أخطاء في النية


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70].

أما بعد:

فموضوع حديثي إليكم هو عن النية، والأخطاء التي تقع فيها. والمصيبة أن الحديث عن النية يحتاج إلى نية، وهذا لا نشك فيه؛ فنسأل الله عز وجل أن يرزقنا حسن النية فيما نقول ونعمل ونسمع، وألا يؤاخذنا بذنوبنا ولا بما كسبت أيدينا.

معنى النية

أما المقصود بالنية: فهي القصد والتوجه الذي يرمي إليه الإنسان من خلال أعماله، يستوي في ذلك نية العمل ونية المعمول له، فنية العمل تميز بين نية العبادة من العادة، أو نية المعمول له، ومن يريد الإنسان بعمله، هل أراد الله -تعالى- أم أراد غيره.

إن النية من أعظم العبادات وأجل القربات، حتى قال الإمام ابن حزم رحمه الله: النية سر العبودية وروحها، وهي من الأعمال بمنـزلة الروح من الجسد، ومحال أن يكون في العبودية عمل لا روح فيه، إذ هو بمنـزلة الجسد الذي لا روح فيه، فهو جسد خراب، ومع هذه الأهمية العظيمة للنية فإن الكثير من الناس يغفلون عنها، وقد تجد الكثيرين يتنافسون في الأعمال؛ كالتبكير إلى الصلاة -مثلاً-، وكثرة قراءة القرآن، أو قيام الليل، أو الصدقة، وهذه لا شك من الأعمال الفاضلة التي يؤجر عليها الإنسان، لكن هذه الأعمال مفتقرة إلى نية، فإذا خلت من النية لم يكن لها ثمرة، بل على العكس تصبح ضرراً على صاحبها، هذا من جهة.

ومن جهة أخرى فإن النية تنفع الإنسان بذاتها، فإذا نوى الإنسان العمل الصالح ثم لم يتمكن منه رزقه الله تبارك وتعالى ثواب ذلك العمل، كما في أحاديث كثيرة جداً عن النبي صلى الله عليه وسلم، والسبب في تنافس الناس في الأمور والأعمال الظاهرة، وعدم تنافسهم في النية والقصد: أن النية محلها القلب، فلا يدري أحد عن أحد ما نيته وما قصده، فيقل فيها التنافس، وإلا فإن الإنسان لو تأمل لأدرك أن النية هي الرحى التي تدور عليها الأعمال، وأن العناية بتصحيح النية وإصلاحها يجب أن يكون أعظم من العناية بتصحيح الأعمال الأخرى وتكثيرها؛ لذلك أمر الله تعالى في كتابه بالإخلاص في العبادة في مواضع كثيرة ليس هذا موضع بسطها، ويكفي أن الله تعالى عد الإخلاص هو الدين فقال:وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة:5] فالإخلاص لله في العبادة هو دين القيّمة، وهو الدين الذي بعث به جميع الأنبياء والمرسلين، وهو دعوة الناس إلى إخلاص العبودية لله تعالى، وهذا هو لب النية: أن يقصد الإنسان في عبادته وعمله وجه الله عز وجل.

ولذلك تعجبني الكلمة التي ذكرها أحد العلماء وهو الإمام عبد الله بن أبي جمرة يقول: (وددت أنه لو كان من الفقهاء من ليس له شغل إلا أن يعلم الناس مقاصدهم في أعمالهم، ويقعد للتدريس في أعمال النية ليس إلا) يقول: (فما أتي كثير ممن أتي إلا من تضييع ذلك) إذاً فـابن أبي جمرة يقترح على الفقهاء أن يكون من بينهم من يتفرغون لتعليم الناس قضية النية، وتصحيح النية، ومعنى النية، والسبيل إلى إصلاحها، وأحكامها، وما يتعلق بها، وهذا من فقهه رحمه الله؛ لأن النية شأنها عظيم، حتى أن العلماء لما تكلموا عن حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي رواه أئمة الحديث كـالبخاري ومسلم وأصحاب السنن وأحمد والدارمي ومالك في الموطأ، وغيرهم، وهو حديث عمر بن الخطاب المتفق على صحته {إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى} منهم من عده ربع الإسلام، ومنهم من عده ثلث الإسلام؛ وما ذلك إلا لأن مدار الأعمال كلها على النية؛ ولهذا فـابن أبي جمرة رأى أن يتفرغ من الفقهاء من يعلم الناس النية، كما تفرغ من يعلم الناس كيف يصومون، وكيف يصلون، وكيف يحجون.

كذلك يجب العناية كثيراً بإصلاح القلوب، وتصحيح المقاصد، وتربية الناس على النية الحسنة في كل شيء.

الاهتمام بالعمل أكثر من النية

كان سفيان الثوري رحمه الله يقول عن سلفه من الأئمة والعلماء: كانوا يتعلمون النية كما تتعلمون العمل أي أن الناس منذ القديم أولعوا بتعلم الأعمال أكثر من ولعهم بتعلم النيات، وخذوا على سبيل المثال واقعنا نحن الذي نعيش فيه، ربما يكون أكثرنا يستطيع أن يقوم ليصلي صلاة هي الصلاة الشرعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، كيف يضع يديه، وكيف يركع، وكيف يسجد، وماذا يقدم، وماذا يؤخر، وطريقة القعود في التشهد الأول، وطريقة القعود في التشهد الأخير، وكيفية السلام، وهذه الأشياء لا أريد التقليل من شأنها من أجل الرفع من شأن النية، كلا، فهذه سنن، وبعضها واجبات، بل وبعضها أركان لا تتم الصلاة إلا بها، ويجب على الإنسان أن يتعلم ما تقوم به صلاته وعبادته، هذا لا إشكال فيه.

لكنني أقول: إن بعض الناس؛ بل بعض طلاب العلم -أحياناً- يهتمون بهذه الأمور أو ببعض الجزئيات فيها أكثر بكثير مما يهتمون بقضية النية، فقد تجد طالب علم -مثلاً- يعتني عناية بليغة بكيفية تحريك الأصبع في التشهد، ويعتني عناية بليغة كيف يضع يديه أثناء السجود، وكيف يرفع يديه بالتكبير، وتعلم هذه أمور -كما ذكرت سابقاً- تعلم مطلوب، لا أحد يستطيع أن يقلل من أهمية هذه الأمور، لكن بلا شك أن هناك سنناً زاد الناس في الاهتمام بها، وغفلوا عن ما هو أهم منها، وهو العناية بإصلاح القصد والنية.

