خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/37"> الشيخ علي بن عبد الخالق القرني . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/37?sub=63647"> خطب ومحاضرات عامة
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
السماء والسماوة
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخِرين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إمام المجاهدين، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ناشري لواء الدين، وعلى من تبعهم من سلف هذه الأمة وخلَفها ممن جاهد وبذل ورافق ونافح في كل وقت وحين.
معشر الإخوة والأخوات والبنين: حياكم الله وأحياكم، وأطال أعماركم، وأحسن أعمالكم، وذخراً للأمة أعدَّكم، تُعْلُون صروحها، وتضمدون جروحها، وتداوون قرُوحها، وللمِلَّة تسْمُون في سماها، وتحمون حماها، وترمون من رماها.
تحية أنفاس الرياض وشى بها نسيمُ هدوء والنواضر هُجَّعُ |
فجاءت كأن المسك خالط نفحها لها في أنوف الناشقين تَضُوُّعُ |
السماء والسماوة: رمزان لا خفاء.
أيها السُّماة للسماء: السماء رمز الرفعة والسمو والعلاء، والسماوة رمز الشُّقَّة والسَّموم والهلكة والتيه والبيداء، على حد قول ابن الصحراء :
وجشمها بطن السماوة قائظاً وقد أوقدت نار السموم الهواجر |
فضرباً معي الليلة في بيداء السماوة بحثاً عن مراقي الشمم والإباء، وكشفاً عن أسرار ومعارج ومدارج السمو للسماء، بعون الله رب الأرض والسماء.
بيد أنه قد يطول الحديث.. ذلك أن المريض الذي يئن يأرِزُ إلى تسلية نفسه بالحديث، والطبيب مهما كان بارعاً فإن وصفه علمي، والمريض أدرى منه بمرضه وألََمِه، فلعلي أن أقف بكم على الأسباب، وأرتقي السحاب، وأصفي الحساب، وأميز القشر عن اللباب، بدليل الكتاب، وفعل النبي والأصحاب، وذوي الألباب.
فإن وفَيت فحق ذاك في عنقي وإن أقصِّر لأنتم أهل إعذار |
وشتان بين السماوة والسما!
اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحَزْن إذا شئت سهلاً.
حقيقة سماوة حاضرنا
فلو أن برغوثاً على ظهر قملة يكر على الصفين منهم لولَّتِ |
اتخذوا الدين قشوراً بلا لباب، وألفاظاً بلا معانٍ، وهيكلاً بلا روح.. عمدوا إلى روحه فأزهقوها بالتعطيل، وإلى وعيده وزواجره فأرهقوها بالتأويل، وإلى هدايته فموهوها بالتضليل، وإلى وحدته فمزقوها بالطرق والنِّحَل والشيع والتحزب والأباطيل، وإلى البراء من عدو الله فميَّعوه باسم التسامح والتقريب، نصَبوا من الأموات هياكل بها يفتتنون، وحولها يقتتلون، ولأجلها يتعادَون.
كعمل الكفار بالأصنامِ قد لعب الشيطان بالأحلامِ |
ذُهلوا عن أنفسهم، فلم يحفلوا بحاضرهم، ولم يفكروا في مستقبلهم؛ لأنهم زعموا الغيب، والغيب لله، وصدق الله وكذبوا، ما كانت أعمال رسول الله صلى الله عليه وسلم للحاضر فحسب، وما غرس شجرة الإسلام ليأكل هو وأصحابه ثمارها، بل زرعها للأولين والآخرين.
ولما بلغت الأمة هذه المرتبة الدنية طوقهم عدوهم بأطواق الحديد، فسامهم العذاب الشديد، وأخرجهم من زمرة الأحرار إلى حظيرة العبيد، فأصبحوا غرباء، في ديارهم تعساء، حظهم من الريادة والسيادة والسعادة الحظ الأوكس، وجزاؤهم فيها الجزاء الأبخس، غطَّاها سحاب الذلة؛ لأنهم أخطئوا طريق العزة، ظنوها في التقدم المادي والتقني فحسب، فذهبوا وراءها:
فإذا السفينة غارقة في أوحالها ودار ابن لقمان على حالها |
نسوا أن سبيلهم للعزة عودتهم إلى الدين، كيف وقد قال رسولهم صلوات الله وسلامه عليه: {إذا تبايعتم بالعينة، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم} ففعلوا موجبات ذلهم وخذلانهم:
ما هم بأمة أحمد لا والذي فطر السماء |
ما هم بأمة خير خلـ ـق الله بدءاً وانتهاء |
إن يزرعوا فحصادهم يا حسرتاه كان الهواء |
إن يقتلوا فقتيلهم كان المودة والإخاء |
ولو استرسل المرء مع خواطره لخشي أن يُفضي به التفكير إلى أن ييأس فيضل في بيداء السماوة، فيهلك أو يُجَن فيرفع عنه القلم فيستريح، وما كلاهما مريح، وما عانٍ كمستريح:
بي منكِ ما لو غدا بالشمس مـا طَلَعَتْ من الكآبة أو بالبرق ما ومضا |
سمو ماضينا... وأسرار السمو
هذه شهادة الأرض تؤديها صامتة، فيكون صمتها أبلغ في الدلالة من نطق جميع الناطقين، ثم يشرح هذه الشهادةَ الواقعُ، ويفسرُها العيان التي لم تحجبه بضعة عشر قرناً من الزمان.
