خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/2102"> الشيخ عبد العزيز الطريفي . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/2102?sub=56795"> الأحاديث المعلة في الصلاة
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
الأحاديث المعلة في الصلاة [2]
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فنكمل في هذا المجلس ما سلف من كلامنا على الأحاديث المعلة في الصلاة، وتكلمنا قبل ذلك على الأحاديث المعلة في الطهارة وانتهينا منها، وتكلمنا على الأحاديث المعلة في أبواب الأذان، وتكلمنا على مجموع الأحاديث المعلة في أبواب المواقيت.
ويفضل أن نتكلم في ابتداء هذا المجلس على شيء من القواعد المهمة التي ينبغي لطالب العلم أن يعتني بها في أبواب العلل خاصة ونحن نستأنف هذا المجلس بعد انقطاع عدة أشهر مما ينبغي ذكر بعض المسائل لوجود بعض الحاضرين الذين لم يكونوا معنا في المجالس السابقة.
إن الذب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقابل من جهة الفضل ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من التهديد والوعيد على من كذب عليه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في الصحيحين قال: ( من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار )، والمراد بذلك: يتهيأ موضعه من جهنم, فإذا كان كذلك فإن الذي يذب عن سنة النبي عليه الصلاة والسلام ويدافع عنها يقابله في ذلك أنه يتهيأ موضعه من الجنة.
وهذا عظيم منزلة لمن ذب عن سنة النبي عليه الصلاة والسلام، وميز الصحيح من الضعيف، ويكفي في هذا أن الإنسان في ذبه عن سنة النبي عليه الصلاة والسلام وتمييزها أن ما جاء من الأحاديث وآي القرآن من فضل صحة الأبدان وسلامتها أن الأديان أولى من ذلك، فكل شيء جاء في سلامة البدن، فما جاء في سلامة الدين أولى منه.
ولهذا نقول: إن الفضائل التي جاءت في الإنسان في عدم إلقائه بنفسه إلى التهلكة وكذلك في مسائل الدين في إحداث البدع والخرافات والأحاديث الموضوعة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أن ذلك أعظم وأشد، وهذا أمر معلوم لا خلاف فيه.
كذلك لا بد أن يستحضر طالب العلم ما جاء في ذلك عن النبي عليه الصلاة والسلام من فضل حفظ سنته عليه الصلاة والسلام، وتبليغها، وقد جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام في ذلك جملة من الأخبار، منه ما جاء في المسند والسنن من حديث عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( نظر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها فبلغها, فرب مبلغ أوعى من سامع ) .
ولهذا نقول: إن الإنسان إذا حفظ شيئاً من سنة النبي عليه الصلاة والسلام استحق النظارة في الدنيا والثواب عند الله عز وجل، ولهذا ذكر غير واحد من السلف أنهم يعرفون أهل الحديث من غيرهم بدعوة النبي عليه الصلاة والسلام لهم، فإن سنة النبي عليه الصلاة والسلام وحي، وهي صنو القرآن وشقيقته، بل هي وحي يتلى كما قال ذلك غير واحد من العلماء, ولا يمكن أن تتحقق العبودية وأن يتم الدين لأحد إلا بحفظ سنة النبي عليه الصلاة والسلام وتبليغها ومعرفة معانيها ومقاصد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك.
وهذا الحفظ له وجوه متعددة، منها: أن يعتمد الإنسان على حفظ الصحيح مجرداً، وهذا جانب مهم أيضاً، ويكفي في هذا أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قدر الله عز وجل لهم ذلك الأمر حيث أنهم حفظوا الصحيح وما عرفوا غيره فنقلوه، فاختصهم الله عز وجل بالنقي وترك الخليط لمن جاء بعدهم، وهذا فضل لا ينكره أحد، أي: من يختص بحفظ الحديث الصحيح مجرداً.
ولكن نقول: إن حفظ الحديث الصحيح مجرداً من غير حفظ الضعيف لا تكون تلك المنزلة موجودة إلا في حال عدم وجود الضعيف، بأن يكون الضعيف معدوماً، فإذا كان معدوماً فحفظ الصحيح في ذلك تكون المنزلة فيه عظيمة، وأما في حال اجتماع الصحيح مع الضعيف فإن المنزلة في حفظ الاثنين أولى، ولهذا لا يمكن للإنسان أن يميز الصحيح من الضعيف إلا بمعرفة الاثنين، وهذا ما يسميه العلماء بمعرفة الدراية والرواية للسنة.
الرواية هي التحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام سواء عرف الحديث أصحيحاً أم ضعيفاً، أما بالنسبة للدراية فيدخل في ذلك ما يسمى بأبواب العلل وقواعد الحديث، ويدخل في شقه الآخر ما يسمى فقه سنة النبي عليه الصلاة والسلام، وكلها داخلة في هذا الأمر، وما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام موصوف بالوحي، لقول الله جل وعلا: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4]، وكذلك موصوف بالتلاوة والكتاب, ولقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( لأقضين بينكما بكتاب الله )، كما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني، وموصوف بالتلاوة كما في قول الله جل وعلا: بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ [العنكبوت:49] .
قال غير واحد من العلماء: إن الآيات إذا أطلقت فإنه يدخل فيها السنة كما يدخل فيها أصالة القرآن، وأن موضع هذين هو الصدور, ومن علم شيئاً من السنة فليحفظه فإن الحفظ هو الذي يثبت ذلك المعلوم، ولهذا لا يوصف العالم بالعلم إلا وقد حفظه، وأما الذي يفهم من غير حفظ فليس بعالم، ولهذا قيد الله عز وجل العلم بالحفظ بقوله: بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ [العنكبوت:49] .
وإما أن يحفظ العلم بلفظه وإما أن يحفظ العلم بمعناه، فإذا حفظه بلفظه فإنه يكون أثبت وأدعى إلى الاستنباط بخلاف المعنى، فإن المعنى يقع في نفس الإنسان ويتشعب، فربما استنبط على لفظ ظنه هو الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو غيره، فجاء من المعاني مما لم يكن في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم بل لم يكن أراده النبي عليه الصلاة والسلام.
الأمور التي ينبغي لطالب العلم الاتصاف بها عند نقد الحديث
والقواعد التي يسلكها طالب العلم في أبواب النقد والعلل هي قواعد كثيرة جداً, ولكن ينبغي له أن يعتني بالأمرين، وهما:
الأمر الأول: قواعد علوم الحديث وما يسمى بمصطلح الحديث، أن يكون له مختصر محفوظ في هذا الباب، يحفظه ويتقن معانيه ويستشرحه على أحد العارفين في هذا الباب من أهل المعرفة والصنعة.
