حديث الروح


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وأصحابه وأتباعه الذين قضوا بالحق وكانوا يعدلون.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:71].

ربِّ لك الحمد لا أحصي الجميل إذا     نفثتُ يوماً شكاة القلب في كرب

فلا تؤاخذ إذا زل اللسان وما      شيء سوى الحمد في الضراء يجمل بي

لك الحياة كما ترضى بشاشتها     فيما تحب وإن باتت على غضب

رضيت في حبك الأيام جائرةً     فعلقم الدهر إن أرضاك كالعذب

الترحيب بالجمع الحاضر

أيها الأحبة: أود أن أرحب بكم ترحيباً حاراً، يتناسب مع هذا الجمع الغفير، الذي حضر في هذا المسجد، لحضور مجلس من مجالس العلم، والقعود في روضة من رياض الجنة، لكن الدهشة تعقد لساني وأنا أرى هذا الجمع يضيق به الرحب، فتموت الكلمات في فمي قبل ميلادها، خاصة وأنا أرى أمامي عدداً كبيراً من أصحاب الفضيلة المشايخ، وأهل العلم وأساتذة الجامعات ورجال الدعوة والإصلاح، من هذا البلد ومن غيره، فمعذرة -أيها الأحبة- لكم جميعاً، إن عيي اللسان وعجز البيان.

الفرحة بوجود المشايخ

أحبتي في الله:

يشهد الله تعالى أنني أفرح بمثل هذا الجمع، لكن لغيري أفرح به، لو كان احتشد لسماع صوت داعية من دعاة الحق النابهين، كأمثال الشيخ الكريم عائض بن عبد الله القرني، أو الشيخ عبد الوهاب الناصر، أو الشيخ سعيد بن زعير، أو الشيخناصر العمر، أو الشيخ سفر الحوالي، أو الشيخ صالح الونيان أو غيرهم من أصحاب الفضيلة وأهل العلم، أما أن يكون احتشد لسماع ما عندي، فهذا والله يحزنني ويضايقني، وذلك لعلمي أني لا أملك الشيء الذي جاءوا يطلبونه، ووفدوا من أجله، وإنني أحوج إلى هذا الشيء منهم، وكما قال أحدهم: (فاقد الشيء لا يعطيه) ومع ذلك فإنه لا يفوت لي أن أشيد بمعنى كبير من معاني هذا الحضور إلى حلق العلم، ومجالس الذكر، فإن هذه الجموع جاءت لتعلن بحالها ومقالها، أن الأمة لم تعد تلك اللاهثة وراء التوافه من الأمور، ولم تعد تلك الجموع الساذجة، التي تبدأ همومها وتنتهي عند مباراة كرة، أو سهرة في غناء، أو حفلة لا طائل من ورائها، لكنها أصبحت أمة تعنيها قضيتها وتهمها هويتها، وتسعى إلى حيث تظن أنها تجد العلم والدعوة والكلمة.

فهنيئاً أيها الإخوة لكل وافد إلى روضة من رياض الجنة، تتنـزل فيه الرحمات، وإلى حيث يباهي الله تعالى ملائكته، وينـزل رحمته ويقول:{هم القوم لا يشقى بهم جليسهم}.

أيها الإخوة: يشهد الله تعالى أنني أتيت إلى هذا الموقع، وكل ما أتمناه أن أكون ممن يقول الله تعالى له:{هم القوم لا يشقى بهم جليسهم} فأكون غير شقي بمجالستكم ومقابلتكم لعل رحمة الله أن تنـزل فتعمني وتعمكم أجمعين، وتحية أيها الأحبة، لكل شاب آثر الجد في حياته على العبث، وآثر العمل على اللهو، وآثر الدعوة والإصلاح على الضياع والغفلة.

هذه المجالس أثر نبوي

أيها الإخوة:

إن هذه المجالس التي نجلسها والدروس التي نتحدث فيها ونعقدها، هي أثر نبوي وهدي محمدي، نقتفي فيه أثر محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم يوم كان يجمع أصحابه إليه ليصل الأرض بوحي السماء، ثم كان أصحابه من بعده على إثره، فكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يجلس بـأهل الكوفة كل خميس، ومثله كان أبو هريرة رضي الله عنه في المدينة وابن عباس في مكة، ومعاذ في الشام وهكذا، ثم ورث هذه المهمة الجليلة النبيلة علماء الإسلام، جيل بعد جيل، ورعيل بعد رعيل، وأمة إثر أمة، يأخذ الآخِر عن الأول.