إنها حقائق تاريخية ناطقة ينبغي الوقوف أمامها في كل مكان وزمان.
فقد تنطق الأشياء وهي صوامتٌ وما كل نطق المخبرين كلامُ |
لقد خرَّجَتْ تلك الدعوة جيلاً في ذلك القرن فريداً مميزاً في تاريخ الإسلام؛ بل في تاريخ البشرية جميعه.. جيلاً فريداً في تصوره.. وشعوره.. وانتمائه.. ووضوحه.. جيلاً اختاره الله لحمل رسالته، ولصحبة رسوله صلى الله عليه وسلم.. جيلاً جاءه الوحي على وعي، فتأسس على توحيد، وانطلق بعقيدة، وسار على منهج صحيح.
حمل فكراً سامياً لغاية أسمى.. زاده التقوى، وشعاره الجهاد، وحصنه الإيمان، وعدته الصبر، وخلقه القرآن، وقدوته سيد الأنام عليه الصلاة والسلام.
أمنيته الشهادة في سبيل الله؛ ليكون الدين كله لله، وغايته تلك مع الجنة ورضوان الله، والذي لا إله إلا هو لولا النقل الصحيح المتواتر القطعي لقيل:
والسؤال:
لِمَ لَمْ تعُد الأمة تخرِّج مثل ذلك الطراز؟!
أما إنه قد يوجد أفراد وفئة من ذلك الطراز على مدى التاريخ؛ لكنه لا يحدث أن تَجمَّع مثل ذلك العدد الضخم في مكان واحد كما وقع في القرن الأول، هذه ظاهرة واضحة ذات مدلول؛ تستحق أن نقف أمامها لعلنا نهتدي إلى السر، كما يقول سيد .
معشر الإخوة: إن قرآن تلك الدعوة في ذلك الجيل لم يزل بين يدينا محفوظاً، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهديه العملي وسيرته الكريمة بين أيدينا كذلك، لم يغِب سوى شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل هذا هو السر؟!
أما إنه لو كان وجود شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم حتمياً لقيام هذه الدعوة وإيتائها ثمراتها ما جعلها الله دعوة للعالمين، وما جعلها آخر رسالة لأهل الأرض أجمعين.
إن الله قد تكفل بحفظ الذكر، وبيَّن أن هذه الدعوة يمكن أن تقوم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن تؤتي ثمارها، فاختاره الله سبحانه وتعالى إلى جواره، وأبقى هذا الدين من بعده إلى آخر الزمان؛ وعلى هذا فإن غَيبة شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تفسر تلك الظاهرة، فما السر إذاً مرة أخرى؟!
هل تغير النبع؟!
هل تغير المنهج الذي تربوا عليه؟!
مهما تقادم جوهر في عتقه فهو الثمين وليس يبرح جوهرا |
إن السر يكمن في أمور:
خذها إليك درة من الدرر من كاتب راز الأمور وخبر |
معشر الإخوة: إن تفكيراً بعمق وحق، وإرجاعاً للبصر والبصيرة كرَّة بعد أخرى في سماوة واقعنا بعد سمو وسماء ماضينا العريق المنير؛ يجعل البصر يرتد خاسئاً وهو حسير، إذ يرى عموم الأمة دون آحادها اليوم في داجية لا صباح لها يتخبطون يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ [التوبة:126] لا ينقُلون إلى الأمام قدماً مقبِلين إلا رجعوا إلى الوراء أقداماً مدبِرين، أنزلوا أنفسهم من الأمم منزلة الأَمَة من الحرائر؛ عجزت أن تتسامى لعُلاهن، أو تتحلى بحُلاهُن، فحصرت همها في إثارة غيرة حرة على حرة، وتسخير نفسها لخدمة ضرة نكاية في ضرة، أشربوا في قلوبهم الذل.. فرضوا الضيم والمهانة، واستحبوا الحياة الدنيا فرضوا بفتاتها في إسفاف وسفالة، نزل الشرف من قلوبهم بدار غريبة فلم يُقِم، ونزل الهوان من نفوسهم بدار إقامة فلم يضعن ولم يرم، يحسبون كل صيحة عليهم، ويتوهمون كل حركة من عدوهم شبحاً من الموت يهجم عليهم.
فلو أن برغوثاً على ظهر قملة يكر على الصفين منهم لولَّتِ |
اتخذوا الدين قشوراً بلا لباب، وألفاظاً بلا معانٍ، وهيكلاً بلا روح.. عمدوا إلى روحه فأزهقوها بالتعطيل، وإلى وعيده وزواجره فأرهقوها بالتأويل، وإلى هدايته فموهوها بالتضليل، وإلى وحدته فمزقوها بالطرق والنِّحَل والشيع والتحزب والأباطيل، وإلى البراء من عدو الله فميَّعوه باسم التسامح والتقريب، نصَبوا من الأموات هياكل بها يفتتنون، وحولها يقتتلون، ولأجلها يتعادَون.