وليس هدف هذه الموضوع أن أتكلم عن النية، وأهمية النية، والنصوص الواردة فيها فهذا له مجال آخر، إنما الكلام عن أخطاء في النية.

ولذلك فإنني سوف أصحبكم في هذا الحديث في رحلة أرجو أن تكون غير مملة -إن شاء الله- في ذكر بعض الأخطاء التي يقع فيها الناس في موضوع النية، وأقول: أرجو أن تكون غير مملة؛ لأن من عادة الناس أنهم حين يستمعون إلى موضوعات علمية يتطرق إليهم الملل، فهم بحاجة إلى من يحرك عواطفهم، وينقلهم من نكتة إلى قصة، إلى طرفة، إلى خبر، إلى شعر، إلى غير ذلك.

ولكنني أوثر في كثير من الأحيان -أو هكذا طبيعتي- أنني أميل إلى الموضوعات التي يكون لها طابع علمي مفيد للمستمع، ولو كان فيه بعض الإثقال الذي يتطلب أن يوطن الإنسان نفسه على الاستماع، وسوف أطرح هذه الأخطاء على شكل أسئلة ترد من بعض الناس.

أما المقصود بالنية: فهي القصد والتوجه الذي يرمي إليه الإنسان من خلال أعماله، يستوي في ذلك نية العمل ونية المعمول له، فنية العمل تميز بين نية العبادة من العادة، أو نية المعمول له، ومن يريد الإنسان بعمله، هل أراد الله -تعالى- أم أراد غيره.

إن النية من أعظم العبادات وأجل القربات، حتى قال الإمام ابن حزم رحمه الله: النية سر العبودية وروحها، وهي من الأعمال بمنـزلة الروح من الجسد، ومحال أن يكون في العبودية عمل لا روح فيه، إذ هو بمنـزلة الجسد الذي لا روح فيه، فهو جسد خراب، ومع هذه الأهمية العظيمة للنية فإن الكثير من الناس يغفلون عنها، وقد تجد الكثيرين يتنافسون في الأعمال؛ كالتبكير إلى الصلاة -مثلاً-، وكثرة قراءة القرآن، أو قيام الليل، أو الصدقة، وهذه لا شك من الأعمال الفاضلة التي يؤجر عليها الإنسان، لكن هذه الأعمال مفتقرة إلى نية، فإذا خلت من النية لم يكن لها ثمرة، بل على العكس تصبح ضرراً على صاحبها، هذا من جهة.

ومن جهة أخرى فإن النية تنفع الإنسان بذاتها، فإذا نوى الإنسان العمل الصالح ثم لم يتمكن منه رزقه الله تبارك وتعالى ثواب ذلك العمل، كما في أحاديث كثيرة جداً عن النبي صلى الله عليه وسلم، والسبب في تنافس الناس في الأمور والأعمال الظاهرة، وعدم تنافسهم في النية والقصد: أن النية محلها القلب، فلا يدري أحد عن أحد ما نيته وما قصده، فيقل فيها التنافس، وإلا فإن الإنسان لو تأمل لأدرك أن النية هي الرحى التي تدور عليها الأعمال، وأن العناية بتصحيح النية وإصلاحها يجب أن يكون أعظم من العناية بتصحيح الأعمال الأخرى وتكثيرها؛ لذلك أمر الله تعالى في كتابه بالإخلاص في العبادة في مواضع كثيرة ليس هذا موضع بسطها، ويكفي أن الله تعالى عد الإخلاص هو الدين فقال:وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة:5] فالإخلاص لله في العبادة هو دين القيّمة، وهو الدين الذي بعث به جميع الأنبياء والمرسلين، وهو دعوة الناس إلى إخلاص العبودية لله تعالى، وهذا هو لب النية: أن يقصد الإنسان في عبادته وعمله وجه الله عز وجل.

ولذلك تعجبني الكلمة التي ذكرها أحد العلماء وهو الإمام عبد الله بن أبي جمرة يقول: (وددت أنه لو كان من الفقهاء من ليس له شغل إلا أن يعلم الناس مقاصدهم في أعمالهم، ويقعد للتدريس في أعمال النية ليس إلا) يقول: (فما أتي كثير ممن أتي إلا من تضييع ذلك) إذاً فـابن أبي جمرة يقترح على الفقهاء أن يكون من بينهم من يتفرغون لتعليم الناس قضية النية، وتصحيح النية، ومعنى النية، والسبيل إلى إصلاحها، وأحكامها، وما يتعلق بها، وهذا من فقهه رحمه الله؛ لأن النية شأنها عظيم، حتى أن العلماء لما تكلموا عن حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي رواه أئمة الحديث كـالبخاري ومسلم وأصحاب السنن وأحمد والدارمي ومالك في الموطأ، وغيرهم، وهو حديث عمر بن الخطاب المتفق على صحته {إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى} منهم من عده ربع الإسلام، ومنهم من عده ثلث الإسلام؛ وما ذلك إلا لأن مدار الأعمال كلها على النية؛ ولهذا فـابن أبي جمرة رأى أن يتفرغ من الفقهاء من يعلم الناس النية، كما تفرغ من يعلم الناس كيف يصومون، وكيف يصلون، وكيف يحجون.

كذلك يجب العناية كثيراً بإصلاح القلوب، وتصحيح المقاصد، وتربية الناس على النية الحسنة في كل شيء.

كان سفيان الثوري رحمه الله يقول عن سلفه من الأئمة والعلماء: كانوا يتعلمون النية كما تتعلمون العمل أي أن الناس منذ القديم أولعوا بتعلم الأعمال أكثر من ولعهم بتعلم النيات، وخذوا على سبيل المثال واقعنا نحن الذي نعيش فيه، ربما يكون أكثرنا يستطيع أن يقوم ليصلي صلاة هي الصلاة الشرعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، كيف يضع يديه، وكيف يركع، وكيف يسجد، وماذا يقدم، وماذا يؤخر، وطريقة القعود في التشهد الأول، وطريقة القعود في التشهد الأخير، وكيفية السلام، وهذه الأشياء لا أريد التقليل من شأنها من أجل الرفع من شأن النية، كلا، فهذه سنن، وبعضها واجبات، بل وبعضها أركان لا تتم الصلاة إلا بها، ويجب على الإنسان أن يتعلم ما تقوم به صلاته وعبادته، هذا لا إشكال فيه.

