من تصادق ؟!


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه, وأصلي وأسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

الحمد لله الذي جعل هذه الدنيا سجناً للمؤمنين, وجعلها جنة للكافرين, كما صح ذلك عن سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم, جعل هذه الدنيا سجناً للمؤمنين, بالقياس إلى ما ينتظرهم عند الله تبارك وتعالى من النعيم المقيم, مما لم ترَ عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر, وإن كان لهم في هذا السجن من ألوان النعيم والسرور من قربهم من الله، واللذة بمناجاته, والأنس به سبحانه, ما يجعلهم في نعيم لا يقاس به نعيم مما في هذه الدار, وجعل الدنيا جنة للكافرين بالقياس إلى ما ينتظرهم عند الله تبارك وتعالى من النكال والأغلال والحجاب والحرمان, وإن كان لهم في هذه الجنة من ألوان العذاب والنكال والنكد والكبد والشقاء؛ ما يجعلهم في شقاء لا يقاس به شقاء, فقد ذكر الله عز وجل في كتابه هؤلاء الكفار, وما مُتِّعُوا به من الأموال والأولاد, وأن الله عز وجل أراد أن يعذبهم بها في الدنيا قال تعالى: فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ [التوبة:55] فكل ما أعطوا في هذه الدار فهو شقاء عليهم، مع ما ينتظرهم عند الله عز وجل من ألوان العذاب المعلومة.

المحبة تكون بعد المعرفة

1000066أيها الإخوة! إن الله عز وجل حين خلق الناس خلقهم متفاوتين في كل شيء, متفاوتين في أخلاقهم وطبائعهم وميولهم, ومع هذا التفاوت العظيم والبون الشاسع, فقد جعل الله تبارك وتعالى أرواحهم جنوداً مجندة, فما تقارب منها وتعارف ائتلف, وما تنافر منها وتناكر اختلف, كما في الحديث الذي رواه مسلم، وأبو داود، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف, وما تناكر منها اختلف}.

ولذلك فإن اللقاء بين المؤمنين في هذه الدار -كما سيتضح لكم- هو نوع من النعيم العظيم, الذي تأنس به قلوبهم في هذه الدنيا, وإن كانوا -كما ذكرت في مقدمة الحديث- في سجن بالقياس إلى ما ينتظرهم في الآخرة.

فالمسلمون على رغم فوارق الزمان والمكان هم من حيث الجملة ممن تقاربت قلوبهم وتآلفت, وهم بالنسبة لغيرهم من الكافرين والمنافقين قد تنافرت معهم قلوبهم، وتباعدت واختلفت أرواحهم, وتناكرت وتباغضت, وبناء على ذلك فإنك لو رأيت من يدعي الإسلام بلسانه, ثم يحب الكافرين ويميل إليهم، فاعلم أنه مسلم شكلاً لا حقيقة, وفي هذا المقام يروي لنا أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه {أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم, فقال: يا رسول الله متى الساعة؟} ونظراً لأن هذا السؤال مما لا ينبغي أن يعلم جوابه إلا الله عز وجل؛ لأنه استأثر بعلم الساعة فإن الرسول صلى الله عليه وسلم صرف السؤال إلى أمر مهم آخر, كان ينبغي أن يُسأَل عنه، وهو أنه صلى الله عليه وسلم قال لهذا الرجل: ما أعددت لها؟

قال الرجل: لا شيء, إلا أني أحب الله ورسوله, فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أنت مع من أحببت, قال أنس: ما فرحت بشيء فرحي بقول الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل {أنت مع من أحببت}, قال رضي الله عنه: فأنا أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم وإن لم أعمل بعملهم} والحديث متفق عليه عن أنس، ورواه البخاري ومسلم أيضاً عن ابن مسعود وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما.

الولاء والبراء قائم على المحبة والبغض

إذاً: فمن أحب المسلمين فهو معهم, ومن أحب الكافرين والمنافقين والفاسقين فهو معهم في الدنيا والآخرة, قال الله تبارك وتعالى: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ [الصافات:22], والمقصود بالأزواج في هذه الآية ليس الزوج بالمعنى المعروف أو الزوجة, كلا, لأن الله عز وجل ذكر لنا في القرآن الكريم أنه قد يكون الزوج صالحاً والزوجة غير ذلك, وقد يكون العكس كما في قصة زوجة فرعون وزوجة لوط وزوجة نوح , وغير ذلك من القصص المعروفة.

إنما المقصود بالأزواج هم الأشباه والنظراء، نظراء الإنسان في دينه وطريقه ومنهجه, وقال تعالى: وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ [التكوير:7], أي: قرنت وحشرت مع أشباهها ونظرائها يوم القيامة.

