المستقبل لهذا الدين


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمةً للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإن الله سبحانه وتعالى بيده الأمر كله، وإليه يرجع الأمر كله، لا معقب لحكمه، لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ[الأنبياء:23]، وهو الذي يقول في محكم التنزيل وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ[الزمر:67]، وقد شاء بحكمته البالغة أن يختم الرسالات والنبوات ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم، وأن يجعل الدين الذي جاء به مكملاً للأديان، فقد أكمل به الله الدين لأهل الأرض، فلا يمكن أن يأتيهم خطاب من عند الله بعده؛ ولذلك قال في نهاية تنزيل أحكامه: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ[المائدة:3] فقد ارتضى الله هذا الدين دِيناً للبشرية كلها، وخاطبها بذلك، وقد جاء في الصحيح أن حبراً من اليهود جاء إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: يا أمير المؤمنين! آيةٌ في كتابكم لو فينا -معاشر اليهود- أنزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً، قال: وما هي ؟ قال: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا[المائدة:3] قال: أما إني لأعلم أين أُنزلت، ومتى أُنزلت، لقد نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقفٌ بعرفة يوم جمعة، ولم يعش النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية إلا اثنين وتسعين يوماً، فكان ذلك في اليوم التاسع من شهر ذي الحجة، فعاش عشرين يوماً من شهر ذي الحجة، وثلاثين يوماً هي شهر المحرم، وثلاثين يوماً هي شهر صفر، وتوفي في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول، وقد أنزل الله عليه هذه الآية؛ إيذاناً بأن الوحي قد انقطع، وبأن الدين الذي ارتضاه الله للبشرية هو هذا الإسلام الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم.

وقد تعهد الله بحفظه ونشره ونصره، وأنتم تعلمون أنه القادر على الوفاء بما تعهد به، وأنه لا يخلف الميعاد، وكان تعهده بحفظه بارزاً في عدة مظاهر:

