خطب ومحاضرات
الأمر بالمعروف
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن العليم الخبير ديان السموات والأرض قد شاء بحكمته وإرادته أن يقع في هذه الأرض طاعة وعصيان، وأن يكون فيها حزبان: حزب هو حزب الله الغالبين، وحزب هو حزب الشيطان الذين هم الخاسرون، ولا بد أن يستمر الصراع بين هذين الحزبين، ولا يمكن أن يتنازل أحد الحزبين عن عمله أو أن يتراجع عن خطته، فلا بد أن يستمر حزب الشيطان موجوداً في الأرض، يعيث فيها فساداً، ولا بد أن يستمر حزب الله في الأرض، يدافع عن أهلها؛ لئلا يغرقوا في الفساد، وهذا هو دفع الله الناس بعضهم ببعض، الذي ذكر الله أنه من حكمة صلاح أهل الأرض، كما قال تعالى: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ [البقرة:251].
فلذلك من ضرورات هذه الأرض أن يبقى هذا الصراع موجوداً مستمراً، ولا يمكن أن يستمر هذا الصراع في غلبة أحد الطرفين؛ بل لا بد أن ينتفش الباطل تارة ويرتفع، ولكن مصيره الاضمحلال والزوال: وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا [الإسراء:81].
ولا يمكن أن يستمر الحق في منزلته الطبيعية، ووضعه المعتاد؛ لأن ذلك فساد في اختلال الميزان المذكور، ومن أجل هذا فإن الله سبحانه وتعالى قد أرسل رسله عليهم الصلاة والسلام لإصلاح البشرية، فجاءوا بالتي هي أقوم، وأظهر الله على أيديهم الحجة وبين المحجة، فأوضحوا الطريق للناس ولم يقع ذلك إلا بعد صراع وحرب، وانتصر فيها الحق وانهزم الباطل، ورجع حزب الشيطان يجر وباله وخسائره، وارتفعت راية الحق، لكن شاء الله ألا يستمر هذا؛ لأن هذا امتحان للناس، وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء:35]، ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ [محمد:4]، فلو لم يقع في الأرض فساد أصلاً لكان هذا الامتحان يسيراً جداً، ولو وقع فيها من الفساد أدنى وأقل مما كان يقع في الأمم السابقة، أو في بداية هذه الأمة لكن هذا حيفاً وجوراً في الامتحان، والله هو الحكم العدل، الذي لا يظلم العباد شيئاً.
ومن أجل هذا فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يوم بعث بهذا الدين الحق لم يكن على وجه الأرض موحد، وقد نظر الله إلى أهل الأرض إذ ذاك بعين سخطه ومقته، وهذا ما أخرجه مسلم في الصحيح من حديث عياض بن حمار المجاشعي رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم، غير بقايا من أهل الكتاب وقال: إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك )، لكنه لم تمضِ سنوات قليلة بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم حتى دانت جزيرة العرب كلها لدين الله، وصلح أهلها واستقامت أمورهم، ولم تمضِ مدة يسيرة بعد ذلك حتى دانت الحضارات الكبرى كلها لدين الإسلام، ودخلت الأمم العظمى في دين الإسلام واستقامت، وأنفقت خزائن كسرى وقيصر في سبيل الله، وزال الاستبداد واستقام أمر الناس.
تلقى الأمان على حياض محمدٍ ثولاء مخرفة وذئب أطلس
لا ذي تخاف ولا هذا صولة تهدى الرعية واستقام الريس
ولكن من حكمة الله تعالى وعدله ألا نستمر ودولة الإسلام مرفوعة العماد وارفة الظلال، يتفيأ الناس ظلالها وينعمون بخيراتها؛ لأنه لو كان كذلك لكان الامتحان شاقاً على أمثال سعد بن أبي وقاص و مصعب بن عمير وأضرابهم من الذين عانوا العناء المبين في سبيل إقامة هذه الدولة، وكان سهلاً رخيصاً في حق الذين ينعمون بظلالها وقد عاشوا فيها، فمن أجل هذا لم تدم هذه الدولة على هيئتها التي تركهم عليها الرسول صلى الله عليه وسلم إلا ثلاثين سنة، وهي متوسط أعمار هذه الأمة تقريباً، فالجيل الذي حضر إقامة هذه الدولة وجاهد فيها هو أفضل الأجيال: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى [الحديد:10]، والجيل اللاحق الذي نشأ في ظلال هذه الدولة لم يطل عمره حتى شاهد الفتن والمشكلات، وحتى دخلت الأزمات العظيمة التي أنسته ما نعم به في ظلال الدولة، حتى إن أنس بن مالك وكان من هذا الجيل الصغير، كان عمره يوم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة عشر سنين، قال: لقد عشت حتى لا أعرف مما أدركت عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلا هذه الصلاة، فقد تغيرت الأمور، واختلف واقع الناس، وبدأ التدهور من ذلك الوقت إلى زماننا هذا يرتفع الحق تارة، وينهزم الباطل أمامه، ثم تأتي دورة أخرى من دورات الباطل.
