خطب ومحاضرات
مقدمات في العلوم الشرعية [41]
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فبعد أن أتممنا الكلام على الآداب الشرعية وما يرتبط بها، بقي عندنا بعض الأسئلة المتعلقة بذلك وغير المتعلقة، نجيب على طرف منها.
السؤال: ما حكم بيع وشراء الملابس المستعملة، وخاصة ما كان منها مشابهاً للزي الغربي، علماً أنها انتشرت في ربوع البلاد.
وما هو حكم كراء محرم غير حقيقي وإعطائه مالاً على ذلك لامرأة تريد أن تعتمر، أو تحج لأول مرة هل ذلك جائز؟
هي أسئلة متتابعة.
الجواب: عن السؤال الأول منها: أن بيع الملابس المستعملة مثل بيع غيرها من الأشياء من الأمور الجائزة، إذا تكاملت في ذلك شروط البيع، وليس فيه ترويج للأزياء التي هي محذورة، لكن لا يحل للإنسان أن يبيع فيها ما لا يحل لبسه، كما إذا كانت ملابس الرجال من الحرير، أو كانت ملابس النساء شفافة، أو كانت ملابس الرجال شفافة كذلك فهذا لا يحل بيعه، أما إذا كانت الملابس مما يحل لبسه فيجوز للإنسان بيعها، وتزيي بزي قوم إذا لم يكن زياً دينياً فلا إثم فيه؛ لأن الملابس الدينية هي المحرمة، مثل قبعة اليهود الصغيرة التي يضعونها على رؤوسهم، ومثل: ملابس الكنيسة المختصة التي يلبسها الكردنالات والباباوات وغيرهم، ومثل: الزنار ونحو ذلك، فهذه الملابس الدينية مثل عمامة السيخ؛ والملابس الدينية لأي ديانة من الديانات هذه هي المحرمة التي لا يحل للمسلم لبسها.
أما ملابس الكفار فيما عدا ذلك فيحل لبسها، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك كان يلبس جبةً رومية ضيقة، فضاقت عليه والروم إذ ذاك كفار، وقد عقد النبي صلى الله عليه وسلم الجزية على نصارى نجران على أربعة آلاف حلة، فكانوا يأتون بها ويوزعها على أصحابه، وأهدى إليه المقوقس ملابس فلبسها وهي من ملابس الكفار، ولم يأمر أحداً بتغيير زييه، والزي الذي كان يلبسه هو مثل زي الذي كان يلبسه أبو جهل وأبو لهب، لا فرق بين ذلك، فلهذا الملابس غير الدينية لا حرج في لبسها.
ومنها التشامير التي يلبسها الناس، فهذه لا يجوز منها ما كان متعدياً للكعب، فإذا كان الإنسان يشمر عن كعبه، وكان يلبسها للعمل، وهي أيسر.. العمل فيها أيسر من ملابسنا هذه الواسعة، فلا حرج في بيعها، لكن يبقى وجه واحد في بيع الملابس المستعملة وهو بيعها بالكم، من غير عدٍ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع المنابذة والملامسة وعن بيع الحصاة، وهذه بيوع في بيع الملابس، فالملامسة أن يلمس ظاهر الثوب ولا تبسطه، ولا تعرف قدره، إن وقع عليه البيع، وبيع الحصاة كذلك أن ترمي الحصاة فكل ما مررت به يكون لك على البيع، فهذا هو البيوع المحرمة، ووجه تحريمها جميعاً الغرر والجهالة.
فإذا كانت هذه الملابس جرب فيها التفاوت العظيم بينها، وأن بعضها قد يكون كماً عظيماً في الوزن، ولكن فائدته يسيرة والأنواع التي فيه غير مرغوبة، وفيها كثير من التمزق ونحو هذا، فحينئذٍ لا يجوز بيعها جزافاً، وإنما يجوز بيعها جزافاً إذا كانت في الغالب وسطاً بين هذا، وكان الإنسان يعلم أن فيها ما هو وسط وما هو جميل، وما هو ضعيف رذيل، فحينئذٍ يمكن أن تباع جزافاً.
إذا رأيت وحصرت بالكم، أو وزنت وبيعت على بذلك الأساس، وعلى هذا فما يكون فيها من النقص كبعض الخلل الذي فيها كالشقوق ونحو ذلك، إذا كان البائع يبيعها بالكمية، فإنه لا يلزمه التدقيق في تلك الجزئيات ولا يرجع بها عليه لأنه بمثابة البيع بالبرنامج، وإذا كان البائع يبيعها بالأفراد فهو مخاطب بذلك، إذا اشتريت ثوباً فوجدت فيه شقاً وقد اشتريته مفرداً، فلك الحق أن تعيده على بائعه؛ لأنك قد اطلعت عليه على عيب لك الخيار فيه أن تقبله بعيبه، وأن ترده على بائعه.