الأمر الثاني: أن يكون له متن محفوظ في أبواب العلل، وأبواب العلل الحفظ فيها أشق من حفظ القواعد, وذلك أن انتظام العلل في الغالب تحت قاعدة معينة من الأمور الشاقة، وإنما هي أعيان تختلف كثرة وقلة، منها ما يحق أن يطلق عليها قواعد، ومنها ما يكون من جملة القرائن التي لا يستطيع الإنسان أن يصفها بوصف عام؛ ولهذا ينبغي أن يكون له محفوظ في أبواب القواعد, وأن يكون له محفوظ في أبواب العلل، وأن يستشرح ذلك ويفهم معناه.
ويزيد على ذلك ما يسمى بالتطبيق العملي أو النظري، وهو تخريج الأحاديث، وتخريج الأحاديث له طرق متعددة، ومن جلس في المجالس السابقة التي تكلمنا فيها على أبواب العلل عرف الطريقة التي نقلناها عن الأئمة عليهم رحمة الله في أبواب التعليل من جهة معرفة وجوه النقد وطرائقهم في العلل، والتمييز بين ما يسمى بالقواعد وما يسمى بالقرائن، وأن طرق الأئمة في ذلك قريبة من الاتفاق, وأن التباين في ذلك بعد أو قل شيئاً فشيئاً وذلك للبعد عن أصول ذلك العلم، وأصوله تجتمع في الحفظ، ومعرفة الرواة، والتقدم زمناً، ومعرفة فقه المتقدمين.
ومن تجرد من أحد هذه الأشياء فإنها تقل عنده معرفة العلل شيئاً فشيئاً حتى يتجرد الإنسان من هذا العلم، ولهذا ينبغي لطالب العلم أن تتوفر فيه هذه الشروط والأركان حتى يكون من أهل المعرفة، ولهذا فإن أعظم وجوه المعرفة مما ذكرنا: أن يمارس الإنسان العلم عملاً، وذلك بمعرفة الصحيح من الضعيف بذاته منفرداً عن غيره، ثم يعرض كلامه على العارفين من أهل العلم، ولا يتفرد ويستقل بنفسه حتى لا يقع في الخطأ؛ خاصة في مراحله الأولى, ويعرض ذلك إما على الأئمة العارفين الذين استوعبوا العلم من جهة معرفة معناه، وكذلك طرائق الأئمة فيه، وإذا لم يتيسر له ذلك فيتجاوز هذا إلى المصنفات المدونة في هذا وما يسمى بكتب التخاريج.
وكتب التخاريج كثيرة جداً وأوسعها وأشملها وأفضلها كتاب البدر المنير لــــابن الملقن رحمه الله، فقد جمع أدلة الأحكام في مذهب الإمام الشافعي، واستوعب شيئاً كثيراً ممن لم يستوعبه غيره، وأسهب في ذلك وأطنب واستطرد في إيراد كثير من الأحاديث والطرق والآثار في أبواب الأحاديث التي يوردها في حديث الباب المقصود منه.
كذلك هناك ثمة كتب على مذاهب متنوعة منها في مذهب الشافعي ككتاب التلخيص الحبير، وكذلك كتاب تحفة المحتاج لــــابن حجر، وكذلك على مذهب أبي حنيفة نصب الراية للزيلعي عليه رحمة الله، وثمة مصنفات في مذهب الإمام أحمد رحمه الله ومن أمثلها وأوعبها كتاب إرواء الغليل، وثمة مصنفات متأخرة في مذهب الإمام مالك في هذا بجمع طرق الأحاديث، ومن أشهرها للمتأخرين كتاب المداوي للغماري، وهو يجري على طريقة الظاهريين في هذا، كطريقة ابن القطان الفاسي وابن العربي وغيرهم الذين لهم مدرسة في الظاهرية النقدية لا في أبواب الفقه، وإنما المراد بذلك في مسألة الظاهر, وإن كان لهم نفس ظاهري في هذا الباب ولكنه نفس قليل, ولكن مرادنا هنا فيما يتعلق بأبواب العلل.
وهذا يرجع فيه الإنسان عند الممارسة العملية ومعرفة مناهج العلماء، ويفضل أن يقرأ طالب العلم شيئاً من هذه الكتب وأن يستوعبها نظراً، وأن يخرج شيئاً من الأحاديث المتنوعة في هذه الأبواب، بأن يخرج جملة من الأحاديث ابتداءً مائة أو مائتين منفرداً، ثم يوزع هذه الأحاديث على أبواب الفقه، فيأخذ جملة من أبواب الطهارة ومن أحاديث الصلاة والصيام والزكاة والنكاح والمعاملات وغيرها من أبواب الفقه، فيأخذ من هذه أحاديث ومن هذه أحاديث حتى يعرف طرائق العلماء في معرفة التشديد من غيره.
كذلك أن يكون له منهج في أبواب العلل والتخريج ويميز فيها بين المرفوع والموقوف.
فللعلماء نفس في أبواب المرفوع يختلف عن الموقوف، فإنهم يشددون في الموقوفات ولا يشددون في المرفوعات، ويشددون في المرفوعات ولا يشددون في الموقوفات، كذلك عند تباين الباب فإنهم حينما يتكلمون على أحاديث في أبواب السير والمغازي والتفسير والتاريخ والفتن والملاحم وأشراط الساعة وغيرها، فإنهم لا يشددون فيها كتشديدهم في أبواب الأحكام، وإنما يشددون في أبواب الأحكام لارتباطها بأمور العبادة, وأن الدخيل فيها ابتداع، بخلاف ما يتعلق بأمور الأخبار؛ فإن الدخيل فيها يكون من الأخبار التي لا تلزم الإنسان عملاً، فإذا جاء حديث ضعيف أنه يقع في الزمن الفلاني أو في البلدة الفلانية خسف أو يخرج رجل ونحو ذلك، فالإنسان في ذلك لا يستطيع أن يعمل تجاه ذلك شيئاً.
إذاً: لا يستطيع أن يتعبد بهذا الحديث، فيقل عناية العلماء من جهة التشديد فيه، ومن جهة الرواية.
