خطب ومحاضرات
من المشاريع الإسلامية
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين. أما بعد:
لا شك أن الموضوع الذي طرح الإخوة نقاشه هو موضوع مهم يفكر فيه أكثر المسلمين اليوم، سواءً منهم من كان من أهل هذا الشأن ومن ليس من أهله؛ وذلك لما للسياسة من خطر؛ فإن جرة قلم من السياسة يمكن أن تعطل الدعوة ويمكن أن تغير الفقه، ويمكن أن تغير الأخلاق ويمكن أن تغير معاش الناس، والسياسة مؤثرة في كل مجالات الحياة؛ فيمكن أن توقف عجلة النمو ويمكن أن تغير أخلاقيات الشعوب، وبالأخص في هذا الزمان الذي انفرد فيه في السياسة العالمية من يريد أن يسير الناس والعالم على مشتهاه ومراده، ونشأت ما يسمى بالنظام العالمي الجديد، مع تحفظنا على الكلمات الثلاث، فكونه نظاماً نتحفظ عليها؛ لأن الذي نراه هو الفوضى، وكونه عالمياً نتحفظ عليها؛ لأن الذي نراه أنه أمريكي، وكونه جديداً نتحفظ عليها؛ لأن الاستعمار قديم ولكن جاء بثوب جديد، وتوقف الدفع أو التدافع الذي كان حاصلاً في أيام الحرب الباردة وما سبقها؛ فلذلك يراد أن يكون العالم الآن قرية صغيرة تمشي عليه سياسة واحدة فتؤثر تلك السياسة في الدين والأخلاق والمعاش والقيم وكل شيء، فيمكن أن تفرض القيم الأمريكية مثلاً على المغاربة أو السودانيين أو غيرهم فرضاً عن طريق السياسة، ويمكن أن يفرض التعليم بالمنظور الأمريكي كذلك على الموريتانيين وعلى السعوديين أو غيرهم فتغير المناهج بمقتضى السياسة الأمريكية، وهكذا في كل مجالات الحياة.
من المعلوم شرعاً أن المسلمين قد اختط الله لهم طريقهم، واختار لهم هذا الشرع الحنيف المصدق لما بين يديه من الحق، والمنكر للأباطيل كلها والمهيمن على الدين كله، وهذا الدين الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الدين عند الله؛ فكل الديانات السابقة واللاحقة لا يمكن أن تصلح للشأن البشري إلا لمدة محصورة وفي ظروف محصورة، فالديانات تنقسم إلى قسمين: ديانات منزلة من السماء، من عند الله عز وجل، وديانات أرضية اخترعها أهل الأرض من عند أنفسهم، والقوانين الوضعية هي من هذا القبيل الأخير؛ فما هي إلا ديانات أرضية مخترعة، وقد سمى الله القانون في القرآن ديناً؛ فقال: كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ المَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ[يوسف:76] (في دين الملك) أي: في قانونه الذي يحكم به.
التشريع الإسلامي ومصدره
ولذلك فإن الله سبحانه وتعالى جعل التشريع من خصائص الألوهية فنفى كل الديانات الأهلية، وجعل كل تشريع وتقنين يفعله البشر من عند أنفسهم شركاً بالله، قال الله تعالى: أَمْ لَهمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ[الشورى:21]، وقال تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلالًا قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ[يونس:59]، فلذلك المشرع هو الله جل جلاله؛ لأنه العليم الخبير بمآلات الأمور، وكل من سواه إذا شرع فسيكون تشريعه قاصراً ناقصاً؛ لأن علمه قاصر ناقص؛ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا[الإسراء:85]، والله تعالى يقول عن نفسه: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ[الملك:14]؛ فلذلك نجد المشرع الأرضي إذا أراد أن يشرع قانوناً بقي فيه كثير من الثغرات، فيحتاج إلى التعديل في نطاق أشهر قليلة، ثم يحتاج إلى التعديل بعد ذلك.. وهكذا، تجدون القانون صادر بتاريخ كذا برقم كذا المعدل بتاريخ كذا برقم كذا، وهكذا، بل تجدون الحاجة إلى إلغاء الدساتير وتغييرها، وتكرر ذلك في العالم كله، وأرقى بلاد العالم بمنظور أهل الدنيا في كل يوم تتغير فيها القوانين ويجدون الثغرات في الدساتير وغيرها، ويجدون التناقضات الكبيرة فيما يشرعونه، وقد قال الله تعالى: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا[النساء:82]، فالاختلاف الكثير يقع في تشريعات البشر بالضرورة.