وهذه الملابس يلزم تنظيفها وتطهيرها ثم الصلاة فيها بعد ذلك لا حرج فيها إن لم تكن حريراً.
أما السؤال عن هل هي ترويج لزي معين أو نحو ذلك؟
فليست ترويجاً، بل هي من الأمور المعتادة ومن الملابس التي لا حرج في لبسها للعمل ونحو ذلك، ومما يسهل على الناس ولله الحمد؛ لأن الناس يحتاجون إلى الملابس وكلها مستوردة، وكل ما لدينا من ملابس ليس فيها نسيج محلي، إنما هو مستورد من ملابس الكفار، حتى هذه الملابس التي نلبسها ليست من نسيجنا، وإنما هي من نسيج الكفار، وقد يسرها الله لنا ونحن نلبسها فهي من الترخيص على الفقراء والإعانة لهم واستيراد مثل هذا الرخيص، الذي يمكن أن يسد خلتهم، ويقضي حوائجهم، ولا حرج فيها ولا ينبغي للإنسان أن يضيق في مثل هذا على الناس.
أما كراء محرم غير حقيقي، أي كراء شخص ليسافر مع المرأة سفراً لا يحل لها السفر فيه من غير محرم، وتسويته محرماً فقد جمعت مع الكذب ومخالفة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن المرأة التي تسافر مع رجل أجنبي تدعي أنه محرم لها ويكتب لها ذلك في أوراقها جمعت الخستين، فهي كاذبة في دعواها، مخالفة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي نهاها أن تسافر يوماً وليلة إلا مع محرم.
ولا يحل للرجل أخذ الأجرة على ذلك ولا قبوله ولا يحل للمرأة كذلك الإقدام على مثل هذه المحايلة الفاسدة.
السؤال: ما هو الحكم إذا كانوا يشترطون محرماً إذا وجدت رفقة مأمونة؟
الجواب: أن رفقة مأمونة إنما يحل للمرأة أن تسافر فيها بالسفر الواجب فقط، السفر الذي هو فرض عليه كسفرها إلى زوجها إذا أمرها، وسفرها إلى والدها إذا أمرها بذلك، وحجتها حجة الإسلام، حجة الفرض أو هجرتها من مكان الكفار، أو من مكان المعصية إلى بلاد الإسلام، فهذه الأسفار التي يحل لها أن تخرج بها مع رفقة مأمونة ليس فيها محرم، أما ما سوى ذلك، فلابد أن يكون معها محرم أو زوجا يحضرها.
السؤال: ما هو حكم ما يسمى بالإسقاط، وما هي أسبابه، وما هو موقف المرأة شرعاً منه؟
الجواب: إذا كان المقصود به الاجهاض أي أن تجهض المرأة حملها فتسقطه تعمداً بأن تشرب الدواء لذلك، أو أن تقام لها عملية تنظيف لهذا، فهذا من الأمور المحرمة شرعاً، بل إذا كان بعد أربعة أشهر فهو من قتل النفس التي حرمها الله إلا بالحق، ولا يحل للمرأة الإقدام عليه، وإنما يحل الإجهاض في حالة واحدة وهي ما إذا ما كانت المرأة تخاف على نفسها الهلاك، وقد أخبرها الأطباء العدول بذلك، وكان الحمل في بدايته في الأسابيع الأولى منه، في الأسبوع الثاني أو الثالث، فحينئذٍ يكون الإسقاط والإجهاض محل ضرورة ولا ينبغي أن تقدم على ذلك إلا باستفتاء خاص، تسأل عن حالتها بخصوصها هل هي محل لأن تفتى بالرخصة أو لا؟ ولكن لا تقدم على ذلك أبداً على أساس هذه المعلومة العامة التي سمعتها في هذا الدرس، بل لا يحل الاعتماد على مثل هذا في الإفتاء حتى تستفتي عن نازلتها بعينها، وعلى المسلمين أن يتقوا الله.. في مثل هذا.
فإن مؤامرة عظيمة تحاك ضد المسلمين فيما يتعلق بتقليل أعدادهم، وهي التي تسمى عالمياً بتنظيم النسل أو تنظيم الأسرة أو نحو ذلك، وعلى المسلمين أن لا ينخدعوا بها.