أيها الأحبة: إن كل بضاعتنا، آية محكمة أو سنة ماضية، أو علم ينتفع به، وما كانت مجالس العلم في المساجد يوماً من الأيام، مجالس لهو ولعب، ولا مجالس عبث ومتعة، ولا مجالس سفه ولذة، وإنما يقفو فيها الدعاة أثر أنبياء الله ورسله، ينادي كل منهم: يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ [الأعراف:59] أما غير هذا فليس من بضاعتنا، وقد رضي الدعاة كلهم.

من عاجل الدنيا بهذا الفرح الغامر المتصل الذي يعمر قلوبهم، فيحسون به في كل بسمة صدق، وفي كل رعشة طرف، وفي كل تحية، وكل كلمة، وكل خطوة، بل وفي كل غمضة عين، فإذا رأوا أرباب الدنيا، وما هم فيه من الكد والنكد والهم المقعد المقيم، انطلقت ألسنتهم بعفوية تامة، وأيديهم مرفوعة إلى السماء تقول: الحمد لله الذي عافانا مما ابتلاكم به، وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلا.

الدعاة ملوك على الأسرة

إن الدعاة إلى الله تعالى يركبون اليوم وفي كل يوم ثبج هذا البحر المتلاطم اللجي، ملوكاً على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة، كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم- عن الغزاة الذين يركبون البحر مجاهدين في سبيل الله حين رآهم في منامه، فاستيقظ وهو يضحك أنه قد رأى أناساً من أمته ملوكاً على الأسرة، أو مثل الملوك على الأسرة، غزاة في سبيل الله تعالى، والدعاة إلى الله لا يرضون أبداً أن تكون الدنيا كلها جزاء لبعض ما عملوه وقدموه، فضلاً عن أن تكون جزاء لكل ما عملوه وقدموه، فلئن كان لهم على جهادهم في سبيل الله تعالى أجر في الآخرة، فهم لا يبيعون أجرهم من الآخرة بعاجل الدنيا، ولا يبيعون الذهب بالخزف، ولئن كانوا محرومين من الأجر، فما فاتهم من أمر الآخرة لا يعوض بثمن، ولا ينفع بعده أن يملكوا الدنيا وما فيها، فهم قد رضوا بالدار الآخرة، حين رضي غيرهم بالدنيا، قال تعالى: فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ [التوبة:38].

سبب توقف الدروس

كان آخر درس انعقد في هذا المسجد المبارك، هو برقم (34) وكان بعنوان (الشريط الإسلامي ما له وما عليه) وكان بتاريخ (1/6/1411هـ)، وحصل بعده التوقف بسبب السفر، ثم الامتحانات إلى غير ذلك من الأسباب التي هي غير خافية عليكم، إن المدة التي فصلت بين هذا الدرس الذي نعقده الآن، وبين ذاك الدرس هي ثمانية أشهر بالكمال والتمام، بقي شهر واحد لتصبح تسعة أشهر، ولو كان ذلك كذلك لصح فيها قول العقاد في قصيدته المشهورة، التي ألقاها على ضريح سعد حينما خرج من السجن، وكان يقول في مطلعها:-

إلى الذاهب الباقي ذهاب مجدد     وعند ثرى سعد مثاب ومعهد

إلى مرجع الأحرار في الشرق كله     إلى قبلةٍ فيها الإمام موسد

خرجت له أسعى وفي كل خطوة     دعاء يؤدى أو ولاء يؤكد

وشاهدي من تلك القصيدة: قوله:-

وكنت جنين السجن تسعة أشهر     وهأنذا في ساحة الخلد أولد

ففي كل يوم يولد المرء ذو الحجى     وفي كل يوم ذو الجهالة يلحد

وما غيبتني ظلمة السجن عزمة     فما كل ليل حين يغشاك مرقد

وما غيبتني ظلمة السجن عن سنىً     من الرأي يتلو فرقدا منه فرقد

عداتي وصحبي لا اختلاف عليهم     سيعهدني كلٌ كما كان يعهد

إنها معان كبيرة، فهو يقول: إن المرء العاقل اللبيب يكتسب كل يوم ميلاداً جديداً لخبرة وتجربة تحنكه لموقع قدمه، وإن المرء الجاهل يدفن في كل يوم بألوان من الجهالات، وسوء الرأي وخطأ التدبير.