لكنني أقول: إن بعض الناس؛ بل بعض طلاب العلم -أحياناً- يهتمون بهذه الأمور أو ببعض الجزئيات فيها أكثر بكثير مما يهتمون بقضية النية، فقد تجد طالب علم -مثلاً- يعتني عناية بليغة بكيفية تحريك الأصبع في التشهد، ويعتني عناية بليغة كيف يضع يديه أثناء السجود، وكيف يرفع يديه بالتكبير، وتعلم هذه أمور -كما ذكرت سابقاً- تعلم مطلوب، لا أحد يستطيع أن يقلل من أهمية هذه الأمور، لكن بلا شك أن هناك سنناً زاد الناس في الاهتمام بها، وغفلوا عن ما هو أهم منها، وهو العناية بإصلاح القصد والنية.

وليس هدف هذه الموضوع أن أتكلم عن النية، وأهمية النية، والنصوص الواردة فيها فهذا له مجال آخر، إنما الكلام عن أخطاء في النية.

ولذلك فإنني سوف أصحبكم في هذا الحديث في رحلة أرجو أن تكون غير مملة -إن شاء الله- في ذكر بعض الأخطاء التي يقع فيها الناس في موضوع النية، وأقول: أرجو أن تكون غير مملة؛ لأن من عادة الناس أنهم حين يستمعون إلى موضوعات علمية يتطرق إليهم الملل، فهم بحاجة إلى من يحرك عواطفهم، وينقلهم من نكتة إلى قصة، إلى طرفة، إلى خبر، إلى شعر، إلى غير ذلك.

ولكنني أوثر في كثير من الأحيان -أو هكذا طبيعتي- أنني أميل إلى الموضوعات التي يكون لها طابع علمي مفيد للمستمع، ولو كان فيه بعض الإثقال الذي يتطلب أن يوطن الإنسان نفسه على الاستماع، وسوف أطرح هذه الأخطاء على شكل أسئلة ترد من بعض الناس.

بعض الناس يتساءل ويقول: أنتم تطالبون بإصلاح النية، ونحن نعلم أن النية من أعمال القلب، وأعمال القلب ليس للإنسان عليها سلطان، فلو كانت النية باليد لكان كل واحد منا يجعل نيته من أفضل النيات، لكن هذا أمر بيد الله تعالى.

وهذا لاشك أنه تساؤل خطأ. لماذا هو خطأ؟! خطأ أولاً: لأن الله تعالى كلفنا بأن نصلح نياتنا، والله تعالى لا يكلف عباده بما لا يطيقون، فالتكليف بما لا يطاق غير وارد في الإسلام، لا يكلفنا الله إلا بما نستطيع، كما قال:لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]فلما كلفنا الله تعالى وأمرنا بإصلاح النية، عرفنا أن إصلاح النية ممكن وليس مستحيلاً.

كيفية إصلاح النية

أما كيف يمكن إصلاح النية؟ فسوف أضرب لكم أمثلة أخرى في غير موضوع النية؛ حتى يتضح الأمر، يقول الله عز وجل على لسان يعقوب عليه السلام أنه قال لبنيه لما حضرته الوفاة: يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [البقرة:132] والسؤال نفسه قد يرد هنا، قد يقول قائل: هل الموت على الإسلام بيدي؟ الموت بيد الله، لذلك فقوله: فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [البقرة:132]كيف يكون؟! ومثل ما ورد في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من استطاع منكم أن يموت بـالمدينة فليفعل} فقد يقول قائل: هل الموت بيدي حتى أذهب إلى المدينة لأموت فيها؟! هذا أمر لا أستطيعه، أو لا أطيقه.

فنقول الجواب على ذلك: أن المطلوب من الإنسان ما هو داخل في حدود الطاقة والاستطاعة، فحين يأمرنا الله عز وجل أن لا نموت إلا ونحن مسلمون، فمعنى هذه الآية أن الله تعالى يأمرنا بأن نستقيم على الإسلام في حال الحياة، ونحرص على القرب من الله عز وجل، ونتعرف إلى الله في الرخاء؛ حتى إذا نـزلت بنا كربات الموت وسكراته كان الله معنا يحفظنا ويثبتنا، فلا نموت إلا ونحن مسلمون، فيكون المطلوب من الإنسان إذاً هو السبب، الذي يستطيع به أن يصل إلى ما أمره الله تعالى به، ومثله الموت بـالمدينة -مثلاً- فإن الإنسان حين يذهب إلى المدينة ويستقر فيها، ويسكن فيها، يكون فعل السبب الذي به يحقق { من استطاع منكم أن يموت بـالمدينة فليفعل } لكن ربما يحصل للإنسان عارض بسفر أو غيره فيموت وهو في مكان آخر بحادث أو بغير حادث، هذا ليس أمراً مقطوعاً به.

ومثله قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروى عنه {كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل} لما جاء ذكر الفتن قال:{كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل} أي افعل السبب، كف يدك عن قتل المسلمين والظلم والاعتداء؛ حتى إذا وقع عليك القتل تكون مظلوماً لا ظالماً، ومقتولاً لا قاتلاً، فحين يأمرنا الله تعالى بإصلاح النية يأمرنا بأن نفعل الأسباب والوسائل التي تؤدي إلى صلاحها.

إذاً فالتحكم في النية ممكن وليس محالاً أو صعباً، وذلك من خلال معالجة الإنسان لقلبه، وتذكر أسماء الله تعالى وصفاته، ومعرفة ما له من الكمال، ومعرفة الدنيا وهوانها، وأنها لا تستحق أن يعمل من أجلها، ومعرفة الجنة ونعيمها التي يستحق أن يتعب الإنسان في سبيل تحصيلها، ومعرفة النار وعذابها التي يستحق أن يهرب منها الإنسان بكل ما أوتي من قوة. إلى غير ذلك من المقاصد، والمعاني، والأسباب التي لما يسعى الإنسان في تحصيلها تكون سبباً في إصلاح نيته.

هذا هو السؤال الأول الذي قد يرد، ويمثل الخطأ الأول، إذ يظن بعض الناس أن لا سبيل إلى إصلاح النية.

أما كيف يمكن إصلاح النية؟ فسوف أضرب لكم أمثلة أخرى في غير موضوع النية؛ حتى يتضح الأمر، يقول الله عز وجل على لسان يعقوب عليه السلام أنه قال لبنيه لما حضرته الوفاة: يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [البقرة:132] والسؤال نفسه قد يرد هنا، قد يقول قائل: هل الموت على الإسلام بيدي؟ الموت بيد الله، لذلك فقوله: فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [البقرة:132]كيف يكون؟! ومثل ما ورد في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من استطاع منكم أن يموت بـالمدينة فليفعل} فقد يقول قائل: هل الموت بيدي حتى أذهب إلى المدينة لأموت فيها؟! هذا أمر لا أستطيعه، أو لا أطيقه.