ومن هنا فمن المعلوم في الشرع الذي أنزله الله سبحانه وتعالى أن الله جعل هذا الشرع حكماً فيما بين البشر؛ فهو ينظم علاقاتهم مع الله وعلاقاتهم فيما بينهم، ولم يهمل صغيرة ولا كبيرة من شئون حياتهم، فغطى كل ذلك، إما بالتصريح وإما بالتلميح، فحياة الناس منها ما هو مغطىً بنصوص شرعية قطعية الدلالة قطعية الورود، وهذا ما لا يختلف فيه المسلمون، ومنها ما يكون مغطىً بنصوص شرعية قطعية الورود، ظنية الدلالة، وهذا يختلف فيه المسلمون اختلافاً لا ضير فيه، ومنها ما يكون مغطىً بفهم أهل العلم الراسخين الذين أحال الله إلى فهمهم واستنباطهم؛ فقد قال الله تعالى: وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ[النساء:83]، وإذا رجعنا إلى دلالات هذه الآية نجد أن الأمر لا يعدو أمرين: أمر السلم، وأمر الحرب.
أمر السلم معناه: الحالات الاعتيادية، وأمر الحرب معناه: الحالات الاستثنائية، وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ[النساء:83] الأمن: الحالات الاعتيادية، الخوف: الحالات الاستثنائية، وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ[النساء:83] بالفوضى بين الناس، يتكلم فيه كل من هب ودب ممن لا يستطيع سبر أغوار الأمور ولا يستطيع فهم نتائجها وما يترتب عليها، وَلَوْ رَدُّوهُ[النساء:83] هذا الحل، إِلَى الرَّسُولِ[النساء:83] والرد إليه بعد موته بالرد إلى سنته كما قال الإمام الشافعي في الرسالة: (الرد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرد إلى سنته، والرد إلى الله بالرد إلى كتابه) وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ[النساء:83] وعرف أولي الأمر فقال: لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ[النساء:83]، فأولو الأمر هم أهل الاستنباط؛ فهم الذين يأمرون؛ ويجب طاعتهم في أمرهم؛ لأنهم موقعون عن رب العالمين، وورثة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، والمبينون لما أنزله الله على رسوله فتجب طاعتهم ويجب الأخذ بفتواهم في أمور الشرع، لكن لا يحل لهم أن يصدروا في أمر الشرع عن الهوى، أو أن يصدروا مما سولته لهم نفوسهم؛ لأنهم نائبون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في التبليغ؛ فلذلك يقولون الحق ولو كان مراً، ويقولون الحق ولو خالف أهواءهم، ولو كان عليهم لا لهم، وقد بين الله أن هذا هو علامة الإيمان فقال في سورة النور: إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[النور:62-63]، وقال قبلها: وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ المُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعْ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ[النور:48-52].
وهذا الشرع الذي أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم لم يترك أي مجال من مجالات حياة الناس إلا غطاه بهذه التغطية، منها ما هو بين كما ذكرنا لا يقع فيه الاختلاف، ومنها ما يكون المرجع فيه إلى اجتهادات أولي الأمر وهم أهل العلم القادرون على الاستنباط فيغطونه من النصوص الشرعية.
النصوص الشرعية في تنظيم السياسة
وإذا عرفنا ذلك فإن مجال السياسة كغيره جاءت فيه نصوص تنظمه، وهذه النصوص منها ما هو قولي، ومنها ما هو عملي من عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته وسنة خلفائه الراشدين المهديين؛ فقد أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم دولة كانت سياستها مبنية على أركان واضحة مرنة، قابلة للتطبيق في كل زمان ومكان؛ فقد بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم بمكة على فترة من الرسل واقتراب من الساعة وجهالة من الناس، فجاء والناس إذ ذاك في جاهلية جهلاء وشرك بالله، وهم يعبدون الأصنام ويقطعون الأرحام، ويقتتلون فيما بينهم لأتفه الأسباب، بسبب أن فرساً غلبت أخرى كانت حرب داحس والغبراء، وبسبب أن ناقة كسرة بيضاء كانت حرب البسوس التي دامت ثلاثين سنة.
