الإعلام الإسرائيلي رؤية الجلاد للضحية
مدة
قراءة المادة :
27 دقائق
.
الإعلام الإسرائيلي رؤية الجلاد للضحية
باسل يوسف النيرب
تعي إسرائيل من جانبها أهمية الإعلام، وتسعى دائماً إلى الاستفادة من بيوت الخبرة الإعلامية المشهورة لتحسين صورتها، وقد جاءت توصيات تلك البيوت الإعلامية بإنشاء قنوات تلفزيونية وإذاعية متخصصة هدفها العرب والمسلمون عموماً، وهذا في سبيل تحقيق نصر وإنجاز إعلامي ليسجل لبني صهيون.
وفيما يلي نحاول استعراض أبرز منطلقات الخطاب الإعلامي الإسرائيلي، وتسليط الضوء على الإذاعة الإسرائيلية، وتوضيح نوعية البرامج الموجهة للعرب، وكذلك التلفزيون ونوعية برامجه، وإلقاء نظرة على الدعاية الإسرائيلية، والخطوات الساعية إلى إعادة ترتيب الإعلام فيها.
- منطلقات الخطاب الإعلامي الإسرائيلي:
استند الخطاب الإعلامي الإسرائيلي إلى جملة من المفاهيم الأساسية والأيديولوجية المتعلقة بأرض فلسطين، والأمتين العربية والإسلامية، ومما لا شك فيه أن خطابهم الإعلامي هو جزء أصيل من أدبيات الدعاية الصهيونية السياسية والفكرية التي تقوم على ما يلي:
1 ـ أرض فلسطين هي أرض الميعاد، وهي وعد الرب لبني صهيون بوطن خالص لليهود إلى آخر الزمان.
2 ـ علو الشعب اليهودي فوق غيرهم من الشعوب وخاصة العرب، ومنها يتقدس الدم اليهودي، كما تؤكد ذلك فتاوى الحاخامات.
3 ـ لليهود حق تاريخي في فلسطين؛ فهم أصل السكان، ولهم حق إعادة بناء الهيكل المزعوم.
لقد عملت السمفونية الإعلامية الصهيونية على التركيز على القوة اليهودية العسكرية؛ فنجد أن الإذاعة والتلفزيون الإسرائيليين، وكذلك صحفهم تحثّ أبناء صهيون للانخراط في المؤسسة العسكرية لكون الجيش الإسرائيلي هو البوتقة التي تصهر الجميع؛ ومن ثم تدربهم على العنصرية ومقت (الأغيار) العرب تحديداً، من خلال نقد الحق الطبيعي للعرب في الحياة، ومن هنا تصبح عمليات الإبادة ـ رفح وغيرها من الممارسات الصهيونية نموذجاً ـ طبيعية، وكذلك تسويغ اللجوء إلى المجازر والقتل؛ لتحقيق الطموح الصهيوني في أرض إسرائيل الكبرى.
هذه الرؤية تتوافق مع تصريحات كبار أركان «الدولة» والجيش لتكون طبيعية كتصريحات (جولدا مائير) عندما قالت: «ادفع دولاراً تقتل عربياً.. ولا يوجد شيء اسمه أرض فلسطين أو شعب فلسطيني» وغيرها من التصريحات العدائية دائماً بحق أهل فلسطين؛ ولهذا فقد ركز الخطاب الدعائي الإسرائيلي على صفات وصف بها العرب بـ (الإرهابيين) ؛ للتأكيد على «انحطاطهم ودنو مكانتهم» وفق تلك المرئيات الصهيونية، وكذلك أن العرب قتلة ومخربون، والعرب بقايا الشعوب، ومثلها: «العربي الجيد هو العربي الميت» ، وهي بالطبع استعارة من مقولات المهاجرين الإنجليز إلى الولايات المتحدة عندما كان المثل الشائع هو: «الهندي الجيد هو الهندي الميت» . لقد عمل مروجو الإعلام الإسرائيلي على استحداث نظريات إعلامية في المواجهة، ومنها نظرية «ليبكين» للإعلام القائمة على تطويع الإعلام الإسرائيلي نفسه بشكل يلائم المستجدات والتغيرات السياسية من خلال إرسال رسالتين: الأولى إلى الدول العربية المعادية والمجاورة لإسرائيل بواسطة الإعلام المرئي والمسموع، والرسالة الثانية إلى الدول الصديقة أو المحايدة والتي ليست طرفاً في النزاع العربي - الإسرائيلي، وهي بواسطة الإعلام المقروء. وينحصر أداء الإعلام الموجه إلى الدول العربية أو المعادية لإسرائيل في نظرية (الفريق الإعلامي) ؛ كأن يخالف بعض أعضاء الحكومة الإسرائيلية موقف رئيسها (إرئيل شارون) في مسألة (الهروب من غزة) مثلاً؛ ليضع المواطن العربي العادي في سؤال مستمر: من يسعى إلى السلام: الإسرائيليون أم الفلسطينيون؟ أو الخلافات التي تظهر على السطح بين الحزبين الرئيسيين في إسرائيل: العمل، والليكود حول بعض القضايا. إن مما لا شك فيه أن الهدف الذي تسعى له إسرائيل من ذلك هو تحويل الأنظار وقلب الباطل إلى حقائق، وتسويق وترويج المفهوم الدعائي الصهيوني، وكذلك حشد الرأي العام الغربي عموماً في صالح الدعاية الصهيونية. ومن نظريات المواجهة الإعلامية ما يقوم به مهندس اتفاقيات السلام الإسرائيلية - العربية (شمعون بيريز) ببث الدعاية الصهيونية، ومنها تحديداً ما يقوم به (مركز بيريز للسلام) للقبول بالتعايش اليهودي، ومن مشروعاته التي دعمها على سبيل المثال: ما قام به (منبر كرايسكي للحوار الدولي) في العاصمة النمساوية عبر مشروع سمي بـ (شبيبة السلام) استضاف طوال سبع سنوات مضت نخبة شبابية إسرائيلية، وفلسطينية، وأردنية، ومصرية للتشرب من قيم السلام، والتطبيع لدعم الدعاية الصهيونية أو دعاية (بيريز للسلام) .
ولهذا عمد الإعلام الإسرائيلي إلى استخدام هذه النظريات في حروبه ومواجهاته الإعلامية، ومنها تجربة الإذاعة الإسرائيلية التي سنعرضها على النحو التالي: - الإذاعة الإسرائيلية: بدأ البث الإعلامي الإسرائيلي باللغة العربية أواخر عام 1967م، ثم تطور البث، وتم تقوية أجهزة الإرسال الخاصة به، ومن الإذاعات الإسرائيلية العاملة: إذاعة خاصة بالمستوطنين، ومثلها خاصة بالجيش الإسرائيلي، وكذلك إذاعة صوت السلام لـ (إيبي ناتان) والتي كانت تبث من على سفينة من شواطئ تل أبيب منذ عام 1965م، ثم توقفت عام 1993م. ومؤخراً تناثر وعبر الأثير العزم على إعادة إحياء (إذاعة صوت السلام) لتكون مشروعاً فلسطينياً إسرائيلياً مشتركاً بدعم وتمويل من الاتحاد الأوروبي، وسيركز مضمونها على التعايش والنظر إلى الأمور السياسية من زاوية أخرى، ودعم عملية السلام لتقريب وجهات النظر بين الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني كما يدعي القائمون عليها. لقد أكد (حنا سنيورة) (1) مدير القسم الفلسطيني (من إذاعة صوت السلام) أن هدف المحطة: هو محاربة الشخصيات النمطية التي تعرضها وسائل الإعلام عن الفلسطينيين والإسرائيليين، كما تسعى إلى تعميق مبادئ الحوار والتفاهم، والعمل على ترسيخ مفهوم السلام بين الشعبين، وأكد (سنيورة) أن المحطة ستقدم الأغاني العربية والعبرية والإنجليزية، وبرامج ترفيهية موجهة للشباب والأطفال، ولن تركز على الأخبار والقضايا الساخنة. يأتي إعادة إحياء فكرة (إذاعة صوت السلام) التي توقفت عام 1993م مرة أخرى إلى طبيعة الأحداث التي تمر بها المنطقة كما قال (شمعون فلكا) مدير القسم الإسرائيلي في الإذاعة؛ حيث قال: «إن فكرة هذه الإذاعة تبلورت على خلفية انعدام الثقة بين المجتمعين الفلسطيني والإسرائيلي بعد أحداث انتفاضه الأقصى؛ وذلك بهدف إيجاد نقطة التقاء إيجابية ليست سياسية بين الشعبين، وكان ذلك بواسطة إذاعة صوت السلام» (2) . إن إعادة القرار بفتح مثل تلك الإذاعة الإسرائيلية - الفلسطينية المشتركة يعيدنا إلى المربع الأول والنظر إلى نوعية الأخبار والبرامج التي تقدمها مثل تلك الإذاعات الإسرائيلية