محبة الرسول ونصرته [3]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإن الله سبحانه وتعالى نوه بشأن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ورفع منزلته وأعلى قدره، وهذا اليوم الذي أنتم فيه هو اليوم الذي قدم فيه النبي صلى الله عليه وسلم مهاجراً إلى المدينة، في اليوم الثالث من شهر ربيع الأول، وهو يوافق هذا اليوم الذي أنتم فيه، قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجراً إلى المدينة، فنحن نشكر نعمة الله سبحانه وتعالى بمهاجر النبي صلى الله عليه وسلم باجتماعنا في هذا البيت من بيوت الله، نتدارس شيئاً من أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته، ونزداد حباً له؛ فقد شرط الله علينا حبه لصحة الإيمان؛ فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين )، وقال لـعمر: ( حتى أكون أحب إليك من نفسك التي بين جنبيك )، ولا شك أن أهل الإيمان يتفاوتون فيه، ومن تفاوتهم فيه تفاوتهم في حب الله ورسوله، فمن كان أشد حباً لله ورسوله كان أقوى إيماناً؛ ولهذا أخرج البخاري ومسلم في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن أحب العبد لا يحبه إلا لله، ومن كره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار ).

تزكية الله لنبيه عليه الصلاة والسلام

إن هذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم له حق عظيم على أمته بالمحبة والنصرة والاتباع؛ فقد اختار الله لنا أفضل الرسل وأرسله بخير شرائع الدين، وأنزل عليه أفضل الكتب، وختم به الرسالات من عند الله؛ فلا نبي بعده، وقد زكاه الله سبحانه وتعالى بكل أنواع التزكية؛ فزكى الله عقله فقال: وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ [التكوير:22]، وزكى بصره فقال: مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى [النجم:17]، وزكى منطقه فقال: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4]، وزكى خلقه فقال: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4]، وأثنى الله عليه ثناءً عطراً في كثير من آيات كتابه؛ فقد قال تعالى: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ المَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى [النجم:1-18]، وقال تعالى بسم الله الرحمن الرحيم: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْرًا عَزِيزًا [الفتح:1-3]، وقال تعالى بسم الله الرحمن الرحيم: وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى * وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى [الضحى:1-4]، وقال تعالى -بسم الله الرحمن الرحيم-: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ [الشرح:1-4].

وجوب اتباع النبي صلى الله عليه وسلم ونصرته

وقد أوجب الله سبحانه وتعالى على المؤمنين اتباعه وتحكيمه في أمرهم كله؛ فقال تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65]، وقد دعا الله المؤمنين جميعاً إلى نصرته، فقد أخذ العهد بذلك على الأنبياء السابقين، فقال تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ * فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [آل عمران:81-82]، وقال تعالى في جوابه لـموسى عليه السلام لما أخذته وأصحابه الرجفة، فقال موسى: رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ * وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ [الأعراف:155-157]، ودعا الله المؤمنين إلى نصرته فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللهِ فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ [الصف:14]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [التوبة:38-41]، وقد نصره الله سبحانه وتعالى في الدنيا والآخرة؛ فنصره في الدنيا، فمكن له في الأرض، ونصره على من عاداه؛ فقال تعالى: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ [الكوثر:1-3]، وقال تعالى: إِنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهْزِئِينَ [الحجر:95]، فكل ذلك من نصرة الله له، كما أنه نصره يوم القيامة فوعده المقام المحمود؛ فقال تعالى: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [الإسراء:79]، وهذا المقام المحمود لا ينبغي إلا لرجل واحد، وهو محمد صلى الله عليه وسلم، خصه الله به من بين الثقلين -الإنس والجن- تشريفاً له وتكريماً.