ولذلك فإن الله سبحانه وتعالى جعل التشريع من خصائص الألوهية فنفى كل الديانات الأهلية، وجعل كل تشريع وتقنين يفعله البشر من عند أنفسهم شركاً بالله، قال الله تعالى: أَمْ لَهمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ[الشورى:21]، وقال تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلالًا قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ[يونس:59]، فلذلك المشرع هو الله جل جلاله؛ لأنه العليم الخبير بمآلات الأمور، وكل من سواه إذا شرع فسيكون تشريعه قاصراً ناقصاً؛ لأن علمه قاصر ناقص؛ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا[الإسراء:85]، والله تعالى يقول عن نفسه: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ[الملك:14]؛ فلذلك نجد المشرع الأرضي إذا أراد أن يشرع قانوناً بقي فيه كثير من الثغرات، فيحتاج إلى التعديل في نطاق أشهر قليلة، ثم يحتاج إلى التعديل بعد ذلك.. وهكذا، تجدون القانون صادر بتاريخ كذا برقم كذا المعدل بتاريخ كذا برقم كذا، وهكذا، بل تجدون الحاجة إلى إلغاء الدساتير وتغييرها، وتكرر ذلك في العالم كله، وأرقى بلاد العالم بمنظور أهل الدنيا في كل يوم تتغير فيها القوانين ويجدون الثغرات في الدساتير وغيرها، ويجدون التناقضات الكبيرة فيما يشرعونه، وقد قال الله تعالى: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا[النساء:82]، فالاختلاف الكثير يقع في تشريعات البشر بالضرورة.
ومن هنا فمن المعلوم في الشرع الذي أنزله الله سبحانه وتعالى أن الله جعل هذا الشرع حكماً فيما بين البشر؛ فهو ينظم علاقاتهم مع الله وعلاقاتهم فيما بينهم، ولم يهمل صغيرة ولا كبيرة من شئون حياتهم، فغطى كل ذلك، إما بالتصريح وإما بالتلميح، فحياة الناس منها ما هو مغطىً بنصوص شرعية قطعية الدلالة قطعية الورود، وهذا ما لا يختلف فيه المسلمون، ومنها ما يكون مغطىً بنصوص شرعية قطعية الورود، ظنية الدلالة، وهذا يختلف فيه المسلمون اختلافاً لا ضير فيه، ومنها ما يكون مغطىً بفهم أهل العلم الراسخين الذين أحال الله إلى فهمهم واستنباطهم؛ فقد قال الله تعالى: وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ[النساء:83]، وإذا رجعنا إلى دلالات هذه الآية نجد أن الأمر لا يعدو أمرين: أمر السلم، وأمر الحرب.
أمر السلم معناه: الحالات الاعتيادية، وأمر الحرب معناه: الحالات الاستثنائية، وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ[النساء:83] الأمن: الحالات الاعتيادية، الخوف: الحالات الاستثنائية، وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ[النساء:83] بالفوضى بين الناس، يتكلم فيه كل من هب ودب ممن لا يستطيع سبر أغوار الأمور ولا يستطيع فهم نتائجها وما يترتب عليها، وَلَوْ رَدُّوهُ[النساء:83] هذا الحل، إِلَى الرَّسُولِ[النساء:83] والرد إليه بعد موته بالرد إلى سنته كما قال الإمام الشافعي في الرسالة: (الرد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرد إلى سنته، والرد إلى الله بالرد إلى كتابه) وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ[النساء:83] وعرف أولي الأمر فقال: لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ[النساء:83]، فأولو الأمر هم أهل الاستنباط؛ فهم الذين يأمرون؛ ويجب طاعتهم في أمرهم؛ لأنهم موقعون عن رب العالمين، وورثة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، والمبينون لما أنزله الله على رسوله فتجب طاعتهم ويجب الأخذ بفتواهم في أمور الشرع، لكن لا يحل لهم أن يصدروا في أمر الشرع عن الهوى، أو أن يصدروا مما سولته لهم نفوسهم؛ لأنهم نائبون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في التبليغ؛ فلذلك يقولون الحق ولو كان مراً، ويقولون الحق ولو خالف أهواءهم، ولو كان عليهم لا لهم، وقد بين الله أن هذا هو علامة الإيمان فقال في سورة النور: إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[النور:62-63]، وقال قبلها: وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ المُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعْ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ[النور:48-52].
