إن الدعاء هو العبادة


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيراً.

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا[النساء:1] .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا[الأحزاب:70-71] .

أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

الدعاء عبادة

عباد الله! إن الله سبحانه وتعالى أمركم أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم، فقال تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ[البقرة:186] .

وقال تعالى: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ[النمل:62] .

وقال تعالى: وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ[النساء:32] .

وقال تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ[غافر:60] .

وإنه سبحانه وتعالى لا يخلف الميعاد، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الدعاء هو العبادة).

آداب الدعاء

فاجتهدوا في الدعاء لله سبحانه وتعالى، وتأدبوا بالآداب التي شرع الله لكم في الدعاء، فإن الله سبحانه وتعالى شرع لكم في الدعاء أن يفتتح بالثناء على الله سبحانه وتعالى، والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يختم بذلك.

وألا يكون بإثم، ولا بقطيعة رحم، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يستجاب لأحدكم ما لم يدع بإثم، ولا قطيعة رحم)، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله حيي كريم؛ يستحيي إذا مد العبد إليه يديه أن يردهما صفراً)، وصح عنه صلى الله عليه وسلم كذلك أنه قال: (إن الله حيي كريم؛ لا يمل الإجابة حتى تملوا الدعاء)، فاجتهدوا في الدعاء لله سبحانه وتعالى، واعلموا أن هذا الدعاء هو تحقيق العبادة لله.

والأنبياء فيه لهم مقامات: فمنهم من يدعو بالتعريض، كما حصل لأيوب عليه السلام فإنه قال: أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ[الأنبياء:83] ، ومنهم من يصرح بالدعاء، كما كان إبراهيم عليه السلام يدعو.

والنبي صلى الله عليه وسلم أخذ بالحالين، فتارة يصرح، وتارة يعرض.

وكذلك فإن من آداب الدعاء التي شرعها الله سبحانه وتعالى الإلحاح بالدعاء والضراعة بين يدي الله سبحانه وتعالى؛ فإن المتضرع بين يديه لا يمكن أن يُرد.

وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ثلاث دعوات مستجابات أقسم عليهن: دعوة المسافر حتى يعود، ودعوة الوالد على ولده، ودعوة المظلوم)؛ فهذه الدعوات الثلاث يقسم عليهن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهن مستجابات لا ترد.

وصحّ عنه صلى الله عليه وسلم كذلك أنه قال: (للصائم دعوة لا ترد)، وكذلك صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب).

فضل الضراعة إلى الله

وإن الله سبحانه وتعالى يقدر ما شاء من قدره؛ ليرفع إليه عبيده أيديهم بالضراعة، وهو الحكيم الخبير؛ فكل أمره إنما هو لحكمة بالغة: لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ[الأنبياء:23] ولابد من الإيمان بقدره اللازم، ولابد أن يجأر إليه العباد بالضراعة في كل الأحوال، ولا يمكن أن يتحقق ذلك إذا أحس العباد بالاستغناء؛ فإن الاستغناء سبب لحصول ما لا يرضي الله سبحانه وتعالى، ولذلك قال الله تعالى: إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى[العلق:6-7] ، وقال تعالى: وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ[الشورى:27] .

وإن الله سبحانه وتعالى ينبه عباده على الضراعة إليه ودعائه وذكره بما يبتليهم به من أنواع البلاء، فإذا مدوا أيدي الضراعة إلى الله سبحانه وتعالى، حقق ما كان قدر، وإنه هو الحكيم الخبير: لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ[الأنبياء:23] .

وكثيراً ما يحال بين المرء وبين الرزق وغير ذلك مما يقدره الله، حتى يجأر إلى الله ويدعوه، وقد قال الله تعالى: فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ[الأنعام:43] .

وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة في الصحيحين أنه قال: (إنكم شكوتم جدب دياركم، واستئخار المطر عن إبَّان زمانه، وقد أمركم الله أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم.

ثم قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ لا إله إلا الله يفعل ما يريد!!).

فلابد من إخلاص العبودية لله سبحانه تعالى والضراعة إليه بالدعاء وذلك سر استجابته، وإن الله سبحانه وتعالى هو أرحم الراحمين، وأكرم الأكرمين، وإن عطاءه غير محظور، وقد قال فيه: وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا[الإسراء:20] ، يعطي عبده قبل المسألة، ويعطيه إذا سأل، ويضاعف له بما لا تبلغه فكرته، وقد قال تعالى: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ[السجدة:17] .

وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال فيما يرويه عن ربه عز وجل: (أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر)، فهذا لا يمكن أن يدعو العباد به ولا أن يسألوه؛ لأنه لا يخطر على قلوبهم، ولا يمكن أن تراه أعينهم، ولا أن تسمع به آذانهم، لكن الله يبتدئهم بكرمه وجوده وإحسانه سبحانه وتعالى.

عباد الله! إن الله سبحانه وتعالى أمركم أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم، فقال تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ[البقرة:186] .

وقال تعالى: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ[النمل:62] .

وقال تعالى: وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ[النساء:32] .

وقال تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ[غافر:60] .

وإنه سبحانه وتعالى لا يخلف الميعاد، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الدعاء هو العبادة).