فنقول الجواب على ذلك: أن المطلوب من الإنسان ما هو داخل في حدود الطاقة والاستطاعة، فحين يأمرنا الله عز وجل أن لا نموت إلا ونحن مسلمون، فمعنى هذه الآية أن الله تعالى يأمرنا بأن نستقيم على الإسلام في حال الحياة، ونحرص على القرب من الله عز وجل، ونتعرف إلى الله في الرخاء؛ حتى إذا نـزلت بنا كربات الموت وسكراته كان الله معنا يحفظنا ويثبتنا، فلا نموت إلا ونحن مسلمون، فيكون المطلوب من الإنسان إذاً هو السبب، الذي يستطيع به أن يصل إلى ما أمره الله تعالى به، ومثله الموت بـالمدينة -مثلاً- فإن الإنسان حين يذهب إلى المدينة ويستقر فيها، ويسكن فيها، يكون فعل السبب الذي به يحقق { من استطاع منكم أن يموت بـالمدينة فليفعل } لكن ربما يحصل للإنسان عارض بسفر أو غيره فيموت وهو في مكان آخر بحادث أو بغير حادث، هذا ليس أمراً مقطوعاً به.

ومثله قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروى عنه {كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل} لما جاء ذكر الفتن قال:{كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل} أي افعل السبب، كف يدك عن قتل المسلمين والظلم والاعتداء؛ حتى إذا وقع عليك القتل تكون مظلوماً لا ظالماً، ومقتولاً لا قاتلاً، فحين يأمرنا الله تعالى بإصلاح النية يأمرنا بأن نفعل الأسباب والوسائل التي تؤدي إلى صلاحها.

إذاً فالتحكم في النية ممكن وليس محالاً أو صعباً، وذلك من خلال معالجة الإنسان لقلبه، وتذكر أسماء الله تعالى وصفاته، ومعرفة ما له من الكمال، ومعرفة الدنيا وهوانها، وأنها لا تستحق أن يعمل من أجلها، ومعرفة الجنة ونعيمها التي يستحق أن يتعب الإنسان في سبيل تحصيلها، ومعرفة النار وعذابها التي يستحق أن يهرب منها الإنسان بكل ما أوتي من قوة. إلى غير ذلك من المقاصد، والمعاني، والأسباب التي لما يسعى الإنسان في تحصيلها تكون سبباً في إصلاح نيته.

هذا هو السؤال الأول الذي قد يرد، ويمثل الخطأ الأول، إذ يظن بعض الناس أن لا سبيل إلى إصلاح النية.

هناك خطأ آخر، وهو كثير اليوم، خاصة في أوساط الذين يرتكبون بعض القاذورات والمحرمات والمنهيات، فإذا سمعوا من ينهاهم أو يأمرهم أويذكرهم؛ أشار أحدهم إلى صدره، وقال: التقوى هاهنا، ويضرب صدراً منتفخاً، ويقول لك: التقوى هاهنا، ثم يقول: ربما تجد إنساناً ملتحياً مقصراً لثوبه، ومع ذلك يرتكب المعاصي، ويأكل أموال اليتامى ظلماً، وقلبه ممتلئ بالحقد والحسد، وأنا -ولله الحمد- قلبي نظيف وطاهر، وليس في قلبي غل على أحد، ولا آكل مالاً إلا من حلال، فالتقوى ها هنا، ويشير إلى صدره ثلاث مرات، أو أكثر من ثلاث مرات.

هكذا يقول بعض الناس! فنريد أن نبحث في نصوص القرآن والسنة هل ما يقول هؤلاء يمكن أن يكون صحيحاً أو لا يمكن أن يكون صحيحاً؟

وباستقراء نصوص الكتاب والسنة يتبين أن هناك تلازماً بين الظاهر والباطن، فإذا صلح الظاهر فهو دليل على صلاح الباطن، وإذا صلح الباطن فلابد أن يصلح الظاهر. لذلك نفى الله تعالى الإيمان عمن انتفت عنه لوازمه الظاهرة فقال الله عز وجل عن الذين يدّعون الإيمان ثم يوالون الكفار: وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [المائدة:81] فنفى عنهم الإيمان لأنهم يوالون الكفار بالابتسامة، وبالمحبة، وبالتواد، وبالتلطف، وبكشف أسرار المؤمنين، وبإعانتهم على المسلمين، إلى غير ذلك من صور الموالاة.

فنفى عنهم الإيمان لانتفاء لوازمه الظاهرة، وكذلك في قوله تعالى: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [المجادلة:22] فنفى عنهم الإيمان؛ لموادتهم أعداء الله عز وجل، والأمور كلها تدور على القلب، ولا بأس أن نستشهد بالحديث المتفق عليه عن النعمان بن بشير رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب}.

إذاً فالحديث نص على أن الجسد يدور على هذه المضغة، فإذا صلحت هذه المضغة صلح الجسد، وإذا فسدت فسد الجسد، فإذا رأيت إنساناً ظاهره الصلاح، وسيماه الخير، والاستقامة، ويتردد على الجماعة في المساجد، وكلامه طيب، ولسانه رطب بذكر الله، وقصير الثوب غير مسبل، مرسل لشعره اتباعاً لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، ومحسن إلى الناس، ومتجنب لإساءتهم؛ اكتشفت من خلال هذه الأعمال الظاهرة أن هذا الإنسان صاحب قلب سليم.

وعلى العكس من ذلك حين ترى إنساناً مظهره مظهر سوء، يجر ثوبه خيلاء، ويشتم هذا، ويسب هذا، ويلطم هذا، ويعتدي على الناس، ويؤذيهم في أموالهم وأعراضهم وأمورهم، ويسيء إلى جيرانه، ويتكلم على والديه، ويأكل الربا، ويترك الجمعة والجماعة، ويحلق شعر لحيته، ويطيل شاربه، ويدخن، عرفت من خلال هذه الظواهر بأن هذا الإنسان صاحب قلب مريض، وهذا المرض خرج من القلب وفاض إلى الجوارح.

إذاً في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد، وإذا فسدت فسد الجسد، فالذي يقول: التقوى هاهنا. نقول له: نعم، التقوى في الأصل هاهنا، لكنها مثل الشمس إذا خرجت لابد أن تنتشر أشعتها في كل مكان، فالذي عنده تقوى في قلبه لابد أن تنتشر آثار التقوى في جوارحه؛ فيتكلم بالكلام الطيب، ولا يأخذ ويعطي إلا الطيب، ولا يمشي إلا إلى طيب، ولا يتصرف إلا بطيب. ومن فقد التقوى في قلبه ظهرت آثار فقدان التقوى في جوارحه.