وهذا الشرع الذي أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم لم يترك أي مجال من مجالات حياة الناس إلا غطاه بهذه التغطية، منها ما هو بين كما ذكرنا لا يقع فيه الاختلاف، ومنها ما يكون المرجع فيه إلى اجتهادات أولي الأمر وهم أهل العلم القادرون على الاستنباط فيغطونه من النصوص الشرعية.
وإذا عرفنا ذلك فإن مجال السياسة كغيره جاءت فيه نصوص تنظمه، وهذه النصوص منها ما هو قولي، ومنها ما هو عملي من عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته وسنة خلفائه الراشدين المهديين؛ فقد أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم دولة كانت سياستها مبنية على أركان واضحة مرنة، قابلة للتطبيق في كل زمان ومكان؛ فقد بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم بمكة على فترة من الرسل واقتراب من الساعة وجهالة من الناس، فجاء والناس إذ ذاك في جاهلية جهلاء وشرك بالله، وهم يعبدون الأصنام ويقطعون الأرحام، ويقتتلون فيما بينهم لأتفه الأسباب، بسبب أن فرساً غلبت أخرى كانت حرب داحس والغبراء، وبسبب أن ناقة كسرة بيضاء كانت حرب البسوس التي دامت ثلاثين سنة.
وجاء الرسول صلى الله عليه وسلم لتغيير كل ذلك، وللإتيان بالدين الحق الذي كانت الأديان كلها بمثابة الإعداد له كما قال الله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلامُ[آل عمران:19]، فدعا إلى الله سبحانه وتعالى ومكث ثلاث سنين لا يدعو إلا من يثق به، وبعد ذلك قسم الذين التحقوا به إلى ثلاثة أقسام:
من يصلح لتحمل المسئولية دون عوائق
القسم الأول: الذين يصلحون لتحمل المسئوليات والأعباء، ويمكن أن يكتموا الأسرار وينفردوا عن المجتمع، ويتلقوا التربية الخاصة جعل لهم محضناً خاصاً هو دار الأرقم ، وأقام لهم تنظيماً سيقيم هذه الدولة فيما بعد.
من يصلح لتحمل المسئولية مع عوائق تتعلق بالمجتمع
والقسم الثاني: الذين ليس لديهم عوائق في أنفسهم، وهم مثل سابقيهم في الاستعداد لهذا المشروع والقيام بهذه الأعباء، ولكن لديهم عوائق تتعلق بالمجتمع من حولهم لحاجته إليهم، وهؤلاء جعل لهم محضناً آخر وهو دار سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وزوجته فاطمة بنت الخطاب بن عمرو بن نفيل .
ونرى في اختيار الرسول صلى الله عليه وسلم لهذين المحضنين أمراً عجيباً؛ فـالأرقم بن أبي الأرقم شاب من بني مخزوم، وهم من حلف لعقة الدم، الذي كان مغايراً لبني هاشم؛ فبنو هاشم يرأسون حلفاً من قريش هو حلف المطيبين، ومخزوم وبنو عدي في الحلف الآخر، الذي هو حلف لعقة الدم، وقد كانت النفرة حاصلة بينهم وبين بني هاشم في الجاهلية، فجاء الإسلام فزادها فكان أبو جهل عمرو بن هشام من ألد أعداء هذه الدعوة منذ بدايتها؛ فلم يختر النبي صلى الله عليه وسلم هذين المحضنين في ديار بني هاشم ولا في ديار بني المطلب ولا في ديار أحد من حلف الفضول، وإنما اختار رجلين من الحلف الآخر.
ثم إن دار الأرقم كانت على الصفا؛ فلذلك هي مؤمنة تأميناً كاملاً؛ لأن الإنسان إذا رأى من يتابعه وهو يريد الدخول أو الخروج من دار الأرقم يجعل ذلك سعياً بين الصفا والمروة، ولا يستغرب السعي بينهما في أية ساعة من ليل أو نهار؛ لأن هذا من شأن الناس وعبادتهم، وأما سعيد بن زيد فقد كانت داره قريبة من عمر بن الخطاب وهو إذ ذاك من أشد أعداء هذه الدعوة وألدهم، ففيها أخته وابن عمه وهو يزورها في كل وقت؛ فكانت مؤمنة تأميناً صحيحاً.