السؤال: عن موقف الشرع من المصحف الذي ويوضع في الجيب، ويوضع في حقيبة النقود، كذلك المصحف والكتب، والأشرطة الإسلامية التي يكون الإنسان مضطراً لوضعها مع حقائبه وهو مسافر، التي قد يكون فيه آلاته وثيابه الطاهرة، وثيابه غير الطاهرة، وقد تكون هي السفلى وفي بعض الأحيان إذا حاولت أن تغير الوضع ينهرك السائق وبعض المسافرين ويقولون: إن هذا سيعطل سفرهم ويأخره فما هو الموقف؟
الجواب: أن المصاحف التي توضع في الجيوب ونحوها هي مثل المصاحف الكبرى الكبيرة، كبيرة الحجم في الاحترام، ولهذا يجب على الإنسان أن يحترمها ولا تمسها حائض ولا يمساها جنب، وإنما يحملها الإنسان على طهارة، ولا يضعها في جيبه فيدخل بها الحمام أو المكان الذي هو مستقذر، بل لابد أن يحترم هذه المصاحف غاية الاحترام، وإذا وضعها في حقيبة مع أمتعة فلا يمسها من تلك الأمتعة إلا ما كان طاهراً، لكن لا حرج أن يوضع فوقها بعض الأمتعة في الحقيبة؛ لأن هذا مما تعم به البلوى، ولا ينقص من احترامها، لكن لابد أن يكون ما يحيط بها طاهراً، وحملها إذا كانت مع الأمتعة لا حرج فيه حتى لو كان الكافر يحملها، أو كان الجنب يحملها أو الحائض، فإن كانت المصاحف مع أمتعة قصدت فحملها مع تلك الأمتعة لا حرج فيه، ولا يشترط فيه الطهارة ولا الإسلام، وكذلك فإن الحقيبة التي فيها مصحف يجوز أن توضع فوقها حقيبة أخرى ليس فيها مصحف؛ لأن ذلك لا يستشعر الناس به إذلالاً للمصحف ولا إهانة له، بل من لم يرَ المصحف فيها لا يعلم أن فيها مصحفاً أصلاً، فلا يكون ذلك ذا مضرة ولا ازدراءً ولا نقصاً بالمصاحف.
السؤال: أما السؤال عن حكم المرأة المخضبة رأسها بالحناء هل يكفيها المسح، علماً أن الخضاب لاصق على الشعر وبعض الجلد، وهل تنقض ظفره إذا كانت عروساً للغسل، علماً أنها تحتوي على كثير من الخرزين، فما هو الموقف عند الغسل؟
الجواب: أن المرأة إذا كانت استعملت زينة مباحة في ظفرها كالعروس التي تنفق أموالاً في الظفر، فإنها تترخص ولا تنقض ظفرها لأجل الغسل، بل تحاول إدخال الماء فيه ما استطاعت وما عجزت عنه ذلك يعفى لها عنه، حتى تكمل سبعة أيام كما نص عليه العلماء، فالترخص لها إنما يكون في هذه السبع الأولى من أيام عرسها، ثم بعد ذلك تنقض شعرها وتغسله، ولا تعيد شيئاً من صلاتها الماضية.
وأما من كانت خضبت رأسها بالحناء أو نحو ذلك، فإن كان تلك الحناء ليس ذا ثمن باهظ، فلا تمسح على رأسها حتى تزيل الحناء وتمسح على رأسها مباشرة، وإن كانت ذات ثمن باهظ فإنها تمسح فوقها؛ لأن إزالة ذلك من إتلاف المال المحرم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم )، فتمسح على رأسها كما هو بما فوقه.