كعمل الكفار بالأصنامِ قد لعب الشيطان بالأحلامِ |
ذُهلوا عن أنفسهم، فلم يحفلوا بحاضرهم، ولم يفكروا في مستقبلهم؛ لأنهم زعموا الغيب، والغيب لله، وصدق الله وكذبوا، ما كانت أعمال رسول الله صلى الله عليه وسلم للحاضر فحسب، وما غرس شجرة الإسلام ليأكل هو وأصحابه ثمارها، بل زرعها للأولين والآخرين.
ولما بلغت الأمة هذه المرتبة الدنية طوقهم عدوهم بأطواق الحديد، فسامهم العذاب الشديد، وأخرجهم من زمرة الأحرار إلى حظيرة العبيد، فأصبحوا غرباء، في ديارهم تعساء، حظهم من الريادة والسيادة والسعادة الحظ الأوكس، وجزاؤهم فيها الجزاء الأبخس، غطَّاها سحاب الذلة؛ لأنهم أخطئوا طريق العزة، ظنوها في التقدم المادي والتقني فحسب، فذهبوا وراءها:
فإذا السفينة غارقة في أوحالها ودار ابن لقمان على حالها |
نسوا أن سبيلهم للعزة عودتهم إلى الدين، كيف وقد قال رسولهم صلوات الله وسلامه عليه: {إذا تبايعتم بالعينة، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم} ففعلوا موجبات ذلهم وخذلانهم:
ما هم بأمة أحمد لا والذي فطر السماء |
ما هم بأمة خير خلـ ـق الله بدءاً وانتهاء |
إن يزرعوا فحصادهم يا حسرتاه كان الهواء |
إن يقتلوا فقتيلهم كان المودة والإخاء |
ولو استرسل المرء مع خواطره لخشي أن يُفضي به التفكير إلى أن ييأس فيضل في بيداء السماوة، فيهلك أو يُجَن فيرفع عنه القلم فيستريح، وما كلاهما مريح، وما عانٍ كمستريح:
بي منكِ ما لو غدا بالشمس مـا طَلَعَتْ من الكآبة أو بالبرق ما ومضا |
ولخشية ذلك كله فإني أنقل نفسي وإياكم إلى سماء القرن الأول؛ لنقف على أسرار سموه للسماء لنقول: هذه هي المراقي فارتقِ.. هذا هو النموذج لا غيره والمثال... فصلاحه ضُرِبَت به الأمثال، وقدمت عليه البراهين، وقام غائبه مقام العيان، وخلدته بطون التواريخ، واعترف به الموافق والمخالف، ولَهَج به الراضي والساخط، وسجلته الأرض والسماء، فلو نَطَقَت الأرض لأخبرت أنها لم تشهد مذْ دحاها الله وطحاها وبراها أمةً أصلب على الحق وأهدى به من أول هذه الأمة، ولم تشهد فئةً اتحدت سرائرُها وظواهرُها على الخير مثل أول هذه الأمة، ولم تشهد مذ مهَّدها الله أمةً وحدت الله فاتحدت قواها على الخير قبل هذه الطبقة الأولى من هذه الأمة.
هذه شهادة الأرض تؤديها صامتة، فيكون صمتها أبلغ في الدلالة من نطق جميع الناطقين، ثم يشرح هذه الشهادةَ الواقعُ، ويفسرُها العيان التي لم تحجبه بضعة عشر قرناً من الزمان.
إنها حقائق تاريخية ناطقة ينبغي الوقوف أمامها في كل مكان وزمان.
فقد تنطق الأشياء وهي صوامتٌ وما كل نطق المخبرين كلامُ |
لقد خرَّجَتْ تلك الدعوة جيلاً في ذلك القرن فريداً مميزاً في تاريخ الإسلام؛ بل في تاريخ البشرية جميعه.. جيلاً فريداً في تصوره.. وشعوره.. وانتمائه.. ووضوحه.. جيلاً اختاره الله لحمل رسالته، ولصحبة رسوله صلى الله عليه وسلم.. جيلاً جاءه الوحي على وعي، فتأسس على توحيد، وانطلق بعقيدة، وسار على منهج صحيح.
حمل فكراً سامياً لغاية أسمى.. زاده التقوى، وشعاره الجهاد، وحصنه الإيمان، وعدته الصبر، وخلقه القرآن، وقدوته سيد الأنام عليه الصلاة والسلام.
أمنيته الشهادة في سبيل الله؛ ليكون الدين كله لله، وغايته تلك مع الجنة ورضوان الله، والذي لا إله إلا هو لولا النقل الصحيح المتواتر القطعي لقيل:
والسؤال:
لِمَ لَمْ تعُد الأمة تخرِّج مثل ذلك الطراز؟!