والقسم الأول له أمثلة؛ فمن أمثلته أبو بكر الصديق و علي بن أبي طالب و الزبير و طلحة و أبو عبيدة بن الجراح وغيرهم.
والقسم الثاني من أمثلته: عمار بن ياسر ، وكان تاجراً يبيع للناس بالسقط؛ فالناس بحاجة إليه في كل وقت، ولو طلبوه فوجدوه في دار الأرقم لاكتشف التنظيم والعمل.
ومنهم عبد الله بن مسعود وكان راعياً يرعى الغنم على الناس، فلو أضل قوم شاة من الليل وجاءوا يطلبون ابن مسعود فوجدوه في دار الأرقم لاكتشف التنظيم والعمل، ومنهم خباب بن الأرت ، وكان حداداً يصلح للناس الأبواب والنوافذ؛ فلو جاء قوم يطلبونه لإصلاح باب أو نافذة من الليل ووجدوه في دار الأرقم لاكتشف التنظيم والعمل، فجعل لهم محضناً مستقلاً.
من لا يصلح لتحمل المسئولية لوجود العوائق
القسم الثالث: الذين لا يصلحون لتحمل هذه الأعباء، وليس ذك نقصاً في إيمانهم ولا في مستواهم في الشرع، ولكنه راجع إلى أصل خلقتهم وفطرتهم، وهؤلاء لم يقبل النبي صلى الله عليه وسلم انتظامهم في إطاره الذي أقامه، بل قال لكل واحد منهم: ( ارجع إلى قومك فكن فيهم، فإذا علمت أن الله أظفرني فالحق بي )، ومن هؤلاء أبو ذر وحديث إسلامه في الصحيحين، فإنه قال: ( كنت في قومي فلم أزل أسمع بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم، فلما كثر علي ذلك أرسلت أخي فقلت: اذهب إلى مكة فأتني بجلية أمر هذا الرجل؛ فعاد فقال: وجدته والناس فيه مختلفون، بين مصدق له ومكذب، وقومه عليه جرآء، فقلت: لم تشف لي غليلاً، فقعدت على راحلتي فأتيت مكة، فاستقبلني الملأ من قريش عند الكعبة فقالوا: لعلك غريب بهذا الوادي فإن به رجلاً ساحراً هو أسحر خلق الله؛ فحذاري أن يفتنك، فجعلت قطناً في أذني؛ لئلا أسمع شيئاً من كلامه.. ) انظروا إلى الاستعجال! مجرد سماع كلام الخصم أثر فيه هذا التأثير، قال: ( فجلست عند الكعبة فأتاني علي بن أبي طالب وهو شاب حدث، فقال: لعلك غريب بهذا الوادي؟ قلت: أجل، قال: هل لك في ضيافة؟ قلت: وددت ذلك؛ فقال: اتبعني، فكان إذا رأى من ينظر إليه تشاغل بإصلاح نعله.. ) فهو يؤمن الخروج بهذا الضيف حتى يوصله إلى النبي صلى الله عليه وسلم ( حتى أدخلني على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأيت وجهه عرفت أنه ليس وجه كذاب، فعرض علي الإسلام فأسلمت ) وضيفوه وأكرموه، ثم لما أراد الخروج قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ارجع إلى قومك فكن فيهم، فإذا علمت أن الله أظهرني فالحق بي، واكتم إيمانك عن قريش فإني أخافهم عليك، قلت: والذي بعثك بالحق لأرمين بها بين أظهرهم.. )، انظروا إلى السبب الذي جعل النبي صلى الله عليه وسلم لا يلحق أبا ذر رضي الله عنه بهذا العمل، رجل علانية لا يستطيع الكتمان، وليس ذلك نقصاً في إيمانه ولا في مستواه، بل هو من أفاضل الصحابة الكرام ومن أعالي أهل الجنة المشهود لهم بها، لكن أصل خلقته لا تتحمل.