مدافعة أهل الحق للباطل ومنطلقهم في الدفاع عنه
ولكنه في كل دورة للباطل يلقى حزب الله مستعداً للدفاع عن دين الله، يبقى أهل الحق قد تزودوا بزاد الإيمان، وعلموا أن النعم لا تدوم.
ولا يحسبون الخير لا شر بعده ولا يحسبون الشر ضربة لازب
فهم مستعدون متهيئون دائماً، كحال ذلك الذي وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: ( ممسك بعنان فرسه، كلما سمع هيعة طار إليها )، وكحال الآخر الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ألا أخبركم بخير الناس منزلاً، رجل أشعث أغبر رأسه، مغبرة قدماه، إن كان في الساقة كان في الساقة، وإن كان في الميمنة كان في الميمنة، وإن كان في الميسرة كان في الميسرة، وإذا استأذن لم يؤذن له، وإذا شفع لم يشفع ).
هم مستعدون دائماً للدفاع عن هذا الدين الذي بايعوا الله تعالى على الدفاع عنه: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:111]. ومنطلقهم في دفاعهم عن الحق أمران:
الأمر الأول: قول الله تعالى: قُلْ هَلْ تَربَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ [التوبة:52]، يعلمون أن الله سبحانه وتعالى هو مدبر السموات والأرض، وهو الذي أرسل الرسول بهذا الدين، وليس الدين دين الناس، بل هو دين الله، والله لا يمكن أن يضعه بدار هوان، ولا بد أن ينصره: وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحج:40]، وبهذا يعلمون أن المصير للحق دائماً، وأن العاقبة للمتقين، وأن الله سبحانه وتعالى لم يكن ليدع الناس على ما هم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب، كما قال تعالى: مَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ المُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ [آل عمران:179]، فهنا استوعبوا هذا الأمر وانطلقوا منه في الدفاع عن دينهم.
الأمر الثاني: أنهم أيقنوا أنهم لا شك صائرون إلى الله؛ لأن مصير كل شيءٍ إليه، عرفوا أن الجبن لا يمنع الموت.
ومن لم يمت بالسيف مات بغيره تعددت الأسباب والموت واحد
والموتة واحدة محتمة وكل الناس لاقيها: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [آل عمران:185]، فعلموا أنهم موتى لا محالة، وأن أرواحهم بيد الله لم يكونوا ليتعجلوا عن وقت موتهم، ولم يكونوا ليتأخروا فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف:34].
عرفوا أنه قد رفعت الأقلام وجفت الصحف عما هو كائن، ومن هنا لم يخشوا في الله لومة لائم، ولم يخافوا من دونه أي ند، بل تحقق لديهم أن الله سبحانه وتعالى مصير كل شيءٍ إليه، وهو سائلهم عما مكنهم فيه، فاستعدوا للقائه وتمثلوا قول موسى عليه السلام فيما حكى الله عنه: وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى [طه:84]، فالمهم تحصيل رضوان الله؛ لأن الموت آتٍ لا محالة:
من لم يمت عبطةً يمت هرماً للموت كأس والمرء ذائقها
فلا بد أن يموت، فاختاروا أن تكون موتتهم لله، من هنا كانت شجاعتهم وتقدمهم لعلمهم أن هذه الموتة لا تتأخر ولا تتعجل.
ولكنه في كل دورة للباطل يلقى حزب الله مستعداً للدفاع عن دين الله، يبقى أهل الحق قد تزودوا بزاد الإيمان، وعلموا أن النعم لا تدوم.
ولا يحسبون الخير لا شر بعده ولا يحسبون الشر ضربة لازب
فهم مستعدون متهيئون دائماً، كحال ذلك الذي وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: ( ممسك بعنان فرسه، كلما سمع هيعة طار إليها )، وكحال الآخر الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ألا أخبركم بخير الناس منزلاً، رجل أشعث أغبر رأسه، مغبرة قدماه، إن كان في الساقة كان في الساقة، وإن كان في الميمنة كان في الميمنة، وإن كان في الميسرة كان في الميسرة، وإذا استأذن لم يؤذن له، وإذا شفع لم يشفع ).