ولهذا نجد الأئمة الكبار الحفاظ ينقلون أحاديث الأحكام ويكثرون من روايتها ويقللون الرواية فيما يتعلق في غيرها من الأبواب، ولهذا تجد الإمام مالك وشعبة وعبد الرحمن بن مهدي ووكيع بن الجراح وغيرهم في أحاديث الأحكام إذا دخلت أبواب التفسير والسير والمغازي نجد أنهم يقلون حتى يتلاشوا في كثير من الأبواب، لأن هذه الحياض لا يراد منها التعبد فأرادوا صيانة الدين، فوجدوا أن حياض الأحكام الحلال والحرام قل الناس فيها فاستنفروا إليها وذادوا عنها حفظاً لها وصيانة، وأما غيرهم ممن هو دونهم لما وجدوا أن هؤلاء الأئمة الكبار زاحموهم ولم يجدوا لهم موضعاً في أمثال هذه الأحاديث؛ انصرفوا إلى ما دونها من أحاديث التفسير والسير والمغازي والفتن والملاحم، فوقع في هؤلاء الضعف والجهالة والتساهل في ذلك، في السماع من جهة إثباته أو عدمه حتى لا يعرف السماع في كثير من الأسانيد.
ولهذا إذا مارس طالب العلم أبواب التخريج والعلل فإنه ينبغي أن ينوع في الأبواب، فيأخذ في الأحكام وينوع في أبواب الأحكام، كذلك في التفسير وأبواب التاريخ والسير والمغازي وينظر في تعامل العلماء في ذلك.
كذلك ينظر في أبواب المرفوعات والموقوفات، ويعضد ذلك بما يتعلق بالعمل، وأن يقرن طالب العلم فقه السلف خير القرون بما يقف عليه من الأسانيد من الأحاديث، وهل هي صحيحة أم ضعيفة، وأن ينظر في الرواة في ذلك من جهة بلدانهم، وفقههم وعنايتهم في ذلك، وكذلك طبقة الرواة، ودرجة حفظهم، والدواوين التي جاءت فيها هذه الأحاديث، هذه اعتبارات ولها قرائن كثيرة جداً والإسهاب فيها مما يطول جداً..
وبعد هذه المقدمة اليسيرة وهي بحاجة إلى إسهاب وسوف نتكلم على بعض المسائل في ثنايا حديثنا على أحاديث الصلاة المعلة وغيرها.
والقواعد التي يسلكها طالب العلم في أبواب النقد والعلل هي قواعد كثيرة جداً, ولكن ينبغي له أن يعتني بالأمرين، وهما:
الأمر الأول: قواعد علوم الحديث وما يسمى بمصطلح الحديث، أن يكون له مختصر محفوظ في هذا الباب، يحفظه ويتقن معانيه ويستشرحه على أحد العارفين في هذا الباب من أهل المعرفة والصنعة.
الأمر الثاني: أن يكون له متن محفوظ في أبواب العلل، وأبواب العلل الحفظ فيها أشق من حفظ القواعد, وذلك أن انتظام العلل في الغالب تحت قاعدة معينة من الأمور الشاقة، وإنما هي أعيان تختلف كثرة وقلة، منها ما يحق أن يطلق عليها قواعد، ومنها ما يكون من جملة القرائن التي لا يستطيع الإنسان أن يصفها بوصف عام؛ ولهذا ينبغي أن يكون له محفوظ في أبواب القواعد, وأن يكون له محفوظ في أبواب العلل، وأن يستشرح ذلك ويفهم معناه.
ويزيد على ذلك ما يسمى بالتطبيق العملي أو النظري، وهو تخريج الأحاديث، وتخريج الأحاديث له طرق متعددة، ومن جلس في المجالس السابقة التي تكلمنا فيها على أبواب العلل عرف الطريقة التي نقلناها عن الأئمة عليهم رحمة الله في أبواب التعليل من جهة معرفة وجوه النقد وطرائقهم في العلل، والتمييز بين ما يسمى بالقواعد وما يسمى بالقرائن، وأن طرق الأئمة في ذلك قريبة من الاتفاق, وأن التباين في ذلك بعد أو قل شيئاً فشيئاً وذلك للبعد عن أصول ذلك العلم، وأصوله تجتمع في الحفظ، ومعرفة الرواة، والتقدم زمناً، ومعرفة فقه المتقدمين.
ومن تجرد من أحد هذه الأشياء فإنها تقل عنده معرفة العلل شيئاً فشيئاً حتى يتجرد الإنسان من هذا العلم، ولهذا ينبغي لطالب العلم أن تتوفر فيه هذه الشروط والأركان حتى يكون من أهل المعرفة، ولهذا فإن أعظم وجوه المعرفة مما ذكرنا: أن يمارس الإنسان العلم عملاً، وذلك بمعرفة الصحيح من الضعيف بذاته منفرداً عن غيره، ثم يعرض كلامه على العارفين من أهل العلم، ولا يتفرد ويستقل بنفسه حتى لا يقع في الخطأ؛ خاصة في مراحله الأولى, ويعرض ذلك إما على الأئمة العارفين الذين استوعبوا العلم من جهة معرفة معناه، وكذلك طرائق الأئمة فيه، وإذا لم يتيسر له ذلك فيتجاوز هذا إلى المصنفات المدونة في هذا وما يسمى بكتب التخاريج.
وكتب التخاريج كثيرة جداً وأوسعها وأشملها وأفضلها كتاب البدر المنير لــــابن الملقن رحمه الله، فقد جمع أدلة الأحكام في مذهب الإمام الشافعي، واستوعب شيئاً كثيراً ممن لم يستوعبه غيره، وأسهب في ذلك وأطنب واستطرد في إيراد كثير من الأحاديث والطرق والآثار في أبواب الأحاديث التي يوردها في حديث الباب المقصود منه.
كذلك هناك ثمة كتب على مذاهب متنوعة منها في مذهب الشافعي ككتاب التلخيص الحبير، وكذلك كتاب تحفة المحتاج لــــابن حجر، وكذلك على مذهب أبي حنيفة نصب الراية للزيلعي عليه رحمة الله، وثمة مصنفات في مذهب الإمام أحمد رحمه الله ومن أمثلها وأوعبها كتاب إرواء الغليل، وثمة مصنفات متأخرة في مذهب الإمام مالك في هذا بجمع طرق الأحاديث، ومن أشهرها للمتأخرين كتاب المداوي للغماري، وهو يجري على طريقة الظاهريين في هذا، كطريقة ابن القطان الفاسي وابن العربي وغيرهم الذين لهم مدرسة في الظاهرية النقدية لا في أبواب الفقه، وإنما المراد بذلك في مسألة الظاهر, وإن كان لهم نفس ظاهري في هذا الباب ولكنه نفس قليل, ولكن مرادنا هنا فيما يتعلق بأبواب العلل.