والثاني من هذا النوع: الطفيل بن عمرو الدوسي ، وحديث إسلامه في صحيح البخاري وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ( ارجع إلى قومك فكن فيهم، فإذا علمت أن الله أظهرني فالحق بي. قال: فأتيت قومي من الليل فاستقبلني أبي فقلت: إليك عني فلست منك ولست مني! قال: ولم يا بني؟! قلت: تابعت محمداً ودخلت في دينه، قال: ديني دينك، فاستقبلتني أمي فقلت: إليك عني فلست منك ولست مني! قالت: ولم يا بني؟! قلت: تابعت محمداً ودخلت في دينه، قالت: ديني دينك، فاستقبلتني صاحبتي فقلت: إليك عني فلست منك ولست مني؟! قالت: ولم؟! قلت: تابعت محمداً ودخلت في دينه، قالت: ديني دينك )، فهو رجل ناجح في العمل الدعوي العلني، ولكنه لا يستطيع تحمل الكتمان وتحمل الأعباء الشديدة؛ فلذلك لم يجعله النبي صلى الله عليه وسلم منتظماً في هذا العمل.
القسم الأول: الذين يصلحون لتحمل المسئوليات والأعباء، ويمكن أن يكتموا الأسرار وينفردوا عن المجتمع، ويتلقوا التربية الخاصة جعل لهم محضناً خاصاً هو دار الأرقم ، وأقام لهم تنظيماً سيقيم هذه الدولة فيما بعد.
والقسم الثاني: الذين ليس لديهم عوائق في أنفسهم، وهم مثل سابقيهم في الاستعداد لهذا المشروع والقيام بهذه الأعباء، ولكن لديهم عوائق تتعلق بالمجتمع من حولهم لحاجته إليهم، وهؤلاء جعل لهم محضناً آخر وهو دار سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وزوجته فاطمة بنت الخطاب بن عمرو بن نفيل .
ونرى في اختيار الرسول صلى الله عليه وسلم لهذين المحضنين أمراً عجيباً؛ فـالأرقم بن أبي الأرقم شاب من بني مخزوم، وهم من حلف لعقة الدم، الذي كان مغايراً لبني هاشم؛ فبنو هاشم يرأسون حلفاً من قريش هو حلف المطيبين، ومخزوم وبنو عدي في الحلف الآخر، الذي هو حلف لعقة الدم، وقد كانت النفرة حاصلة بينهم وبين بني هاشم في الجاهلية، فجاء الإسلام فزادها فكان أبو جهل عمرو بن هشام من ألد أعداء هذه الدعوة منذ بدايتها؛ فلم يختر النبي صلى الله عليه وسلم هذين المحضنين في ديار بني هاشم ولا في ديار بني المطلب ولا في ديار أحد من حلف الفضول، وإنما اختار رجلين من الحلف الآخر.
ثم إن دار الأرقم كانت على الصفا؛ فلذلك هي مؤمنة تأميناً كاملاً؛ لأن الإنسان إذا رأى من يتابعه وهو يريد الدخول أو الخروج من دار الأرقم يجعل ذلك سعياً بين الصفا والمروة، ولا يستغرب السعي بينهما في أية ساعة من ليل أو نهار؛ لأن هذا من شأن الناس وعبادتهم، وأما سعيد بن زيد فقد كانت داره قريبة من عمر بن الخطاب وهو إذ ذاك من أشد أعداء هذه الدعوة وألدهم، ففيها أخته وابن عمه وهو يزورها في كل وقت؛ فكانت مؤمنة تأميناً صحيحاً.
والقسم الأول له أمثلة؛ فمن أمثلته أبو بكر الصديق و علي بن أبي طالب و الزبير و طلحة و أبو عبيدة بن الجراح وغيرهم.
والقسم الثاني من أمثلته: عمار بن ياسر ، وكان تاجراً يبيع للناس بالسقط؛ فالناس بحاجة إليه في كل وقت، ولو طلبوه فوجدوه في دار الأرقم لاكتشف التنظيم والعمل.
ومنهم عبد الله بن مسعود وكان راعياً يرعى الغنم على الناس، فلو أضل قوم شاة من الليل وجاءوا يطلبون ابن مسعود فوجدوه في دار الأرقم لاكتشف التنظيم والعمل، ومنهم خباب بن الأرت ، وكان حداداً يصلح للناس الأبواب والنوافذ؛ فلو جاء قوم يطلبونه لإصلاح باب أو نافذة من الليل ووجدوه في دار الأرقم لاكتشف التنظيم والعمل، فجعل لهم محضناً مستقلاً.