ويقول: إن غيابة السجن لم تحطم عزيمتي، بل زادتني قوة ومضاء، فليس كل ليل يغشاك فرصة للنوم والرقاد، ويقول: لن يغير ما حدث لي شيئاً مما كنت عليه، فأعدائي وأصدقائي سيجدوني كما عهدوني لا اختلاف عليهم، فما أجمل ما قاله العقاد في قصيدته هذه.

أيها الأحبة: أود أن أرحب بكم ترحيباً حاراً، يتناسب مع هذا الجمع الغفير، الذي حضر في هذا المسجد، لحضور مجلس من مجالس العلم، والقعود في روضة من رياض الجنة، لكن الدهشة تعقد لساني وأنا أرى هذا الجمع يضيق به الرحب، فتموت الكلمات في فمي قبل ميلادها، خاصة وأنا أرى أمامي عدداً كبيراً من أصحاب الفضيلة المشايخ، وأهل العلم وأساتذة الجامعات ورجال الدعوة والإصلاح، من هذا البلد ومن غيره، فمعذرة -أيها الأحبة- لكم جميعاً، إن عيي اللسان وعجز البيان.

أحبتي في الله:

يشهد الله تعالى أنني أفرح بمثل هذا الجمع، لكن لغيري أفرح به، لو كان احتشد لسماع صوت داعية من دعاة الحق النابهين، كأمثال الشيخ الكريم عائض بن عبد الله القرني، أو الشيخ عبد الوهاب الناصر، أو الشيخ سعيد بن زعير، أو الشيخناصر العمر، أو الشيخ سفر الحوالي، أو الشيخ صالح الونيان أو غيرهم من أصحاب الفضيلة وأهل العلم، أما أن يكون احتشد لسماع ما عندي، فهذا والله يحزنني ويضايقني، وذلك لعلمي أني لا أملك الشيء الذي جاءوا يطلبونه، ووفدوا من أجله، وإنني أحوج إلى هذا الشيء منهم، وكما قال أحدهم: (فاقد الشيء لا يعطيه) ومع ذلك فإنه لا يفوت لي أن أشيد بمعنى كبير من معاني هذا الحضور إلى حلق العلم، ومجالس الذكر، فإن هذه الجموع جاءت لتعلن بحالها ومقالها، أن الأمة لم تعد تلك اللاهثة وراء التوافه من الأمور، ولم تعد تلك الجموع الساذجة، التي تبدأ همومها وتنتهي عند مباراة كرة، أو سهرة في غناء، أو حفلة لا طائل من ورائها، لكنها أصبحت أمة تعنيها قضيتها وتهمها هويتها، وتسعى إلى حيث تظن أنها تجد العلم والدعوة والكلمة.

فهنيئاً أيها الإخوة لكل وافد إلى روضة من رياض الجنة، تتنـزل فيه الرحمات، وإلى حيث يباهي الله تعالى ملائكته، وينـزل رحمته ويقول:{هم القوم لا يشقى بهم جليسهم}.

أيها الإخوة: يشهد الله تعالى أنني أتيت إلى هذا الموقع، وكل ما أتمناه أن أكون ممن يقول الله تعالى له:{هم القوم لا يشقى بهم جليسهم} فأكون غير شقي بمجالستكم ومقابلتكم لعل رحمة الله أن تنـزل فتعمني وتعمكم أجمعين، وتحية أيها الأحبة، لكل شاب آثر الجد في حياته على العبث، وآثر العمل على اللهو، وآثر الدعوة والإصلاح على الضياع والغفلة.

أيها الإخوة:

إن هذه المجالس التي نجلسها والدروس التي نتحدث فيها ونعقدها، هي أثر نبوي وهدي محمدي، نقتفي فيه أثر محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم يوم كان يجمع أصحابه إليه ليصل الأرض بوحي السماء، ثم كان أصحابه من بعده على إثره، فكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يجلس بـأهل الكوفة كل خميس، ومثله كان أبو هريرة رضي الله عنه في المدينة وابن عباس في مكة، ومعاذ في الشام وهكذا، ثم ورث هذه المهمة الجليلة النبيلة علماء الإسلام، جيل بعد جيل، ورعيل بعد رعيل، وأمة إثر أمة، يأخذ الآخِر عن الأول.