وهذا يرجع فيه الإنسان عند الممارسة العملية ومعرفة مناهج العلماء، ويفضل أن يقرأ طالب العلم شيئاً من هذه الكتب وأن يستوعبها نظراً، وأن يخرج شيئاً من الأحاديث المتنوعة في هذه الأبواب، بأن يخرج جملة من الأحاديث ابتداءً مائة أو مائتين منفرداً، ثم يوزع هذه الأحاديث على أبواب الفقه، فيأخذ جملة من أبواب الطهارة ومن أحاديث الصلاة والصيام والزكاة والنكاح والمعاملات وغيرها من أبواب الفقه، فيأخذ من هذه أحاديث ومن هذه أحاديث حتى يعرف طرائق العلماء في معرفة التشديد من غيره.
كذلك أن يكون له منهج في أبواب العلل والتخريج ويميز فيها بين المرفوع والموقوف.
فللعلماء نفس في أبواب المرفوع يختلف عن الموقوف، فإنهم يشددون في الموقوفات ولا يشددون في المرفوعات، ويشددون في المرفوعات ولا يشددون في الموقوفات، كذلك عند تباين الباب فإنهم حينما يتكلمون على أحاديث في أبواب السير والمغازي والتفسير والتاريخ والفتن والملاحم وأشراط الساعة وغيرها، فإنهم لا يشددون فيها كتشديدهم في أبواب الأحكام، وإنما يشددون في أبواب الأحكام لارتباطها بأمور العبادة, وأن الدخيل فيها ابتداع، بخلاف ما يتعلق بأمور الأخبار؛ فإن الدخيل فيها يكون من الأخبار التي لا تلزم الإنسان عملاً، فإذا جاء حديث ضعيف أنه يقع في الزمن الفلاني أو في البلدة الفلانية خسف أو يخرج رجل ونحو ذلك، فالإنسان في ذلك لا يستطيع أن يعمل تجاه ذلك شيئاً.
إذاً: لا يستطيع أن يتعبد بهذا الحديث، فيقل عناية العلماء من جهة التشديد فيه، ومن جهة الرواية.
ولهذا نجد الأئمة الكبار الحفاظ ينقلون أحاديث الأحكام ويكثرون من روايتها ويقللون الرواية فيما يتعلق في غيرها من الأبواب، ولهذا تجد الإمام مالك وشعبة وعبد الرحمن بن مهدي ووكيع بن الجراح وغيرهم في أحاديث الأحكام إذا دخلت أبواب التفسير والسير والمغازي نجد أنهم يقلون حتى يتلاشوا في كثير من الأبواب، لأن هذه الحياض لا يراد منها التعبد فأرادوا صيانة الدين، فوجدوا أن حياض الأحكام الحلال والحرام قل الناس فيها فاستنفروا إليها وذادوا عنها حفظاً لها وصيانة، وأما غيرهم ممن هو دونهم لما وجدوا أن هؤلاء الأئمة الكبار زاحموهم ولم يجدوا لهم موضعاً في أمثال هذه الأحاديث؛ انصرفوا إلى ما دونها من أحاديث التفسير والسير والمغازي والفتن والملاحم، فوقع في هؤلاء الضعف والجهالة والتساهل في ذلك، في السماع من جهة إثباته أو عدمه حتى لا يعرف السماع في كثير من الأسانيد.
ولهذا إذا مارس طالب العلم أبواب التخريج والعلل فإنه ينبغي أن ينوع في الأبواب، فيأخذ في الأحكام وينوع في أبواب الأحكام، كذلك في التفسير وأبواب التاريخ والسير والمغازي وينظر في تعامل العلماء في ذلك.
كذلك ينظر في أبواب المرفوعات والموقوفات، ويعضد ذلك بما يتعلق بالعمل، وأن يقرن طالب العلم فقه السلف خير القرون بما يقف عليه من الأسانيد من الأحاديث، وهل هي صحيحة أم ضعيفة، وأن ينظر في الرواة في ذلك من جهة بلدانهم، وفقههم وعنايتهم في ذلك، وكذلك طبقة الرواة، ودرجة حفظهم، والدواوين التي جاءت فيها هذه الأحاديث، هذه اعتبارات ولها قرائن كثيرة جداً والإسهاب فيها مما يطول جداً..
وبعد هذه المقدمة اليسيرة وهي بحاجة إلى إسهاب وسوف نتكلم على بعض المسائل في ثنايا حديثنا على أحاديث الصلاة المعلة وغيرها.
أول هذه الأحاديث في هذا المجلس: هو حديث سعد القرظ : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء في المطر )، هذا الحديث أخرجه الطبراني من حديث عبد الرحمن بن سعد عن عبد الله بن عمار وعمر وحفص كلهم عن آبائهم عن أجدادهم عن سعد القرظ : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاتين في المطر )، وهذا الحديث منكر، وذلك لتفرد عبد الرحمن بن سعد عن آبائه عن أجداده، وآباؤه وأجداده في ذلك ليسوا بمعروفين وليسوا بشيء.
وقد سئل يحيى بن معين عليه رحمة الله عن هذا الحديث، فقال: أبناء سعد القرظ ليسوا بشيء، وكذلك قال هذا ابن القطان الفاسي رحمه الله، وأعل هذا الحديث جماعة من الأئمة، وهذا الحديث إنما يحكي واقعة عامة، ومثل ذلك مما ينقد، وهذا تفرد في طبقات متعددة عن مجاهيل، يرويه مجاهيل عن مجاهيل، فإنه مما لا يقبل في أمثال هذا الحكم.
كذلك من قرائن الإعلال: أن الحديث لم يكن إسناداً واحداً، فإنه لو كان إسناداً واحداً لاحتمل قبوله، لأنه يرويه ابن عن أبيه وأب عن أبيه, وهذه الدائرة عند العلماء في الغالب لا ترد للتفرد، لأنه إذا لم يتفرد الابن عن أبيه فمن يتفرد، ولكن شاع عند الأبناء والذرية، فلما شاع دل على أنه نقل واستفاض ولم يكن بين فرد عن فرد، ولهذا نطلب فيه التشديد.