حفظ كتابه العزيز

المظهر الأول منها: حفظ الكتاب الذي أنزله، فالكتب السابقة، إنما كان يستحفظها أهلها، فيحفظها الأحبار والرهبان، وهذا الكتاب تولى الله حفظه بنفسه؛ ولذلك قال الله في ذكر التوراة: يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ[المائدة:44] . وقال في القرآن: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ[الحجر:9]، وقال فيه: لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ[فصلت:42] ، وقال فيه: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ * وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ[الشعراء:193-196]، فتولى الله حفظه بنفسه، فهذا القرآن المحفوظ في الصدور، المتلو بالألسنة، المكتوب في المصاحف، مادام موجوداً على الأرض، فذلك معناه استمرار هذا الدين وحفظ له، ولا يمكن أن يعتدى على هذا الدين، ولا أن ينقص منه شيء، مادام هذا القرآن قائماً في الأرض حجةً على أهلها، وقد تحدى الله به الثقلين -الإنس والجن- أن يأتوا بسورةٍ من مثله، وقد حاول ذلك بعض البلهاء فما وصلوا إلى نتيجة، جاء مسيلمةُ الكذاب وهو من فصحاء بني حنيفة، فحاول أن يحاكي سورة من القرآن، فما جاء إلا بالمضحكات التي يعجب منها العقلاء، سمع سورة الفيل أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ [الفيل:1-5] وهي غاية في البلاغة والإيجاز، تضمنت تقريراً كاملاً عن قصةٍ عظيمةٍ من قصص التاريخ، وذكرت ما فيها من العبر والآيات، وبينت آثارها، وما ترتب عليها، فجاء هو فسلطه الله على نفسه، فلم يأتِ إلا بقوله: [ الفيل وما الفيل، وما أدراك ما الفيل، ذنبه قصير، وخرطومه طويل!!] وهذا كلام سمج، يضحك منه العقلاء، وكذلك عندما سمع قول الله تعالى: وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا * فَالْحَامِلاتِ وِقْرًا * فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا * فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا[الذاريات:1-4]، على ما في هذه السورة من البلاغة العظيمة، ومن أعظمها: ما فيها من البديع وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا[الذاريات:1] فالفاء في (ذرواً) مفتوحة فَالْحَامِلاتِ وِقْرًا[الذاريات:2] والفاء في (وقراً) مكسورةٌ فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا[الذاريات:3] والفاء في (يسراً) مضمومة، وجاءت هذه على ترتيب الحركات الفتحةُ، ثم الكسرةُ، ثم الضمة، بالإضافة إلى ما فيها من الإعجاز اللفظي، وحاول مسيلمة الكذاب أن يأتي بشيء يقابل هذا فقال: [والطاحنات طحناً، والعاجنات عجناً!!] فلم يأت بشيء كذلك يستحق أن يسمع. والمتأخرون من أعداء الله تعالى ساءهم وجود هذا القرآن واستمراره، فعندما اجتمعت الحكومة الإنجليزية في سالف الزمان؛ لتنفيذ مؤامرةٍ على المسلمين، قام فيهم خطيبهم، وحمل نسخةً من المصحف الشريف، وقال: ما دام هذا الكتاب موجوداً بأيدي المسلمين، فلن تصلوا منهم إلى مرادكم؛ فلذلك يبقى هذا الكتاب حافظاً لهذا الدين؛ لأن المستقبل له، فالمسلم إذا وجد ضيقاً، وتكالبت عليه الأمم يجد الفرج في كتاب الله، وإذا وجد مرضاً وألماً يجد الفرج في كتاب الله وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ[الإسراء:82] ، إذا جهل حكماً أو جهل خُلقاً فيجد الجواب في كتاب الله، فيه حل لكل المشكلات؛ ولذلك لا يمكن أن يحس بالغربة من رفيقهُ القرآن، ولا يمكن أن يحس بالعراء من يعيش في ظلال القرآن، فلا بد أن تستذكر هذه الأمة، وأن تستحضر هذه المعونة التي مجدها الله بها، ببقاء كتاب الله بين أظهرها، وهو تسليةٌ عن كل ما يحصل، فكلما جاءت ضائقة، أو احتج المشركون بشبهة؛ ففي القرآن ما يفرج ذلك، اقرءوا إن شئتم قول الله تعالى: وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا * قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا * وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ[الإسراء:106-109]، وكذلك اقرءوا قوله تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا * وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا[الفرقان:32-33] إذا اشتكى الناس هزيمة من الهزائم، لجئوا إلى القرآن، فوجدوا فيه قصص السابقين وما نالوا من الأذى والضيق، فعلموا حينها أن حالهم سيتسع، إذا قرءوا في وقت ضيق وشدة قول الله تعالى: حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ * لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [يوسف:110-111] ، عرفوا أن ما هم فيه إنما هو حلقة من حلقات سلسلة التاريخ، وسنةٌ من امتحانات الله التي يمتحن بها العباد، وأنه كلما جاء العسر فمعه يسران إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا[الشرح:5-6] ، وإذا جاء الضيق وصبروا، فإن النصر مع الصبر، وإذا جاء الكرب فإن الفرج مع الكرب، وبهذا يتقوى المسلم قوةً ليس لها حدود. أحد العلماء ضايقه الناس فسجن ونُفي، وصودرت ممتلكاته، فأتاه شخص وهو في السجن، فنظر إلى حاله فإذا هو في غاية السرور والسعادة، فقال: يا أبا العباس ما يسرك؟! قال: ماذا يفعل أعدائي بي؟ قتلي شهادة، ونفيي سياحة، وسجني خلوة، جنتي في صدري، هذا القرآن بين يدي، فلا يمكن أن يُضايق من يجد المتسع في كتاب الله.

وجود المجددين على رأس كل مائة سنة

من مظاهر بقاء هذا الدين واستمراره: أن الله سبحانه وتعالى وعد النبي صلى الله عليه وسلم بأن يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنةٍ من يجدد لها أمر دينها، وهؤلاء المجددون الذين يجددون أمر الدين ما فعلوا ذلك من تلقاء أنفسهم، ولا ابتعثوا من قبل دولة ولا سلطة، إنما ابتعثهم الملك الديان؛ لتجديد أمر الدين، وفاءً بوعده لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، فهم يجددون ما جهله الناس من أمر الدين، وأخرج الخطيب البغدادي في شرف أصحاب الحديث وأبو عمر بن عبد البر في مقدمة التمهيد من حديث ابن مسعود رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين) أولئك اصطنعهم الله سبحانه وتعالى ووفقهم؛ ليجعلهم أمناءه على وحيه، ولم يكن الله ليأتمن على وحيه المهلكين، لا بد أن يختار له الأمناء الموقعين عن رب العالمين، الذين يميزهم الله بما آتاهم وبما وفقهم له وسددهم، ليحفظوا دين الله سبحانه وتعالى، وأنتم تعلمون أن هذا القرآن منزه عن القذر والوسخ والأنجاس، وإذا كان في بيت أحدهم فسيجعله في أشرف مكانٍ في البيت وأطهره وأنظفه، وهذا إنما هو بأمر الله، فكذلك لا يمكن أن يختار الله أوعيته إلا أنظف الناس قلباً، وأتقاهم لله، وأكثرهم إخلاصاً له، وتضحية في سبيله، أولئك هم الذين يؤتمنون على كتاب الله.