هم مستعدون دائماً للدفاع عن هذا الدين الذي بايعوا الله تعالى على الدفاع عنه: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:111]. ومنطلقهم في دفاعهم عن الحق أمران:
الأمر الأول: قول الله تعالى: قُلْ هَلْ تَربَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ [التوبة:52]، يعلمون أن الله سبحانه وتعالى هو مدبر السموات والأرض، وهو الذي أرسل الرسول بهذا الدين، وليس الدين دين الناس، بل هو دين الله، والله لا يمكن أن يضعه بدار هوان، ولا بد أن ينصره: وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحج:40]، وبهذا يعلمون أن المصير للحق دائماً، وأن العاقبة للمتقين، وأن الله سبحانه وتعالى لم يكن ليدع الناس على ما هم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب، كما قال تعالى: مَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ المُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ [آل عمران:179]، فهنا استوعبوا هذا الأمر وانطلقوا منه في الدفاع عن دينهم.
الأمر الثاني: أنهم أيقنوا أنهم لا شك صائرون إلى الله؛ لأن مصير كل شيءٍ إليه، عرفوا أن الجبن لا يمنع الموت.
ومن لم يمت بالسيف مات بغيره تعددت الأسباب والموت واحد
والموتة واحدة محتمة وكل الناس لاقيها: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [آل عمران:185]، فعلموا أنهم موتى لا محالة، وأن أرواحهم بيد الله لم يكونوا ليتعجلوا عن وقت موتهم، ولم يكونوا ليتأخروا فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف:34].
عرفوا أنه قد رفعت الأقلام وجفت الصحف عما هو كائن، ومن هنا لم يخشوا في الله لومة لائم، ولم يخافوا من دونه أي ند، بل تحقق لديهم أن الله سبحانه وتعالى مصير كل شيءٍ إليه، وهو سائلهم عما مكنهم فيه، فاستعدوا للقائه وتمثلوا قول موسى عليه السلام فيما حكى الله عنه: وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى [طه:84]، فالمهم تحصيل رضوان الله؛ لأن الموت آتٍ لا محالة:
من لم يمت عبطةً يمت هرماً للموت كأس والمرء ذائقها
فلا بد أن يموت، فاختاروا أن تكون موتتهم لله، من هنا كانت شجاعتهم وتقدمهم لعلمهم أن هذه الموتة لا تتأخر ولا تتعجل.
الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر حراس لهذا الدين على ثغوره وأبوابه، يلاحظون كل نقص فيه، فيعجلون في إصلاحه قبل أن يتسع الخرق على الراقع، ويعلمون أن الناس أهل عادات مأسورون بها، وأن هذه العادات إذا برز منها ما يخالف الشرع، فما هي إلا لحظات ويسكت الناس عنه فيصير المنكر معروفاً والمعروف منكراً، وهذه هي الفتنة، ولهذا كانوا يخافون الفتن دائماً، وينطلقون من التسليم في أمر الله سبحانه وتعالى، فيرجعون إليه ويجأرون بأن يقيهم من الفتن، متمثلين دعوة موسى عليه السلام: إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ * وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ [الأعراف:155-156].
من هنا استشعروا أن عليهم أن يعرفوا المنكر لتوقيه وعلاجه، وأن يبحثوا عنه، وأن يعرفوا المعروف لأدائه وإظهاره، وعلموا أن مسئوليتهم تتعدى أنفسهم وذواتهم؛ لأن هذه المسئولية مسئولية مشتركة، مسئولية من في السفينة عن بقية الأفراد؛ لأنها إذا غرقت سيغرق الجميع، وهذا المثل الذي ضربه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخرج عنه البخاري من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فكان بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذِ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً )، فهم يحاولون انتشال هذه السفينة من الغرق، ويحاولون الحيلولة بين أهل الباطل وبين ما يريدونه لأنفسهم ولمن سواهم من الوقوع في سخط الله ومقته وعذابه.
فمثلهم هو المثل الآخر الذي ضربه الرسول صلى الله عليه وسلم لنفسه فيما أخرج عنه البخاري و مسلم في الصحيحين: ( إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل استوقد ناراً، حتى إذا أضاءت ما حوله، جعل الفراش يتساقط فيها وهذه الدواب، فجعل ينفيهن بيده وهن يقتحمن فيقعن فيها، ألا وإني ممسك بحجزكم عن النار ).
آمنوا بالجنة والنار وتحققوا ذلك رأي العين، فإذا رأوا منكراً رأوا صاحبه كأنما يهوي بنفسه في النار، فحاولوا أن يمسكوه، وإذا رأيت إنساناً سيتردى في النار وهو أعمى لا يراها فمن حقه عليك أن تمسكه وتنقذه.