فاجتهدوا في الدعاء لله سبحانه وتعالى، وتأدبوا بالآداب التي شرع الله لكم في الدعاء، فإن الله سبحانه وتعالى شرع لكم في الدعاء أن يفتتح بالثناء على الله سبحانه وتعالى، والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يختم بذلك.

وألا يكون بإثم، ولا بقطيعة رحم، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يستجاب لأحدكم ما لم يدع بإثم، ولا قطيعة رحم)، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله حيي كريم؛ يستحيي إذا مد العبد إليه يديه أن يردهما صفراً)، وصح عنه صلى الله عليه وسلم كذلك أنه قال: (إن الله حيي كريم؛ لا يمل الإجابة حتى تملوا الدعاء)، فاجتهدوا في الدعاء لله سبحانه وتعالى، واعلموا أن هذا الدعاء هو تحقيق العبادة لله.

والأنبياء فيه لهم مقامات: فمنهم من يدعو بالتعريض، كما حصل لأيوب عليه السلام فإنه قال: أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ[الأنبياء:83] ، ومنهم من يصرح بالدعاء، كما كان إبراهيم عليه السلام يدعو.

والنبي صلى الله عليه وسلم أخذ بالحالين، فتارة يصرح، وتارة يعرض.

وكذلك فإن من آداب الدعاء التي شرعها الله سبحانه وتعالى الإلحاح بالدعاء والضراعة بين يدي الله سبحانه وتعالى؛ فإن المتضرع بين يديه لا يمكن أن يُرد.

وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ثلاث دعوات مستجابات أقسم عليهن: دعوة المسافر حتى يعود، ودعوة الوالد على ولده، ودعوة المظلوم)؛ فهذه الدعوات الثلاث يقسم عليهن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهن مستجابات لا ترد.

وصحّ عنه صلى الله عليه وسلم كذلك أنه قال: (للصائم دعوة لا ترد)، وكذلك صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب).

وإن الله سبحانه وتعالى يقدر ما شاء من قدره؛ ليرفع إليه عبيده أيديهم بالضراعة، وهو الحكيم الخبير؛ فكل أمره إنما هو لحكمة بالغة: لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ[الأنبياء:23] ولابد من الإيمان بقدره اللازم، ولابد أن يجأر إليه العباد بالضراعة في كل الأحوال، ولا يمكن أن يتحقق ذلك إذا أحس العباد بالاستغناء؛ فإن الاستغناء سبب لحصول ما لا يرضي الله سبحانه وتعالى، ولذلك قال الله تعالى: إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى[العلق:6-7] ، وقال تعالى: وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ[الشورى:27] .

وإن الله سبحانه وتعالى ينبه عباده على الضراعة إليه ودعائه وذكره بما يبتليهم به من أنواع البلاء، فإذا مدوا أيدي الضراعة إلى الله سبحانه وتعالى، حقق ما كان قدر، وإنه هو الحكيم الخبير: لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ[الأنبياء:23] .

وكثيراً ما يحال بين المرء وبين الرزق وغير ذلك مما يقدره الله، حتى يجأر إلى الله ويدعوه، وقد قال الله تعالى: فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ[الأنعام:43] .

وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة في الصحيحين أنه قال: (إنكم شكوتم جدب دياركم، واستئخار المطر عن إبَّان زمانه، وقد أمركم الله أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم.

ثم قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ لا إله إلا الله يفعل ما يريد!!).

فلابد من إخلاص العبودية لله سبحانه تعالى والضراعة إليه بالدعاء وذلك سر استجابته، وإن الله سبحانه وتعالى هو أرحم الراحمين، وأكرم الأكرمين، وإن عطاءه غير محظور، وقد قال فيه: وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا[الإسراء:20] ، يعطي عبده قبل المسألة، ويعطيه إذا سأل، ويضاعف له بما لا تبلغه فكرته، وقد قال تعالى: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ[السجدة:17] .

وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال فيما يرويه عن ربه عز وجل: (أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر)، فهذا لا يمكن أن يدعو العباد به ولا أن يسألوه؛ لأنه لا يخطر على قلوبهم، ولا يمكن أن تراه أعينهم، ولا أن تسمع به آذانهم، لكن الله يبتدئهم بكرمه وجوده وإحسانه سبحانه وتعالى.

وإنكم هنا متعرضون لنفحات الله سبحانه وتعالى بما خصكم به في غربتكم هذه وخلوتكم، فاجتهدوا في الدعاء لله سبحانه وتعالى، واعلموا أن ذلك من أبلغ القربات، وأشدها رجاء عند الله سبحانه وتعالى.

وإن هذه الأمة محتاجة لدعائكم، فاجتهدوا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم في الدعاء، واعلموا أنه صلى الله عليه وسلم كثيراً ما كان يدعو لأمته من يأتي منهم ومن حضر، وقد أخبر الله سبحانه وتعالى بلحاقكم بالسابقين، فقال تعالى في سورة الجمعة بعد الامتنان على هذه الأمة ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم: وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ[الجمعة:3] ، و(لما) لنفي الماضي المنقطع، وهذا وعد من الله عز وجل لكم أن تلحقوا بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.

وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه ذهب إلى المقبرة يوماً فأخذ عوداً فنكت به في الأرض فقال: (وددت لو رأيت إخواننا، قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟! قال: بل أنتم أصحابي، وإخواني قوم آمنوا بي ولم يروني، للواحد منهم أجر خمسين، قالوا: يا رسول الله، منا أو منهم؟! قال: بل منكم، إنكم تجدون على الحق أعواناً ولا يجدون على الحق أعواناً).

وقد صح في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء، قالوا: ومن الغرباء يا رسول الله؟! قال: قوم صالحون في قوم سوء كثير، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم)، وفي رواية: (الذين يصلحون إذا فسد الناس)، وفي رواية: (الذين يصلحون ما أفسد الناس من سنتي).

إن الله سبحانه وتعالى أتاح لكم فرصة الدعاء، وشرعه لكم في الليل والنهار وفي كل الساعات، وبالأخص في يومكم هذا، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خير أيامكم يوم الجمعة؛ فيه خلق آدم، وفيه أهبط، وفيه تيب عليه، وفيه مات، وفيه تقوم الساعة، وفيه ساعة لا يصادفها عبد مؤمن قائماً يصلي يسأل الله حاجة إلا أعطاه إياها)، فهذا اليوم فيه ساعة لا ترد فيها دعوة إلى الله سبحانه وتعالى، يستجيب الله فيها، ويفتح خزائن خيره لعباده، فاجتهدوا في أن تصادفوا هذه الساعة المباركة، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم بيده يقللها، أي: أنها ساعة غير طويلة، لكن لا ترد فيها دعوة أبداً.

فضيلة الدعاء بأمور الآخرة

ثم اعلموا -رحمني الله وإياكم- أن من هداه الله للدعاء ينبغي أن تكون الآخرة أكبر همِّه، وأن يشتغل بما هنالك، وأن يعلم أن هذه الحياة الدنيا لا تساوي شيئاً، ولو عجل للإنسان فيها ملذاته وشهواته، وكل ما يرتجي ويبتغي، فذلك خسران له في الآخرة؛ فقد قال الله تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا[الإسراء:18-19] .

وقال تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ[الشورى:20] .

وإن الشيطان كثيراً ما يسعى بالإنسان إذا أصابته نكبة من نكبات الدنيا إلى أن يهتم بحاله في الدنيا، وأن يغفل عن حاله في الآخرة، فعليكم عباد الله ألا تتبعوا خطوات الشيطان، وأن تعلموا أن ما يصيبكم في هذه الحياة لا يساوي شيئاً مما ينتظر الآخرين في الدار الآخرة، وأن تعلموا أن الله سبحانه وتعالى اختاركم حين أصابكم في هذه الحياة؛ ولذلك فإنه يقول في خطابه للكافرين يوم القيامة: أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ[الأحقاف:20] .

وقد أخرج البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، ومن حديث خباب بن الأرت رضي الله عنه كلاهما: (أنهما كانا صائمين، فقدم لهما طعام الإفطار، فلما رأياه ألواناً متنوعة بكيا حتى أبكيا من حولهما، فقال الناس لـعبد الرحمن بن عوف : ما يبكيك يا أبا المنذر؟! قال: إنا كنا أهل جاهلية وشر، فبعث الله إلينا محمداً صلى الله عليه وسلم، فآمنا واتبعنا، فعادانا الناس في ذات الله، فمنا من مات ولم يتعجل شيئاً من أجره، منهم أخي مصعب بن عمير؛ قتل يوم أحد، وليس له إلا سيفه عليه، وبردة إن نحن غطينا بها رأسه بدت رجلاه، وإن نحن غطينا رجليه بدا رأسه، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نغطي رأسه، وأن نجعل على رجليه من الإذخِر، فماتوا ولم يتعجلوا شيئاً من أجرهم، وبقينا وراءهم، ففتحت علينا الدنيا أبوابها، فنحن نهدِ بها، فخشينا أن يقال لنا يوم القيامة: أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ[الأحقاف:20] ).

عباد الله! إن الله سبحانه وتعالى هو الكريم، اللطيف بعباده، الرحيم الذي لا تحجب عنه سماء سماء، ولا أرض أرضا، ولا جبل ما في وعره، ولا بحر ما في قعره، فتعرضوا لنفحاته سبحانه وتعالى، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل).

هي نفحات ربنا الكريم سبحانه وتعالى، فتعرضوا لها، واسألوا الله من فضله كما أمركم الله، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وتاب علي وعليكم إنه هو التواب الرحيم.




استمع المزيد من الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي - عنوان الحلقة اسٌتمع
خطورة المتاجرة بكلمة الحق 4779 استماع
بشائر النصر 4275 استماع
أسئلة عامة [2] 4118 استماع
المسؤولية في الإسلام 4042 استماع
كيف نستقبل رمضان [1] 3981 استماع
نواقض الإيمان [2] 3937 استماع
اللغة العربية 3919 استماع
عداوة الشيطان 3919 استماع
المسابقة إلى الخيرات 3892 استماع
القضاء في الإسلام 3882 استماع