ثم إن هذا التجديد الذي تعهد الله به لهذا الدين، يشمل تجديده من ناحية ما يتجدد من الوقائع، فالنوازل والوقائع تتجدد، والناس يبحثون فيها عن حكم الله، فيخرج الله من يستنبط الحكم فيخرجه من القرآن ومن السنة، ويبينه للناس وكأنه أنزل الآن، وكذلك ما يردون به على شبهات المفترين، وابتداع المبتدعين، وما يؤيدهم الله به من التوفيق للأدلة وبيانها.

وكذلك من أوجه التجديد: ما يجددونه من بعث روح الأمل في الناس، وبعث التضحية فيهم، وتنبيههم إلى المخاطر المحدقة بهم، فكل ذلك من تجديد أمر الدين؛ لأن الأمة إذا أحست أن الدين مهدد، فلا شك أنها ستبذل قصارى جهدها في الدفاع عن دينها الذي هو أغلى شيءٍ لديها.

هذه الأمة خاتمة الأمم وأكثرها

من مظاهر استمرار هذا الدين: أن الله سبحانه وتعالى جعل هذه الأمة خاتمةً للأمم، وهي أكثر أمم الأنبياء، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه عرضت عليه الأمم، فكان يرى النبي وحده، والنبي ومعه الرجل، والنبي ومعه الرجلان، والنبي ومعه الرهط، والنبي ومعه الرهيط، حتى رأى سواداً كثيراً فظن أنهم أمته، فقيل: هذا موسى وأمته، ولكن انظر إلى الأفق قال: فنظرت فإذا سوادٌ عظيمٌ قد سد الأفق، فقيل: هؤلاء أمتك، ومعهم سبعون ألفاً يدخلون الجنة من غير حساب ولا عذاب)، وصح عنه صلى الله عليه وسلم كذلك في صحيح البخاري أنه قال: (ما من نبيٍ بعثه الله قبلي إلا أوتي ما مثله آمن عليه البشر) أي: أوتي معجزةً لو رآها البشر جميعاً لآمنوا، (وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة)؛ وقال: (لا يبقى بيت شجرٍ ولا مدر إلا دخله هذا الدين)، والشجر أي: البيوت المبنية من الأكواخ والأشجار ونحو ذلك، والمدر: الطوب، أي: لا يبقى بيتٌ من الشجر والطوب إلا دخله هذا الدين، وكذلك أخبر أنه سيبلغ ما بلغ الليل والنهار، وهذا واقع الآن فالأذان يرفع في جميع أصقاع الأرض، لا توجد مدينةٌ في أنحاء العالم إلا وفيها من يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وسيزداد ذلك ويعم، فهذا وعد الله الذي لا يخلف الميعاد، والله تعالى بين هذا الوعد في عدد من آيات كتابه، فقد قال تعالى في سياق قصة موسى عليه السلام: إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [الأعراف:128] ، وقال تعالى في ذكر زبور داود: وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ * إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ[الأنبياء:105-106]، وقال تعالى: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ[الحج:39-41].

وقال تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ[النور:55] ، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ[محمد:7] .

