مقدمات في العلوم الشرعية [9]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين.

وصلنا إلى علوم السنة، وهذه العلوم المتعلقة بالسنة أهمها: علم الحديث رواية, ثم علم الحديث دراية, ثم علم شروح الحديث أو شرح الحديث, ثم علم الرجال والجرح والتعديل, ثم علم العلل.

أما علم الحديث رواية: فالمقصود به رواية كتب الحديث، وهو العلم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن ما يتعلق بالرواية هو أن تروى الأحاديث الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بطرقها من أوجهها المعروفة، وهو أول علم ظهر في الإسلام, وأول علم ألفت فيه الكتب هو علم الحديث رواية.

تعريف الحديث في اللغة

فلنبدأ أولاً بتعريف هذا العلم، فنقول: الحديث في اللغة: ضد القديم، فيطلق على الكلام سواء كان مفيداً أو غير مفيد، فمن إطلاقه على المفيد قول الله تعالى: فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ [الأعراف:185], أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ[النجم:59-60], وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا [النساء:87], كل هذا بمعنى الكلام المفيد, ومن إطلاقه على غير المفيد قول الشاعر:

وحديثها السحر الحلال لو أنه لم يجن قتل المسلم المتحرز

إن طال لم يملل وإن هي أوجزت ود المحدث لو أنها لم توجز

تعريف الحديث في الاصطلاح

وفي الاصطلاح لهم فيه ثلاثة أقوال:

القول الأول: أن الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم, وهذا الموافق للمعنى اللغوي، فالمعنى الاصطلاحي فيه قريب من المعنى اللغوي, فالحديث في اللغة الكلام كما ذكرناه, فيطلق اصطلاحاً على كلام الرسول صلى الله عليه وسلم بالخصوص, فتكون (ال) فيه خلفاً عن الضمير, أو تكون عهدية، فمعناه: حديثه صلى الله عليه وسلم أو الحديث المعهود الذي هو حديث النبي صلى الله عليه وسلم, وهذا القول يضيق مفهوم الحديث حيث يقصره على أقوال النبي صلى الله عليه وسلم دون أفعاله وتقريراته، ودون أوصافه الخَلقية والخُلقية، ودون كلام غيره من أصحابه عليه الصلاة والسلام ومن دونه.

القول الثاني: أن الحديث مرادف للسنة، وهذا يحوجنا إلى التعرف على السنة.

فالسنة في اللغة الطريقة خيراً كانت أو شراً، ومن إطلاقها على طريقة الخير قول الله تعالى: سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا [الإسراء:77], ومن إطلاقها على الشر قول الله تعالى: قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ [آل عمران:137], وتطلق على الطريق في الجبل فيقال: اسلك هذه السنة أي: الطريق في الجبل, وتطلق على الصميم من كل شيء ومنه: سنة الوجه أي: صميمه، وقال غيلان:

تريك سنة وجه غير مقرفة ملساء ليس بها خال ولا ندب

وتطلق كذلك على العادة، (سنة الله) وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا [الأحزاب:62]، أي: لعادة الله في خلقه، أي: ما أجراه الله مما يعود ويتكرر في الخلق فهذا معنى السنة, كأنها على طريقة موحدة، ومنه أيضاً العادة؛ لأنها تبدأ وتعود، فهي مشتقة من العود للذي يتكرر، فكذلك سنة الله بمعنى عاداته المتكررة في خلقه.

والسنة في الاصطلاح يختلف إطلاقها باختلاف المصطلحين، فهي عند أهل الحديث ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو وصف خَلْقي أو خُلُقي, سواء صلح ذلك دليل لحكم شرعي أو لمصلحة، فكل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أو ذكر فيه اسمه وهو مروي فهو حديث عندهم, فيدخل في ذلك قوله وفعله وتقريره ووصفه الخَلْقي ووصفه الخُلُقي كذلك, إذا كان الواصف ممن رآه أو عرفه، وهذا القيد لابد منه ولا يذكره أهل الحديث، لكن إطلاق هذا اللفظ دون القيد يقتضي أن مدح الشعراء للنبي صلى الله عليه وسلم يكون من السنة, وليس ذلك سنة قطعاً, فهم يصفونه ويمدحونه بأشعارهم ولم يروه، فذلك غير داخل في السنة فلابد أن نأتي بهذا القيد وهو شريطة أن يكون الواصف ممن رآه وعرفه.