إذاً من أحببته فاعلم أنك معه في الدنيا والآخرة, فإذا أحببت المؤمنين، فاعلم أنك معهم في الدنيا على الإيمان والعمل الصالح، وأنك محشور معهم إن شاء الله يوم القيامة, ومن أحب الكافرين أو المنافقين أو الفاسقين فشأنه وشأنهم كذلك.

هذه النقطة الأولى التي أحببت أن أجليها لكم في هذه المحاضرة, وهي باختصار أن الله عز وجل خلق الخلق متفاوتين في كل شيء, ومع ذلك جعل أرواحهم متقاربة أو متنافرة, فهي جنود مجندة, أرواح الطيبين والصالحين تحشر زمرة واحدة في الدنيا والآخرة, وأرواح الخبثاء والفاسدين كذلك, هذه هي النقطة الأولى التي أحب أن ننتبه إليها لنبني عليها النقطة الثانية التالية لها.

1000066أيها الإخوة! إن الله عز وجل حين خلق الناس خلقهم متفاوتين في كل شيء, متفاوتين في أخلاقهم وطبائعهم وميولهم, ومع هذا التفاوت العظيم والبون الشاسع, فقد جعل الله تبارك وتعالى أرواحهم جنوداً مجندة, فما تقارب منها وتعارف ائتلف, وما تنافر منها وتناكر اختلف, كما في الحديث الذي رواه مسلم، وأبو داود، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف, وما تناكر منها اختلف}.

ولذلك فإن اللقاء بين المؤمنين في هذه الدار -كما سيتضح لكم- هو نوع من النعيم العظيم, الذي تأنس به قلوبهم في هذه الدنيا, وإن كانوا -كما ذكرت في مقدمة الحديث- في سجن بالقياس إلى ما ينتظرهم في الآخرة.

فالمسلمون على رغم فوارق الزمان والمكان هم من حيث الجملة ممن تقاربت قلوبهم وتآلفت, وهم بالنسبة لغيرهم من الكافرين والمنافقين قد تنافرت معهم قلوبهم، وتباعدت واختلفت أرواحهم, وتناكرت وتباغضت, وبناء على ذلك فإنك لو رأيت من يدعي الإسلام بلسانه, ثم يحب الكافرين ويميل إليهم، فاعلم أنه مسلم شكلاً لا حقيقة, وفي هذا المقام يروي لنا أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه {أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم, فقال: يا رسول الله متى الساعة؟} ونظراً لأن هذا السؤال مما لا ينبغي أن يعلم جوابه إلا الله عز وجل؛ لأنه استأثر بعلم الساعة فإن الرسول صلى الله عليه وسلم صرف السؤال إلى أمر مهم آخر, كان ينبغي أن يُسأَل عنه، وهو أنه صلى الله عليه وسلم قال لهذا الرجل: ما أعددت لها؟

قال الرجل: لا شيء, إلا أني أحب الله ورسوله, فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أنت مع من أحببت, قال أنس: ما فرحت بشيء فرحي بقول الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل {أنت مع من أحببت}, قال رضي الله عنه: فأنا أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم وإن لم أعمل بعملهم} والحديث متفق عليه عن أنس، ورواه البخاري ومسلم أيضاً عن ابن مسعود وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما.

إذاً: فمن أحب المسلمين فهو معهم, ومن أحب الكافرين والمنافقين والفاسقين فهو معهم في الدنيا والآخرة, قال الله تبارك وتعالى: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ [الصافات:22], والمقصود بالأزواج في هذه الآية ليس الزوج بالمعنى المعروف أو الزوجة, كلا, لأن الله عز وجل ذكر لنا في القرآن الكريم أنه قد يكون الزوج صالحاً والزوجة غير ذلك, وقد يكون العكس كما في قصة زوجة فرعون وزوجة لوط وزوجة نوح , وغير ذلك من القصص المعروفة.

إنما المقصود بالأزواج هم الأشباه والنظراء، نظراء الإنسان في دينه وطريقه ومنهجه, وقال تعالى: وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ [التكوير:7], أي: قرنت وحشرت مع أشباهها ونظرائها يوم القيامة.

إذاً من أحببته فاعلم أنك معه في الدنيا والآخرة, فإذا أحببت المؤمنين، فاعلم أنك معهم في الدنيا على الإيمان والعمل الصالح، وأنك محشور معهم إن شاء الله يوم القيامة, ومن أحب الكافرين أو المنافقين أو الفاسقين فشأنه وشأنهم كذلك.

هذه النقطة الأولى التي أحببت أن أجليها لكم في هذه المحاضرة, وهي باختصار أن الله عز وجل خلق الخلق متفاوتين في كل شيء, ومع ذلك جعل أرواحهم متقاربة أو متنافرة, فهي جنود مجندة, أرواح الطيبين والصالحين تحشر زمرة واحدة في الدنيا والآخرة, وأرواح الخبثاء والفاسدين كذلك, هذه هي النقطة الأولى التي أحب أن ننتبه إليها لنبني عليها النقطة الثانية التالية لها.