فالحديث المرفوع الذي يروى عن النبي عليه الصلاة والسلام في معنى جليل يحتاج إلى إسناد قوي، ونعله بالتفرد إلا إذا كان ثمة دافع خصيصة بين راو عن راو آخر، كأن يروي الابن عن أبيه والأب عن أبيه، فهذا مما يدفع التفرد في كثير من الأحيان، لكن لما يشيع عند الأبناء، فيرويه مثلاً: عبد الله بن عمار وحفص وعمر كلهم عن آبائهم جماعة عن أجدادهم عن سعد القرظ، يعني: أنه مستفيض عند هذه العائلة، ألا يوجد من يعتني بأمثال هذه الروايات عن سعد القرظ وهو مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هذا من وجوه الإعلال في الإسناد.
وأما المتن في ذاته فليس بمعلول، وقوة المتن تضعف الإسناد، والإسناد هو سلسلة الرواة الموصلة إلى المتن، والمتن هو ما يعتمد عليه.
السلسلة إذا كانت ضعيفة هل تستطيع أن تجر بها حجارة كبيرة؟ لا تستطيع، إذاً: إذا ضعفت ضعف الإسناد لديك تنقطع، إذاً لا تقبل هذا إذا لا يحمل، إذا قوي الإسناد لديك حمل، ولهذا سلسلة سعد القرظ في رواية آبائه عن أبنائه قوية لا تحمل هذا المتن.
إذاً: هي سلسلة ضعيفة، وهذا المعنى العظيم يحتاج إلى سلسلة عظيمة، ويأتي الإشارة إلى هذا المعنى بإذن الله تعالى.
الحديث الثاني في مجلس هذا اليوم: هو حديث عبد الله بن عمر : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر للمطر )، هذا الحديث ذكره البيهقي وغيره من حديث يحيى بن واضح عن موسى بن عقبة عن نافع عن عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا الحديث ظاهر إسناده الصحة، يرويه يحيى عن موسى بن عقبة عن نافع عن عبد الله بن عمر عن النبي عليه الصلاة والسلام، ولكن هذا الإسناد فيه علة، وهي أن يحيى بن واضح ثقة، ويرويه عن موسى بن عقبة، وموسى بن عقبة إمام في المغازي، وذكره في أمور الأحكام العظيمة قليل خاصة عن نافع، فله أصحاب كثر لا يتفرد موسى بن عقبة في روايته عنه.
ولهذا قد تقوى سلسلة في الإسناد وتأتي سلسلة أخرى، ثم تأتي حلقة ضعيفة فيه يكون انقطاع هنا لا يحتمل الشد بها.
ولهذا نقول: إن في مثل هذا الحديث علة، وموضع هذه العلة هو تفرد يحيى بن واضح عن موسى بن عقبة عن نافع، ونافع مولى عبد الله بن عمر هو ممن تشتهر الرواية عنه وله أصحاب كبار تفرغوا بالأخذ عنه، كــــمالك بن أنس وعبيد الله بن عمر وغيرهم من الأئمة الحفاظ الذين يروون الأحاديث، كـــــابن شهاب وغيره.
فجاء موسى بن عقبة فتفرد، واختصاصه في أبواب السير ومثل هذه المعاني يحتاج إليها من هو أولى منه كــــمالك بن أنس وابن شهاب الزهري، وعبيد الله بن عمر وغيرهم، فلما جاءت هذه الرواية من غير هذا الوجه دل على نكارتها، ولهذا تجد الأئمة ينكرون هذا، ولهذا نقل أبو بكر الأثرم عن الإمام أحمد أنه سئل عن الجمع بين الظهر والعصر في المطر قال: ما سمعته، يعني: أنه لا يثبت عنده هذا الأمر.
ومن وجوه الإنكار: أن الإمام مالك بن أنس وهو من أخص أصحاب نافع لا يعلم أن النبي عليه الصلاة والسلام جمع في المطر، ولما جاء ذكر حديث عبد الله بن عباس عليه رضوان الله تعالى: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع في المدينة من غير خوف ولا مرض، سئل عن ذلك قال: أرجو أن يكون في المطر )، يعني: أنه لا يعلم أن النبي عليه الصلاة والسلام جمع، ولو كان عند نافع حديث في ذلك عن عبد الله بن عمر لكان أولى الناس أخذاً به هو مالك بن أنس عليه رضوان الله تعالى.
وكذلك فإن هذا الحديث قد أنكره جماعة كــــــابن عبد الهادي في كتابه التنقيح، فإنه قال: هذا الحديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرفوعاً، ولكن ثبت عن عبد الله بن عمر أنه جمع في المطر، رواه الإمام مالك في الموطأ عن نافع عن عبد الله بن عمر، وهذا من وجوه الإعلال أن عبد الله بن عمر لو كان الحديث عنده مرفوعاً لكان أولى بالرواية مالك وما روى الموقوف، ولو لم يرو مالك الموقوف لكان أخف لقلنا: إنه لم يقف في المسألة على شيء، ولما وقف على المسألة على الموقوف وعمن روي عنه المرفوع دل على عدم ثبوت المرفوع عنده، وأنه إنما روى الموقوف لعدم ثبوت المرفوع، ولهذا نقول: إن المرفوع في ذلك منكر.
جاء المرفوع من وجه آخر من حديث سفيان بن بشير عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر : ( أن النبي عليه الصلاة والسلام جمع في المطر )، وهذا الحديث منكر، يرويه سفيان بن بشير عن مالك، وسفيان هذا منكر الحديث، ومالك بن أنس له أصحاب كثر يروون عنه الحديث، والمعتمد في كتابه الموطأ وروى عنه رواة الموطأ كلهم الحديث موقوفاً، وتفرد سفيان في غير الموطأ برواية هذا الحديث مرفوعاً إلى النبي عليه الصلاة والسلام, وهذا دليل على نكارته وعدم ثبوته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرفوعاً.
ولدينا قرينة في أبواب الإعلال: أن الحديث إذا جاء مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاء موقوفاً من نفس الطريق, فإن الموقوف يعل المرفوع على خلاف طريقة الظاهريين، وذلك أن الأئمة إذا اعتمدوا على الموقوف وتركوا المرفوع إشارة إلى عدم الاعتداد بالمرفوع، وذلك أن الأولى هو الأخذ بالمرفوع، فلما تنكبوا مع وجوده دل على عدم اعتبارهم له، خاصة أن الإمام مالكاً رحمه الله وهو إمام أهل المدينة لم يذكر حديثاً مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا وإنما اعتمد على الموقوف.
