أرشيف المقالات

قلب العصفور

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
قلب العصفور

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يدخلُ الجنةَ أقوامٌ أفئدتُهم مثل أفئدةِ الطير))؛ أخرجه مسلم.
 
وقفتُ كثيرًا أمام هذا الحديث عندما استمعت إليه لأول مرة، أهلُ الجنَّة قلوبهم كقلوب الطيور، مثل العصفور مثلاً، وعندما يتصور أحدنا العصفور، فهو مخلوق رقيقٌ للغاية، نشيطٌ للغاية، دائم العمل والبناء والاعتماد على النفس رغم ضعفه، إذا ما رأيت العصفور أو سمعتَ صوته، شعَرتَ ببهجة، ورقَّ قلبُك لرقته، فكيف يكون قلب هذا المخلوق؟
 
بالتأكيد قلبٌ ضعيف، شديد الرقة، خَالٍ من القسوة، متوكلٌ على الله، واثقٌ به، يتأرجح ما بين الخوف والرجاء، ما الدليل على هذا؟
 
عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن رسولَ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: ((لو أنكم توكَّلتم على الله حقَّ توكلهِ، لرزَقَكم كما يرزقُ الطيرَ، تغدو خماصًا، وتروحُ بطانًا))؛ حديث صحيح.
 
فالطيور - ومنها العصافير - تحيا وقلوبُها في حالةِ تعلُّقٍ تامٍّ بالله، تلجأ إليه وتُدرك أنه لا رزَّاق إلا الله، ولا توكُّل ولا اعتمادَ إلا على الله، وجزاءً لها يرزقها الله من حيث لا تعلمُ ولا تحتسب.
 
فإذا اتفقنا على هذه الصفات، فكيف يصلُ كلٌّ منا بقلبه إلى هذه الحالة من الرِّقة، فنكون من ساكني الجنة - إن شاء الله؟
 
نصيحتي، قيِّم أفعالَك اليومية كلاًّ على حدة، وراجع ردودَ أفعالك في المواقف المختلفة؛ لتدركَ حالةَ قلبك، ولتعملَ على إصلاحه.
 
يقول أهل العلم: "إذا وجدتَ في قلبك ظلمةً بعد المعصية، فأبشِرْ؛ لأن هذا يعني أنه ملآن بالنور، وضايقته هذه العتمة".
 
انظر لنفسك عندما تستيقظ صباحًا، كيف تتعامل مع أهلك، سواءٌ والداك، أو زوجتك، أو أولادك.
 
أيفرح الجميعُ برؤيتك؟ أم تجدهم يتحاشَونَ الوجود حولك؛ اتقاءً لشر لسانك وأفعالك؟
كم مرة تُقبِّل يدي والدتك وزوجتك وتقبِّل أولادك؟ متى كانت آخرَ مرةٍ سألتَ عن أحوالهم واستمعت فعلاً إليهم؟
 
في طريقك إلى العمل أو الجامعة أو أي مكان، كيف تقود؟ هل تراعي مَن حولك؟ أيرقُّ قلبُك لمن تراهم من البسطاء من حولك؟ كم مرة تستعمل ألفاظًا لا تُرضي اللهَ ورسولَه؟
 
كم من وقتك تقضي في اليوم مفكرًا في مشاعرِ مَن حولكَ واحتياجاتهم؟
كم مرةً تبكي ندمًا وخشيةً أمام الله؟ وكم من بسمةٍ تبتسمُ في وجوهِ خَلْقه لتُرضِيَه؟
 
يجبُ على كل مسلمٍ منَّا أن يعلمَ أن علاقة قلبهِ بالله علاقةٌ شديدةُ الخصوصية في طبيعتها؛ فالقلب المؤمن يعبدُ الله، لا يبتغي من عمله غيرَ حب الله ورضاه عنه، لأن حبَّ الله بالنسبة إليه من أسمى ما يبتغي، علاقة عملية تظهرُ على لسانه وفي أفعاله، لا مكان فيها لقسوة القلب التي تقود للمعصية، وتحرم الإنسانَ من تذوُّقِ قلبه حلاوةَ الإيمان، والله - عز وجل - لا ينظر لحال ثيابك ولا مظهرك، ولكن ينظر إلى قلبك، ولا يُرضي اللهَ أقلُّ من أن يكون قلبُك كله له سبحانه، مليئًا بحبه، والخوف منه، متوكلاً عليه، واثقًا فيه، رقيقًا شديد الحنان على عباده، موقنًا بنظره إليك في كل خُطوة، وموقنًا بإخلاصك العمل في سبيله؛ لأنه إن لم يرضَ اللهُ، فما قيمة كل ما تعمل؟ وإن لم تحلم بالجنة كهدفك النهائي لكل ما تعمل، فاعلم أن كل ما ستصل لتحقيقه هو إلى زوالٍ مهما دام.
 
اللهم يا مقلبَ القلوب، ثبِّتْ قلوبَنا على حبِّك، واجعلها في رقة قلوب العصافير.
 
المصدر: مجلة "أهلا" الدعوية، الصادرة عن مبادرة "أهلا" للتعريف بالإسلام
العدد الأول، ديسمبر 2012 م

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١