أيها الأحبة: إن كل بضاعتنا، آية محكمة أو سنة ماضية، أو علم ينتفع به، وما كانت مجالس العلم في المساجد يوماً من الأيام، مجالس لهو ولعب، ولا مجالس عبث ومتعة، ولا مجالس سفه ولذة، وإنما يقفو فيها الدعاة أثر أنبياء الله ورسله، ينادي كل منهم: يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ [الأعراف:59] أما غير هذا فليس من بضاعتنا، وقد رضي الدعاة كلهم.

من عاجل الدنيا بهذا الفرح الغامر المتصل الذي يعمر قلوبهم، فيحسون به في كل بسمة صدق، وفي كل رعشة طرف، وفي كل تحية، وكل كلمة، وكل خطوة، بل وفي كل غمضة عين، فإذا رأوا أرباب الدنيا، وما هم فيه من الكد والنكد والهم المقعد المقيم، انطلقت ألسنتهم بعفوية تامة، وأيديهم مرفوعة إلى السماء تقول: الحمد لله الذي عافانا مما ابتلاكم به، وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلا.

إن الدعاة إلى الله تعالى يركبون اليوم وفي كل يوم ثبج هذا البحر المتلاطم اللجي، ملوكاً على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة، كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم- عن الغزاة الذين يركبون البحر مجاهدين في سبيل الله حين رآهم في منامه، فاستيقظ وهو يضحك أنه قد رأى أناساً من أمته ملوكاً على الأسرة، أو مثل الملوك على الأسرة، غزاة في سبيل الله تعالى، والدعاة إلى الله لا يرضون أبداً أن تكون الدنيا كلها جزاء لبعض ما عملوه وقدموه، فضلاً عن أن تكون جزاء لكل ما عملوه وقدموه، فلئن كان لهم على جهادهم في سبيل الله تعالى أجر في الآخرة، فهم لا يبيعون أجرهم من الآخرة بعاجل الدنيا، ولا يبيعون الذهب بالخزف، ولئن كانوا محرومين من الأجر، فما فاتهم من أمر الآخرة لا يعوض بثمن، ولا ينفع بعده أن يملكوا الدنيا وما فيها، فهم قد رضوا بالدار الآخرة، حين رضي غيرهم بالدنيا، قال تعالى: فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ [التوبة:38].

كان آخر درس انعقد في هذا المسجد المبارك، هو برقم (34) وكان بعنوان (الشريط الإسلامي ما له وما عليه) وكان بتاريخ (1/6/1411هـ)، وحصل بعده التوقف بسبب السفر، ثم الامتحانات إلى غير ذلك من الأسباب التي هي غير خافية عليكم، إن المدة التي فصلت بين هذا الدرس الذي نعقده الآن، وبين ذاك الدرس هي ثمانية أشهر بالكمال والتمام، بقي شهر واحد لتصبح تسعة أشهر، ولو كان ذلك كذلك لصح فيها قول العقاد في قصيدته المشهورة، التي ألقاها على ضريح سعد حينما خرج من السجن، وكان يقول في مطلعها:-

إلى الذاهب الباقي ذهاب مجدد     وعند ثرى سعد مثاب ومعهد

إلى مرجع الأحرار في الشرق كله     إلى قبلةٍ فيها الإمام موسد

خرجت له أسعى وفي كل خطوة     دعاء يؤدى أو ولاء يؤكد

وشاهدي من تلك القصيدة: قوله:-

وكنت جنين السجن تسعة أشهر     وهأنذا في ساحة الخلد أولد

ففي كل يوم يولد المرء ذو الحجى     وفي كل يوم ذو الجهالة يلحد

وما غيبتني ظلمة السجن عزمة     فما كل ليل حين يغشاك مرقد

وما غيبتني ظلمة السجن عن سنىً     من الرأي يتلو فرقدا منه فرقد

عداتي وصحبي لا اختلاف عليهم     سيعهدني كلٌ كما كان يعهد

إنها معان كبيرة، فهو يقول: إن المرء العاقل اللبيب يكتسب كل يوم ميلاداً جديداً لخبرة وتجربة تحنكه لموقع قدمه، وإن المرء الجاهل يدفن في كل يوم بألوان من الجهالات، وسوء الرأي وخطأ التدبير.

