(22) اليقين في الله تعالى - خطوات في التربية - مدحت القصراوي
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
سابعًا: القهر.بحيث لم يبق للمخلوق إلا أنه مقهور، شاء ورضي بما أُعطي أو رفضه، ولا يستطيع أن يتجاوز أو يتخطى مخلوق ما شأنه قيد أنملة، وهذا شأن العبيد المقهورين أمام قوة عليا لا يخرج عن قبضتها أحد.
فمعايش الخلق واحتياجاتهم وطرق تحصيل احتياجاتهم، وخضوعهم لقوانين تحكم أجساهدهم وما فيها لا يملكون لها تغييرًا، ويخضعون لقوانين الزمان والمكان التي تفرض عليهم: (الأرض والسماء والليل والنهار والاحتياج للطعام والشراب والنوم).
ثامنًا: العناية، فخلق العين غير خلق القدم وكلٌ في محله اللائق به، يخلق للعبد ما يأكله ليس طعامًا للحياة فقط، بل وللتنوع والتفكه، ولم يخلق له ما يستر به العورة فقط، بل خلق له رياشًا يتزين به، مع ما خلق له من آلاف التوافقات في شتى المجالات ومختلف أنحاء الحياة.
تاسعًا: الرعاية، ومنها ما خلقه للعبد من أبوين للرعاية والحنان والرحمة، وما هما الا وسيلة لتوصيل رحمته لعبده تعالى، فهو تعالى يخلق من الأسباب ما يشاء؛ فمن فطرهما على محبته وزرع في قلبيهما حبه وفناء أنفسهما من أجله؟ بل ومحبة أن يكون أفضل منهما، حتى ينزوي عمرهما وقوتهما مع نضوجه، واطراد هذا في جميع الخلق، فلا بد من فاعل رحيم يرعى عباده وخلقه.
عاشرًا: التسخير؛ فإن الله تعالى سخّر للإنسان مخلوقات هي أضخم منه، وأشد منه عشرات المرات، وقد يقودها طفل صغير فتمشي منقادة له وذلول، كما يلحظ التخصص الواضح فيما خلق تعالى فالثور للحرث والنوق للصحراء والأنعام للحم والتدفئة، وفي البيئات الباردة خلق تعالى ما يناسبها، فواضح أن هناك قصدًا لخلق هذه المخلوقات لخدمة هذا المخلوق.
بل كذلك القوانين التي ملأت أركان الحياة مذللة لهذا المخلوق في الهواء والماء والتربة، وما في التربة من مواد، وما في باطن الأرض من مواد وحجارة ومعادن ومدفونات صلبة أو سائلة أو غازات، وما في البحار من كنوز، ويكشف الله تعالى في كل مرحلة زمنية للإنسان منها ما يشاء تعالى: {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} [البقرة من الآية:255].
حادي عشر: التفرد؛ فقد خلق تعالى كل مخلوق وله من جنسه شيء مشاكل أو مقابل، فالإنسان جسد وروح، ومنه ذكر وأنثى، وكذا في الحيون وكذا في النبات بل كذا في الذرّة، وأما الوتر الأحد فهو الله تعالى لا شريك له.
فلا بد من رجوع كل هذا إلى واحد لا شبيه له من جنسه.
- الحقيقة في النهاية أن هناك ذات حقيقية، ووجود حقيقي وبائن لِذات مركزية وخالق واحد موجود الآن، يشرف ويقوم على كل ذرة وحركة وكل كائن في هذا الوجود، هو الخالق وحده لا يشركه أحد، وهو المطلوب لذاته لا يُطلب لِذاته غيره.
- إنه وجود حقيقي..
الآن الآن، في كل لحظة، وهو موجود منذ الأزل بلا بداية، وكل بداية تصورتها فوجوده قبل ذلك، وإلى الأبد وكل غاية قدرتها فهو بعد ذلك، وله الكمالات كلها، وما أوردته هنا لا تنحصر فيه الاستدلالات على وجود الخالق تعالى، بل الأدلة أعظم من أن تُحصر، بل هي تتوارد وتتزاحم على القلب .
بل من شدة يقينيتها وكمال ظهورها يصبح وجوده تعالى دليلاً على وجود غيره، فعندما تعرفه تعالى تعرف أن أمورًا يفعلها تعالى كعدله ورحمته، وأن أمورًا لا تكون في هذا الوجود كاستقرار الباطل وانتصاره أو إدالة الظلم إدالة دائمة، كما يعرف عدله وحكمته ورحمته في كل كل ذرة مخلوقة وفي كل قضاء قضاه ويقضيه وغيره، مما يعرفه من عرف ربه تعالى.
إن التربية على منهجه تعالى هي أثمن ما يبذل الإنسان وأغلى ما يُهدى اليه؛ لأنه دلاله واتجاه إلى أعظم وأجمل وأكمل وأبقى وأحق من يُتوجه إليه.
يتبع إن شاء الله تعالى.