عموماً؛ ففي دراسة قام بها (سليمان خير) تناولت سمات الإعلام الموجه باللغة العربية وفلسفته وأغراضه، استمع خلالها الباحث لفترات إلى (إذاعة إسرائيل) لتحليل المادة المذاعة ساعياً إلى دراسة ثلاثة عناصر أساسية في موضوعه، وهي: طبيعة الأخبار الصهيونية، والجمهور المستهدف بالأخبار، والسبل الممكنة لمواجهة هذه الأخبار، ويقول في دراسته: «لقد نجحت إذاعة إسرائيل مع الأسف من خلال الطريقة الانتقائية التي تعرض بها أخبارها العربية عما يجري داخل إسرائيل إلى أن تبني لنفسها هالة من المصداقية، وأرخت للمستمع العربي العنان لكي يصبغ هذه الصفة على كل ما يذاع منها من إخبار، أو تعليقات على الشعب العربي، وقد استثمرت شعور المواطن العربي في صياغة أخبارها الانتقائية، وتمريرها إلى أذنه ووجدانه، ونجحت إلى مدى كبير في توجيهها إلى المستمع العربي من خلال المصداقية، والعرض الموضوعي الزائفين لما يجري داخل إسرائيل، وقد استثمرت إسرائيل هذه «المصداقية» بذكاء في التوجه نحو المستمع العربي من خلال اللعب على الخلافات العربية، العربية وتأجيج نيرانها؛ فإذا نشرت صحيفة أو تناولت إذاعة عربية خبراً صغيراً عن بلد عربي نجده في الإذاعة الإسرائيلية مضخماً إلى درجة كبيرة» (1) . وفي دراسة ثانية للدكتور (نواف عدوان) حول اتجاهات إذاعة الكيان الصهيوني الناطقة باللغة العبرية استعرض الباحث فيه عدداً من المحاور، ومن أهمها: الموقف من القضية الأمنية الإسرائيلية، والموقف من القضية اللبنانية، والموقف من التناقضات العربية، وأكد أن الإذاعة الإسرائيلية تعاملت مع مستمعيها في داخل وخارج الأرض المحتلة بأسلوب مباشر؛ هدفه ربط المستوطنين الصهاينة بإسرائيل، ودفعهم إلى تحمل المسؤوليات الأدبية والمعنوية والتاريخية في أرض الميعاد التي قدموا من أجلها، وأكد أن الإذاعة الإسرائيلية قدمت برامج تشد المستمع اليهودي إليها من خلال تأكيد قوة ومناعة إسرائيل العسكرية، وقدرتها التكنولوجية المتنامية (2) . - التلفزيون وتواصل الهدم: في رغبات صهيونية محمومة لتواصل الهدم ضد أخلاق المجتمع العربي في فلسطين يواصل قادة إسرائيل حملاتهم المتواصلة، ومن الأفكار في ذلك إنشاء قنوات تلفزيونية موجهة خصيصاً إلى العرب؛ فقبل سنوات انطلقت قناة فضائية سميت (الشرق الأوسط) ، ولم تكن تلك القناة الأخيرة التي اشتعلت وانطفأت، بل تبعها الكثير، وهي ليست سوى واحدة من عدة قنوات أو فترات بث تلفزيونية، أطلقت من بلدان غربية مثل: الولايات المتحدة، وفرنسا، وألمانيا. يشتمل الإعلام الإسرائيلي على قسمين: الأول رسمي تشرف عليه الدولة، وهو باللغتين العبرية والعربية، والقسم الثاني تجاري: تديره شركات خاصة، وقد بدأ البث الإعلامي الإسرائيلي باللغة العربية أواخر عام 1967م من خلال تخصيص ساعات محددة للبث باللغة العربية في القناة الأولى الإسرائيلية، وعام 1968 من خلال إذاعة «صوت إسرائيل» باللغة العربية. وجاء المسعى الإسرائيلي لإطلاق فضائية باللغة العربية كأحد الأفكار المشتركة لتعاون حزبي: العمل والليكود فقد كان رئيس الحكومة الإسرائيلية (إرئيل شارون) ووزير خارجيته السابق (شمعون بيريز) وراء قرار إطلاق فضائية جديدة بالعربية تشكل سلاحاً جديداً لإسرائيل في الحرب الدعائية الدائرة منذ اندلاع هبَّة الأقصى المباركة، وتقدم رداً على «تشويه صورة إسرائيل في الفضائيات العربية» .