وفي اصطلاح الأصوليين ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير مما يصلح دليلاً لحكم شرعي، ويخرج من ذلك الأوصاف فلا تصلح دليلاً لحكم شرعي.

والذي يستدل به في الأحكام الشرعية من السنن ثلاثة أقسام:

الأقوال: ويستدل بها في جميع أقسام الخطاب التكليفي الخمسة كلها, والأفعال: ويستدل بها في قسمين في الجائزات والمندوبات، والتقريرات: ويستدل بها في قسم واحد وهو المباحات فقط، فهذه هي السنة عند الأصوليين.

أما الفقهاء فالسنة عندهم: هي وصف المأمور به شرعاً أمراً غير جازم, فالمأمور به شرعاً إما أن يكون جازماً أو غير جازم, فإن كان جازماً فاسمه الوجوب ووصفه الوجوب, وإن كان الأمر به غير جازم فيطلقون عليه سنة, فيقولون: الرواتب سنة, صلاة الاستسقاء سنة, صلاة العيدين سنة وهكذا, فالسنة هنا معناه وصف المأمور به شرعاً أمراً غير جازم.

ولهم في ذلك تفصيلات، فمنهم من يرى: أن السنة تختص من ذلك بما فعله النبي صلى الله عليه وسلم, وأظهره في ملأ وواظب عليه، ودل الدليل على عدم وجوبه، فهي أعلى من المندوب والمستحب والرغيبة والنفل والتطوع وهذه مراتب دونها, والخلاف هنا لفظي اصطلاحي فقط, ومن يطلق السنن على الجميع قد وسع الاصطلاح، ومن يخص السنن بما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأظهره في ملأ وواظب عليه، ودل الدليل على عدم وجوبه يخص بعض ذلك.

والسنة عند أهل العقائد: الهدي الأول المعروف في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه, ولهم في ذلك إطلاقان: إطلاق عام تقابله البدعة, وإطلاق خاص تقابله الشيعة، فيقال: هذا سني, وهذا شيعي في المقابل, هذا الإطلاق خاص, ويقال: هذا سنة, وهذا بدعة هذا إطلاق أعم من ذلك.

ولقب أهل السنة لقب منتشر بين الناس، وهو يطلق على هذين الإطلاقين، يطلق على كل من عدا الشيعة من فرق الإسلام، رغم كلما يحصل في هذه الفرق من انحرافات, ويطلق كذلك على مقابل المبتدعة, ولكن الناس في هذا الإطلاق ساروا وراء فوضى الاصطلاحات، فيكثر أن تسمع من يسأل: هل فلان من السنة؟ حتى إنك تسأل عن أعلام أهل السنة الذين ما روي الحديث إلا من طريقهم، كـالحافظ ابن حجر، فيقال لك: هل الحافظ ابن حجر من أهل السنة؟ يقال: لا يوجد اليوم على وجه الدنيا سنة إلا عن طريق الحافظ ابن حجر، ولا تعرف رواية للحديث اليوم على وجه الدنيا إلا من طريق الحافظ ابن حجر, كل الأسانيد الموجودة اليوم على وجه الدنيا, أو إن لم نقل كلها فغالبها من طريق هذا الحافظ رحمه الله, ويندر جداً أن توجد أسانيد من غير طريقه، وهي فقط أسانيد المحب الطبري المكي, وهذه كثير منها من طريق الحافظ ابن حجر عن ابن فهد، وابن فهد المكي من أصحاب الحافظ ابن حجر سمع عليه صحيح البخاري في يومين بالحرم المكي, فأكثر السنن من طريق هذا الرجل، فكيف يسأل هل هو من أهل السنة؟ أهل السنة اليوم منه هو، فلا يقال: هل هو من أهل السنة؟

ومثل ذلك إطلاقات هذا على المذاهب, فلو قلنا: المذهب الحنفي من مذاهب أهل السنة، ليس معناه: أن كل من تمذهب بهذا المذهب ملتزم بالسنة تماماً لم يبتدع في أي شيء, وكذلك إذا قلنا: المذهب الأشعري من مذاهب أهل السنة ليس معنى هذا أن كل من انتسب إلى هذا المذهب التزم بالسنة ولم يبتدع في أي شيء, بل هذه مذاهب في حد ذاتها غير مخالفة للسنة, وأتباعها منهم المتسنن والملتزم, ومنهم من دون ذلك كما قال تعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا [فاطر:32-33], منهم من هو ظالم لنفسه, ومع ذلك فيهم المقتصدون وفيهم السابقون بالخيرات.