وهذه هي النقطة الثانية أو السؤال الثاني الذي يمثل الخطأ الآخر أن بعض الناس يريدون أن يفصلوا بين النية وبين العمل، ونقول لا يمكن الفصل بين النية وبين العمل، لذلك كان الحديث الذي يقول: {نية المؤمن خير من عمله} ضعيفاً، لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن النية والعمل متلازمان. وإن كانت نية الإنسان العمل الصالح يثاب عليها ولو لم يعمل هذا العمل؛ لأن النية في ذاتها عمل، فالنية عمل، وهي شرط لتصحيح العمل.

السؤال الثالث الذي يمثل خطأ عند كثير من الناس: وهو أن بعض الناس يظنون النية في العبادات فقط، فيقول لك -مثلاً-: أنا ممكن أن أنوي نية طيبة إذا أردت أن أذهب للمسجد، أو أذهب للعمرة أو للحج، أو صوم رمضان، لكن هل معقول أن أنوي النية الطيبة وأنا أذهب لأفتح الدكان في التجارة -مثلاً- أو أنا أذهب لأدرس في المدرسة، أو ما أشبه ذلك من المقاصد؟! هل يمكن أن أنوي النية الطيبة في هذه الأمور؟!

أقول: نعم، النية الطيبة تتصور في كل عمل، اللهم إلا أن يكون العمل محرماً، أما الأعمال التي ليست محرمة فتتصور فيها النية الطيبة، وهي تنقلب بالنية الطيبة إلى عبادات يثاب عليها الإنسان.

ولذلك لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم الأعمال والصدقات، قال: {وفي بضع أحدكم صدقة -والبضع: هو الفرج، يعني في جماع الرجل لزوجته صدقة- قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟! -استغرب أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام- قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ قالوا: نعم. قال: فكذلك إذا وضعها في حلال كان لـه أجر} وهذا ما يسميه بعض أهل العلم "قياس العكس" فكما أن الإنسان لو وضع هذه الشهوة في حرام أثم بذلك، كذلك حين اختار طريق الحلال، وأعرض عن طريق الحرام كان له أجر بهذا العمل.

خذ على سبيل المثال: اللباس. قد يلبس الإنسان ثوباً جميلاً، فيكون مثاباً بهذا العمل، وهو ثوب جميل يتزين به للناس، ويفرح به؛ لأن الإنسان يحب ذلك بطبيعته غالباً. إن هذا الثوب الجميل الذي يلبسه قد يثاب عليه، كيف؟! لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم -أيضاً- {إن الجنة لا يدخلها من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، قال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، إن أحدنا يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسناً }.

والرجل والمرأة في ذلك سواء، بل المرأة على سبيل الخصوص تعنى بتحسين ملابسها وثيابها وتنويعها أكثر بكثير مما يُعنى بذلك الرجل، ولذلك تجد أن لباس الرجل غالباً هو الأبيض، خاصة في أيام الصيف، أما بالنسبة للمرأة في الصيف والشتاء وفي جميع الأوقات تجد أن لها من الملابس الملونة والمنوعة والمزوقة والمزركشة ما لا يأتي عليه العد والحصر.

فالمهم هذه فطرة عند الإنسان يستوي فيها الجميع، حتى الصبيان والصغار يفرح الواحد منهم بأن يلبس ثوباً جميلاً، ومع ذلك قد يؤجر عليه، فالصحابة قالوا: يا رسول الله، إن أحدنا يجب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسناً. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: {إن الله جميل يحب الجمال، الكبر: بطر الحق وغمط الناس} إذاً ليس من الكبر أن تحرص على جمال ثيابك، وحسن بزتك، وجمال حذائك، وحسن هندامك وهيئتك أمام الناس، فليس هذا من الكبر بسبيل، إنما الكبر هو شيء في القلب أي بطر الحق وغمط الناس، فيترتب عليه أن يرفض الإنسان الحق، ويبخس الناس أشياءهم، ويتعاظم في عين نفسه، ويستكبر في نفسه.

إذاً اللباس يمكن أن يكون عملاً يؤجر عليه الإنسان، وخذ مثلاً آخر: الطيب -مثلاً- قد يتطيب الإنسان، وهو أمر يحبه كل فرد منا، ومع ذلك يؤجر على هذا الطيب، الذي وضعه في ثيابه أو شعره أو بدنه؛ لأنه أراد من وراء الطيب ألا يجد الناس الذين يخالطونه رائحة كريهة منه، وأراد من ورائه ألا يتأذى به من يصلي إلى جواره، وأراد من ورائه ألا يتعرض الناس له بالغيبة أو بالتنقص؛ وهذا أمر قد يأثمون بسببه؛ فأراد دفع الإثم عن الناس، ودفع الغيبة والتنقص عن نفسه؛ فأجر بهذا العمل الذي هو في الأصل قد يقال أنه مباح، وقد يقال -أيضاً- أنه سنة؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

حرص السلف على استحضار النية

كان كثير من السلف يحرصون على استحضار النية في جميع أمورهم، حتى قال سفيان بن سعيد الثوري رحمه الله: يسرني أن يكون لي في كل شيء نية، حتى في الأكل والنوم، فهكذا تربوا، أن يكون للإنسان نية فيما يأكل، أو نية حين ينام، وهذه النية التي كانوا يحرصون عليها في الأعمال المباحة، التي تقلب المباح إلى عمل قربة يؤجر عليه الإنسان، هذه النية لا تحتاج إلى تكلف، بل هي تكون من القلب الموصول بالله عز وجل، فكل قلب ارتبط بالله، وراقب الله أصبحت النية تنبعث منه.

لذلك يعجبني قول الإمام الشافعي -رحمه الله- وهو يعلم الناس العلم، وينشره بينهم، ويؤلف ويكتب، ويتحدث- يقول: وددت أن الخلق تعلموا هذا العلم ولم ينسب إلي منه شيء، الله أكبر ما أعظم هذه الكلمة! والله إن كل من وقف أمامها يدرك عظمة هذا الإمام الشافعي -رحمه الله- يقول: وددت أن الخلق تعلموا هذا العلم على أن ألا ينسب إلي منه حرف ويقول أيضاً: ما ناظرت أحداً إلا وددت أن يظهر الله الحق على لسانه، على النقيض من الكثير من الناس تجد أنه قد يناظر شخصاً وهو يتمنى أن يخفق خصمه، وأن تظهر الحجة له عليه؛ حتى ينتصر.

