عقيدة السلف [2]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

ثم الركن الثاني من هذه الأركان هو الإيمان بملائكة الله عز وجل، وهم عباد مكرمون؛ لا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ[التحريم:6]، يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ[الأنبياء:20]، خلقهم الله لعبادته، ومحضهم لطاعته، كلفهم بتكاليف ولم يمتحنهم بالشهوات، وجعلهم أنواعا وأقساماً؛ فمنهم حملة العرش الذين وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم وصفاً عجيباً؛ فذكر: ( أن ما بين شحمة أذن أحدهم وظلفه مسيرة خمسمائة عام للحجر الصلد الهاوي ).

ومنهم كذلك المقربون منهم إسرافيل الذي ينفخ في الصور وسينفخ فيه، وقد أمسكه الآن والتقمه بفيه وأصغى ليتاً ينتظر الأمر له بالنفخ، فإذا نفخ فيه نفخة الفزع صعق الناس لها جميعاً، ثم يمكثون أربعين سنة فينفخ فيه النفخة الثانية فإذا هم قيام ينظرون.

ومنهم جبريل وهو أمين الوحي عليه السلام وله ستمائة جناح، ما بين كل جناحين كما ما بين المشرق والمغرب، ومنهم ميكائيل هو المكلف بتقسيم أرزاق العباد عليهم، يكتب جميع الأرزاق ويوزعها؛ فكل قطرة من المطر في يد ملك حتى يوصلها إلى مكانها، وكل بذرة في الأرض كذلك في يد ملك حتى تنبت وتخرج، وكذلك فإن منهم الذين يعبدون الله تعالى عبادة خاصة كالركوع والسجود، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( أطت السماء وحق له أن تئط؛ فما فيها موضع أربعة أصابع إلا وملك لله فيه ساجد أو راكع )، ومنهم الذين لهم عبادات أخرى كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث المعراج أنه قال: ( فأتيت البيت المعمور فإذا هو كل يوم يدخله سبعون ألف ملك لا يعودون إليه )، كل يوم منذ خلق البيت المعمور يدخله سبعون ألف ملك لا يعودون إليه.

هؤلاء الملائكة الكرام جنس من الخلائق مشرف بتشريف الله سبحانه وتعالى، هم محل رضوان الله، ومحل عنايته وتقريبه سبحانه وتعالى؛ ولذلك محضهم للطاعة، فلم يخلقهم للمعصية أصلاً، فجعل منهم خازن الجنة، وجعل منهم خازن النار وهو مالك ، وجعل منهم ملك الموت، وهم جميعاً مشتغلون للطاعة التي من أجلها خلقوا، لا يفترون عنها طرفة عين، لا يشتغلون بالمآكل ولا بالمشارب ولا بغير ذلك، شغلهم وحياتهم هي عبادتهم التي من أجلها خلقوا.

وهم ذووا عدد كثير، وذووا قوة عجيبة، وقد وصف الله تعالى جبريل في كتابة بالقوة، فقال تعالى: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى[النجم:1-6]، أي: ذو قوة فاستوى، وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى[النجم:7-9]، وقال تعالى: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ * وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ[التكوير:19-22].

علاقة الملائكة بالبشر

إن الملائكة الكرام منهم أيضاً مكلفون بالبشر، وهم أنواع منوعة؛ فمنهم صاحب اليمين الذي يكتب الحسنات، وصاحب الشمال الذي يكتب السيئات، وكلاهما رقيب عتيد، كلاهما رقيب عتيد للإنسان، وكلاهما قعيد له وكلاهما ملازم له، لا يفارقه إلا في حالين: حال غشيانه أهله، وحال دخوله الخلاء، وهما يكتبان جميع أعمال العباد؛ ولذلك قال الله تعالى: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ[ق:18]، وقال تعالى: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ[الانفطار:10-12].

ومن هؤلاء أيضاً المعقبات من بين يدي الإنسان ومن خلفه؛ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ[الرعد:11]، ومنهم ملائكة الجوارح؛ كل جارحة من الإنسان عليها ملك يحفظها، ومنهم كذلك القرين؛ فكل إنسان له قرين من الملائكة، يسدده ويرشده إلى الخير، وكذلك منهم الملائكة للذين يتعاقبون في الناس؛ يأتون المساجد في الصباح والمساء؛ يشهدون صلاة العصر، وصلاة الفجر في الجماعة، (فيرتفعون إلى ربهم فيسألهم وهو أعلم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلون، وتركناهم وهم يصلون)، وهم يقدمون التقارير إلى الله تعالى بأعمال عباده جميعاً، وهو أعلم، لا تخفى عليه خافية سبحانه وتعالى.