وأهل السنة لهم أربعة مذاهب في الفقه كما سيأتي، ولهم ثلاثة مذاهب في الاعتقاد أيضاً كما سيأتي, وإطلاق أهل الحديث على الحديث هذا الإطلاق الثاني الذي هو ما يرادف السنة يفهم منه أن ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأقوال والأفعال والتقريرات والأوصاف الخَلقية والخُلقية فيكون أعم من القول السابق؛ لأن القول السابق يقصر الحديث على أقوال النبي صلى الله عليه وسلم فقط.

والقول الثالث: أن الحديث هو المروي بإسناد مطلقاً، فكل ما روي بإسناد من العلم يسمى حديثاً, لكن يقال: حديث النبي صلى الله عليه وسلم, وحديث أصحابه, وحديث التابعين, وحديث فلان من الناس, قالوا: هذا حديث ابن جرير, وهذا حديث عطاء, وهذا حديث ابن عباس، وهذا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيدخل في ذلك المرفوع والموقوف والمقطوع, والمرفوع: المنسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم, والموقوف على صحابي, والمقطوع الموقوف على من دون الصحابي، فكل هذه الأنواع تسمى حديثاً على هذا القول الذي هو أوسع هذه الأقوال الثلاثة، وهذا القول به أخذ كثير من أهل الحديث, ولذلك تجد في كلامهم السؤال عن حديث فلان وعن حديث فلان وهي أحاديث موقوفة ومقطوعة ويطلقون عليها الحديث.

وبالإطلاق الأول أخذ المتقي الهندي حين جمع الأحاديث القولية المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع معها الأحاديث الفعلية ولا التقريرية ولا الوصفية, فاختص الحديث عنده فقط بالأحاديث القولية.

فلنبدأ أولاً بتعريف هذا العلم، فنقول: الحديث في اللغة: ضد القديم، فيطلق على الكلام سواء كان مفيداً أو غير مفيد، فمن إطلاقه على المفيد قول الله تعالى: فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ [الأعراف:185], أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ[النجم:59-60], وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا [النساء:87], كل هذا بمعنى الكلام المفيد, ومن إطلاقه على غير المفيد قول الشاعر:

وحديثها السحر الحلال لو أنه لم يجن قتل المسلم المتحرز

إن طال لم يملل وإن هي أوجزت ود المحدث لو أنها لم توجز

وفي الاصطلاح لهم فيه ثلاثة أقوال:

القول الأول: أن الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم, وهذا الموافق للمعنى اللغوي، فالمعنى الاصطلاحي فيه قريب من المعنى اللغوي, فالحديث في اللغة الكلام كما ذكرناه, فيطلق اصطلاحاً على كلام الرسول صلى الله عليه وسلم بالخصوص, فتكون (ال) فيه خلفاً عن الضمير, أو تكون عهدية، فمعناه: حديثه صلى الله عليه وسلم أو الحديث المعهود الذي هو حديث النبي صلى الله عليه وسلم, وهذا القول يضيق مفهوم الحديث حيث يقصره على أقوال النبي صلى الله عليه وسلم دون أفعاله وتقريراته، ودون أوصافه الخَلقية والخُلقية، ودون كلام غيره من أصحابه عليه الصلاة والسلام ومن دونه.

القول الثاني: أن الحديث مرادف للسنة، وهذا يحوجنا إلى التعرف على السنة.