لكن الشافعي لقوة إخلاصه كان يقول: ما ناظرت أحداً وناقشته وجادلته إلا تمنيت أن يظهر الله الحق على لسانه؛ لأنه كان في مناظراته طالب حق ما كان طالب علو في الأرض ولا فساد.

وليبشر مثل هذا بما أعد الله تعالى لهم تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [القصص:83] وكأن النية تنبعث منهم عفوية وتلقائية، دون أن يحتاجوا إلى أن يتكلفوها.

التنطع في استحضار النية

بخلاف أقوام من المتأخرين أصبح الواحد منهم يحاول أن يتكلف النية تكلفاً يخرج بها عن حدود المشروع إلى نوع من الهوس المرفوض.

وأذكر أن الإمام أبا حامد الغزالي -غفر الله لنا وله ورحمه الله- في كتاب إحياء علوم الدين ذكر بعض الطرائف والقصص من أخبار هؤلاء، وفي الواقع هو ذكرها على سبيل الاستحسان، ولكنها في الواقع تذكر على سبيل التندر، لا على سبيل الاستحسان.

فمما ذكر من هذا الباب: أن بعضهم كان إذا أراد أن يأكل قبل أن يأكل اللقمة يقول: نويت أن آكل هذه اللقمة لله، ثم يضعها في فمه، فإذا أراد أن يأكل الأخرى قال: نويت أن آكل هذه اللقمة لله، ثم يضعها في فمه، وهذا لا شك تكلف شديد.

وذكر عن آخر أنه قال لزوجته: هات المشط. يريد أن يسرح شعره -طلب من زوجته مشطاً- فقالت له: والمرآة؟ -وأعطيك المرآة أيضاً-؟ فسكت قليلاً، ثم قال: والمرآة. فقال له رجل ممن حوله يا فلان، لماذا توقفت قليلاً قبل أن توافق على أن تحضر زوجتك المرآة؟! قال لم أكن قد هيَّـأت في قلبي نية لطلب المرآة، فلما عرضتها علي انتظرت النية، فلما هيأ الله لي النية في طلب المرآة طلبتها، وهذا هو والله عين التكلف.

وحكى الغزالي -أيضاً- أنه لما مات الحسن البصري، لم يحضر محمد بن سيرين جنازته -هكذا يقول- فقيل له: لماذا لم تحضر جنازة الحسن البصري؟ قال: لم تتهيأ لي نية.

ونقل عن رابع أنه قال: أنا منذ شهر أجاهد نفسي في إحضار نية لعيادة رجل، فلم تصح لي النية بعد.

يعني رجل مريض منذ شهر ما زاره، لماذا ما زرت جارك المريض يا فلان؟ قال: والله أنا لي منذ شهر أجاهد نفسي على أن أوجد نية صالحة لزيارته، لكن حتى الآن ما حصلت النية.

هذا تنطع في العبادة، وتنطع في النية، ولا شك يترتب على هذا ترك الأعمال الصالحة؛ بحجة أنه ما توفرت النية بعد.

إذاً النية ليست حاجة يجب أن تستدعى -هكذا- عند الحاجة إليها، النية أمر ينبعث من القلب، فقلب المؤمن المرتبط بالله تعالى آلياً تكون أعماله المباحة في الغالب مقصود بها وجه الله تعالى، فمتى ما استحضر هذا الأمر في قلبه كفى، ولا يحتاج إلى أن يتنطع الإنسان في إحضار النية من أجل هذه الأكلة، ومن أجل هذه الشربة، ومن أجل هذا النومة، ومن أجل هذه الزيارة، ومن أجل هذه الكلمة؛ لأن هذا لا شك هو عين التكلف والتنطع الذي نهينا عنه.

ومن طريف ما يروى في ذلك: أن رجلاً من الصالحين لبس قميصاً مقلوباً على عكس ما يلبس، فكان جيب هذا القميص إلى الوراء -مثلاً- ومشى بدون علم، وهو غافل، فلما كان في عرض الطريق استوقفه بعض المارة وقالوا له: يا فلان، قميصك مقلوب. فنظر فوجد الأمر كما ذكر، فهم ليخلع القميص حتى يقلبه، ثم تراجع عن ذلك، وقال: إنني لبست هذا القميص بنية لله تعالى، فلا أريد أن أغير هذه النية فأقلب القميص بنية للناس، وترك القميص على حاله، ولا شك أن هذا العمل -كما ذكرت- هوس مرفوض عند من يعقلون أمر الله وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، والنية لا تحتاج إلى هذا التكلف والتنطع -كما سيأتي- لا في العبادات، ولا في غيرها.

إذاً السؤال الذي يمثل الخطأ الثالث: هو أن بعض الناس يتصورون أن النية لا تكون إلا في العبادات، والواقع أن النية تكون في العبادات كما تكون في الأمور المباحة.

كان كثير من السلف يحرصون على استحضار النية في جميع أمورهم، حتى قال سفيان بن سعيد الثوري رحمه الله: يسرني أن يكون لي في كل شيء نية، حتى في الأكل والنوم، فهكذا تربوا، أن يكون للإنسان نية فيما يأكل، أو نية حين ينام، وهذه النية التي كانوا يحرصون عليها في الأعمال المباحة، التي تقلب المباح إلى عمل قربة يؤجر عليه الإنسان، هذه النية لا تحتاج إلى تكلف، بل هي تكون من القلب الموصول بالله عز وجل، فكل قلب ارتبط بالله، وراقب الله أصبحت النية تنبعث منه.

لذلك يعجبني قول الإمام الشافعي -رحمه الله- وهو يعلم الناس العلم، وينشره بينهم، ويؤلف ويكتب، ويتحدث- يقول: وددت أن الخلق تعلموا هذا العلم ولم ينسب إلي منه شيء، الله أكبر ما أعظم هذه الكلمة! والله إن كل من وقف أمامها يدرك عظمة هذا الإمام الشافعي -رحمه الله- يقول: وددت أن الخلق تعلموا هذا العلم على أن ألا ينسب إلي منه حرف ويقول أيضاً: ما ناظرت أحداً إلا وددت أن يظهر الله الحق على لسانه، على النقيض من الكثير من الناس تجد أنه قد يناظر شخصاً وهو يتمنى أن يخفق خصمه، وأن تظهر الحجة له عليه؛ حتى ينتصر.

