فقه الخلاف


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين.

موضوع هذا الدرس:

(فقه الخلاف)

والعناصر التي سنتعرض لها فيه هي:

أولاً: التحذير من الفرقة والاختلاف.

ثانيًا: أنوع الخلاف.

ثالثًا: آداب المتخالفين.

رابعًا: علاج الخلاف.

إن الخلاف من ضرورات التعايش، فقد جعل الله البشر متفاوتين في الخِلقة والخلق والعقل، وميَّز بعضهم على بعض، وهذا التنوع الذي جعلهم الله عليه مقتضٍ لئلا يتفقوا في بعض المسائل، وعدم اتفاقهم فيه إثراء وفائدة للبشر، وفائدة لأهل الأرض؛ فليس أصل الخلاف إلاَّ ممكنًا في كل أمرٍ نظرًا للتنوُّع، ولذلك يقول الحكماء: ما من أحدٍ إلا وهو راضٍ عن الله في عقله، وأقلهم عقلاً أرضاهم به، فأقل الناس عقلاً يظن أنه أعقل الناس، ومن هنا من تفاوتت عقولهم فبالإمكان أن تتفاوت اتجاهاتهم، وألاَّ تتحدد رؤاهم، وألاَّ تتحد مواقفهم، وكل ذلك ممكن.

أول عنصرٍ أبدأ به هو ما جاء من النصوص في التحذير من الفرقة والاختلاف.

فأقول: إن الله سبحانه وتعالى قد حذَّر من الفرقة والاختلاف في كثير من الآيات في القرآن، فقد قال الله سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ[الأنفال:45-46]، وجعل الاختلاف نوعًا من أنواع العذاب فقال: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ[الأنعام:65] ، فجعل العذاب ثلاثة أقسام:

- عذابًا منزلاً من الأعلى.

- وعذابًا خارجًا من الأسفل.

- وعذابًا في الوسط، وهو الخلاف.

وجعله -كذلك- مظهرًا من مظاهر الشرك فقال: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ * مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ[الروم:30-32]، و(من) هنا بيانية، أي أن المشركين هم الذين فرقوا دينهم، وكانوا شيعًا.

وجعله منافيًا للرحمة فقال: وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ[هود:118-119].

وبيَّن براءة النبي صلى الله عليه وسلم من المختلفين فقال: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ[الأنعام:159] .

وحض على اجتماع الكلمة وعلى التعاون فقال تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ[المائدة:2] ، وقال تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ[آل عمران:103-105] .

وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفرقة والاختلاف، وجعل ذلك عامل هدم للأمم؛ فقد صح عنه أنه قال: (لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض) وقال: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر).

حذر صلى الله عليه وسلم من كل ما يؤدي إلى النزاع والخلاف؛ فقد ذكر الله سبحانه تعالى في كتابه أسباب النزاع؛ فذكر في سورة الحجرات وحدها ثلاثة عشر سببًا من أسباب النزاع وحسمها جميعًا.

تعدي الصلاحيات

السبب الأول: قال سبحانه وتعالى في بداية سورة الحجرات:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ[الحجرات:1] ، فهذا سبب من أسباب الخلاف، وهو تعدي الصلاحيات وتجاوزها، فمن أخذ ما ليس له من الصلاحيات وتعدى الصلاحيات الممنوحة له؛ فذلك سبب من أسباب الخلاف.

سوء الأدب مع من يستحق الأدب

السبب الثاني: سوء الأدب مع من يستحق الأدب، فهو سبب من أسباب الخلاف، ولهذا قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ* وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ[الحجرات:1-5].

عدم التثبت في نقل الأخبار وتلقيها

السبب الثالث من أسباب الخلاف هو: عدم التثبت في نقل الأخبار وتلقيها، وفيه قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا وفي القراءة الأخرى: (فَتَثَبَّتُوْا) أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ[الحجرات:6] .

غياب المرجعية

السبب الرابع: انعدام المرجعية، وقد حرمه بقوله: وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمْ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمْ الرَّاشِدُونَ[الحجرات:7] .

الظلم والاعتداء والبغي

السبب الخامس: الظلم والاعتداء والبغي؛ فهذا سبب لحصول النفرة والاختلاف، وقد حرمه الله بقوله: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ[الحجرات:9-10].

السخرية والتعالي

السبب السادس: السخرية والتعالي، وقد حذر الله من ذلك بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ[الحجرات:11] .

اللمز والهمز

السبب السابع: اللمز والهمز، وقد حذر الله منه بقوله: وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ[الحجرات:11] .

التنابز بالألقاب والتصنيفات

السبب الثامن: التنابز بالألقاب والتصنيفات، وقد حذر الله منه بقوله: وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ[الحجرات:11] .

ظن السوء

السبب التاسع: ظن السوء، وقد حذر الله منه بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ[الحجرات:12] .

التجسس

السبب العاشر: التجسس، وقد حذر الله منه بقوله: وَلا تَجَسَّسُوا[الحجرات:12] .

الغيبة

السبب الحادي عشر: الغيبة، وقد حذر الله منها تحذيرًا بليغًا بقوله: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ[الحجرات:12] .

التفاخر بالأنساب والأحساب

السبب الثاني عشر: التفاخر بالأنساب والأحساب، وقد حذر الله منه بقوله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ[الحجرات:13] .

الدعاوي الباطلة

السبب الثالث عشر: الدعاوي الباطلة، بأن يدعي الإنسان ما ليس له، وقد حذر الله منه بقوله: قَالَتْ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلْ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ[الحجرات:14] .

فهذه ثلاثة عشر سببًا من أسباب الفرقة والاختلاف تضمنتها هذه السورة الكريمة، وحسمت مادتها بالكلية.

السبب الأول: قال سبحانه وتعالى في بداية سورة الحجرات:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ[الحجرات:1] ، فهذا سبب من أسباب الخلاف، وهو تعدي الصلاحيات وتجاوزها، فمن أخذ ما ليس له من الصلاحيات وتعدى الصلاحيات الممنوحة له؛ فذلك سبب من أسباب الخلاف.

السبب الثاني: سوء الأدب مع من يستحق الأدب، فهو سبب من أسباب الخلاف، ولهذا قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ* وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ[الحجرات:1-5].

السبب الثالث من أسباب الخلاف هو: عدم التثبت في نقل الأخبار وتلقيها، وفيه قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا وفي القراءة الأخرى: (فَتَثَبَّتُوْا) أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ[الحجرات:6] .


استمع المزيد من الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي - عنوان الحلقة اسٌتمع
خطورة المتاجرة بكلمة الحق 4830 استماع
بشائر النصر 4289 استماع
أسئلة عامة [2] 4133 استماع
المسؤولية في الإسلام 4061 استماع
كيف نستقبل رمضان [1] 4000 استماع
نواقض الإيمان [2] 3947 استماع
عداوة الشيطان 3934 استماع
اللغة العربية 3931 استماع
المسابقة إلى الخيرات 3908 استماع
القضاء في الإسلام 3897 استماع