أما إنه قد يوجد أفراد وفئة من ذلك الطراز على مدى التاريخ؛ لكنه لا يحدث أن تَجمَّع مثل ذلك العدد الضخم في مكان واحد كما وقع في القرن الأول، هذه ظاهرة واضحة ذات مدلول؛ تستحق أن نقف أمامها لعلنا نهتدي إلى السر، كما يقول سيد .
معشر الإخوة: إن قرآن تلك الدعوة في ذلك الجيل لم يزل بين يدينا محفوظاً، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهديه العملي وسيرته الكريمة بين أيدينا كذلك، لم يغِب سوى شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل هذا هو السر؟!
أما إنه لو كان وجود شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم حتمياً لقيام هذه الدعوة وإيتائها ثمراتها ما جعلها الله دعوة للعالمين، وما جعلها آخر رسالة لأهل الأرض أجمعين.
إن الله قد تكفل بحفظ الذكر، وبيَّن أن هذه الدعوة يمكن أن تقوم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن تؤتي ثمارها، فاختاره الله سبحانه وتعالى إلى جواره، وأبقى هذا الدين من بعده إلى آخر الزمان؛ وعلى هذا فإن غَيبة شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تفسر تلك الظاهرة، فما السر إذاً مرة أخرى؟!
هل تغير النبع؟!
هل تغير المنهج الذي تربوا عليه؟!
مهما تقادم جوهر في عتقه فهو الثمين وليس يبرح جوهرا |
إن السر يكمن في أمور:
خذها إليك درة من الدرر من كاتب راز الأمور وخبر |
إن الصحابة رضوان الله عليهم جعلوا القرآن والسنة النبع الوحيد الذي منه يستقون وينهلون، وبه يتكيفون، وفي رياضه يتربون، وعليه يتخرجون، ما نظروا مجرد النظر إلى رواسب الثقافات العالمية التي كانت في ذلك العصر وما قبله، رغم أن بعض هذه الثقافات كانت محيطة بـالجزيرة ؛ بل كان بعضها يعيش داخل الجزيرة ، بل لم ينظروا إلى الكتب السماوية السابقة كالتوراة والإنجيل... وغيرهما، وإنما اقتصروا على كتاب الله وحده، فخلُصت نفوسهم لله وحده، واستقام عودهم على منهجه وحده.
مرادهم الإله فلا رياءُ ونهجهم الكتاب فلا ارتيابُ |
ولم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يثبت فيهم هذا القول، ويأطرهم عليه، ويحذرهم من مصادر التلقي الأخرى، وحاله:
فيا قلب اعص كل هوى سواها ويا نفس سواها لا تطيعي |
مصدر التلقي عند عمر بن الخطاب
لقد كان درساً عظيماً بليغاً للصحابة ومن بعدهم، فحواه:
عُد إلى الروضة إن الغيث يهمي في روابيها ويكسوها جمالا |
تربية النبي صلى الله عليه وسلم للجيل الأول
ولما اختلطت الينابيع، وشيبت -معشر الإخوة- والتفت الجيل إلى غير ذلك النبع الصافي، انحط وسقط وخار وبار، وصار كالحيوان الأعجم يقع على الجواهر فيدوسها برجله، لا يعلم إلا أنها من جنس ما يُداس؛ لأنها لا تؤكل، فظهرت فئة مزورة لا صلة لها بذلك النبع إلا بما لا كف لها في اسمها ولقبها، فئة ترى أنه لا نجاة للمسلمين إلا بالالتفات عن ذلك، والانغماس في ثقافة الكافر من غير قيد ولا تحفظ..
تعمل لهذا جاهدة، يُسِرُّ المسر منهم كيداً، ويُعْلِن المعلن منهم ذلك وقاحةً.. يتهارشون على وأد ذلك النبع الصافي وتجفيفه، مُجْلِبين بألسنتهم وأقلامهم، أُتْخِموا من تلك الينابيع، ثم شرعوا يتقيئونها في أذهان الجيل؛ بحجة التطوير والرقي والسمو زعموا! تعرف ذلك منهم في لحن القول، وفي مظهر العمل، وفي إدارة الكلام، يتخلل أحدُهم تخلل الباقرة، تعرفهم في اللفتات العامة، تلمحهم في أسباب معيشتهم الشخصية؛ لكنهم يتناقضون ويتهافتون، فيبتدئون من حيث انتهى سادتُهم أصحاب الينابيع المختلطة النتنة.
سادتهم يرون أن اللعب إنما يحلو بعد الجد، وأن القشور إنما يُلْتَفَت إليها بعد تحصيل اللباب، وأن الكماليات تأتي بعد الضروريات، وأن الوقت رأس مال لا يجوز تبديده في غير ما ينفع؛ لكن هذه الفئة البائسة تفعل عكس ذلك كله، وتختصر الطريق إلى اللهو لتُرْضِي شهواتها، وإلى الكماليات؛ لأن لها بريقاً هو حظ العين، وإن لم يكن للعقل منه شيء.