ومن وجوه النكارة والإعلال: أن الجمع في المطر بين الصلوات معروف في عمل المدينة ومستفيض، ومثل هذا لا بد أن يروى بسند قوي لو وجد مرفوعاً، ولهذا تجد الأئمة الرواة من الفقهاء وخاصة علماء المدينة إذا أردوا أن ينقلوا حديثاً في أبواب الجمع في المطر لا يذكرون المرفوعات، يقولون: فعله ابن عمر، فعله ابن عباس، فعله سعيد بن المسيب، فعله أبو بكر بن الحارث وغيره، لا يذكرون شيئاً عن النبي عليه الصلاة والسلام، ولو كان لديهم شيء فهو أولى بالذكر، فهذا من قرائن الإعلال.
ولهذا نقول: إن من قرائن الإعلال أن طالب العلم ينظر في أبواب فقه ذلك البلد الذي جاء فيه الإسناد، الإسناد هذا مدني والذي هو مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر، أو موسى بن عقبة عن نافع عن عبد الله بن عمر، فهذا الإسناد ينتهي بالمدنيين، فلما كان هذا العمل ينسب إلى غيرهم مع الحاجة إليه، فإن هذا من قرائن الإعلال، ولهذا نقول: إن هذا الحديث لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرفوعاً.
الحديث الثالث في هذا وهو حديث مشهور في صحيح الإمام مسلم هو حديث عبد الله بن عباس عليه رضوان الله تعالى، قال: ( جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة من غير خوف ولا مطر )، فهذا الحديث أخرجه الإمام مسلم في كتابه الصحيح، ولا إشكال في صحته، ولكن الإشكال عندنا هو في لفظة المطر في هذا الحديث، فالحديث أخرجه الإمام مسلم في كتابه الصحيح من حديث الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس، فذكر المطر فيه.
وهذا الحديث اختلف فيه على الأعمش، تارة يذكر المطر، وتارة يقال: ( من غير خوف ولا مرض )، وتارة يقال: ( من غير خوف ولا سفر )، أما ذكر المطر فما جاء إلا من هذا الوجه صحيحاً، وأما الوجوه الضعيفة فتأتي وهي مروية ولا يصح منها شيء, ويأتي الكلام عليها بإذن الله.
هذا الحديث في صحيح الإمام مسلم عن عبد الله بن عباس : ( أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى في المدينة المغرب والعشاء سبعاً جميعاً، والظهر والعصر ثمانياً جميعاً )، وهذا رواه البخاري ومسلم، والبخاري ما ذكر المطر في هذا الحديث, وعدم ذكره للمطر أمارة على الإعلال، فذكر المطر في هذا الحديث ليس بمحفوظ، وذلك من وجوه:
أولها: أن هذه الرواية تفرد بها حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس، وخالف الرواة في ذلك، رواه عن عبد الله بن عباس جماعة ولم يذكروا المطر فيه، رواه عبد الله بن شقيق، وجابر بن زيد، وسعيد بن جبير من رواية أبي الزبير عن سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس.
إذاً: خالف في هذه الرواية حبيب بن أبي ثابت خالف فيها أبا الزبير محمد بن مسلم بن تدرس، ومحمد بن مسلم بن تدرس أولى بالقبول والرجحان، لأنه قد وافق رواية جابر بن زيد وعبد الله بن شقيق عن عبد الله بن عباس من غير ذكر المطر.
كذلك فإن هذا الحديث قد جاء من حديث سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عبد الله بن عباس ولم يذكر المطر فيه، وهذا أصح.
قال البيهقي رحمه الله: ورواية سفيان عن عمرو بن دينار أولى بالقبول، وقال في ذلك أيضاً في رواية أبي الزبير، قال: لموافقتها لرواية عمرو بن دينار، يعني: عن عبد الله بن عباس، وحبيب بن أبي ثابت وإن كان من الثقات إلا أنه يدلس، وكذلك فإنه كوفي, والكوفيون في الغالب أنهم ربما يوردون الحديث ويتجوزون في روايته بالمعنى، فربما ذكر هذا الاحتمال أنه علم أن النبي عليه الصلاة والسلام جمع في المدينة، فذكر هذه المنفيات من غير خوف ولا سفر، أو من غير خوف ولا مطر، فأدخل المطر فيها، وهذا يحتمل أن يأتي من الكوفيين.
وقد أنكر هذه الزيادة جماعة كـالبزار رحمه الله، فقد قال في كتابه المسند: والحفاظ لا يروون هذه الزيادة، يعني: يتفرد بها حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير، وأعلها كذلك ابن خزيمة في كتابه الصحيح، وابن عبد البر، وكذلك ابن رجب وغيرهم، أن هذه الزيادة لا تثبت, وهذا ظاهر صنيع البيهقي رحمه الله في كتابه السنن، ولكن زيادة ذكر المطر جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام من طرق أخرى متعددة نسوقها ونبين العلل فيها.
جاء عند الدارقطني في كتابه الأفراد من حديث الحسن بن عمارة عن أبي الزبير محمد بن مسلم بن تدرس عن سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس : ( أن النبي عليه الصلاة والسلام جمع في المدينة من غير خوف ولا سفر ولا مطر ) .
وهذا الحديث تفرد به الحسن بن عمارة وهو منكر الحديث، ورواه الحسن بن عمارة أيضاً في ذلك عن عمرو بن دينار به, وهذه الزيادة منكرة، وجاء أمن طريق آخر من حديث عبد الحميد بن مهدي عن المعافى بن سليمان عن محمد بن سلمة عن أبي عبد الرحيم عن زيد بن أبي أنيسة عن سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس : ( أن النبي عليه الصلاة والسلام جمع في المدينة من غير خوف ولا مطر )، وهذا الخبر منكر، فإن عبد الحميد الذي تفرد بروايته هذه في هذا الحديث عن المعافى بن سليمان منكر الحديث، كما نقل ذلك ابن رجب رحمه الله في كتابه الفتح.
كذلك من وجوه الإعلال: أن هذا الحديث جاء عن أبي الزبير محمد بن مسلم بن تدرس، وهذه الرواية جاءت في الصحيح عند الإمام مسلم من غير ذكر المطر؛ مما يدل على أن هذه الرواية عن أبي الزبير لا تصح بذكر المطر فيه.
