أرشيف المقالات

مشروعية الوسائل والأساليب الدعوية ومصادرها

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
مشروعية الوسائل والأساليب الدعوية ومصادرها

الدعوة الإسلامية دعوة ربانية، لا بد من انضباطها بأحكام الإسلام، في وسائلها وأساليبها، فالإسلام لا يعرف فصلًا في الحكم بين المنهج أو الأساليب أو الوسائل، ولا يقر بأن الغاية تبرر الوسيلة، بل إن للوسائل حكم الغايات، وأن أي تجاهل لحكم الشريعة في جانب الوسائل والأساليب، يُعد انحرافا بالدعوة عن مسارها،[1] حيث إن لهذه الوسائل والأساليب مستنداً شرعياً تنطلق من خلاله، وفي ضوء الضوابط الشرعية.
 
ومن ضوابط مشروعية الوسائل والأساليب الدعوية ما يأتي:
1- نص الإسلام على مشروعية الوسيلة أو الأسلوب المعين في الكتاب أو في السنة، أو التصريح بالأمر بها وإباحتها، أو طلبها بأي وجه من وجوه الطلب، أو عدم النهي عنها بوجه من وجوه النهي.
 
2- خروجها عن كونها شعاراً للكفار، لثبوت نهيه صلى الله عليه وسلم عن التشبه بهم.
 
3- مراعاة المصالح والمفاسد، والحرص على تحقيق المصلحة المعتبرة شرعاً، والبعد عن إحداث فتنة أو ضرر أو تنافس غير شريف أو غير محمود بين الطالبات أو الداعيات، وأن تكون خالية من الاستهزاء بالآخرين أو احتقارهم.[2]
 
أن تكون مستقاة من مصادر معتبرة موثقة:
فالاستمساك بالمنهج الصحيح المستنبط من مصادر التشريع شرط القبول، لأن الداعية تبتغي بعملها وجه الله تعالى، والقيام بالدعوة من أجلِّ العبادات، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [3].
 
وانضواء الوسائل والأساليب تحت لواء القرآن والسنة هو شرط للنجاح، لأن الخروج عن المنهج الصحيح في الأسلوب أو في الوسيلة يؤدي إلى الفشل في بلوغ الغاية، وضياع الجهود بلا طائل، وقد يؤدي أحيانا إلى لحوق الأذى بالداعية، أو الوقوع في المعاصي عند مخالفة المنهج الصحيح.
 
والمصادر المعتبرة في الدعوة هي:
1- القرآن الكريم، ففيه أخبار دعوات الرسل السابقين، وفيه خطاب الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم - المتضمن لكثير من أحوال الدعوة.
 
2- سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وسيرته العطرة، فالدعوة إلى الإسلام هي أول مهام الرسول - صلى الله عليه وسلم -، المنطلقة من كتاب الله، المنضبطة بأحكام الإسلام في وسائلها وأساليبها، كما أن تنوع أحوال الدعوة في العهد النبوي واختلاف الظروف التي مرت بها، تهيئ زادا عظيما للدعاة لتشابه الأحوال والمواقف.
 
3- استنباطات الفقهاء، التي استنبطوها من الأدلة الشرعية، مثل الأحكام المتعلقة بالاحتساب والجهاد وغيرهما.
 
4- سيرة السلف الصالح، من الصحابة الكرام، الذين رباهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وتابعيهم بإحسان، فقد كانوا أعلم من غيرهم بمراد الشارع وفقه الدعوة إلى الله، وأحرص الناس بعد نبيه - صلى الله عليه وسلم - على نشر الدين والجهاد في سبيله.
 
5- تجارب الدعاة، والدعاة لهم تجارب كثيرة في مجال الدعوة، هي حصيلة عملهم المباشر مع الناس، ومباشرتهم للوسائل والأساليب، وتطبيقهم لها، فتستفيد الداعية من تجربتها الخاصة بالإضافة إلى تجارب الآخرين[4]، فحسن الاستفادة من التجارب، هو من طرق اكتساب الحكمة، لأن كثرة التجارب تنمي عقل الداعية وتثري خبرتها، كما قال الإمام الماوردي - رحمه الله -[5]: وأما العقل المكتسب، فهو نتيجة العقل الغريزي، وهو نهاية المعرفة وصحة السياسة، وليس لهذا حده، لأنه ينمو إذا استُعمل، وينقص إن أُهمل، ومن أوجه نمائه: كثرة الاستعمال، إذا لم يعارضه مانع من هوى، ولا صاد من شهوة، كالذي يحصل لذوي الأسنان من الحُنكة بكثرة التجارب وممارسة الأمور[6].



[1] ينظر: المدخل إلى علم الدعوة: محمد البيانوني ص 285، ومن صفات الداعية مراعاة أحوال المخاطبين: د.
فضل إلهي ص 177-178، إدارة ترجمان الإسلام، باكستان ط:1، 1417هـ/1996م.


[2] ينظر: المدخل إلى علم الدعوة: محمد البيانوني ص 286-300، ووسائل الدعوة: د.
عبد الرحيم محمد المغذوي ص 18-20، دار إشبيليا للنشر والتوزيع، الرياض، ط:1، 1420هـ/2000م.


[3] سورة فصلت: آية 33.


[4] ينظر: أصول الدعوة: د.
عبدالكريم زيدان ص 413-416.


[5] أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري الماوردي الشافعي، ولي القضاء في عدة بلدان ثم سكن بغداد، أظهرت تصانيفه بعد موته، توفي سنة 450هـ وعمره 86 سنة رحمه الله.
ينظر: سير أعلام النبلاء 18 /64، وطبقات الشافعية الكبرى: تاج الدين أبو نصر عبد الوهاب بن علي عبد الكافي السبكي5 /267، تحقيق: عبد الفتاح محمد الحلو/ ومحمود محمد الطناحي، مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه، ط:1، 1385هـ/1966م.


[6] ينظر: أدب الدنيا والدين: الإمام الماوردي ص 22.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١