فالسنة في اللغة الطريقة خيراً كانت أو شراً، ومن إطلاقها على طريقة الخير قول الله تعالى: سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا [الإسراء:77], ومن إطلاقها على الشر قول الله تعالى: قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ [آل عمران:137], وتطلق على الطريق في الجبل فيقال: اسلك هذه السنة أي: الطريق في الجبل, وتطلق على الصميم من كل شيء ومنه: سنة الوجه أي: صميمه، وقال غيلان:

تريك سنة وجه غير مقرفة ملساء ليس بها خال ولا ندب

وتطلق كذلك على العادة، (سنة الله) وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا [الأحزاب:62]، أي: لعادة الله في خلقه، أي: ما أجراه الله مما يعود ويتكرر في الخلق فهذا معنى السنة, كأنها على طريقة موحدة، ومنه أيضاً العادة؛ لأنها تبدأ وتعود، فهي مشتقة من العود للذي يتكرر، فكذلك سنة الله بمعنى عاداته المتكررة في خلقه.

والسنة في الاصطلاح يختلف إطلاقها باختلاف المصطلحين، فهي عند أهل الحديث ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو وصف خَلْقي أو خُلُقي, سواء صلح ذلك دليل لحكم شرعي أو لمصلحة، فكل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أو ذكر فيه اسمه وهو مروي فهو حديث عندهم, فيدخل في ذلك قوله وفعله وتقريره ووصفه الخَلْقي ووصفه الخُلُقي كذلك, إذا كان الواصف ممن رآه أو عرفه، وهذا القيد لابد منه ولا يذكره أهل الحديث، لكن إطلاق هذا اللفظ دون القيد يقتضي أن مدح الشعراء للنبي صلى الله عليه وسلم يكون من السنة, وليس ذلك سنة قطعاً, فهم يصفونه ويمدحونه بأشعارهم ولم يروه، فذلك غير داخل في السنة فلابد أن نأتي بهذا القيد وهو شريطة أن يكون الواصف ممن رآه وعرفه.

وفي اصطلاح الأصوليين ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير مما يصلح دليلاً لحكم شرعي، ويخرج من ذلك الأوصاف فلا تصلح دليلاً لحكم شرعي.

والذي يستدل به في الأحكام الشرعية من السنن ثلاثة أقسام:

الأقوال: ويستدل بها في جميع أقسام الخطاب التكليفي الخمسة كلها, والأفعال: ويستدل بها في قسمين في الجائزات والمندوبات، والتقريرات: ويستدل بها في قسم واحد وهو المباحات فقط، فهذه هي السنة عند الأصوليين.

أما الفقهاء فالسنة عندهم: هي وصف المأمور به شرعاً أمراً غير جازم, فالمأمور به شرعاً إما أن يكون جازماً أو غير جازم, فإن كان جازماً فاسمه الوجوب ووصفه الوجوب, وإن كان الأمر به غير جازم فيطلقون عليه سنة, فيقولون: الرواتب سنة, صلاة الاستسقاء سنة, صلاة العيدين سنة وهكذا, فالسنة هنا معناه وصف المأمور به شرعاً أمراً غير جازم.

ولهم في ذلك تفصيلات، فمنهم من يرى: أن السنة تختص من ذلك بما فعله النبي صلى الله عليه وسلم, وأظهره في ملأ وواظب عليه، ودل الدليل على عدم وجوبه، فهي أعلى من المندوب والمستحب والرغيبة والنفل والتطوع وهذه مراتب دونها, والخلاف هنا لفظي اصطلاحي فقط, ومن يطلق السنن على الجميع قد وسع الاصطلاح، ومن يخص السنن بما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأظهره في ملأ وواظب عليه، ودل الدليل على عدم وجوبه يخص بعض ذلك.

والسنة عند أهل العقائد: الهدي الأول المعروف في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه, ولهم في ذلك إطلاقان: إطلاق عام تقابله البدعة, وإطلاق خاص تقابله الشيعة، فيقال: هذا سني, وهذا شيعي في المقابل, هذا الإطلاق خاص, ويقال: هذا سنة, وهذا بدعة هذا إطلاق أعم من ذلك.