لكن الشافعي لقوة إخلاصه كان يقول: ما ناظرت أحداً وناقشته وجادلته إلا تمنيت أن يظهر الله الحق على لسانه؛ لأنه كان في مناظراته طالب حق ما كان طالب علو في الأرض ولا فساد.

وليبشر مثل هذا بما أعد الله تعالى لهم تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [القصص:83] وكأن النية تنبعث منهم عفوية وتلقائية، دون أن يحتاجوا إلى أن يتكلفوها.

بخلاف أقوام من المتأخرين أصبح الواحد منهم يحاول أن يتكلف النية تكلفاً يخرج بها عن حدود المشروع إلى نوع من الهوس المرفوض.

وأذكر أن الإمام أبا حامد الغزالي -غفر الله لنا وله ورحمه الله- في كتاب إحياء علوم الدين ذكر بعض الطرائف والقصص من أخبار هؤلاء، وفي الواقع هو ذكرها على سبيل الاستحسان، ولكنها في الواقع تذكر على سبيل التندر، لا على سبيل الاستحسان.

فمما ذكر من هذا الباب: أن بعضهم كان إذا أراد أن يأكل قبل أن يأكل اللقمة يقول: نويت أن آكل هذه اللقمة لله، ثم يضعها في فمه، فإذا أراد أن يأكل الأخرى قال: نويت أن آكل هذه اللقمة لله، ثم يضعها في فمه، وهذا لا شك تكلف شديد.

وذكر عن آخر أنه قال لزوجته: هات المشط. يريد أن يسرح شعره -طلب من زوجته مشطاً- فقالت له: والمرآة؟ -وأعطيك المرآة أيضاً-؟ فسكت قليلاً، ثم قال: والمرآة. فقال له رجل ممن حوله يا فلان، لماذا توقفت قليلاً قبل أن توافق على أن تحضر زوجتك المرآة؟! قال لم أكن قد هيَّـأت في قلبي نية لطلب المرآة، فلما عرضتها علي انتظرت النية، فلما هيأ الله لي النية في طلب المرآة طلبتها، وهذا هو والله عين التكلف.

وحكى الغزالي -أيضاً- أنه لما مات الحسن البصري، لم يحضر محمد بن سيرين جنازته -هكذا يقول- فقيل له: لماذا لم تحضر جنازة الحسن البصري؟ قال: لم تتهيأ لي نية.

ونقل عن رابع أنه قال: أنا منذ شهر أجاهد نفسي في إحضار نية لعيادة رجل، فلم تصح لي النية بعد.

يعني رجل مريض منذ شهر ما زاره، لماذا ما زرت جارك المريض يا فلان؟ قال: والله أنا لي منذ شهر أجاهد نفسي على أن أوجد نية صالحة لزيارته، لكن حتى الآن ما حصلت النية.

هذا تنطع في العبادة، وتنطع في النية، ولا شك يترتب على هذا ترك الأعمال الصالحة؛ بحجة أنه ما توفرت النية بعد.

إذاً النية ليست حاجة يجب أن تستدعى -هكذا- عند الحاجة إليها، النية أمر ينبعث من القلب، فقلب المؤمن المرتبط بالله تعالى آلياً تكون أعماله المباحة في الغالب مقصود بها وجه الله تعالى، فمتى ما استحضر هذا الأمر في قلبه كفى، ولا يحتاج إلى أن يتنطع الإنسان في إحضار النية من أجل هذه الأكلة، ومن أجل هذه الشربة، ومن أجل هذا النومة، ومن أجل هذه الزيارة، ومن أجل هذه الكلمة؛ لأن هذا لا شك هو عين التكلف والتنطع الذي نهينا عنه.

ومن طريف ما يروى في ذلك: أن رجلاً من الصالحين لبس قميصاً مقلوباً على عكس ما يلبس، فكان جيب هذا القميص إلى الوراء -مثلاً- ومشى بدون علم، وهو غافل، فلما كان في عرض الطريق استوقفه بعض المارة وقالوا له: يا فلان، قميصك مقلوب. فنظر فوجد الأمر كما ذكر، فهم ليخلع القميص حتى يقلبه، ثم تراجع عن ذلك، وقال: إنني لبست هذا القميص بنية لله تعالى، فلا أريد أن أغير هذه النية فأقلب القميص بنية للناس، وترك القميص على حاله، ولا شك أن هذا العمل -كما ذكرت- هوس مرفوض عند من يعقلون أمر الله وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، والنية لا تحتاج إلى هذا التكلف والتنطع -كما سيأتي- لا في العبادات، ولا في غيرها.

إذاً السؤال الذي يمثل الخطأ الثالث: هو أن بعض الناس يتصورون أن النية لا تكون إلا في العبادات، والواقع أن النية تكون في العبادات كما تكون في الأمور المباحة.

الخطأ الرابع الذي يقع فيه بعضهم: أنهم قد يعملون العمل الصالح؛ لكن تتعدد المقاصد الحسنة عنده، فربما صلى الواحد منهم فيقول: أنا صليت ابتغاء رضوان الله، وطمعاً في الجنة، وخوفاً من النار، ورغبة إلى النظر في وجه الله الكريم يوم القيامة، وحباً لله، وأنساً بذكره والقرب من مناجاته، فهل يصح أن أصلي بهذه النيات المتعددة أم لابد من توحيد النية؟ ويظن بعضهم أنه لابد من توحيد النية.

والصواب أنه لا بأس أن يتعبد الإنسان بنيات متعددة إذا كانت هذه النيات كلها حسنة، والمقصود بها وجه الله والدار الآخرة، كأن يصلي -كما ذكرت- لله؛ طمعاً في الجنة، وخوفاً من النار، وحباً في الله وذكره، وأنساً بقربه، وما أشبه ذلك. فهذه الأشياء لا تعارض بينها، بل كلها ممكنة، وبعضها يعضد بعضاً.

العمل من أجل ثناء الناس

الأمر الذي لا يجوز في النية: هو أن يعمل الإنسان العبادة بقصد كسب ثناء الناس، كأن يصلي -مثلاً- من أجل أن يمدحوه، أو يثنوا عليه، فهذا لا شك لا يجوز، لذلك يقول الله عز وجل: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [هود:15-16] ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: {إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى} وقد ورد عند الطبراني بسند صحيح -كما يقول ابن حجر-: أن رجلاً هاجر من مكة إلى المدينة من أجل أن يتزوج امرأة كان اسمها أم قيس، فهاجر هذا الرجل ليس من أجل الله، إنما هاجر من أجل أم قيس، من أجل سواد عيون أم قيس، فتزوج بها؛ فكانوا يسمونه مهاجر أم قيس.