ومن الوجوه أيضاً: ما جاء من حديث أشعث بن سوار عن عكرمة مولى عبد الله بن عباس عن عبد الله بن عباس : ( أن النبي عليه الصلاة والسلام جمع في المدينة من غير خوف ولا مطر )، وهذا الحديث في إسناده أشعث بن سوار، وهو ضعيف الحديث.
ومن الوجوه أيضاً: ما جاء من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف الحديث، وقد جاء من وجه آخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رواه أبو بكر الأثرم، ورواه ابن عبد البر في كتابه الاستذكار من حديث أبي عوانة عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه أنه قال: ( من السنة أن يجمع في المطر )، وهذا الحديث مرسل، وأبو سلمة من التابعين.
وقوله: (من السنة) إذا أطلقت يراد بها سنة النبي عليه الصلاة والسلام، إلا أن بعض الأئمة يحمل أقوال التابعين على أنهم إذا أطلقوا (من السنة) أنه يراد بذلك عمل الصحابة عليهم رضوان الله تعالى.
وهنا قد يقول قائل: لماذا نورد هذه الأحاديث والمسألة قد عمل بها السلف وهي الجمع في المطر؟
أولاً: نبين أمور:
الأمر الأول: أنه لم يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه جمع في المطر، وعدم الثبوت لا يدل على العدم، وذلك أنه في حديث عبد الله بن عباس ( أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع من غير خوف ولا مطر ) فنفي المطر دليل على أنه يجمع في المطر لكن هذه الحالة ما جمع، فهي في دلالة المفهوم تدل على الجواز، ولكن هذه الرواية ضعيفة.
الأمر الثاني: أن هذه المسألة وهي الجمع في المطر ليست محل إجماع وإن حكي الإجماع في ذلك.
جاء عن بعض الأئمة من الفقهاء وهو وقول أهل الرأي وقول أبي حنيفة والأوزاعي وغيرهم أنهم لا يرون الجمع في المطر مطلقاً، ويرون الصلاة في الرحال.
الأمر الثالث: أنه ينبغي لطالب العلم أن يفقه المسائل التي مستندها المرفوع والمسائل التي مستندها عمل الصحابة عليهم رضوان الله تعالى، وهذا أمر معلوم، فإن الصحابة قد جاء عن عبد الله بن عمر أنه كان يجمع كما جاء عند عبد الرزاق في كتابه المصنف، عن نافع أنه قال: كان أهل المدينة يجمعون بين المغرب والعشاء في المطر ويجمع معهم عبد الله بن عمر، وجاء عند الإمام مالك في الموطأ عن نافع عن عبد الله بن عمر قال: إن أمراء المدينة يجمعون بين المغرب والعشاء في المطر ويجمع معهم عبد الله بن عمر عليه رضوان الله.
وكذلك هو الذي عليه عمل الفقهاء كما جاء في المصنف من حديث هشام بن عروة قال: كان عروة وسعيد بن المسيب وأبو بكر بن الحارث يجمعون في المطر، وجاء عن عمر بن عبد العزيز بإسناد صحيح، ولا أعلم من خالف في مسألة الجمع في المطر من الصحابة عليهم رضوان الله تعالى ولا من التابعين من فقهاء الحجاز ممن خالف في هذه المسألة؛ مما يدل على أن هذا الأمر مستقر, وأن الخلاف في هذه المسألة وجد عند مدرسة الرأي.
ومما ينبغي أن يشار إليه أن ثمة سنة مهجورة هي أولى من الجمع في المطر وهي الصلاة في الرحال.
ومن العجب أن هذا الحديث الذي يتكلم عليه العلماء وهي في مسألة خلافية ولم يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام في ذلك وإن كان المترجح سنية الجمع نقول بهذا، إلا أنه لا يمكن لأحد أن يجادل في صحة أحاديث الصلاة في الرحال.
كما جاء في حديث عبد الله بن عباس في الصحيح: ( أنه قال للمؤذن: إذا بلغت أشهد أن محمداً رسول الله قل: الصلاة في الرحال، ولا تقل: حي على الصلاة حي على الفلاح، قال: هكذا كان مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم )، مما يدل على أن هذه السنة أولى بالأخذ، والخلاف عند العلماء في مسألة الجمع في المطر لم يقتصر على مشروعية الجمع في ذاته وإنما يقتصر عند من قال بالجمع حتى متى يجمع؟ وما هو مقدار المطر؟
ومن قال بالجمع بين المغرب والعشاء لا يقول باللزوم بالجمع بين الظهر والعصر، ولهذا بعض العلماء لا يقول بالجمع بين الظهر والعصر، وإنما يشترط الظلمة والوحل، أو الظلمة والمطر، ولا يرى الجمع في النهار، قال: لأن الإنسان يستطيع أن يتوقى في النهار ولا يستطيع أن يتوقى في الليل.
وإذا قلنا بهذه العلة فيلزم من هذا أن الناس لا يجمعون في المدن في زماننا، فإنهم يبصرون الطرق كما يبصرونها في نهارهم.
ولهذا نقول: إن هذه المسألة الخلافية يكثر السؤال والاستفتاء عنها خاصة في أزمنة المطر هل صلاتنا صحيحة؟ المطر كان يسيراً؟ أو اختلف الجماعة ونحو ذلك.
السنة الصريحة التي لا خلاف عند العلماء فيها وهي مسألة الصلاة في الرحال أن ينادى عند نزول المطر أن يقال: الصلاة في الرحال.
والذين يقولون بالجمع في المطر الإمام مالك والشافعي وأحمد وهم جماهير العلماء وعامة السلف عليهم رحمة الله يختلفون في القدر الموجب لجمع المطر.
الإمام الشافعي رحمه الله يقول: لا يجمع في المطر إلا والمطر مستمر من الصلاة الأولى إلى استفتاح الثانية, فإذا انقطع في أثناء الثانية صح، وإذا انتهى قبل ابتداء الثانية لم يصح للإنسان أن يجمع، وإن خالفه غيره في ذلك، ولكن نقول في المسألة: الاحتياط في هذا أن يصلي الناس الصلوات في أوقاتها في بيوتهم وينادى في ذلك؛ لأن الوقت آكد من صلاة الجماعة، أيها آكد: صلاة الجماعة أو أداء الصلاة في وقتها؟
الصلاة في وقتها ولو لم يأت بها جماعة، إذا خير الإنسان بين أمرين لا يستطيع الفرار منهما: إما أن يصلي جماعة جمعاً، أو منفرداً في بيته في وقتها؟ فإنه يصلي منفرداً في بيته في وقتها؛ لأن الوقت أوجب، ولهذا قال الله عز وجل: إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا [النساء:103]، ولو لم تكن هذه المسألة من مواضيع الخلاف عند أهل الرأي وما يوجد فيها من إشكالات لما أوردنا هذه الأحاديث في مسائل الصلاة المعلة؛ لاستقرار العمل على مسألة الجمع، ولعمل الصحابة عليهم رضوان الله تعالى وعدم وجود مخالف في هذه المسألة.