ولقب أهل السنة لقب منتشر بين الناس، وهو يطلق على هذين الإطلاقين، يطلق على كل من عدا الشيعة من فرق الإسلام، رغم كلما يحصل في هذه الفرق من انحرافات, ويطلق كذلك على مقابل المبتدعة, ولكن الناس في هذا الإطلاق ساروا وراء فوضى الاصطلاحات، فيكثر أن تسمع من يسأل: هل فلان من السنة؟ حتى إنك تسأل عن أعلام أهل السنة الذين ما روي الحديث إلا من طريقهم، كـالحافظ ابن حجر، فيقال لك: هل الحافظ ابن حجر من أهل السنة؟ يقال: لا يوجد اليوم على وجه الدنيا سنة إلا عن طريق الحافظ ابن حجر، ولا تعرف رواية للحديث اليوم على وجه الدنيا إلا من طريق الحافظ ابن حجر, كل الأسانيد الموجودة اليوم على وجه الدنيا, أو إن لم نقل كلها فغالبها من طريق هذا الحافظ رحمه الله, ويندر جداً أن توجد أسانيد من غير طريقه، وهي فقط أسانيد المحب الطبري المكي, وهذه كثير منها من طريق الحافظ ابن حجر عن ابن فهد، وابن فهد المكي من أصحاب الحافظ ابن حجر سمع عليه صحيح البخاري في يومين بالحرم المكي, فأكثر السنن من طريق هذا الرجل، فكيف يسأل هل هو من أهل السنة؟ أهل السنة اليوم منه هو، فلا يقال: هل هو من أهل السنة؟

ومثل ذلك إطلاقات هذا على المذاهب, فلو قلنا: المذهب الحنفي من مذاهب أهل السنة، ليس معناه: أن كل من تمذهب بهذا المذهب ملتزم بالسنة تماماً لم يبتدع في أي شيء, وكذلك إذا قلنا: المذهب الأشعري من مذاهب أهل السنة ليس معنى هذا أن كل من انتسب إلى هذا المذهب التزم بالسنة ولم يبتدع في أي شيء, بل هذه مذاهب في حد ذاتها غير مخالفة للسنة, وأتباعها منهم المتسنن والملتزم, ومنهم من دون ذلك كما قال تعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا [فاطر:32-33], منهم من هو ظالم لنفسه, ومع ذلك فيهم المقتصدون وفيهم السابقون بالخيرات.

وأهل السنة لهم أربعة مذاهب في الفقه كما سيأتي، ولهم ثلاثة مذاهب في الاعتقاد أيضاً كما سيأتي, وإطلاق أهل الحديث على الحديث هذا الإطلاق الثاني الذي هو ما يرادف السنة يفهم منه أن ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأقوال والأفعال والتقريرات والأوصاف الخَلقية والخُلقية فيكون أعم من القول السابق؛ لأن القول السابق يقصر الحديث على أقوال النبي صلى الله عليه وسلم فقط.

والقول الثالث: أن الحديث هو المروي بإسناد مطلقاً، فكل ما روي بإسناد من العلم يسمى حديثاً, لكن يقال: حديث النبي صلى الله عليه وسلم, وحديث أصحابه, وحديث التابعين, وحديث فلان من الناس, قالوا: هذا حديث ابن جرير, وهذا حديث عطاء, وهذا حديث ابن عباس، وهذا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيدخل في ذلك المرفوع والموقوف والمقطوع, والمرفوع: المنسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم, والموقوف على صحابي, والمقطوع الموقوف على من دون الصحابي، فكل هذه الأنواع تسمى حديثاً على هذا القول الذي هو أوسع هذه الأقوال الثلاثة، وهذا القول به أخذ كثير من أهل الحديث, ولذلك تجد في كلامهم السؤال عن حديث فلان وعن حديث فلان وهي أحاديث موقوفة ومقطوعة ويطلقون عليها الحديث.

وبالإطلاق الأول أخذ المتقي الهندي حين جمع الأحاديث القولية المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع معها الأحاديث الفعلية ولا التقريرية ولا الوصفية, فاختص الحديث عنده فقط بالأحاديث القولية.


استمع المزيد من الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي - عنوان الحلقة اسٌتمع
مقدمات في العلوم الشرعية [18] 3789 استماع
مقدمات في العلوم الشرعية [39] 3563 استماع
مقدمات في العلوم الشرعية [42] 3515 استماع
مقدمات في العلوم الشرعية [30] 3440 استماع
مقدمات في العلوم الشرعية [16] 3392 استماع
مقدمات في العلوم الشرعية [4] 3375 استماع
مقدمات في العلوم الشرعية [22] 3326 استماع
مقدمات في العلوم الشرعية [13] 3263 استماع
مقدمات في العلوم الشرعية [6] 3256 استماع
مقدمات في العلوم الشرعية [35] 3147 استماع