وأعلن شارون أن الفضائية الإسرائيلية ستكون منحازة للموقف الإسرائيلي، وتعمل على تغيير الرأي العام في العالم العربي لمصلحتها، مستدركاً أنها ستعتمد على الموضوعية وقدر عالٍ من المصداقية. أخضع (شارون) المحطة الجديدة لمكتبه أسوة بقنوات البث الرسمي الأخرى، وأنيطت مهمة تحرير نشرات الأخبار وإعداد البرامج السياسية بالثلة نفسها التي عملت في التلفزيون الرسمي، وتحديداً بصحافيين يهود ينطقون بالعربية من مواليد العراق ومصر والمغرب تخرج معظمهم ـ بحسب قول النائب العربي عزمي بشارة ـ من وحدات الاستخبارات العسكرية، إلى جانب آخرين مقربين من الأوساط الأمنية الإسرائيلية. وجاء المضمون على قدر توقعات مقيمي الفضائية؛ فحرصت على تغطية نمطية لأحداث الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين، ولجأت إلى معجم مصطلحات ينطبق على دولة احتلال توسعية، وضعته هيئة البث ليسري على الإذاعة الإسرائيلية الناطقة بالعربية أيضاً؛ فالمقاومون الفلسطينيون «إرهابيون» ، والمناطق الفلسطينية المحتلة هي «يهودا والسامرة» ، والعمليات الاستشهادية أو الفدائية «عمليات إرهابية» ، والمستوطنون في الضفة الغربية وقطاع غزة «إسرائيليون من المناطق» ، وغيرها من التعابير التي لا يمكن للآذان والعيون أن تستسيغها، وعملت الفضائية الجديدة تحت رقابة عسكرية صارمة. ورغم أن القناة كانت تجارية فهي لم تبتعد عن التوجهات الرسمية لإسرائيل، وحالها حال القناة الثانية بالتلفزيون الإسرائيلي؛ فهي تجارية، ولكنها أكثر عنصرية تجاه العرب؛ فلم تستضف أياً من النواب العرب، أو حتى أي شخصية عربية؛ في حين أن بعض القنوات الفضائية العربية تسارع إلى استضافة اليهود والمدافعين عنهم. مما لا شك فيه أن المطالب الإسرائيلية بإنشاء قنوات متخصصة عربية يأتي رداً على ظهور ونجاح الفضائيات العربية في الانتشار، ونجاح بعضها في السيطرة على المشاهدين العرب داخل إسرائيل كما هو خارجها، وهو ما جعل من إنشاء قناة موجهة أمراً حتمياً وضرورياً من وجهة نظر المستويين السياسي والإعلامي في إسرائيل، وحسب الخبير الإسرائيلي في الشؤون الفلسطينية (داني روبنشتاين) فإن ظهور الفضائيات العربية والمصداقية التي تحلت بها برامجها جعل الفلسطينيين والعرب يتوقفون عن مشاهدة وسائل الإعلام الإسرائيلية التي تخلت عن المصداقية في نظرهم بعد حرب حزيران» . وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية (إرئيل شارون) واضحاً في مطالبته الوزير المسؤول عن سلطة البث (رعنان كوهين) ، بأن لا تكون المحطة الجديدة حيادية لدى عرضها المواقف الإسرائيلية، متمنياً لها أن تؤدي الدور المنوط بـ «تلفزة وطنية» . قدرت الميزانية المخصصة للقناة الفضائية الإسرائيلية التي أوقفت عن العمل بحوالي 1.2 مليون دولار، إضافة إلى 4.6 مليون أخرى خصصتها سلطة البث الإسرائيلي للمشروع نفسه، وبثت لمدة اثنتي عشرة ساعة متواصلة يومياً، والتقطت في جميع دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والخليج العربي. وحسب صحيفة (صنداي تلغراف) اللندنية فقد استأجرت إسرائيل خدمات مكتب العلاقات العامة الأمريكي (هاورد روبنشتاين) في إطار الحملة التي شنتها «إسرائيل» على الساحة العربية والدولية؛ بهدف تحسين صورتها والتي رصد لها 200 مليون دولار، واشترط (مكتب هاورد) بدوره أن تترأس (داليا رابين) هذه الحملة؛ بسبب الصدى الإعلامي الإيجابي الذي يتركه اسم (رابين) رئيس وزراء الكيان السابق في الأروقة الدولية. وكانت كتلة الصحفي الفلسطيني قد أفادت أن عدداً من أصحاب الملايين اليهود وبعض التنظيمات والتجمعات الأمريكية، ومنها ائتلاف اليمين المسيحي شارك في تمويل القناة وهو المعروف بضلوعه في حملات التشويه على الأوضاع الداخلية في العديد من البلاد العربية والإسلامية وكراهيته المعلنة للعرب والمسلمين، وتحالفه المعروف مع اليمين الصهيوني، كما هو ركن أساسي من أركان الحزب الجمهوري الحاكم في الولايات المتحدة الأمريكية. إن ما يسعى له قادة الاحتلال الصهيوني من وراء