القسم الثالث: الذين لا يصلحون لتحمل هذه الأعباء، وليس ذك نقصاً في إيمانهم ولا في مستواهم في الشرع، ولكنه راجع إلى أصل خلقتهم وفطرتهم، وهؤلاء لم يقبل النبي صلى الله عليه وسلم انتظامهم في إطاره الذي أقامه، بل قال لكل واحد منهم: ( ارجع إلى قومك فكن فيهم، فإذا علمت أن الله أظفرني فالحق بي )، ومن هؤلاء أبو ذر وحديث إسلامه في الصحيحين، فإنه قال: ( كنت في قومي فلم أزل أسمع بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم، فلما كثر علي ذلك أرسلت أخي فقلت: اذهب إلى مكة فأتني بجلية أمر هذا الرجل؛ فعاد فقال: وجدته والناس فيه مختلفون، بين مصدق له ومكذب، وقومه عليه جرآء، فقلت: لم تشف لي غليلاً، فقعدت على راحلتي فأتيت مكة، فاستقبلني الملأ من قريش عند الكعبة فقالوا: لعلك غريب بهذا الوادي فإن به رجلاً ساحراً هو أسحر خلق الله؛ فحذاري أن يفتنك، فجعلت قطناً في أذني؛ لئلا أسمع شيئاً من كلامه.. ) انظروا إلى الاستعجال! مجرد سماع كلام الخصم أثر فيه هذا التأثير، قال: ( فجلست عند الكعبة فأتاني علي بن أبي طالب وهو شاب حدث، فقال: لعلك غريب بهذا الوادي؟ قلت: أجل، قال: هل لك في ضيافة؟ قلت: وددت ذلك؛ فقال: اتبعني، فكان إذا رأى من ينظر إليه تشاغل بإصلاح نعله.. ) فهو يؤمن الخروج بهذا الضيف حتى يوصله إلى النبي صلى الله عليه وسلم ( حتى أدخلني على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأيت وجهه عرفت أنه ليس وجه كذاب، فعرض علي الإسلام فأسلمت ) وضيفوه وأكرموه، ثم لما أراد الخروج قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ارجع إلى قومك فكن فيهم، فإذا علمت أن الله أظهرني فالحق بي، واكتم إيمانك عن قريش فإني أخافهم عليك، قلت: والذي بعثك بالحق لأرمين بها بين أظهرهم.. )، انظروا إلى السبب الذي جعل النبي صلى الله عليه وسلم لا يلحق أبا ذر رضي الله عنه بهذا العمل، رجل علانية لا يستطيع الكتمان، وليس ذلك نقصاً في إيمانه ولا في مستواه، بل هو من أفاضل الصحابة الكرام ومن أعالي أهل الجنة المشهود لهم بها، لكن أصل خلقته لا تتحمل.
والثاني من هذا النوع: الطفيل بن عمرو الدوسي ، وحديث إسلامه في صحيح البخاري وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ( ارجع إلى قومك فكن فيهم، فإذا علمت أن الله أظهرني فالحق بي. قال: فأتيت قومي من الليل فاستقبلني أبي فقلت: إليك عني فلست منك ولست مني! قال: ولم يا بني؟! قلت: تابعت محمداً ودخلت في دينه، قال: ديني دينك، فاستقبلتني أمي فقلت: إليك عني فلست منك ولست مني! قالت: ولم يا بني؟! قلت: تابعت محمداً ودخلت في دينه، قالت: ديني دينك، فاستقبلتني صاحبتي فقلت: إليك عني فلست منك ولست مني؟! قالت: ولم؟! قلت: تابعت محمداً ودخلت في دينه، قالت: ديني دينك )، فهو رجل ناجح في العمل الدعوي العلني، ولكنه لا يستطيع تحمل الكتمان وتحمل الأعباء الشديدة؛ فلذلك لم يجعله النبي صلى الله عليه وسلم منتظماً في هذا العمل.
استمع المزيد من الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
خطورة المتاجرة بكلمة الحق | 4830 استماع |
بشائر النصر | 4289 استماع |
أسئلة عامة [2] | 4133 استماع |
المسؤولية في الإسلام | 4061 استماع |
كيف نستقبل رمضان [1] | 4001 استماع |
نواقض الإيمان [2] | 3947 استماع |
عداوة الشيطان | 3935 استماع |
اللغة العربية | 3931 استماع |
المسابقة إلى الخيرات | 3908 استماع |
القضاء في الإسلام | 3897 استماع |