ويقول: إن غيابة السجن لم تحطم عزيمتي، بل زادتني قوة ومضاء، فليس كل ليل يغشاك فرصة للنوم والرقاد، ويقول: لن يغير ما حدث لي شيئاً مما كنت عليه، فأعدائي وأصدقائي سيجدوني كما عهدوني لا اختلاف عليهم، فما أجمل ما قاله العقاد في قصيدته هذه.

أيها الأحبة: على أنني أشكركم على هذا الحضور المعبر كما أسلفت من هذا البلد، ومن بلاد ومناطق أخرى، إلا أنه يقلقني أن أرى هذا الجمع أمامي، فهذا الجمع ما حضر إلا ليسمع شيئاً ثميناً سميناً، وهذا الشيء الثمين السمين لا أملكه ولا أستطيعه، فلعل كرمكم الذي دعاكم إلى هذا الحضور، أن يدعوكم إلى أن تلتمسوا العذر لأخيكم في هذا الوقت وفي كل وقت، وقد خاطرت نفسي -أيها الأحبة- كثيراً فيما أتحدث به إليكم في هذه الجلسة الافتتاحية الحافلة، فلم أجد من المناسب أن أعالج موضوعاً خاصاً محددا،ً كما هي العادة في هذه الدروس، ولكني وجدتها فرصة للإفضاء إليكم بمجموعة من الخواطر والأحاسيس المتأججة في نفسي، وإن كانت متفرقة متناثرة، فالحديث -كما تقول العرب- ذو شجون.

ثم احترت في العنوان الذي يجمع شتات هذا الحديث فأطل علي اختيار الإمام ابن الجوزي رحمه الله وقال لي ليكن عنوان حديثك (صيد الخاطر) ولكن سبقه حسن تعبير محمد إقبال رحمه الله في قصيدته (جواب شكوى) فقال: بل حديث الروح فكان عنوان هذه الجلسة (حديث الروح).

حديث الروح للأرواح يسري     فتدركه القلوب بلا عناء

هتفت به فطار بلا جناح     وشق أنينه صدر الفضاء

ومعدنه ترابيٌ ولكن      جرت في لفظه لغة السماء

لقد فاضت دموع العشق مني     حديثا كان علوي النداء

فحلق في ربا الأفلاك حتى     أهاج العالم الأعلى بكائي

أيها الأحبة: وفي الوقت الذي أشكر فيه جميل مشاعركم وكبير جهودكم في عودة هذه الدروس إلى ما كانت عليه، فإنكم دون شك تدركون أنكم كنتم تصنعون شيئاً ترونه أنتم نافعاً للأمة، أو لأفراد من الأمة، وإنني إذ أقدر اجتهادكم وجهادكم وبلاءكم، أقدر أيضاً جهاد أولئك الأئمة الأفاضل النبلاء الذين كان لهم بلاء أي بلاء، وعلى رأسهم سماحة الوالد الإمام العلامة بقية السلف الصالح الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن بازحفظه الله، وفضيلة الشيخ العالم الداعية الموفق محمد بن صالح العثيمين، وفضيلة الشيخ عبد الرحمن العجلان، وأمثالهم من مشايخ كُثر، لا يحضرني عدهم وحصرهم ولا أنسى منهم أيضاً الشيخ صالح الفوزان، والشيخ صالح اللحيدان، وغيرهم من كبار شيوخنا، ممن بذلوا جهودهم في عودة هذه الدروس ومشاركتنا ومشاركتكم جميعاً في ذلك.


استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة اسٌتمع
أحاديث موضوعة متداولة 5123 استماع
حديث الهجرة 5011 استماع
تلك الرسل 4156 استماع
الصومال الجريح 4147 استماع
مصير المترفين 4124 استماع
تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة 4053 استماع
وقفات مع سورة ق 3978 استماع
مقياس الربح والخسارة 3931 استماع
نظرة في مستقبل الدعوة الإسلامية 3873 استماع
العالم الشرعي بين الواقع والمثال 3834 استماع