وقد بين الله سنته الماضية في أحلك الظروف وأقساها على المسلمين، عندما كان يوم الأحزاب، وحوصر رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون معه في المدينة، وجاءتهم قريش وأحلافها من جهة الغرب، وغطفان وأحلافها من جهة الشمال، واليهود ومن معهم من جهة الشرق، فأحاطوا المدينة من كل جانب، وأصبح الأعراب الذين حول المدينة يتربصون بهم الدوائر، يريدون الاعتداء على سارحتها، أو على زرعها، ويظنون أن من فيها سيتخطفون في الأرض، ولن تبقى لهم باقية، واشتد الحال بالمسلمين حتى وصل إلى ما بين الله في محكم التنزيل في قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا * إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا [الأحزاب:9-11] ، ثم جاء فرج الله عز وجل، وهذا الفرج لم يكن متوقعاً إلا لدى أهل الإيمان والتقوى؛ ولذلك قال الله تعالى: وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا * وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا * وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا[الأحزاب:25-27]، وكل ذلك بأمر الله سبحانه وتعالى وتقديره، وفي ذلك الوقت كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه: (أوتيت مفاتيح الأرض، وأوتيت كنوز كسرى وقيصر) وقال: (لتفتحن كنوز كسرى وقيصر، فتنفق في سبيل الله) فكان المنافقون يقولون: يعدكم محمدٌ أنه ستفتح عليكم كنوز كسرى وقيصر، وها أنتم اليوم لا يستطيع أحدٌ منكم أن يخرج لقضاء حاجته، وفي ذلك الوقت كان المسلمون لا يتجاوزن ألفاً وخمسمائة مقاتل، وهم محاصرون في المدينة، ليس لهم مدد خارجي، وليس لهم أي سلاح ضارب، فلم تمضِ ست سنوات حتى دخلت الجزيرة العربية كلها في دين الله، وخرجت الجيوش الإسلامية فاتحةً إلى العراق والشام، وتوالت الفتوح، وتضاعفت الرقعة، وفتحت كنوز كسرى وقيصر وأنفقت في سبيل الله.

إن هذه السرعة في ذلك الزمان الأول مؤذنة بسرعة النصر في هذا الزمان، فزماننا هذا أسرع، وما يحصل فيه مما ليس متوقعاً أكثر، فقبل سنوات قليلة من كان يتوقع منكم ما حصل اليوم من التطورات في هذا الزمان؟! فمثلاً: التلفون المحمول! من كان يتوقع أننا سنستخدم مثل هذه التقنية عن طريق هذا الجهاز؟! قبل سنواتٍ يسيرة لم يكن أحد يحلم بمثل هذا النوع، لكن ذلك يقع بين الكاف والنون، إذا أراده الله تحقق، ومن هنا لا يُستغرب أن يأتي نصر الله من غير أن نفكر في الوسائل، ومن غير أن نتعب أنفسنا في التخطيط، فسيأتي النصر لا محالة، لكن له شروط لا بد من تحققها، وهذه الشروط يسهل جداً على الأمة الإسلامية أن تحققها، فلا يطلب تحقيقها في جميع الأفراد، بل يطلب تحقيقها في الطائفة المنصورة، والفرقة الناجية، وهذه الشروط بينها الله بقوله: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ[الحج:41] ، وقال: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ[النور:55] إذاً: هذه هي الشروط، وهي ميسورةٌ سهلة، وتحقيقها ليس شاقاً، وإذا تحققت لابد أن يأتي النصر الموعود.

وجود الثوابت المسلمة التي لا يناقش فيها أحد

ومن مظاهر استمرار هذا الدين، ما ثبت الله به المؤمنين من الثوابت المسلمة التي لا يناقش فيها أحد، مثل قوله تعالى: قُلْ هَلْ تَربَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ[التوبة:52] فالكفار ماذا يطلبون من المسلمين؟ أعداء الله ماذا يريدون ؟ هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين: إما أن ينال المسلمون الشهادة في سبيل الله، وإما أن ينالوا النصر وهزيمة الأعداء؟ فهذا مثبتٌ عجيب لقلوب المؤمنين، وهو يقتضي منهم ألا ينهزموا فهم الرابحون على كل حال، قُلْ هَلْ تَربَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ[التوبة:52] إما الشهادة في سبيل الله، وهي أحسن، وأبلغ وأكبر من النصر على الأعداء وهو الذي يلي ذلك.