وكذلك منهم: ( الملائكة السيارون في الأرض، بغيتهم حلق الذكر.. )، نسأل الله أن يكونوا معنا الآن، ( بغيتهم حلق الذكر إذا وجدوهم حفوهم بأجنحتهم إلى سماء الدنيا، وتنادوا: أن هذه طلبتكم، فيرتفعون عند خروجهم إلى ربهم فيسألهم: ماذا يقول عبادي؟ فيقولون: يحمدونك ويكبرونك ويهللونك، فيقول: وهل رأوني؟ فيقولون: لا، فيقول: فكيف لو رأوني؟ فيقولون: وعزتك وجلالك لو رأوك؛ لكانوا لك أشد ذكراً، فيقول: وماذا يسألونني؟ فيقولون: يسألونك الجنة، فيقول: هل رأوها؟ فيقولون: لا، فيقول: فكيف لو رأوها؟ فيقولون: وعزتك وجلالك لو رأوها لكانوا لها أشد طلباً، وعليها أشد حرصاً، فيقول: ومن ماذا يستعيذونني؟ فيقولون: يستعيذونك من النار، فيقول: وهل رأوها؟ فيقولون: لا، فيقول: فكيف لو رأوها؟ فيقولون: فعزتك وجلالك لو رأوها لكانوا منها أشد خوفاً، فيقول: أشهدكم أني قد غفرت لهم، فيقول ملك: يا رب! فيهم عبدك فلان وليس منهم، إنما جاء لحاجته، فيقول: هم الرهط.. )، أو: ( هم القوم لا يشقى بهم جليسهم ).

الملائكة المثبتون لأهل الإيمان والمستغفرون لهم

ومنهم كذلك ملائكة يتنزلون على أهل الإيمان بالثبات والتوفيق، وهؤلاء هم أوليا المؤمنين؛ ينصرونهم ويذكرونهم بالله، ويذكرونهم بما أعد الله لهم، ويثبتونهم في الأزمات والمشكلات؛ فهم يدخلون مع المسجونين في السجون، ويحضرون جنازات المستشهدين من المسلمين، ويسددونهم في كل أمورهم، وقد وصفهم الله تعالى بقوله: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ * وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ[فصلت:30-33].

ومنهم الملائكة المستغفرون للمؤمنين وعبادتهم لله ووظيفتهم عنده هي الاستغفار للمؤمنين، فشغلهم الدعاء للمؤمنين؛ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُم وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ[غافر:7-9].

لإيمان بأولئك الملائكة مفيد لنا جداً؛ لأنه يقتضي منا الإحساس بهم والاتصال بهم، ومنافستهم بالعبادة والتقرب إلى الله تعالى؛ فإنهم لما علموا بخلق آدم قالوا لله تعالى: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ[البقرة:30]، وهذا يقتضي منا نحن أن نكون من المسبحين المقدسين، حتى ننافس الملائكة في ذلك؛ ولذلك شرع لنا الصوم تشبهاً بالملائكة، وشرع لنا كذلك أن نصف في الصف، كما تصف الملائكة عند ربها، ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها )، فإحسان الصف واستوائه من الإقتداء بالملائكة ومنافستهم في الخير.

إن الملائكة الكرام منهم أيضاً مكلفون بالبشر، وهم أنواع منوعة؛ فمنهم صاحب اليمين الذي يكتب الحسنات، وصاحب الشمال الذي يكتب السيئات، وكلاهما رقيب عتيد، كلاهما رقيب عتيد للإنسان، وكلاهما قعيد له وكلاهما ملازم له، لا يفارقه إلا في حالين: حال غشيانه أهله، وحال دخوله الخلاء، وهما يكتبان جميع أعمال العباد؛ ولذلك قال الله تعالى: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ[ق:18]، وقال تعالى: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ[الانفطار:10-12].

ومن هؤلاء أيضاً المعقبات من بين يدي الإنسان ومن خلفه؛ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ[الرعد:11]، ومنهم ملائكة الجوارح؛ كل جارحة من الإنسان عليها ملك يحفظها، ومنهم كذلك القرين؛ فكل إنسان له قرين من الملائكة، يسدده ويرشده إلى الخير، وكذلك منهم الملائكة للذين يتعاقبون في الناس؛ يأتون المساجد في الصباح والمساء؛ يشهدون صلاة العصر، وصلاة الفجر في الجماعة، (فيرتفعون إلى ربهم فيسألهم وهو أعلم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلون، وتركناهم وهم يصلون)، وهم يقدمون التقارير إلى الله تعالى بأعمال عباده جميعاً، وهو أعلم، لا تخفى عليه خافية سبحانه وتعالى.