عصارة رأيهم في علاج حالة المسلمين تُتَرْجم في جملة واحدة هي: أن النجاة في الغرق!
فئة تلبس باسم الإسلام، وتأكل الخبز باسمه؛ لكنها لا تعمل ما يرضيه، ولا تبني ما يعليه.. ترفع العقيرة باسمه فتفضحها رطانة الأنباط، وتربط نفسها معه بمثل خيط العنكبوت فينحل الرباط، فجاءت أفكارهم فاسدة كأنتن من جيفة هدهد ميت كُفِّن في جورب مسافر أبخر في شدة القيظ لم يمسه الماء أشهراً، بل أنتن من حلتيت، وأثقل من كبريت، وأهدى إلى الضلال من دليل خِرِّيت.
يجرون الذيول على المخازي وقد ملئت من الغش الجيوب |
انسلخوا من هويتهم، ولم يندمجوا في حضارة سادتهم المادية، فصاروا كالمرأة المعلقة، لا مزوجة ولا مطلقة!
فتَبَّاً وسُحقاً وهلاكاً وبُعداً في بيداء السماوة، أجمعوا أمركم ثم ائتوا صفاً، فما أنتم ببالغين من الحق إلا ما يبلغه مَن يريد أن يغطي على الشمس بكُمِّه، وهو لا يعلم أن مِن وراء كمه أرض الله الواسعة.
روى الإمام أحمد في مسنده والدارمي في سننه -رحمهما الله- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: {أن
لقد كان درساً عظيماً بليغاً للصحابة ومن بعدهم، فحواه:
عُد إلى الروضة إن الغيث يهمي في روابيها ويكسوها جمالا |
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يربي جيلاً خالص القلب والعقل والتطور والشعور.. خالص التكوين من أي مؤثر غير المنهج الإلهي الذي تضمنه القرآن الكريم، كيف وهو القائل صلوات الله وسلامه عليه: {تركتُ فيكم شيئين لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله، وسنتي}.
ولما اختلطت الينابيع، وشيبت -معشر الإخوة- والتفت الجيل إلى غير ذلك النبع الصافي، انحط وسقط وخار وبار، وصار كالحيوان الأعجم يقع على الجواهر فيدوسها برجله، لا يعلم إلا أنها من جنس ما يُداس؛ لأنها لا تؤكل، فظهرت فئة مزورة لا صلة لها بذلك النبع إلا بما لا كف لها في اسمها ولقبها، فئة ترى أنه لا نجاة للمسلمين إلا بالالتفات عن ذلك، والانغماس في ثقافة الكافر من غير قيد ولا تحفظ..
تعمل لهذا جاهدة، يُسِرُّ المسر منهم كيداً، ويُعْلِن المعلن منهم ذلك وقاحةً.. يتهارشون على وأد ذلك النبع الصافي وتجفيفه، مُجْلِبين بألسنتهم وأقلامهم، أُتْخِموا من تلك الينابيع، ثم شرعوا يتقيئونها في أذهان الجيل؛ بحجة التطوير والرقي والسمو زعموا! تعرف ذلك منهم في لحن القول، وفي مظهر العمل، وفي إدارة الكلام، يتخلل أحدُهم تخلل الباقرة، تعرفهم في اللفتات العامة، تلمحهم في أسباب معيشتهم الشخصية؛ لكنهم يتناقضون ويتهافتون، فيبتدئون من حيث انتهى سادتُهم أصحاب الينابيع المختلطة النتنة.
سادتهم يرون أن اللعب إنما يحلو بعد الجد، وأن القشور إنما يُلْتَفَت إليها بعد تحصيل اللباب، وأن الكماليات تأتي بعد الضروريات، وأن الوقت رأس مال لا يجوز تبديده في غير ما ينفع؛ لكن هذه الفئة البائسة تفعل عكس ذلك كله، وتختصر الطريق إلى اللهو لتُرْضِي شهواتها، وإلى الكماليات؛ لأن لها بريقاً هو حظ العين، وإن لم يكن للعقل منه شيء.
عصارة رأيهم في علاج حالة المسلمين تُتَرْجم في جملة واحدة هي: أن النجاة في الغرق!
فئة تلبس باسم الإسلام، وتأكل الخبز باسمه؛ لكنها لا تعمل ما يرضيه، ولا تبني ما يعليه.. ترفع العقيرة باسمه فتفضحها رطانة الأنباط، وتربط نفسها معه بمثل خيط العنكبوت فينحل الرباط، فجاءت أفكارهم فاسدة كأنتن من جيفة هدهد ميت كُفِّن في جورب مسافر أبخر في شدة القيظ لم يمسه الماء أشهراً، بل أنتن من حلتيت، وأثقل من كبريت، وأهدى إلى الضلال من دليل خِرِّيت.
يجرون الذيول على المخازي وقد ملئت من الغش الجيوب |
انسلخوا من هويتهم، ولم يندمجوا في حضارة سادتهم المادية، فصاروا كالمرأة المعلقة، لا مزوجة ولا مطلقة!