وروى الزبير بن بكار أن هذا القصة هي سبب قول النبي صلى الله عليه وسلم: {إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى} ورجحه ابن تيمية -رحمه الله- ولذلك جاء في الحديث:{فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة (يعني مثل أم قيس) ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه } فهذا المهاجر ليس له من هجرته إلا أم قيس التي ظفر بها.

وأذكر قصة ذكرها ابن الجوزي في تلبيس إبليس وهي قصة عجيبة فعلاً، يقول -عن وهب بن منبه-: أن رجلاً من بني إسرائيل كان يعبد الله تعالى عبادة صحيحة، وفي يوم من الأيام كان هذا العابد جالساً في مجموعة من مريديه وأصحابه وخلانه، فالتفت إليهم وقال: لقد هربنا إلى عبادة الله تعالى خوفاً من الطغيان، والله إني لأخشى أن نكون وقعنا في هذه العبادة في طغيان، حيث أصبحنا نفرح بأن يوقرنا الناس، ويقدرونا، ويقاربونا في السعر والبيع والشراء من أجل عبادتنا.

يعني يقول: أصبح الواحد منا -نحن العباد- يفرح بأن يعظمه الناس، ويقبلوا رأسه، ويكرموه لأنه عابد، ويفرح إذا جاء إلى دكان خفضوا في قيمة البضاعة من أجله.

فقال: أخشى أن يكون هذا طغيان في عبادتنا لله عز وجل. فهو يلوم نفسه ويوبخها، فتعجب الناس من هذه الكلمة. ومن فقه هذا العابد وكثرة مراقبته لنفسه، وصاروا يتناقلون هذه الكلمة منه، حتى وصلت إلى الحاكم أو الأمير أو السلطان، والأمراء عادة يحبون أن يشاهدوا أمثال هؤلاء الصالحين ولو كان فيهم فساد وانحلال، لكن يحبون أن يروا أهل الصلاح ويقتربوا منهم، خاصة في الأزمنة الماضية. فركب الأمير لينظر إلى هذا العالم، ويقف عنده، ويستفيد منه. فعلم العابد بأن الأمير قد ركب إليه؛ فخاف أشد الخوف.

قال: الآن الأمير ركب من أجل أن يأتي إلي!! هذا ربما يؤدي بي إلى أن أرتكب والعياذ بالله أخطاء أكبر من ذلك في موضوع النية، وقد تنتقل نيتي في العبادة إلى نية الحصول على الدنيا، وكسب ثناء الناس، ومجيء الأمراء إلى بيتي، وما أشبه ذلك. فخاف خوفاً شديداً؛ فأراد أن يحتال لرد الأمير، وكان هذا الرجل كثير الصيام جداً، فلما علم بقرب الأمير قدم مائدة من الطعام الموجود عنده -خبز وما أشبه ذلك- وبدأ يأكل بنهم، فلما جاء الأمير ووقف على بابه قال للناس: أين الرجل الذي ذكر لي عنه من العبادة ما ذكر؟ قالوا: هو هذا. والرجل يأكل بنهم، فسلم عليه الأمير، فرد على الأمير رداً ضعيفاً، واستمر في أكله. فقال: هذا الذي يمدح؟ قالوا: نعم. قال: هذا لا خير فيه. وانصرف الأمير وتركه. فلما انصرف رفع الرجل يديه إلى السماء وقال: الحمد لله الذي نجاني من هذه الفتنة.

انظر كيف تغلب الرجل على خوف حبوط عمله بإرادة الدنيا، وإرادة ثناء الناس ومدح العامة، وتقرب السلاطين منه، وما أشبه ذلك. إذاً فالعبادة لا يجوز أن يكون المقصود بها الدنيا، ولا يجوز أن يكون المقصود بها ثناء الناس.

التعبد بقصد حصول الكرامات

كما أنه لا يجوز أن يكون المقصود بالعبادة أن تفتح على الإنسان أمور الغيب والكرامات التي قد تحصل، فبعض العباد قد يعبد الله طويلاً من أجل أن يحصل له كرامة، هو يسمع أن فلاناً سافر إلى المكان الفلاني بدون طعام ولا زاد ولا راحلة، وفلان رأى كذا، وفلان رأى كذا من الكرامات، فقال: أتمنى أن يحدث لي مثل ما حدث لفلان وفلان.

فصار يتعبد، ويصوم النهار، ويقوم الليل من أجل يحصل له كرامة -أي أمر خارق للعادة- مثل: أن يكلمه ميت مثلاً، أو يصل إلى مكان بعيد في مدة وجيزة، أو ما أشبه ذلك.

فهذا مما لم نؤمر أن نتعبد من أجله، بل إن الإنسان الذي يتعبد من أجل هذا العمل لا يحصل له، ولذلك يقال أن أحد الناس سمع حديث أن من تعبد الله تعالى أربعين يوماً ظهرت ينابيع الحكمة على لسانه، فصار يتعبد أربعين يوماً حتى يرى ينابيع الحكمة من لسانه، وإذا بهذا الرجل لا يستطيع أن يتكلم إلا بكلام يشبه كلام مسيلمة الذي كان يعارض به القرآن. فشكا إلى أحد الناس فقال له: أصلاً أنت لم تتعبد لله أربعين يوماً، إنما تعبدت للحكمة؛ فلم يتحقق فيك الشرط، لذلك لم تظهر ينابيع الحكمة على لسانك! إذاً لا ينبغي للإنسان أن يتعبد من أجل حصول الكرامات، ولعل مما يدخل في هذا الباب أن بعض الناس يعبد الله؛ طمعاً في أن يرى رؤيا صالحة، فتجده يتعبد ويصلي ويذكر الله من أجل أن يرى في المنام رؤيا صالحة يسر بها أو يتحدث بها.

ولا شك أن الرؤيا الصالحة عاجل بشرى المؤمن، لكن يعطيها الله من يشاء، ويعطيها الله من تأهل لها، والتأهل لها يكون بالعبادة التي يقصد بها وجه الله، لا يقصد بها أن ترى رؤيا صالحة، أو ترى كرامةً من الكرامات تحصل لك؛ بل اعبد الله لطلب مرضاته وثوابه، والخوف من عقابه، وهذه الأمور كلها قد تأتي تبعاً وقد لا تأتي، فمن المعلوم أن الكرامة -كما ذكر أهل العلم- قد تحصل للمفضول ولا تحصل للفاضل، فهي مما لا ينبغي للإنسان أن يسعى في طلبه.