إطلاق مثل تلك الفضائيات ما هو إلا لتغطية قصور الأداء الإعلامي الإسرائيلي في الساحة العربية؛ وهو الأمر الذي جعل الإعلام العربي - في اعتقادهم - يتمكن من تعرية السلوك السياسي لقادة إسرائيل، وإظهار الإرهاب المسلح الذي يمارسه الجيش الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني. وقد زعمت «شولاميت جولان» المتحدثة باسم سلطة البث الإسرائيلية أن العالم العربي يتلقى المعلومات عن حياة الإسرائيليين من منظور واحد غير محايد وعن طريق الصور النمطية للإسرائيليين؛ ولهذا فإن الفضائية الإسرائيلية تناولت ما يجري بين الفلسطينيين والإسرائيليين بإذاعة الأخبار بصورة حيادية! كما تقول، وتناولت كذلك المشاكل الاجتماعية لفلسطينيي المناطق المحتلة عام 1948م، فضلاً عن بث حملات دعائية عن المناطق السياحية والدينية في إسرائيل. ومن ضمن ما روَّج له الإسرائيليون من أسباب بث هذه الفضائية أن إسرائيل تسعى إلى شرح وجهة نظرها بالنسبة لما يحدث في الضفة والقطاع على شاشات هذه الفضائية، واللافت للنظر أن لإسرائيل أكثر من فضائية تبث باللغات العبرية والإنجليزية، وتُقدَّم أحياناً بدبلجة عربية، وتعبر هذه الفضائيات عن سياستها الاقتصادية والعسكرية وكذلك الثقافية؛ فهي تملك أدوات التوجه إلى الرأي العام العالمي. إن الأهداف الإسرائيلية من وراء مثل تلك القنوات الوصول إلى المشاهد العربي الذي لم يعد يصدق ادعاءات السلام الإسرائيلي؛ فهو يشاهد على فضائيات العربية، وغيرها وعلى شاشات إرساله المحلي حقيقة ما يحدث للشعب الفلسطيني.
وتسعى قناة إسرائيل باللغة العربية إلى بث برامج مصورة عن الانتفاضة تغاير الواقع بعد التدخل بالتركيب لتزييف الأحداث.
وقد أشارت صحيفة (معاريف) في تحقيق عن القناة الفضائية الإسرائيلية إلى النية في التدخل فيما يذاع على شاشاتها عن أحداث الانتفاضة بالمونتاج الذي يغيّر الصور ليبدو الفلسطينيون وكأنهم يبادرون «بالعنف» ويرتكبون أعمال «الإرهاب» ، بينما جنود الاحتلال والمغتصبون ضحايا وأبرياء. ولهذا فقد وزعت برامجها بين السياسية والثقافية والرياضية والترفيهية ضمن رسالة إعلامية عمدت إلى نشر الكثير من الحقائق لخلق جو من الانفتاح الموضوعي الذي تبدد وتحول إلى إعلام موجه يعتمد على الدعاية السلبية، وبثت الأكاذيب عن حقيقة الصراع، وتركت المتلقي للفضاءات الفكرية لتحليل الرسالة بعيداً عن الإعلام المؤدلج أو ما يسمى بـ «نظرية الإعلام التفكيكي» ، وعبر هذه النظرية مارست القناة مهمة إظهار التناقضات بين أسلوب الحياة ومستواها في «إسرائيل» ونظيرتها في العالم العربي. وقد أشار المراسل الإعلامي في إذاعة الـ بي بي سي (Sebastian Usher) إلى اعتزام إحدى القنوات التلفزيونية في إسرائيل بث برنامج يصنف على إثر صدور تقرير سري لوزارة الخارجية الإسرائيلية مفاده أن صورة الكيان الصهيوني قد تدهورت في العالم جراء الأعمال الوحشية والعنصرية التي تقوم بها في فلسطين، وأن إسرائيل مع مرور الوقت ستصبح كياناً منبوذاً على غرار ما حصل لجنوب، ويركز هذا التقرير بالذات على علاقة إسرائيل بالاتحاد الأوروبي، مؤكداً أن إسرائيل ستجدنّ نفسها في صدام مع الاتحاد الأوروبي. وعليه فقد قررت إحدى محطات التلفزيون الإسرائيلية بمبادرة من جماعة يهودية تسمى «إسرائيل في القلب» يديرها رجل أعمال يهودي أمريكي من نيويورك يدعى «جوي لو» وهو صاحب الفكرة وممولها ببث برنامج لتحسين صورة إسرائيل في الخارج عامة وأوروبا خاصة. سمّى البرنامج باسم برنامج «السفير» ، ويتلخص هذا البرنامج في اختيار 14 شاباً وشابة ليتنافسوا فيما بينهم على أداء واجبات معينة تهدف إلى اختبار مهاراتهم في تلميع صورة إسرائيل في الخارج، والفائز النهائي بعد التصفيات سيكون سفيراً يجوب العالم يشرح ويبين معالم الكيان، ويحشد التأييد لبلده وإظهاره بالصورة الحضارية المفترضة. في كل أسبوع يقوم المشاركون على تقديم إسرائيل بصورة إيجابية فمثلاً، قد يناقشون القضايا التي تهم إسرائيل في جامعة كامبردج وفي أسبوع آخر ينتقلون إلى باريس.