فتَبَّاً وسُحقاً وهلاكاً وبُعداً في بيداء السماوة، أجمعوا أمركم ثم ائتوا صفاً، فما أنتم ببالغين من الحق إلا ما يبلغه مَن يريد أن يغطي على الشمس بكُمِّه، وهو لا يعلم أن مِن وراء كمه أرض الله الواسعة.
معشر الإخوة والبنين: ولما التفتت وسائل التوجيه والتربية في الأمة إلى غير ذلك النبع الصافي ضاعت هويتها، فصارت كمن ينقش شوكة بشوكة، فتنكسر الشوكة التي استخدمت لإزالة تلك الشوكة، فتجتمع شوكة بشوكة -كما قيل-
إنك لتسمع من يقول ببلاهة وغباء وبلادة لمن يدعو إلى العودة إلى ذلك النبع الصافي.. إلى الوحي: أنتم خياليون، تعتمدون على الماضي، وتتكلون على الموتى، يستهزئ في معرض النصح، ولا ندري متى صار إبليس مذكراً!!
ومن الرزية عاهرٌ مُتَوَهَّم في الناسكين وناسكٌ في العهر |
يريد أن ننسى ماضينا، حتى إذا استيقظنا من تنويمه لم نجد ماضياً نبني عليه حاضرنا، فاندمجنا في حاضره المرير، خاب وخَسِر وعُرِّي وهُرِّي، وقُطِّع وفُرِّي، وأُحْرِقَ وذُرِّي، تطوع لهذا العمل أم كُرِّي.
يا هر لو قال ليث الغاب قولكمُ لاستنكف الفار إن قالوا له أسدُ |
***
فقبح وفدهم من وفد قوم ولا لُقُوا التحية والسلاما |
أفرزت هذه لنا جيلاً على درجة من الضعف الخُلُقي والعقلي، يعتقد في قرارة نفسه أنه خلق خلقة الأرنب، وخلق عدوه المفتون به خلقة الأسد، وجف القلم، ولا تبديل لخلق الله:
إذا صوَّت العصفور طار فؤادُهُ وليث حديد الناب عند السرائد |
يبيع دينه بعرض من الدنيا.. طلوع الشمس عنده ليل.. يلعن الشيطان ويتبع خطواته..
أقواله ألفاظ زور مالها معنى وصوت كالطبول مجوفه |
ما عنده إلا البلادة والقماءة والسفاهة والخنا والعجرفه |
ولا عجب! فقد جاءته وسائل التوجيه بالكفن وهو في ثياب العرس، وعرضت عليه النوائح في موكب الفرح، وأرادت علاجه من الفقر فعالجته بالفقر والجهل ومعه الذل، وحاولت علاجه من الحمى فداوته بالطاعون.. قيدته بحديد بعد أن قصت ريشه، ثم قالت له: انشد وغرد وأنى له..؟!
ما حيلة العصفور قصُّوا ريشه ورموه في قفص وقالوا غردِ! |
***
إنما تطرب أذن حرة إنما يسعد قلب مطمئنْ |
معشر الإخوة: ذلك الجيل استقى من النبع الصافي وحده، فكان له في التاريخ ذلك الشأن الفريد.. إنه السماء.
وهذا الجيل استقى من ينابيع مختلطة آسنة، فهلك في بيداء السماوة، وكلٌّ يجني عواقب ما زرع.
وشتان ما بين السماء والسماوة!
هذه هي الحقيقة، فلا تلبسها ثوب زور، فلا أبطل من الباطل إلا السكوت عليه.
صرح أبن فالخير في التصريحِ قد تبرأ العلة بالتشريحِ |
ثانياً: أن ذلكم الجيل قد جعل القرآن الكريم والسنة منهج تلقٍ للتنفيذ والعمل والتطبيق، لا منهج دراسة ومتعة، كما هو حال كثير من الأجيال التي خلفت ذلك الجيل الفريد.
وما السيف من غير أبطاله! وما العين من غير إنسانها! |
إن أولئك لم يكونوا يقرءون القرآن لقصد الثقافة والاطلاع وزيادة الحصيلة الفقهية فحسب! بل كان الواحد منهم يتلقى القرآن ليتلقى أمر الله في خاصة شأنه وشأن المجتمع الذي يعيش فيه وشأن الحياة التي يحياها.. يتلقى ذلك كله ليعمل به فور سماعه وحاله:
أنا بالله عزيز لا بعزى أو مناة |
معي القرآن أتلو ه فيحيي لي مواتي |
استبانت غايتي من آية في الذارياتِ |
فتح هذا الشعورُ لهم من القرآن آفاقاً لم تكن لتُفْتَح لهم بغيره، ويسر لهم العمل، وخفف عنهم ثقل الأعباء والتكاليف، حوَّل مسار حياتهم إلى الاتجاه الصحيح، فحالهم:
دوى القران أيا نفوس فأوِّبي شوقاً إلى خُضُر الجنان ورددي |
ولو أنهم قصدوا القرآن بشعور البحث والدراسة والاطلاع والثقافة ما كان لهم ما كان:
إن المخالب في يدَي ليث الوغى قضب وفي يد غيره أظفارُ |
تطبيق الكتاب والسنة عند السعدين
هذا البيان فقل لمن قد ضل دون نقيضِهِ |
صمتاً فذا أسد الكلا م فما طنينُ بعوضِهِ! |
العمل بالكتاب والسنة عند الصديق
إنه الصدِّيق اتخذ الله معبوده، ورسول الله صلى الله عليه وسلم دليله وإمامه، فرجح إيمانه.