وجود الآيات والدلائل التي تبين أن الحق هو هذا الدين

ومن هذه المظاهر: أن الله سبحانه وتعالى يريهم من الآيات في هذا الكون ما يدل على صدق وعوده، وصدق آياته المذكورة في كتابه، كما قال: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ[فصلت:53] ، فنحن اليوم نشهد حالات كثيرة من إيمان الكفرة الفجرة، الذين يدخلون في دين الله أفواجاً، ويرجعون إلى هذا الدين طواعيةً من غير إكراه، بعضهم يرجع إليه بسبب اكتشافٍ علميٍ اكتشفه، فوجد أنه موجودٌ لدى المسلمين في كتابهم، أو في سنة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء الذين يُسلمون بسبب الإعجاز العلمي عددهم كثير، ونجد آخرين يُسلمون بسبب مشاهد ومظاهر رأوها في وقت الحرب مع المسلمين، فقد أسلم كثيرٌ من الجنود الأمريكان عندما رأوا جثث المجاهدين المستشهدين في أفغانستان تمكث الأسابيع ولا تتغير، ليس لهم أية رائحة كريهة، أو تغير في اللون، أو اختلال في الجسم، إنما يعلو محياهم النور، وتظهر الابتسامة، وكذلك أسلم عددٌ كثيرٌ من الجنود الروس، بسبب ما شاهدوا من قبل في وقت الجهاد الأفغاني من النصرة التي نصر الله بها المؤمنين، ومن غرائب ذلك ما أخبروا به اليوم، فقد أخبروا الأمريكان في حربهم في أفغانستان، وقالوا لهم: مادمتم لم تشاهدوا الإبل، فلا بأس عليكم. قالوا: ما هي الإبل ؟ قالوا : كنا في الليل نرى بالرادار إبلاً أو جمالاً تقدم إلى المعسكر، فنراقبها بالرادار والتصوير، فإذا دخلت المعسكر تفجرت، فكانت كالصواريخ أو القنابل!! وقد شاهدت في جريدةٍ أمريكية عن بعض الجنود الأمريكان الذين كانوا مشاركين في تلك الحرب في أفغانستان أنهم شاهدوا في الليل جملاً عملاقاً يتقدم، فذكروا نصيحة الروس، فضربوه بالرصاص؛ فلم يؤثر فيه، كلما ضربوه قطع مسافةً إليهم، حتى وصل إلى المعسكر فتفجر، وهو مشاهد على الشاشات ليس معه أي أحد، وليس محملاً بأي شيء، لكن هذا من مكر الله وكيده.

وكذلك عدد من الذين يحضرون هذه الحروب، فيشاهدون من المجاهدين الصبر والمثابرة في الجهاد في سبيل الله، فيسلمون بسبب ذلك، فأحدهم أسلم في باكستان وقال: إنه لن يخرج من باكستان حتى يحفظ القرآن، وذلك بسبب أنه رأى الطائرات تقصف المجاهدين في خنادقهم، فإذا ولت وفرغت حمولتها، خرج منهم رجل فوضع إصبعه في أذنه وأذن، فما يكتمل الأذان حتى يخرج الناس من الخنادق، ويقيمون الصلاة، ثم يرجعون إلى خنادقهم قبل أن تأتي الطائرات، فهذه من الأمور التي يشاهدها الكفار، فيشهدون بها، وتكون سبب إسلام بعضهم.