يروجون للسياحة وفرض قضاء العطلات وغيرها من القضايا والأماكن. - الدعاية الإسرائيلية: لمواجهة التعاطف الدولي مع المعاناة الفلسطينية والتوازن الإعلامي الدولي في معالجة قضايا الانتفاضة اتبعت إسرائيل استراتيجية للتحرك الإعلامي معتمدة على اتجاهين: أحدهما داخلي، والآخر خارجي، خاصة داخل الولايات المتحدة؛ حيث يعمل اللوبي اليهودي هناك بقوة لتلبية الاحتياجات الإسرائيلية. ولتعزيز هذا التوجه بدأت استراتيجيتها الدعائية تركز على أن العنف هو سمة رئيسية من سمات العالمين العربي والإسلامي، بالإضافة إلى التركيز على وضع المرأة الفلسطينية والعربية وحالة حقوق الإنسان المتردية بسبب ممارسات أجهزة الأمن والفساد الواسع بين المسؤولين في السلطة الفلسطينية، وكذلك الدول العربية، كما نجحت في وصم كل الفصائل الفلسطينية الأخرى، بالإضافة إلى حماس والجهاد بتهمة الإرهاب، خاصة مع استمرار وضع هذه المنظمات على القوائم الأمريكية للمنظمات الإرهابية. كما اعتمدت إسرائيل على قوالب دعائية تبدو جديدة إلا أنها لا تخرج عن كونها ترديداً لأقوالها النمطية عن رغبة إسرائيل الدائمة في السلام..
فحسب ما نقلته صحيفة (هآرتس) عن (إرئيل شارون) قوله: إن الدعاية العربية تركز على أن اليهود بعد أن سرقوا فلسطين يزعمون أنهم راغبون في السلام.
فأي ملاحظ محايد سيقول: إن من سرق لا يملك مصداقية السعي للسلام، ومن ثم فلا أحد يستطيع أن يلوم الفلسطينيين إذا ما مارسوا العنف ضد الإسرائيليين.
لذا جاء تركيز الدعاية الإسرائيلية الجديدة على إلصاق تهمة الإرهاب بالفلسطينيين، وتأكيد حق إسرائيل الديني في الأرض، وأن إسرائيل في حرب منذ مولدها ضد (الإرهاب العربي) .
كما استخدمت عائلات ضحايا العمليات الإرهابية في مهام إعلامية في أمريكا وأوروبا. وفي ضوء اتهام الصحف الإسرائيلية لـ (شارون) بأنه لا يجيد فن التعامل مع الإعلام، وأن صورته الحادة، وإشاراته العصبية، وطرقه على الطاولة تعطي صوراً سلبية؛ فقد سعى إلى الاستعانة ببيت خبرة إعلامي أمريكي، نصحه بالابتسام الدائم أمام الإعلام، والتركيز على الرفض الفلسطيني للسلام خلال الفترات الماضية، وعدم وجود شريك حقيقي للسلام.