وكذلك منهم: ( الملائكة السيارون في الأرض، بغيتهم حلق الذكر.. )، نسأل الله أن يكونوا معنا الآن، ( بغيتهم حلق الذكر إذا وجدوهم حفوهم بأجنحتهم إلى سماء الدنيا، وتنادوا: أن هذه طلبتكم، فيرتفعون عند خروجهم إلى ربهم فيسألهم: ماذا يقول عبادي؟ فيقولون: يحمدونك ويكبرونك ويهللونك، فيقول: وهل رأوني؟ فيقولون: لا، فيقول: فكيف لو رأوني؟ فيقولون: وعزتك وجلالك لو رأوك؛ لكانوا لك أشد ذكراً، فيقول: وماذا يسألونني؟ فيقولون: يسألونك الجنة، فيقول: هل رأوها؟ فيقولون: لا، فيقول: فكيف لو رأوها؟ فيقولون: وعزتك وجلالك لو رأوها لكانوا لها أشد طلباً، وعليها أشد حرصاً، فيقول: ومن ماذا يستعيذونني؟ فيقولون: يستعيذونك من النار، فيقول: وهل رأوها؟ فيقولون: لا، فيقول: فكيف لو رأوها؟ فيقولون: فعزتك وجلالك لو رأوها لكانوا منها أشد خوفاً، فيقول: أشهدكم أني قد غفرت لهم، فيقول ملك: يا رب! فيهم عبدك فلان وليس منهم، إنما جاء لحاجته، فيقول: هم الرهط.. )، أو: ( هم القوم لا يشقى بهم جليسهم ).

ومنهم كذلك ملائكة يتنزلون على أهل الإيمان بالثبات والتوفيق، وهؤلاء هم أوليا المؤمنين؛ ينصرونهم ويذكرونهم بالله، ويذكرونهم بما أعد الله لهم، ويثبتونهم في الأزمات والمشكلات؛ فهم يدخلون مع المسجونين في السجون، ويحضرون جنازات المستشهدين من المسلمين، ويسددونهم في كل أمورهم، وقد وصفهم الله تعالى بقوله: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ * وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ[فصلت:30-33].

ومنهم الملائكة المستغفرون للمؤمنين وعبادتهم لله ووظيفتهم عنده هي الاستغفار للمؤمنين، فشغلهم الدعاء للمؤمنين؛ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُم وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ[غافر:7-9].

لإيمان بأولئك الملائكة مفيد لنا جداً؛ لأنه يقتضي منا الإحساس بهم والاتصال بهم، ومنافستهم بالعبادة والتقرب إلى الله تعالى؛ فإنهم لما علموا بخلق آدم قالوا لله تعالى: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ[البقرة:30]، وهذا يقتضي منا نحن أن نكون من المسبحين المقدسين، حتى ننافس الملائكة في ذلك؛ ولذلك شرع لنا الصوم تشبهاً بالملائكة، وشرع لنا كذلك أن نصف في الصف، كما تصف الملائكة عند ربها، ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها )، فإحسان الصف واستوائه من الإقتداء بالملائكة ومنافستهم في الخير.

ثم بعد هذا الركن الثالث من أركان الإيمان هو الإيمان بكتب الله المنزلة، وهي كلام الله سبحانه وتعالى بألفاظها ومعانيها، تكلم الله بها، وأنزلها على عباده، وشرع لهم فيها ما يحتاجون إليه مما ينظم علاقاتهم بربهم، وعلاقاتهم فيما بينهم، وبين لهم فيها كل ما يحتاجون إليه من أخبار الدنيا والآخرة، وهذه الكتب المنزلة أوحاها الله إلى أنبيائه ونزل بها جبريل عليه السلام عليهم، فمنها ما نزل صحفاً منزلة، قد كتب الله فيها الوحي؛ كصحف إبراهيم و موسى ، ومنها ما كتب في الألواح كالتوراة التي كتبها الله لـموسى بيمينه، ومنها ما أنزل على قلوب الأنبياء فحفظوه كالقرآن الذي أنزل على قلب محمد صلى الله عليه وسلم؛ فحفظه وحفظه الله له في صدره كما قال الله تعالى: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ[القيامة:16-19]، وقال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ[الحجر:9]، وقال تعالى: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ[القمر:17].

ومن هذه الكتب المنزلة القرآن، وهو خاتمها والمهيمن عليها، والناسخ لجميعها، وهو مصدق لما بين يديه من الحق وشاهد عليه، وهو هذا الوحي الذي تقرءونه وتحفظونه في صدوكم ومصاحفكم، هو أحدث الكتب بالله عهداً، وهو حبل الله المتين وصراطه المستقيم، من تمسك به عصم، ومن تركه من جبار قصم الله ظهره، فيه ذكر لكم ولهذه الأمة وفيه كذلك بيان لكل ما نحتاج إليه من أمر الدنيا والآخرة، وفيه ما نحتاج إليه من العقائد والأحكام والأخلاق والمعاملات، حتى ما نحتاج إليه من أمور الدنيا وعلومها، قد تضمن إشارات إليه معجزة، وهو حجة قائمة على الخلائق جميعاً، تحدى الله به الثقلين - الإنس والجن - أن يأتوا بسورة من مثله، فعجزوا عن ذلك جميعاً.

