، وأما من قال: إن الانقطاع في ذلك في رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود علة على ما يجري على قواعد أهل الاصطلاح والحديث فنقول: هذا فيه نظر، وذلك أن الانقطاع ليس علةً قطعية مطردة ولكنه علة ظنية غالبة؛ لأن الانقطاع علامة على وجود جهالة في الإسناد، والجهالة هي جهالة عين، وأبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود يري عن أبيه بواسطة أهل بيت أبيه، وأهل بيت أبيه أزواج عبد الله بن مسعود وأبناؤه الكبار، فلهذا يغتفر مثل هذا الانقطاع ولا يعل به الحديث، صحيح أن الأصل في الانقطاع أنه علة ولكنه يدفع إذا احتفت القرائن بمعرفة الواسطة ولو لم تعين، وذلك أن تعيينها محال، فربما كانت زوجته فلانة أو زوجته فلانة، أو كان ابنه فلان أو كان ابنه فلان، ولكن أياً كان منهما فذلك دليل على الاتصال، ولهذا يقول العلماء: رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه منقطع في حكم المتصل، وهذا له نظائر كثيرة كرواية إبراهيم النخعي عن عبد الله بن مسعود ، فالنخعي يروي عن عبد الله بن مسعود ولم يدركه أصلاً لأنه ولد بعد وفاته، وإنما حمل العلماء روايته على الاتصال؛ لأنه يروي عن أصحاب عبد الله بن مسعود كـعلقمة و الأسود و أبي الأحوص وعبد الرحمن بن يزيد وغيرهم ولهذا قد روى عنه الأعمش أعني: عن إبراهيم النخعي أنه قال: إذا حدثتكم عن عبد الله بن مسعود فسميت رجلاً فهو عن من سميت، وإذا حدثتكم عن عبد الله بن مسعود ولم أسم أحداً فهو عن غير واحد.

ولهذا نقول: إن رواية إبراهيم النخعي عن عبد الله بن مسعود منقطع في حكم المتصل.

والروايات المنقطعة التي تأخذ حكم الاتصال عديدة منها: رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه، ورواية إبراهيم النخعي عن عبد الله بن مسعود ، وعبد الجبار بن وائل بن حجر عن أبيه وائل بن حجر ، ورواية ابن أبي نجيح عن مجاهد بن جبر ، ورواية سفيان عن مجاهد بن جبر ، ورواية ابن جريج عن مجاهد بن جبر فهذه محمولة؛ لأن الواسطة في ذلك هو القاسم بن أبي بزة كما ذكر ذلك ابن حبان رحمه الله في كتابه معرفة رواة الأمصار، فالواسطة إذا علمت لو لم تسم فإن هذا يأخذ حكم الاتصال، بعض العلماء يلحق بهذا بعض الصور كرواية طاوس بن كيسان عن معاذ بن جبل وإن لم يسمع منه إلا أنه يروي عن من اعتنى بفقهه، ورواية سعيد بن المسيب وهي أصح من رواية طاوس عن معاذ بن جبل وقد قال بتصحيحها جماعة، وهو وإن لم يسمع من عمر بن الخطاب مرويه على الأشهر إلا أنه يروي عن أهل القربى من أهل بيت عمر ومن أقرب الناس إليه.

ولهذا نقول: إن أثر عبد الله بن مسعود لو كان من رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود وانفرد بها ولم يكن الحديث من طريق خصيف ولم يكن به إلا هذه العلة واستقام متنه فإنه لا يعل بهذا، فإن الحديث لا يعل بتفرد أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عليه رضوان الله تعالى، ونقول حينئذ بأن هذا الحديث حسن، ولكن الحديث لم يتفرد به من هذا الوجه، بل فيه علة أشد من هذا كما تقدمت الإشارة إليها.

ثم إن متن هذا الحديث متضمن للنكارة، والنكارة في هذا الحديث أنه جعل تشهداً بعد سجدتي السهو، فيكون التشهد مرتين، وهذا منكر يعل به الحديث.

والحديث الثالث: هو حديث المغيرة بن شعبة : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في سجود السهو: واسجد سجدتين ثم تشهد ثم سلم )، وهو يتضمن ما جاء في حديث عبد الله بن مسعود السابق.

هذا الحديث أخرجه البيهقي في كتابه السنن من حديث محمد بن عمران بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الشعبي عن المغيرة بن شعبة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث قد تفرد به محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عامر بن شراحيل الشعبي عن المغيرة بن شعبة.

وهذا الحديث حديث معلول بعدة علل:

أول هذه العلل: هي تفرد محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وهو سيئ الحفظ وإن كان فقيهاً كوفياً معروفاً من أهل الرأي إلا أنه من جهة ضبطه للرواية ليس بضابط وقد تفرد بهذا الحديث عن عامر بن شراحيل الشعبي عن المغيرة ، ويعتبر هذا تفرداً مع أنه جاء في حديث عبد الله بن مسعود وذلك لأن المغيرة بن شعبة له روايات في سجود السهو ولم يرو الثقات ممن روى عنه سجود السهو هذه إلا محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الشعبي عن المغيرة بن شعبة ، ولهذا نقول: إنه تفرد بها محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عامر بن شراحيل الشعبي عن المغيرة بن شعبة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

العلة الثانية: هي عمران بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى فإن هذا الحديث أخرجه البيهقي من حديث محمد بن عمران بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، ووالده عمران قليل الحديث وهو في حكم المستور، ولكن هل يقال: بأن رواية عمران هذا الحديث عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى من رواية القرابات فهو يروي عن أبيه وهذا مما يغتفر عادةً؟ نقول: نعم، الأصل فيه الاغتفار ما دام المتن مستقيماً، ولكن هذا الحديث تفرد به محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الشعبي فلم يحتمل القبول في هذا.

ولهذا نقول: إن الحديث إذا تضمن لفظاً منكراً فإنه يعل بجميع العلل فيه، حتى يقطع الاحتجاج فيه فلا يؤخذ به، خاصةً عند مخالفة الأحاديث المشتهرة في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا من أساليب النقد أن المتن إذا كان منكراً فتجمع العلل فيه حتى تطرحه ولا يقال حينئذ بالاحتجاج به، ويبدأ في ذلك بأشدها، وأشد هذه العلل هو تفرد محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الكوفي وذلك لسوء حفظه، وعامة العلماء على سوء حفظه مع جلالته في الفقه والرأي، فنقول: إن هذا الحديث تفرد به من هذا الوجه وهو حديث منكر ومثله لا ينبغي أن يتفرد به مثل محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى بل ينبغي أن يرويه من هو أولى منه.