السؤال: ما مفهوم العولمة وما هي مميزاتها وما هو الموقف الذي يجب أن يتخذه المسلمون تجاهها؟
الجواب: أن العولمة: كلمة غير صحيحة المبنى، سيئة المعنى، فهي ليست من العربية أصلاً، ومع ذلك فهي سيئة المبنى لأنها يقصد بها: أن يكون الناس أجمعين تبعاً للأمريكيين، فيكونون تبعاً لهم في دينهم، وفي دنياهم، وفي أخلاقهم، وفي معاملتهم، وهذا ما لا يرتضيه الله لعبادة، ولذلك فأمريكا تسمي نفسها اليوم بالنظام العالمي الجديد، أي: الذي يحكم العالم كله وينفرد بالسلطة فيه، وبذلك تريد أن تفرض قيمها ودينها وأخلاقياتها، ولغتها، وأمورها على الناس، وهذا الفرض إنما يأتي في البداية بالتشجيع عليه، وفرض العقوبات على من لم يمارسه، فمثلاً صندوق النقد الدولي لا يجدول ديون الدول التي لم تسر في طريق العولمة، والحكومات التي لم تتخذ مواقف في تعليم اللغات الأجنبية، وفي تغيير مناهج التعليم، وفي التقرب إلى الغرب بأخذ قيمه ووسائله ونحو ذلك يفرض عليها الحصار، ولا تقضى ديونها ولا تخفف ولا يؤذن للبنك الدولي في جدولة ديونها، كل هذا يقصدون به فرض قيمهم، وأخلاقياتهم ودينهم على المجتمعات الأخرى، وكذلك يقصدون بهذا أن تكون سيطرتهم كاملة بعد أن سيطروا على اقتصاد العالم، وأخذوا خمسة وثمانين بالمائة من خيرات العالم، لم يقنعوا بهذا، بل أرادوا أن يجعلوا الناس أيضاً عبيداً لهم أذلاء، يخنعون لهم ويخضعون، لا يرون الرزق من تلقائهم وقبلهم، وبهذا يسيطرون سيطرةً كاملة.
إنه قبل انفراد أمريكا بالقوة في هذا العالم، كان في العالم قطب آخر، وكان بين هذين القطبين صراع، وكان المسلمون إذ ذاك في حياد وضعف ومسكنة، وأما اليوم فقد انفردت أمريكا بالسيطرة في الكفر، ولم يعد يقف في وجهها إلا المسلمون وهم القوة الباقية الوحيدة التي يمكن أن تقف في وجه هذا النظام العالمي الجديد، وبذلك عليهم أن يعدوا العدة وأن يستعدوا لمقارعة هذا النظام، وأن يقفوا وقفة تأمل في المؤامرات التي يكيدها هذا النظام لهم، فالذين يدرسون القانون كانوا يعلموا بالقانون لأن النظام أن القانون الدولي العام، لا تمتاز خصائصه بخصائص القاعدة القانونية؛ لأن من خصائص القاعدة القانونية أنها عامة ومجردة وأنه ملزمة أو مكملة، والقانون الدولي قواعده غير ملزمة، هذا الذي كنا ندرسه، كان الناس يدرسونه في القانون.
لكن اليوم أصبحت القوانين الدولية ملزمة، بعد حرب الخليج بعد أن ضرب العراق حين خالف هذه الأنظمة الدولية، فضرب من أجل ذلك فأصبحت هذه القواعد القانونية الدولية ملزمة للشعوب، وأصبحت الحكومات التي تخالفها تضرب، وتذل، وتحاصر، ولهذا ضربوا مصنع الشفاء في السودان، وضربوا أفغانستان وضربوا الحصار على ليبيا و العراق وغيرهما، فهم يريدون أن تكون أنظمتهم وقوانينهم مجبرة ملزمة لكل الشعوب وكل الدول، ولا يرضون بأن يتخلف أحد عن ركبهم ومسيرتهم، ولا يمنعهم من تعميم قيمهم كلها إلا تخلفهم في مجال القيم الأخلاقية، ولذلك توقعوا يوماً من الأيام أن يفرضوا قيمة العري على الناس، وأن يفرضوها بقوة السلاح.
فالآن في الغرب بدأ فرض نزع الحجاب، وكشف الرؤوس، يفرض في المدارس، وبدأ حتى في بعض البلدان الإسلامية يفرض في المدارس، وتوقعوا يوماً من الأيام أن يفرض هذا على كل الطالبات في العالم، وأن يكون شعار التمدرس الخلع عن الرؤوس، وأن يفرض ذلك بقوة، وكل دولة خالفته يفرض عليها الحصار أو تضرب بالصواريخ، وذلك أنهم يشعرون بنشوة الانتصار والقوة، وأنهم الغالبون الآن في الأرض، فهم يتكلمون بلغة عاد الذين قالوا: مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً [فصلت:15].
والمنبهرون بقوة هؤلاء وما مكن لهم الله فيه من هذه الدنيا ينسون حال أولئك السابقين، الذين كانوا أقوى وأطول أعماراً، ومكن لهم في هذه الأرض ما لم يمكن لهؤلاء فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر، ولهذا فإن الله تعالى في سورة القمر بعد أن قص علينا إهلاكه لقوم نوح حين أمر السماء فتفجرت، فتحت أبوابها بالماء وأمر الأرض: فتفجرت عيوناً فَالْتَقَى المَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ [القمر:12]، فأهلكهم أجمعين في لحظة واحدة.