ومن هذه الكتب كذلك الإنجيل المنزل على عيسى بن مريم عليه السلام، ومنها كذلك التوراة المنزلة على موسى عليه السلام، ومنها كذلك الزبور المنزل على داود عليه السلام، ويجب الإيمان بكل الكتب المنزلة، ويجب الإيمان بأن القرآن ناسخ لها جميعاً ومهيمن عليها، وأنه مصدق لما بين يديه من الحق، وإنما أسماء هذه الكتب الأربعة التي جاء ذكرها في القرآن: التوراة والإنجيل والزبور والقرآن، وما سواها من الكتب نؤمن به إجمالاً ونعرف منه صحف إبراهيم وصحف موسى ، ولكننا نعلم أن كل نبي من الأنبياء أوحى الله إليه شرعاً، وقد قال الله تعالى في كتابه: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا[المائدة:48]، وذلك الوحي المنزل إلى الأنبياء كله من كلام الله عز وجل؛ فيجب الإيمان بأن الله تكلم به كلاماً يليق به، وبجلاله وكماله، وهذا الكلام هو صفة الله سبحانه وتعالى، وهي تدل على كماله سبحانه وتعالى، يتكلم بما شاء، كيف شاء، إذا شاء.

الكلمات الكونية والتشريعية

ومن الإيمان بكلام الله تعالى الإيمان كذلك بأن كلام الله ينقسم إلى قسمين: إلى كلمات كونية، وكلمات تشريعية، فالكلمات الكونية هي أمره للخلائق، وهي الكلمات التكوينية التي يكون بها خلقه؛ وقد قال الله تعالى: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ[آل عمران:59]، وقال تعالى: إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ[النحل:40]، وقال تعالى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ[يس:82]، فهذه الكلمات الكونية القدرية نافذة لا يتعداها بر ولا فاجر، ولا انحصار لها، لا يمكن أن تنتهي أبداً، وقد قال الله تعالى: قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا[الكهف:109]، وقال تعالى: وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللهِ[لقمان:27]، وهذه الكلمات هي التي لا مبدل لها؛ فقد قال الله تعالى: لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ[الأنعام:34].

أما النوع الثاني من الكلام فهو الكلمات التشريعية وهي: الوحي الذي أنزله على عباده، وقد ختم الوحي بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم؛ فلا يمكن أن ينزل بعده وحي، فقد ختم الله الرسالة ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم فجعله خاتم النبيين فلا نبي بعده؛ ومن هنا فقد انتهت الكلمات التشريعية، وانحصرت فيما أنزل من قبل، ولا يمكن أن تزداد بحرف واحد، أما الكلمات الكونية فلا حصر لها، ولا يمكن أن تنتهي أبداً.

ومن الإيمان بكلام الله تعالى الإيمان كذلك بأن كلام الله ينقسم إلى قسمين: إلى كلمات كونية، وكلمات تشريعية، فالكلمات الكونية هي أمره للخلائق، وهي الكلمات التكوينية التي يكون بها خلقه؛ وقد قال الله تعالى: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ[آل عمران:59]، وقال تعالى: إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ[النحل:40]، وقال تعالى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ[يس:82]، فهذه الكلمات الكونية القدرية نافذة لا يتعداها بر ولا فاجر، ولا انحصار لها، لا يمكن أن تنتهي أبداً، وقد قال الله تعالى: قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا[الكهف:109]، وقال تعالى: وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللهِ[لقمان:27]، وهذه الكلمات هي التي لا مبدل لها؛ فقد قال الله تعالى: لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ[الأنعام:34].

أما النوع الثاني من الكلام فهو الكلمات التشريعية وهي: الوحي الذي أنزله على عباده، وقد ختم الوحي بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم؛ فلا يمكن أن ينزل بعده وحي، فقد ختم الله الرسالة ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم فجعله خاتم النبيين فلا نبي بعده؛ ومن هنا فقد انتهت الكلمات التشريعية، وانحصرت فيما أنزل من قبل، ولا يمكن أن تزداد بحرف واحد، أما الكلمات الكونية فلا حصر لها، ولا يمكن أن تنتهي أبداً.


استمع المزيد من الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي - عنوان الحلقة اسٌتمع
خطورة المتاجرة بكلمة الحق 4830 استماع
بشائر النصر 4289 استماع
أسئلة عامة [2] 4132 استماع
المسؤولية في الإسلام 4060 استماع
كيف نستقبل رمضان [1] 4000 استماع
نواقض الإيمان [2] 3947 استماع
عداوة الشيطان 3934 استماع
اللغة العربية 3931 استماع
المسابقة إلى الخيرات 3907 استماع
القضاء في الإسلام 3897 استماع