الحديث الرابع في هذا: هو حديث عبد الله بن عباس عليه رضوان الله: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين المغرب والعشاء في السفر من غير خوف يخافه، ولا يضربه عدو ) هذا الحديث أخرجه ابن ماجه في كتابه السنن، والطبراني من حديث عبد الكريم أبي أمية عن طاوس، ومجاهد وسعيد بن جبير وعطاء عن عبد الله بن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهذا الخبر منكر.
ومن وجوه النكارة: عبد الكريم أبو أمية، فهو ضعيف الحديث جداً، وقد تفرد بهذا الحديث.
كذلك فإن حديث عبد الله بن عباس هذا هو الحديث السابق، وما ذكر السفر، وإنما ذكر أن الجمع كان في المدينة، وما ذكر أنه كان في سفر، وذكر السفر فيه منكر، وقد خالف فيه عبد الكريم أبو أمية في هذا الحديث من رواه عن عبد الله بن عباس وهم خلق، كـسعيد بن جبير، وعبد الله بن شقيق، وعكرمة، وعمرو بن دينار وغيرهم، يروونه عن عبد الله بن عباس ولا يذكرون السفر فيه؛ لأن السفر أصلاً سبب الجمع، هل الجمع في السفر يجوز بالاتفاق؟ لا، ليست المسألة بالاتفاق، لأن هناك من العلماء من يرى القصر ويرى الجمع حتى في السفر.
ومن وجوه الإعلال: أن عبد الكريم أبا أمية وهو ضعيف يحدث عن مجاهد، وعطاء، وطاوس، وسعيد بن جبير، عن عبد الله بن عباس، هل يحتمل هذا؟ ما يحتمل، هذا الرجل إذا أراد أن ننظمه في السلسلة تكون سلسلة صغيرة، هل تحتوي السلاسل حلقاً كبيرة؟ هل تستطيع أن تحيط بها؟ لا تستطيع أن تحيط؛ لأنه ليس من المكثرين، كذلك أولئك الكبار مجاهد، وعطاء، وطاوس، هؤلاء الكبار لهم أصحاب، فلو انفرد هو عن واحد لما قبل، فكيف ينفرد بهؤلاء ويجمعهم في خبر واحد؟ لا يقبل هذا..
وذلك أن يأتيك شخص من عوام الناس ويقول: حدثني الشيخ الفلاني والشيخ الفلاني والشيخ الفلاني فجمع المشايخ كلهم، وهو رجل لا يؤبه فيه، هذا من علامات النكارة، رجل لا يعرف بشيء وطاف على المشايخ وجلس معهم ثم حدثوه بهذه الأحاديث وكأنه صاحب اختصاص! ولهذا نقول: إن الضعيف المقل لا يحتمل عنه التفرد عن المكثر الواحد فكيف عن مكثرين؟ فكيف أن ينفرد بمتن جليل؟ فكيف أن يخالف غيره؟
ولهذا نقول: إن هذا الحديث منكر إسناداً ومنكر متناً، وذلك أن ذكر الخوف والعدو في سياق الجمع في السفر لا يناسبه ولا يأتي على نسق الأحاديث المرفوعة التي تروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا.
حديث: (من السنة أن يجمع بين الصلاتين في المطر)
الحديث الخامس تقدمت الإشارة فيه على اختصار: وهو حديث أبي سلمة أنه قال: ( من السنة أن يجمع بين الصلاتين في المطر )، هذا الحديث أخرجه أبو بكر الأثرم، وعنه ابن عبد البر في كتابه التمهيد من حديث أبي عوانة عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه، قال: من السنة.
و أبو سلمة تابعي وهو من الثقات ومن فقهاء المدينة، ولكنه لم يدرك زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه في ذلك مرسل، ولهذا نقول: إن غاية ما يحكى عن أبي سلمة أنه أدرك عمل بعض الصحابة وأراد في ذلك عمل الكبار من أهل المدينة كـسعيد بن المسيب، وعروة، وأبو بكر بن الحارث بن هشام وغيرهم من الفقهاء، كـعمر بن عبد العزيز وغيره، أما أن يصح ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكون مراده في ذلك من السنة فهذا لا يثبت، ولهذا حكم غير واحد من العلماء في ذلك بالإرسال.
وأما بالنسبة لأصل هذه المسألة وهي مسألة الجمع في المطر فقد ذكر غير واحد من العلماء أنه لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك جمع، ومن هؤلاء الأئمة أيوب بن أبي تميمة السختياني فقد نقل عنه حماد بن زيد لما روى حماد بن زيد عن عمرو بن دينار حديث عبد الله بن عباس: ( أن النبي عليه الصلاة والسلام جمع بين الصلاتين من غير خوف ولا مرض )، قيل لـــــأيوب، قال: جمع بين المطر؟ قال: عسى، إشارة إلى أنه لم يثبت عنده هذا.
كذلك الإمام مالك رحمه الله لما قال: أرجو أن يكون من المطر، ولو ثبت عنده ذلك لصح.
حكم الجمع بين الظهر والعصر بسبب المطر
وهناك مسألة وهي: الجمع بين الظهر والعصر في المطر، فهذا لا يحفظ فيه شيء كما قال ذلك الإمام أحمد رحمه الله كما نقله عنه الأثرم، أن الإمام أحمد رحمه الله سئل عن الجمع بين الظهر والعصر في المطر؟ قال: ما سمعته أو ما سمعت به، يعني: أن هذا ليس بمعروف.
ولعل الإمام أحمد رحمه الله أراد بذلك المرفوع وعمل الصحابة عليهم رضوان الله تعالى الكبار من الخلفاء الراشدين، وإذا قلنا: إنه لم يثبت الجمع بين المغرب والعشاء في المطر فإنه كذلك في الظهر والعصر يكون من باب أولى، لأننا لو أثبتناه في الظهر والعصر فمن باب أولى نثبته في المغرب والعشاء، وأما المغرب والعشاء فلا يلزم من ذلك القياس على الظهر والعصر.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.