الوسطية والاعتدال


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمةً للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

أعتذر أولاً عن التأخير غير المقصود وأنتم مأجورون إن شاء الله تعالى بجلوسكم ومرابطتكم في المسجد، وقد دخلنا في زحام لم نستطع الخلاص منه إلى وقت مجيئنا، ونسأل الله تعالى أن يتقبل منا ومنكم صالح العمل.

تعلمون جميعاً أن الله سبحانه وتعالى جعل الدين منهجاً سوياً مستقيماً، وسماه في القرآن: دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ [الأنعام:161].

وكذلك سماه صراطاً مستقيماً، وقال فيه: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ[الفاتحة:6-7].

وبينه النبي صلى الله عليه وسلم كذلك بهذا البيان فقال: ( تركتكم على مثل المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ).

وفي الحديث الآخر: ( مثل ما بعثني الله به كلاحم بين سورين، وفي السورين أبواب مفتحة، وعلى الأبواب ستور، وفي كل باب داعٍ يدعو إليه، وفوق السورين مناد الله ينادي: يا عبد الله لا تلج الباب، فإنك إن تلجه لم تخرج منه ).

وكل هذا يدل على أن المنهج السوي الذي هو صراط الله المرضي عنده جل شأنه، عن يمينه بنيات طريقٍ، وعن شماله بنيات طريق، وهي السبل التي حذر الله من اتباعها، وقال في محكم التنزيل: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام:153]، وكلما طال الزمان وكلما اقتربت الساعة، كلما كثرت بنيات الطريق، وكلما كثرت الغواية؛ لأن هذا الزمان الذي نحن فيه هو زمان الفتن، وقد حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن ننتظر فيه أكبر فتنة بين خلق آدم وقيام الساعة، وهي خروج المسيح الدجال الكذاب، فإنه ما بين خلق آدم وقيام الساعة فتنة هي أعظم من فتنة المسيح الدجال ، وما من نبي إلا وقد أنذره قومه وإن نوحاً أنذره قومه.

الفتن المضلة عن المحجة البيضاء

وكذلك الفتن التي بين يدي الساعة، وهي كقطع الليل المظلم، تموج موجا، وقد حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين أنه في وقتها يكون المتمسك بدينه كالقابض على الجمر، فإن : (الرجل يصبح فيها مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا )، وفي هذا الحديث دلالة على أن هذه الفتن سواءً منها ما كان من فتن السراء، وما كان من فتن الضراء، تلعب المادة فيه دوراً مهماً جداً؛ لأنه قال: (يبيع دينه بعرض من الدنيا)، فسيشتد إقبال الناس على الدنيا، ورغبتهم فيها، ورغبتهم في الماديات، وتنافسهم فيها، حتى ترى الحفاة العراة، العالة رعاء الشاء فاة العراة يااجيتطاولون في البنيان، وحينئذٍ تكون الدنيا أكبر هم الناس ومبلغ علمهم، ويعرضون عن دين الله سبحانه وتعالى فتأتي الفتن العظيمة، ويخلص الله سبحانه وتعالى الذين يرتضيهم من خلقه، فتنبو الفتن عن قلوبهم لا تمازجهم ولا تخالطهم، يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ[إبراهيم:27].

طريق السلامة من الفتن

وطريق السلامة من هذه الفتن والطرق والالتواءات التي عن يمين الطريق وشماله، إنما هي أولاً: بمعرفة الطريق الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند الله وتعلمه، ثم بعد ذلك بالثبات على الحق، والتمسك به والانطلاق من الدليل والبرهان، قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ[البقرة:111].

أن يكون الإنسان على بصيرة من أمره وعلى بينة، كما قال أبو عبد الله الإمام مالك بن أنس رحمه الله للرجل الذي جاء يجادله في القدر، قال: (أما أنا فعلى بينة من أمري وأنت شاك، فاذهب إلى شاكٍ مثلك فجادله)، وكما قال الزبيري رحمه الله:

أأرجع بعدما رجفت عظامي وكان الموت أقرب ما يليني

فما عوض لنا منهاج جهم بمنهاج ابن آمنة الأمينِ

صلى الله عليه وسلم.

ثم بعد ذلك مدارسة هذه الفتن والأهواء ومعرفتها، فإذا لم يعرفها الإنسان أوشك أن يقع فيها دون أن يعرف أنها خطأ.

وكذلك الفتن التي بين يدي الساعة، وهي كقطع الليل المظلم، تموج موجا، وقد حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين أنه في وقتها يكون المتمسك بدينه كالقابض على الجمر، فإن : (الرجل يصبح فيها مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا )، وفي هذا الحديث دلالة على أن هذه الفتن سواءً منها ما كان من فتن السراء، وما كان من فتن الضراء، تلعب المادة فيه دوراً مهماً جداً؛ لأنه قال: (يبيع دينه بعرض من الدنيا)، فسيشتد إقبال الناس على الدنيا، ورغبتهم فيها، ورغبتهم في الماديات، وتنافسهم فيها، حتى ترى الحفاة العراة، العالة رعاء الشاء فاة العراة يااجيتطاولون في البنيان، وحينئذٍ تكون الدنيا أكبر هم الناس ومبلغ علمهم، ويعرضون عن دين الله سبحانه وتعالى فتأتي الفتن العظيمة، ويخلص الله سبحانه وتعالى الذين يرتضيهم من خلقه، فتنبو الفتن عن قلوبهم لا تمازجهم ولا تخالطهم، يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ[إبراهيم:27].