فحفت به العلياء من كل جانبٍ كما حف أرجاءَ العيون المحاجرُ |
لما أشار بعض المسلمين على أبي بكر رضي الله عنه بألا يبعث جيش أسامة لاحتياجه إليه، قال: [[والله لو أن الطير تخطفني، وأن السباع من حول المدينة ، وأن الكلاب جرت بأرجل أمهات المؤمنين؛ ما رددتُ جيشاً وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا حللتُ لواءً عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله لو لم يبقَ في القُرَى غيري لأنفذته، أفأطيعه حياً وأعصيه ميتاً!]] فأنفذه.
.................... فانقاد كُرهاً من أبى واستكبرا |
ثم أعلنها حرباً على المرتدين، فقيل له: [[إنهم يقولون: لا إله إلا الله، قال: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، والله لو منعوني عَناقاً أو عِقالاً كانوا يؤدونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه]] فنصر الله به دين الله:
قاد السفينَ بجرأة ومهارة كالطَّود نحو مسيرة لا تُهْزَمُ |
وارتدت العرب الغلاظ فأشفقتْ همم الرجال فصاح: هل مَن يفهمُ؟ |
والله لو منعوا عِقال نويقةٍ أدَّوه نحو المصطفى لن يَسلَموا |
ومضى أبو بكر لغايته إلى أن أخضع المرتد وهو مرغمُ |
هذا هو الإسلام في عليائه مُثُلٌ وأعلامٌ ودينٌ قَيِّمُ |
ذاق طعم الإيمان مَن رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً، وتلك سهلة بالدعوى واللسان؛ لكنها صعبة عند التحقيق والامتحان.
الرضا -معشر الإخوة-: كمال الانقياد والاستسلام لأوامر الله ونواهيه، ولو خالف المرء شيخه وطائفته ومذهبه وهوى نفسه.
مستمسكاً بعرى العقيدة تابعاً ولغير شرع الله لا يستسلمُ |
لا يوقف تنفيذ قول الأوامر على قول شيخه أو طائفته؛ فإن أذنوا نفذ وقَبِل وإلا أعرض ولم ينفذ، وفوض الأمر لهم، والله لأن يلقى العبد ربه بكل ذنب خلا الشرك خير له من أن يلقاه بهذه الحال. كما قال ابن القيم رحمه الله.
والحق مثل الشمس يجمل ضوؤه للمبصرين ولا يروق لأرمدِ |
***
ووالله ما الأبصار تنفع أهلَها إذا لم يكن للمبصرين بصائرُ |
معشر الإخوة: ذلك الجيل أسلم واستسلم وانقاد لحكم الله بلا خيار: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36].
وبلا تنطع في البحث عن الحكمة والعلة؛ لأن ذلك ينافي التسليم والانقياد لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:23].
وبلا حرج في النفس عند تطبيق النص الشرعي: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [النساء:65].
شعارهم: (بِمَ أمر ربنا؟) لا (لِمَ أمر ربنا؟) فكانوا السماء، فاسلك طريقهم، فلئن سلكتَها لقد سبقت سبقاً بعيداً إلى السمو والسماء، ولئن أخذت يميناً أو شمالاً لقد ضللت ضلالاً بعيداً، وهلكت في البيداء، وشتان ما بين السماوة والسماء!
تطبيق الكتاب والسنة عند نساء الصحابة
فمن لم يكن حسنها في الحجابِ فسخريةٌ عَدُّها في الحسانِ |
***
يا رُب أنثى لها دين لها أدبٌ فاقت رجالاً بلا عزم ولا أدبِ |
ويـختلط الرجال والنساء في الطرق عند الـخروج من الـمسجد، فيقول صلى الله عليه وسلم كما ثبت في سنن أبي داوُد : {استأخرن.. عليكن بِحافَات الطريق} فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من شدة لصوقها به.
معشر الإخوة والأخوات: هذه شامة تهدى لمن بهرتهم مدنية الغرب، فصنعت لهم الصنم، وألهتم عن جلال الحرم، فلم يبق عندهم قيس يحن لليلى بين الشعاب، بل صار يتمنى أن يراها بلا حجاب، بل يشهد جمالها عارية بلا ثياب، لتصبح وتمسي في تباب، واشتبهت عندها الحمائم والصقور، والغراب بالقراب، واليافع بالكعاب.
كأنه زَبَدٌ والبحر يقذفه والشط يأنفه والحل والحرمُ |
إنها -يا فتاة الإسلام- ليست مسألة حجاب فقط، إنها عقيدة وشريعة.. إنها استسلام وتعظيم وحب لله.. إنها مسألة واحدة: أن تكوني أو لا تكوني.