وكل هذا يقتضي منا زيادة محبته والحرص على اتباعه والسعي في نصرته، وهذه أمور هي من الناحية النظرية مسلمة لدى الجميع؛ فما منكم أحد إلا وهو موقن أنه يجب عليه أن ينصر النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يحبه حباً شديداً، أحب مما يحب أهله ونفسه وماله، لكن نريد أن نصل إلى نقاط عملية نطبقها في واقعنا وحياتنا، نزداد بها حباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم واتباعاً له، ونزداد بها نصرة له؛ حتى نتمكن من هذه النصرة التي أخذ الله علينا العهد بها، فهي ناطقة علينا، ولا يستطيع أحد منا أن يتخلص منها إلا بعمله وما يقدم.

التطلع إلى ما جاء به صلى الله عليه وسلم

هذه النقاط العملية أولها: أن تتطلع - يا أخي- إلى ما جاءك به هذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من عند الله، فالمعرض عنه الذي يمضي عليه اليوم واليومان والأسبوع والشهر والسنة لا يزداد علماً مما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم لا شك أنه عرضة للفتنة؛ فقد قال الله تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى [طه:124-127].

لذلك لابد أن يخصص كل واحد منا يومياً جزءاً من وقته قل أو أكثر لتعلم ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله؛ تحقيقاً لهذه النصرة، وزيادة لهذه المحبة، لا شك أنكم جميعاً تتفاوتون في ذلك، فالمتفرغون لطلب العلم ما عليهم إلا أن يخلصوا لله سبحانه وتعالى فيما تفرغوا له، وأن يواصلوا مسيرتهم على الطريق، فموعدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الحوض، والذين لا يتفرغون لذلك لا بد أن يخصصوا جزءاً من أوقاتهم، فالموظفون والتجار وأصحاب الصنائع وأصحاب السيارات وغيرهم كل يخصص جزءاً من وقته يومياً لتعلم ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن كان يستطيع مزاحمة العلماء بالركب فبها ونعمت، وذلك الفضل العظيم، الذي لا يخيب صاحبه، ويقال لأصحابه: ( انطلقوا مغفوراً لكم، والملائكة يحفونهم ويرتفعون إلى ربهم وهو أعلم، فيقول: أشهدكم إني قد غفرت لهم، فيقول ملك: يا رب، فيهم عبدك فلان وليس منهم، إنما جاء لحاجته، فيقول: هم القوم.. ) أو: ( هم الرهط لا يشقى بهم جليسهم ).

قراءة القرآن وكتب السنة لزيادة محبته صلى الله عليه وسلم

وإن كان الإنسان لا يستطيع مزاحمة العلماء بالركب فعليه أن يجلس وقتاً من أوقاته إلى كتاب من كتبه، يقرأ في كتاب الله، يقرأ في صحيح البخاري، يقرأ في صحيح مسلم، يقرأ في موطأ مالك، يقرأ في أي كتاب من كتب الحديث، يقرأ رياض الصالحين، يقرأ الأربعين النووية، يزداد حباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جربت تجربة أظن أنها لا تخلف؛ أن كل من كان مؤمناً بالله ورسوله مصدقاً له إذا أخذ فراشه، وأوى إلى النوم فقرأ ثلاثة أحاديث من رياض الصالحين، فإنه يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام؛ لأنه يزداد محبة له، وبذلك يتعلق به فيراه في المنام، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( من رآني في المنام فقد رآني؛ فإن الشيطان لا يتمثل بي )، كذلك الذي لا يستطيع قراءة الكتب عليه أن يسمع الأشرطة.

عليكم -يا إخواني- أن تتنافسوا في اقتناء الأشرطة التي تتحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأفضلها ما كان فيه كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالشريط الذي يحوي كلامه لا شك أنه أفضل من سائر الأشرطة إلا ما كان يحوي كلام الله، وكذلك الكتاب الذي فيه كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لا شك أنه أفضل من غيره من الكتب التي فيها كلام الناس؛ ولذلك قال الترمذي رحمه الله لطلبة العلم في بلده لما ألف كتابه: (من كان في بيته هذا الكتاب فكأنما في بيته نبي يتكلم).