من ناحية أخرى تصاعدت الدعوات لإنشاء وزارة إعلام؛ حيث إن حرب الدعاية: هي حرب حقيقية، وتحتاج إلى استراتيجية وجيش؛ فلا بد أن تدير هذه الحرب وزارة مستقلة، وليس إدارات فرعية في وزارات مختلفة. - إعادة ترتيب البيت الإسرائيلي: نال الأداء الإعلامي الإسرائيلي انتقادات حادة من رئيس الوزراء الإسرائيلي في جلسات الحكومة؛ حيث قال في جلسة الحكومة يوم 24 مارس 2004م: إن القناة الأولى للتلفزيون تفتح أبوابها لأعداء إسرائيل، وأن على سلطة البث أن تخدم مصالح دولة إسرائيل أولاً وقبل كل شيء، مضيفاً: إن إسرائيل في معركة كبيرة ضد الإرهاب الفلسطيني وعلى القناة العامة أن تكون رديفاً للدولة في هذه المعركة، وعدم منح العدو وقتاً من برامجها. جاء هذا التعنيف بعد أن قدمت النشرة الإخبارية تقريراً عما يحدث للفلسطينيين عند حاجز (إيريز) في قطاع غزة، وتطرق إلى الظروف الصعبة التي يعيشها المواطنون في غزة، كما قررت لجنة البرامج بالإذاعة الإسرائيلية استبدال أحد أهم البرامج السياسية ببرامج عن الشباب والموسيقى، وهو ما أوضح مدى الرغبة في تشديد السيطرة على أجهزة الإعلام الحكومية، كما قام (شارون) بتعيين الموالين له كرؤساء للأجهزة الإعلامية؛ مما دفع وزيرة الصناعة والتجارة (داليا إيتسيك) التي كانت مكلفة بالإشراف على شؤون البث التلفزيوني إلى القول: إن البث العام في إسرائيل يواجه هجوماً غير مسبوق من أعضاء الحكومة، وعلى رأسهم رئيس الحكومة (إرئيل شارون) ، مشيرة إلى وجود محاولات لتكميم أفواه معينة في التلفزيون الإسرائيلي في شكل تغييرات تنظيمية وتصفية حسابات مع المحررين. وأدرجت (سلطة البث) من ضمن مسؤوليات رئيس الحكومة اعتباراً من 1 أغسطس 2002م؛ رغم أن (سلطة البث) تقع في دائرة اختصاص حزب العمل في الائتلاف الحاكم، هذا بالإضافة إلى تشديد سلطة الرقيب العسكري وتدخله في حالات عديدة؛ لمنع إذاعة ونشر تقارير صحفية عن قضايا عدة؛ بحجة أنها تمس الأمن العسكري؛ وهو ما كان مجال نقد من الإعلام الإسرائيلي، حتى إن صحيفة (هآرتس) وصفت تدخل الرقيب العسكري في العمل الصحفي بأنه يتعامل مع الإعلام كعدو في الجبهة العسكرية. واستخدمت الشبكة العالمية الإنترنت؛ حيث أصدرت الحكومة تعليمات للمديرين العاملين في الوزارات بإدخال مواد إعلامية على المواقع الخاصة بوزاراتهم، تحمل مضامين تساهم في شرح السياسة الإسرائيلية، مع ربطها بمواقع وزارة الخارجية ورئاسة الحكومة، على أن يكون تحديد مضمون هذه المواد في إطار صلاحيات مكتب رئيس الحكومة، ووزارة الدفاع لنشرها باللغتين العبرية والإنجليزية، على أن يتم نشرها بلغات أخرى ـ منها اللغة العربية ـ في وقت لاحق، وهو ما تم تنفيذه في الشهر التالي؛ حيث بدأت كل المواقع الخدمية الحكومية في تبني الخط السياسي العام الذي تنتهجه دولة إسرائيل. - الممارسات ضد الإعلام في العالم: يدعي الإسرائيليون أن وسائل الإعلام العالمية المتحيزة مثل: (CNN - BBC) وخلفها آلة الدعاية العربية تسعى إلى تشويه صورة إسرائيل، ونقل حقائق مغلوطة عن الانتفاضة الحالية، وهو الأمر الذي أدى إلى اتخاذ شركة الكابل الإسرائيلية قرارها بإيقاف بث قناة (CNN) عبر الكابل إلى المشاهد الإسرائيلي، واستبدالها بقناة (فوكس للأخبار) المعروفة بانحيازها الصارخ إلى إسرائيل، كما وجهت اتهامات إلى الإعلام البريطاني والأوروبي بالانحياز لوجهة النظر الفلسطينية. وفي إطار التحرك الإسرائيلي لعرقلة