هو الخبر اليقين وما سواه أحاديث المنى والترهات |
تطبيق السنة عند ابن رواحة
إن للإيمان ناس كالأسُدْ فتشبه إن من يؤمن يَسُدْ |
لما وُجِّه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة، صلى معه العصر رجلٌ، ثم مر على قوم من الأنصار يصلون إلى بيت المقدس ، فقال: [[أشهد أني صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد وُجِّه نحو الكعبة ]] وهم ركوعٌ فانحرفوا، ما راجعوا وما ترددوا، وما رءوسَهم رفعوا حتى امتثلوا، على مثلهم ينطبق قول الله: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ [النور:51] .
وما يستوي الفِتْن فيه الغبار وإن أشبه الكحل الأكحلُُ |
أبو طلحة وتطبيقه لكتاب الله
نفسي الفداء ثم أمي وأبي لصاحب المعراج أحمد النبي |
تعودوا هاك، ولم يتعودوا هات، ولكل امرئ ما تعود.
عزفت أنفسهم عن قول: لا فهي لا تعرف إلا هي لك |
يا حي يا قيوم فاجمعنا بهم في الخلد إنا لم تحد عن حبهم |
في أواخر حياته عكف على القرآن، وبينا هو يقرأ في (براءة) قول الله: انفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [التوبة:41] قال لأبنائه: [[جهزوني! قالوا: نحن نغزو عنك قد عذرك الله، قال: أي بني! والله ما أرى إلا أن الله استنفرنا شيوخاً وشباناً.. فجهزوني]] .
يشبه الرعدَ إذا الرعدُ رجفْ يشبه البرقَ إذا البرقُ خطفْ |
جهزوه وغزا في البحر ومات فيه، فلم يجدوا له جزيرة ليدفنوه فيها إلا بعد سبعة أيام أو تسعة، لم يتغير رضي الله عنه وأرضاه.
لو كان هذا الدهر شخصاً ناطقاً أثنى عليه بنثره وقصيدهِ |
أو كان ليلاً كان ليلة قدرهِ أو كان يوماً كان يومي عيدهِ |
***
إيهٍ إيه!
علِّم القوم نهوضاً للسما فشعار القوم كل واشرب ونَمْ |
إنما هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما سواهما حُلُم.
يا مفني العمر في التفتيش عن حلم لو كان يُدرَكُ ما كان اسمه الحلما |
معشر الإخوة! خير الناس ذلك القرن الذي بعث فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم الذين يلونهم.
هم الرجال وقد جاءوا على قدر هم الذين إذا ما عاهدوا صدقوا |
تطبيق السنة عند الشافعي وأحمد
إذا رأيتَ الهوى في أمه حكما فحكم هنالك أن العقل قد ذهبا |
أخي:
وما أحذو لك الأمثال إلا لتحذو وإن حذوت على مثالي |
يختفي شيخ أهل السنة وإمام هذه الأمة أحمد بن حنبل -عليه رحمة الله- في المحنة عند ابن هانئ ثلاثة أيام -أيام الواثق - ثم قال لـابن هانئ بعد ثلاثة أيام: اطلب لي موضعاً حتى أتحول إليه، فقال ابن هانئ : لا آمن عليك يا أبا عبد الله ، قال: افعل إن فعلت أفَدْتُك، قال ابن هانئ : فطلبت له موضعاً، فلما خرج قلت له: الفائدة يا إمام، قال: لقد اختفى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار ثلاثة أيام ثم تحول، وليس ينبغي أن يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرخاء ويترك في الشدة:
فيرحم الرحمن ذلك العلمْ الزاهد العابد قمة القممْ |
وفارس المعقول والمنقولِ المقتفي لسنة الرسولِ |
ونشهد الله على محبتهْ جَمَعنا الله معاً في جنتهْ |
هذا هو النهج الذي سما بأولئك.. إنه التلقي للتنفيذ والعمل
تطبيق الوحي عند الأجيال المتأخرة
لكل جماعة فيهم إمامٌ ولكن الجميع بلا إمامِ |
***
ليسوا بأحياء ولكنهم تسمعُ من أفواههم أحرفُ |
وشتان ما بين السماوة والسما!
أيها الجيل: ليس بعد نبينا نبي، ولا بعد كتابنا كتاب، ولا بعد أمتنا أمة، الحلال بيِّن، والحرام بيِّن، لقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا وذكر لنا منه علماً وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا [النور:54] فاقصد البحر وخلِّ القنوات.
وإذا أتى نهر الله بطل نهر معقِلِ..
وفي طلعة الشمس ما يغنيك عن زُحَلِ |
***
فاستذكرن آثارك الخوالدا ومجدك الفذ الصريح التالدا |
واقتبس الأصول منه والسننْ ولتسمون بها الهضاب والفُننْ |
وكن أخي في الرأي والإعدادِ من عصبة الزبير والمقدادِ |
وشتان ما بين السماوة والسما..!