ما دام أننا قد علمنا أن المؤمنين أمة واحدة وحزب واحد -كما سبق- فيجب أن نعلم أنهم يتفاوتون مع ذلك فيما بينهم, في مقدار تقارب أرواحهم, أو تباعدها تفاوتاً بعيداً, ويختلف قدر محبة بعضهم لبعض اختلافاً كبيراً, ففي بعض الأحيان قد تلتقي بشخص تراه لأول مرة؛ فتحس بأن قلبك يحب هذا الشخص، حتى كأنك تعرفه منذ زمن بعيد, وفي أحيان أخرى تجد شخصاً نلتقي معه صباحاً ومساءً، وتشعر من قلبك بالازوِرَار عنه والتجافي عنه, مع أنهم كلهم مسلمون, وما ذلك إلا لأن مقدار التقارب أو التباعد؛ حتى في أرواح المؤمنين يتفاوت فيما بينهم تفاوتاً بعيداً, وهذا القرب الذي تحس به لبعض الأرواح وبعض القلوب وبعض الأشخاص, هو يدور في الغالب على مدى قرب هؤلاء الأشخاص من ربهم.

الأمور التي تقربك من الله

هؤلاء الأشخاص الذين يحس الناس بالقرب منهم، والمحبة لهم والأنس بمحاورتهم، هم في الغالب ممن تقربوا إلى الله عز وجل بأمرين هما أساس الدين وقوامه.

الأمر الأول: العلم النافع، فعلموا دين الله وشرعه, وفهموا ذلك عن ربهم.

الأمر الثاني: هو العمل الصالح الذي ترتب على هذا العلم، فهم لم يكونوا ممن يتعبدون ويتقربون إلى الله على جهل وضلال وعدم معرفة, ولم يكونوا ممن يعلم ولا يعمل بعلمه فيكون كما قال تعالى: كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً [الجمعة:5] بل حققوا دين الله وشرعه في أمرين: في العلم النافع، وفي العمل الصالح, وهما أساس الهدى، كما قال الله عز وجل: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ [التوبة:33], ولذلك في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إن الله تبارك وتعالى إذا أحب عبداً نادى جبريل إني أحب فلاناً فأحبه, فيحبه جبريل، ثم يحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض}.

ومحبة الله تبارك وتعالى لعبد من عبيده, تكون لاستجماع الخصلتين السابقتين اللتين ذكرتهما آنفاً.

المشاكلة في الظاهر تورث المجانسة في الباطن

وأشد ما تكون المحبة بين المتشاكلين: المتشاكلين في الهدي الظاهر, أو في السمت، أو في الهدي الباطن, فالمشاكلة في الظاهر بالملبس والهيئة والاختصاص؛ تورث تشاكلاً في الهدي الباطن, وهذه المشاكلة في الهدي الظاهر والباطن, تورث محبة بين المتشاكلين, كما أن المتباعدين في الهدي الظاهر والباطن, يوجد بينهم من الجفوة والتباعد ما ذكرت.

وقد نبه وقرر هذه القاعدة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تقريراً جيداً في كتابه المعروف "اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أصحاب الجحيم" وهو كتاب مفيد جداً, يحسن قراءته والانتفاع به.

من صور المحبة

إن من أمثلة المحبة السابقة وصورها, ما يرويه لنا الإمام مالك في الموطأ بإسناد صحيح, كما يقول النووي -رحمهم الله- عن أبي إدريس الخولاني رحمة الله تبارك وتعالى عليه قال: [[دخلت مسجد دمشق فإذا فيه فتى براق الثنايا, وإذا الناس حوله، فإذا اختلفوا في شيءٍ أسندوه إليه, وصدروا عن رأيه فيه, قال: فنظرت إليه فوجدت الناس محيطين به، حتى خرج، فلما كان من الغد هجّرت إلى المسجد -يعني: بكرت إليه- فوجدته قد سبقني بالتهجير ووجدته يصلي, فانتظرته حتى إذا قضى صلاته, أتيته من قبل وجهه, فسلّمت عليه ثم قلت له: إني أحبك في الله, قال: آلله, قلت: آلله, قال: آلله, قلت: آلله؟

قال: آلله؟

قلت: آلله ثلاث مرات يستحلفه بالله هل أنت صادق في محبتك لي في الله, كلها يؤكد أبو إدريس فيها أنه يحبه في الله - فقال له هذا الرجل: أبشر، فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:{ قال الله تبارك وتعالى: وجبت محبتي للمتحابين فيّ, ووجبت محبتي للمتزاورين فيّ, ووجبت محبتي للمتباذلين فيّ}]].