المظهر الأول منها: حفظ الكتاب الذي أنزله، فالكتب السابقة، إنما كان يستحفظها أهلها، فيحفظها الأحبار والرهبان، وهذا الكتاب تولى الله حفظه بنفسه؛ ولذلك قال الله في ذكر التوراة: يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ[المائدة:44] . وقال في القرآن: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ[الحجر:9]، وقال فيه: لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ[فصلت:42] ، وقال فيه: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ * وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ[الشعراء:193-196]، فتولى الله حفظه بنفسه، فهذا القرآن المحفوظ في الصدور، المتلو بالألسنة، المكتوب في المصاحف، مادام موجوداً على الأرض، فذلك معناه استمرار هذا الدين وحفظ له، ولا يمكن أن يعتدى على هذا الدين، ولا أن ينقص منه شيء، مادام هذا القرآن قائماً في الأرض حجةً على أهلها، وقد تحدى الله به الثقلين -الإنس والجن- أن يأتوا بسورةٍ من مثله، وقد حاول ذلك بعض البلهاء فما وصلوا إلى نتيجة، جاء مسيلمةُ الكذاب وهو من فصحاء بني حنيفة، فحاول أن يحاكي سورة من القرآن، فما جاء إلا بالمضحكات التي يعجب منها العقلاء، سمع سورة الفيل أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ [الفيل:1-5] وهي غاية في البلاغة والإيجاز، تضمنت تقريراً كاملاً عن قصةٍ عظيمةٍ من قصص التاريخ، وذكرت ما فيها من العبر والآيات، وبينت آثارها، وما ترتب عليها، فجاء هو فسلطه الله على نفسه، فلم يأتِ إلا بقوله: [ الفيل وما الفيل، وما أدراك ما الفيل، ذنبه قصير، وخرطومه طويل!!] وهذا كلام سمج، يضحك منه العقلاء، وكذلك عندما سمع قول الله تعالى: وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا * فَالْحَامِلاتِ وِقْرًا * فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا * فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا[الذاريات:1-4]، على ما في هذه السورة من البلاغة العظيمة، ومن أعظمها: ما فيها من البديع وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا[الذاريات:1] فالفاء في (ذرواً) مفتوحة فَالْحَامِلاتِ وِقْرًا[الذاريات:2] والفاء في (وقراً) مكسورةٌ فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا[الذاريات:3] والفاء في (يسراً) مضمومة، وجاءت هذه على ترتيب الحركات الفتحةُ، ثم الكسرةُ، ثم الضمة، بالإضافة إلى ما فيها من الإعجاز اللفظي، وحاول مسيلمة الكذاب أن يأتي بشيء يقابل هذا فقال: [والطاحنات طحناً، والعاجنات عجناً!!] فلم يأت بشيء كذلك يستحق أن يسمع. والمتأخرون من أعداء الله تعالى ساءهم وجود هذا القرآن واستمراره، فعندما اجتمعت الحكومة الإنجليزية في سالف الزمان؛ لتنفيذ مؤامرةٍ على المسلمين، قام فيهم خطيبهم، وحمل نسخةً من المصحف الشريف، وقال: ما دام هذا الكتاب موجوداً بأيدي المسلمين، فلن تصلوا منهم إلى مرادكم؛ فلذلك يبقى هذا الكتاب حافظاً لهذا الدين؛ لأن المستقبل له، فالمسلم إذا وجد ضيقاً، وتكالبت عليه الأمم يجد الفرج في كتاب الله، وإذا وجد مرضاً وألماً يجد الفرج في كتاب الله وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ[الإسراء:82] ، إذا جهل حكماً أو جهل خُلقاً فيجد الجواب في كتاب الله، فيه حل لكل المشكلات؛ ولذلك لا يمكن أن يحس بالغربة من رفيقهُ القرآن، ولا يمكن أن يحس بالعراء من يعيش في ظلال القرآن، فلا بد أن تستذكر هذه الأمة، وأن تستحضر هذه المعونة التي مجدها الله بها، ببقاء كتاب الله بين أظهرها، وهو تسليةٌ عن كل ما يحصل، فكلما جاءت ضائقة، أو احتج المشركون بشبهة؛ ففي القرآن ما يفرج ذلك، اقرءوا إن شئتم قول الله تعالى: وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا * قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا * وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ[الإسراء:106-109]، وكذلك اقرءوا قوله تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا * وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا[الفرقان:32-33] إذا اشتكى الناس هزيمة من الهزائم، لجئوا إلى القرآن، فوجدوا فيه قصص السابقين وما نالوا من الأذى والضيق، فعلموا حينها أن حالهم سيتسع، إذا قرءوا في وقت ضيق وشدة قول الله تعالى: حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ * لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [يوسف:110-111] ، عرفوا أن ما هم فيه إنما هو حلقة من حلقات سلسلة التاريخ، وسنةٌ من امتحانات الله التي يمتحن بها العباد، وأنه كلما جاء العسر فمعه يسران إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا[الشرح:5-6] ، وإذا جاء الضيق وصبروا، فإن النصر مع الصبر، وإذا جاء الكرب فإن الفرج مع الكرب، وبهذا يتقوى المسلم قوةً ليس لها حدود. أحد العلماء ضايقه الناس فسجن ونُفي، وصودرت ممتلكاته، فأتاه شخص وهو في السجن، فنظر إلى حاله فإذا هو في غاية السرور والسعادة، فقال: يا أبا العباس ما يسرك؟! قال: ماذا يفعل أعدائي بي؟ قتلي شهادة، ونفيي سياحة، وسجني خلوة، جنتي في صدري، هذا القرآن بين يدي، فلا يمكن أن يُضايق من يجد المتسع في كتاب الله.


استمع المزيد من الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي - عنوان الحلقة اسٌتمع
خطورة المتاجرة بكلمة الحق 4810 استماع
بشائر النصر 4287 استماع
أسئلة عامة [2] 4131 استماع
المسؤولية في الإسلام 4057 استماع
كيف نستقبل رمضان [1] 3997 استماع
نواقض الإيمان [2] 3946 استماع
عداوة الشيطان 3932 استماع
اللغة العربية 3930 استماع
المسابقة إلى الخيرات 3906 استماع
القضاء في الإسلام 3895 استماع