التغطية الدولية لم يسلم مراسلو القنوات العربية من المضايقات التي وصلت إلى ضرب مراسل التلفزيون المصري، والتهديد بإغلاق مكاتب قناة الجزيرة وطرد مراسليها؛ حيث أعلن (روبي ريفيلين) وزير الاتصالات أن وزارته تدرس إمكانية إيقاف البث الكامل لقناة الجزيرة عبر الكابل وخدمات الأقمار الصناعية؛ بسبب عدائها لإسرائيل واستضافتها شخصيات تدعو عرب إسرائيل إلى التمرد، وامتد الضغط على قناة الجزيرة إلى اليهود الأمريكيين؛ حيث هدد (مركز ويزنشتال) في لوس أنجلوس بتنظيم حملة مقاطعة للجزيرة؛ بسبب لهجتها المعادية للسامية. وفي الولايات المتحدة تحرك اللوبي اليهودي الأمريكي للضغط على الدوائر الأمريكية؛ بحجة انتشار العداء لأمريكا والسامية في صحف ودول عربية حليفة لواشنطن، كما تعرضت الصحف الأمريكية لموجات من المقاطعة أو التهديد باللجوء إليها من قِبَل المنظمات والتجمعات اليهودية الكبرى؛ حيث بدأت بمقاطعة صحيفة (نيويورك تايمز) من قِبَل يهود المدينة لمدة شهر، وقد قاد هذه المقاطعة اثنان من الحاخامات الأرثوذكس المتشددين هما: هاسكيل لوكشتين، وإيلي شارف، كما تم إلغاء 1000 اشتراك في صحيفة (لوس أنجلوس تايمز) ، وواجهت (شيكاغو تريبيون) موجات عديدة من التهديد بإلغاء الاشتراكات، وخطابات الاحتجاج، وفيضان من الاتصالات التليفونية، والرسائل الإلكترونية مروراً بتنظيم احتجاجات على أبواب الصحيفة منذ بدء الانتفاضة منتقدين لها لعدم استخدامها كلمة (إرهاب) في وصف الفلسطينيين المسلحين، وهو ما علق عليه رئيس قسم الشؤون الخارجية: إن تغطية الصحيفة كانت متوازنة وعادلة، وإن هذه الاحتجاجات ترغب في جعلنا مؤيدين لإسرائيل. أما صحيفة (الواشنطن بوست) فقد تم استخدام أسلوب غير مباشر لمقاطعتها؛ فقد استخدمت مواقع الإنترنت اليهودية للدعوة لمقاطعتها، مطالبة قراء الموقع بإرسال احتجاجاتهم على ما تنشره الصحيفة.
كما تضمن الموقع موضوعات تم رؤيتها على أنها نماذج لتحيز الصحيفة ضد إسرائيل؛ مما حدا بالصحيفة إلى دعوة منظمي المقاطعة إلى اجتماع مع المحررين لمناقشة وجهة نظرهم، وهو ما أثمر ـ حسب قول أحد منظمي المقاطعة ـ عن قيام الصحيفة بعد ذلك بتقديم تغطية واسعة للعمليات الفلسطينية ضد المدنيين الإسرائيليين، بل قامت بنشر صورها على الصفحة الأولى، كما امتدت الاحتجاجات اليهودية إلى تغطية الإذاعة القومية الأمريكية لأحداث الانتفاضة، واتهامها بالتحيز ضد إسرائيل، مطالبة أعضاءها بوقف تقديم المنح والمعونات والإعلانات للإذاعة. وقد كتب ج.
ج.
جولد بيرنج في كتابه السطوة اليهودية داخل المؤسسة الأمريكية اليهودية أن نسبة السيطرة اليهودية على صناعة الإعلام في الولايات المتحدة تزيد عن 5% وأن نسبة المحررين والكتاب والمنتجين اليهود تزيد عن الربع في نخبة صناع الإعلام بما فيها الشبكات الإخبارية والمجلات الأسبوعية الكبرى وأكبر أربع صحف يومية كبرى. ورغم أن هذه المقاطعات ظاهرياً كانت بعيدة عن المنظمات اليهودية الرئيسية العاملة في الولايات المتحدة، مثل: إيباك، وغيرها إلا أنها كانت معتمدة على منظمات إعلامية أخرى منها منظمة كاميرا (CAMERA) : وهي منظمة يهودية إعلامية مهمتها الأساسية مراقبة تناول الإعلام الأمريكي لإسرائيل، وانحيازه فيما يتعلق بقضاياها، واتخاذ إجراءات احتجاج ضد هذه الصحف؛ فالمنظمات اليهودية الرئيسية لم تعلن تأييدها الرسمي لهذه المقاطعة، ولكنها أشارت إلى أنها حملت رسالة وأثمرت نتائج.