وقص علينا إهلاكه لعاد حين أرسل عليهم الريح العقيم: سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا [الحاقة:7]، فأهلكهم بها ولم يبقِ لهم أثرا.
وقص علينا إهلاكه لثمود حين أرسل عليهم الصيحة التي شقت أشغفة قلوبهم، فهلكوا في لحظة واحدة.
وقص علينا إهلاكه لقوم لوط حين رفعهم الملك حتى سمع أهل السماء نبيح كلابهم، ثم ردهم إلى الأرض فأهلكهم بالطاغية.
وقص علينا إهلاكه لفرعون وجنوده حين أمر البحر فالتطم عليهم وأغرقهم، قال لنا بعد ذلك: أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُوْلَئِكُمْ [القمر:43]، هل أمريكا خير من أولئك السابقون كلهم؟ هل هم لديهم عهد من الله أن لا يهلكهم وأن لا يعاقبهم؟ هل الله عاجز أن يقول للبحر: التقم ما فيك، وللبر التقم ما فيك، وللجو التقم ما فيك؟ وللفضاء التقم ما فيك؟ غير عاجز عن هذا، فلهذا قال: أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُوْلَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ * أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ * سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ [القمر:43-45].
فلذلك لا ينبغي الانهزام أمام هؤلاء وما لديهم، وعلينا أن نتذكر إذا رأينا شيئاً من قوتهم قوة ديان السموات والأرض الذي القلوب كلها بين إصبعين من أصابعه، والذي السموات كلها والأرضون كلها في قبضت يمينه، والذي فتح لهم باباً يسيراً من ظاهر حياة الدنيا، وأغلق أبواباً أخرى كثيرة من الدنيا عنهم، وأغلق عقولهم وقلوبهم عن الآخرة، كما قال تعال: يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ [الروم:7].
علينا أن نعلم أن هؤلاء لا يملكون لنا حياة، ولا موتاً ولا نشورا، وأن نعلم أن الذين ينافسون فيهم ويتقربون إليهم ويحاولون الهرولة والارتماء في أحضانهم، هم من المخدوعين المغرورين، كما قال تعال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَهمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ [المائدة:51-52]، هذه حجتهم يقولون: نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ [المائدة:52]، يخافون من الحصار، يخافون من نقص الأغذية، يخافون من كساد النفط، يخافون من غير ذلك من الأعذار التي يعدونها، نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ * وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ [المائدة:52-53].
فلهذا علينا أن لا ننخدع بهذه الدعاوي العريضة، وأن نعلم أنها كلها من كيد أعدائنا، وأعداء الله ورسوله الذين لا يملكون لنا حياة ولا موتاً ولا نشوراً.
اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليما، اللهم أنت أحق من ذكر، وأحق من عبد، وأنصر من ابتغي، وأرأف من ملك، وأجود من سئل، وأوسع من أعطى، أنت الملك لا شريك لك، والفرد لا ند لك، كل شيء هالك إلا وجهك، لن تطاع إلا بإذنك، ولن تعصى إلا بعلمك، تطاع فتشكر، وتعصى فتغفر، أقرب شهيد، وأدنى حفيظ، حلت دون النفوس وأخذت بالنواصي، ونسخت الآثار، وكتبت الآجال، القلوب لك مفضيه، والسر عندك علانية، الحلال ما أحللت، والحرام ما حرمت، والدين ما شرعت، والأمر ما قضيت، والخلق خلقك، والعبد عبدك، وأنت الله الرؤوف الرحيم، نسألك بعزك الذي لا يرام، وبنورك الذي أشرقت له السموات والأرض، أن تهدي قلوبنا، وأن تستر عيوبنا، وأن تكشف كروبنا، وأن تجعل التقى زادنا، وأن تصلح أولادنا.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
استمع المزيد من الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
مقدمات في العلوم الشرعية [18] | 3790 استماع |
مقدمات في العلوم الشرعية [39] | 3564 استماع |
مقدمات في العلوم الشرعية [42] | 3515 استماع |
مقدمات في العلوم الشرعية [30] | 3440 استماع |
مقدمات في العلوم الشرعية [16] | 3393 استماع |
مقدمات في العلوم الشرعية [4] | 3375 استماع |
مقدمات في العلوم الشرعية [22] | 3326 استماع |
مقدمات في العلوم الشرعية [13] | 3263 استماع |
مقدمات في العلوم الشرعية [6] | 3257 استماع |
مقدمات في العلوم الشرعية [35] | 3147 استماع |