فلذلك لابد -يا إخواني- أن نحرص جميعاً على اقتناء كتب الحديث وقراءتها، وأن يحصل لدينا من جديد في وقت إعراض الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم وما جاء به إقبال على سنته، تعالوا - يا إخواني- نتنافس الآن في القرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم باقتناء الكتب التي فيها كلامه، وتطبيق ذلك، فلن نزداد حباً له إلا إذا عرفناه.

إن هذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم له حق عظيم على أمته بالمحبة والنصرة والاتباع؛ فقد اختار الله لنا أفضل الرسل وأرسله بخير شرائع الدين، وأنزل عليه أفضل الكتب، وختم به الرسالات من عند الله؛ فلا نبي بعده، وقد زكاه الله سبحانه وتعالى بكل أنواع التزكية؛ فزكى الله عقله فقال: وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ [التكوير:22]، وزكى بصره فقال: مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى [النجم:17]، وزكى منطقه فقال: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4]، وزكى خلقه فقال: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4]، وأثنى الله عليه ثناءً عطراً في كثير من آيات كتابه؛ فقد قال تعالى: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ المَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى [النجم:1-18]، وقال تعالى بسم الله الرحمن الرحيم: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْرًا عَزِيزًا [الفتح:1-3]، وقال تعالى بسم الله الرحمن الرحيم: وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى * وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى [الضحى:1-4]، وقال تعالى -بسم الله الرحمن الرحيم-: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ [الشرح:1-4].

وقد أوجب الله سبحانه وتعالى على المؤمنين اتباعه وتحكيمه في أمرهم كله؛ فقال تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65]، وقد دعا الله المؤمنين جميعاً إلى نصرته، فقد أخذ العهد بذلك على الأنبياء السابقين، فقال تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ * فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [آل عمران:81-82]، وقال تعالى في جوابه لـموسى عليه السلام لما أخذته وأصحابه الرجفة، فقال موسى: رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ * وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ [الأعراف:155-157]، ودعا الله المؤمنين إلى نصرته فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللهِ فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ [الصف:14]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [التوبة:38-41]، وقد نصره الله سبحانه وتعالى في الدنيا والآخرة؛ فنصره في الدنيا، فمكن له في الأرض، ونصره على من عاداه؛ فقال تعالى: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ [الكوثر:1-3]، وقال تعالى: إِنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهْزِئِينَ [الحجر:95]، فكل ذلك من نصرة الله له، كما أنه نصره يوم القيامة فوعده المقام المحمود؛ فقال تعالى: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [الإسراء:79]، وهذا المقام المحمود لا ينبغي إلا لرجل واحد، وهو محمد صلى الله عليه وسلم، خصه الله به من بين الثقلين -الإنس والجن- تشريفاً له وتكريماً.

وكل هذا يقتضي منا زيادة محبته والحرص على اتباعه والسعي في نصرته، وهذه أمور هي من الناحية النظرية مسلمة لدى الجميع؛ فما منكم أحد إلا وهو موقن أنه يجب عليه أن ينصر النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يحبه حباً شديداً، أحب مما يحب أهله ونفسه وماله، لكن نريد أن نصل إلى نقاط عملية نطبقها في واقعنا وحياتنا، نزداد بها حباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم واتباعاً له، ونزداد بها نصرة له؛ حتى نتمكن من هذه النصرة التي أخذ الله علينا العهد بها، فهي ناطقة علينا، ولا يستطيع أحد منا أن يتخلص منها إلا بعمله وما يقدم.


استمع المزيد من الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي - عنوان الحلقة اسٌتمع
خطورة المتاجرة بكلمة الحق 4830 استماع
بشائر النصر 4289 استماع
أسئلة عامة [2] 4132 استماع
المسؤولية في الإسلام 4060 استماع
كيف نستقبل رمضان [1] 4000 استماع
نواقض الإيمان [2] 3947 استماع
عداوة الشيطان 3934 استماع
اللغة العربية 3931 استماع
المسابقة إلى الخيرات 3907 استماع
القضاء في الإسلام 3897 استماع