إذاً: النقطة الثانية التي نبنيها على النقطة الأولى, هي: أن مجمل المسلمين وإن كانوا في الجملة أمة واحدة, وزمرة واحدة في قلوبهم, إلا أن بين قلوبهم من التفاوت ما بينها، وكلما كان الإنسان أكثر قرباً من الله بالعلم النافع والعمل الصالح؛ كان الصالحون أكثر محبة له؛ نظراً للتشاكل بينهم في الظاهر والباطن.

هؤلاء الأشخاص الذين يحس الناس بالقرب منهم، والمحبة لهم والأنس بمحاورتهم، هم في الغالب ممن تقربوا إلى الله عز وجل بأمرين هما أساس الدين وقوامه.

الأمر الأول: العلم النافع، فعلموا دين الله وشرعه, وفهموا ذلك عن ربهم.

الأمر الثاني: هو العمل الصالح الذي ترتب على هذا العلم، فهم لم يكونوا ممن يتعبدون ويتقربون إلى الله على جهل وضلال وعدم معرفة, ولم يكونوا ممن يعلم ولا يعمل بعلمه فيكون كما قال تعالى: كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً [الجمعة:5] بل حققوا دين الله وشرعه في أمرين: في العلم النافع، وفي العمل الصالح, وهما أساس الهدى، كما قال الله عز وجل: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ [التوبة:33], ولذلك في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إن الله تبارك وتعالى إذا أحب عبداً نادى جبريل إني أحب فلاناً فأحبه, فيحبه جبريل، ثم يحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض}.

ومحبة الله تبارك وتعالى لعبد من عبيده, تكون لاستجماع الخصلتين السابقتين اللتين ذكرتهما آنفاً.

وأشد ما تكون المحبة بين المتشاكلين: المتشاكلين في الهدي الظاهر, أو في السمت، أو في الهدي الباطن, فالمشاكلة في الظاهر بالملبس والهيئة والاختصاص؛ تورث تشاكلاً في الهدي الباطن, وهذه المشاكلة في الهدي الظاهر والباطن, تورث محبة بين المتشاكلين, كما أن المتباعدين في الهدي الظاهر والباطن, يوجد بينهم من الجفوة والتباعد ما ذكرت.

وقد نبه وقرر هذه القاعدة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تقريراً جيداً في كتابه المعروف "اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أصحاب الجحيم" وهو كتاب مفيد جداً, يحسن قراءته والانتفاع به.

إن من أمثلة المحبة السابقة وصورها, ما يرويه لنا الإمام مالك في الموطأ بإسناد صحيح, كما يقول النووي -رحمهم الله- عن أبي إدريس الخولاني رحمة الله تبارك وتعالى عليه قال: [[دخلت مسجد دمشق فإذا فيه فتى براق الثنايا, وإذا الناس حوله، فإذا اختلفوا في شيءٍ أسندوه إليه, وصدروا عن رأيه فيه, قال: فنظرت إليه فوجدت الناس محيطين به، حتى خرج، فلما كان من الغد هجّرت إلى المسجد -يعني: بكرت إليه- فوجدته قد سبقني بالتهجير ووجدته يصلي, فانتظرته حتى إذا قضى صلاته, أتيته من قبل وجهه, فسلّمت عليه ثم قلت له: إني أحبك في الله, قال: آلله, قلت: آلله, قال: آلله, قلت: آلله؟

قال: آلله؟

قلت: آلله ثلاث مرات يستحلفه بالله هل أنت صادق في محبتك لي في الله, كلها يؤكد أبو إدريس فيها أنه يحبه في الله - فقال له هذا الرجل: أبشر، فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:{ قال الله تبارك وتعالى: وجبت محبتي للمتحابين فيّ, ووجبت محبتي للمتزاورين فيّ, ووجبت محبتي للمتباذلين فيّ}]].

إذاً: النقطة الثانية التي نبنيها على النقطة الأولى, هي: أن مجمل المسلمين وإن كانوا في الجملة أمة واحدة, وزمرة واحدة في قلوبهم, إلا أن بين قلوبهم من التفاوت ما بينها، وكلما كان الإنسان أكثر قرباً من الله بالعلم النافع والعمل الصالح؛ كان الصالحون أكثر محبة له؛ نظراً للتشاكل بينهم في الظاهر والباطن.




استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة اسٌتمع
أحاديث موضوعة متداولة 5007 استماع
حديث الهجرة 4966 استماع
تلك الرسل 4144 استماع
الصومال الجريح 4140 استماع
مصير المترفين 4078 استماع
تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة 4043 استماع
وقفات مع سورة ق 3969 استماع
مقياس الربح والخسارة 3922 استماع
نظرة في مستقبل الدعوة الإسلامية 3862 استماع
التخريج بواسطة المعجم المفهرس 3821 استماع