إن معصية الله هي التردي في النار، وإن المنكر ما هو إلا قفزة توقع صاحبها في نار جهنم، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى )، وهو الذي جنى على نفسه، ومن أجل هذا اجتهدوا على أن يكونوا رجال إنقاذ، اجتهدوا في أن يكونوا سداً منيعاً يحول بين عباد الله وبين سخطه.
ومن هنا فهم يطلبون أمرين في الحيلولة بين الناس وبين المنكر:
الأمر الأول: متحقق لا محالة، وهو مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ [الأعراف:164]، أن يعذروا إلى الله الذي أمرهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
والأمر الثاني: مظنون الحصول، وهو: لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [الأعراف:164]، قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [الأعراف:164]، معذرة إلى ربكم متحققة، ولعلهم يتقون مظنونة الحصول، والأمر فيها إلى الله سبحانه وتعالى.
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وظيفة من وظائف رسل الله، والمصطفين من خلقه، والذين يقومون به هم لجنة الإنقاذ التي تنقذ الناس من النار، فالذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر هم لجنة الإنقاذ، ولذلك فهذه الأمة هي أمة الإنقاذ للبشرية، يقول الله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110]، وقد اختلف المفسرون في متعلق قول الله تعالى (للناس) هذا الجار والمجرور بماذا يتعلق؟ فقبله فعلان في الآية، فالأول: قوله تعالى: (كنتم)، والثانية قوله تعالى: (أخرجت)، فهذان فعلان كل واحد منهما يمكن أن يتعلق به الجار والمجرور، فعلى القول بأن الجار والمجرور متعلق بـكنتم، معناها: كنتم للناس خير أمة أخرجت، فهذه الأمة هي خير الأمم للناس؛ لأنها التي تحول بينهم وبين النار، تنقذهم.
والقول الثاني في التفسير: أن (للناس)، هذا الجار والمجرور متعلق بقوله: أخرجت، معناه: كنتم خير أمة أخرجت للناس، معناها أخرجها الله لا لأنفسها بل للناس، فوظيفتها الأساسية هي إنقاذ الناس من النار، فكثير من الناس يظن أنه خلق لنفسه ليحيا ويعيش في هذه الدنيا فقط، وحال هذه الأمة يختلف عن ذلك، بل هي أمة أخرجت للناس؛ لتكون آمرةً بالمعروف ناهيةً عن المنكر، ولهذا قال: تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ [آل عمران:110]، فهذا أول خصائص هذه الأمة ووظائفها.
والمعروف هو ما يرتضيه الله لعباده، من توحيده وعبادته والالتزام بأوامره، والمنكر هو ما يسخطه الله لعباده ولا يرضاه لهم من الكفر والفسوق والعصيان، فأعظم المنكر الشرك بالله، ويليه كبائر الإثم ثم الفواحش، وأعظم المعروف توحيد الله سبحانه وتعالى والإيمان به، ويليه أركان الإسلام، وكبريات الفرائض في الدين.
والإنسان أمام تكليفين أحدهما يختص بشخصه، وهو أن يمتثل المعروف وأن ينتهي عن المنكر، والثاني: أن يأمر بالمعروف غيره، وأن ينهاه عن المنكر، فإذا فرط في التكليفين معاً فقد خاب وخسر، وأصبح من حزب الشيطان، وإذا أدى التكليف الأول وترك التكليف الثاني لم يلتحق بحزب الله، وكان أيضاً معدوداً على حزب الشيطان؛ لأنه انتقص به عدد المصلحين، وإن الله سبحانه وتعالى رتب رفع العذاب على وجود المصلحين لا على وجود الصالحين، فقال تعالى: وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ [هود:117]، ولم يقل: وأهلها صالحون.
وقد أخرج الشيخان في الصحيحين من حديث زينب بنت جحش رضي الله عنها ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استيقظ ذات ليلة فزعاً، يقول: لا إله إلا الله، ويل للعرب من شرٍ قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج و مأجوج مثل هذه، وحلق بأصبعيه الإبهام والتي تليها، فقلت: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث )، فالصالحون إذاً وجودهم لا يرفع العذاب عن الأمة، وإنما يرفع العذاب عن الأمة المصلحون، الذين يؤدون التكليفين معاً، فيمتثلون المعروف ويجتنبون المنكر، وينهون عن المنكر ويأمرون بالمعروف.
ولهذا فإن الميزة الأولى للمؤمنين في القرآن دائماً هي هذه الميزة يقول الله تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ [التوبة:71]، فبدأ بالتكليف العام قبل التكليف الخاص، التكليف العام رعاية الدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بدأ الله به في الآية قبل التكليف الخاص، وهو إقام الصلاة وإيتاء الزكاة: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ [التوبة:71].
وقوع السخط والعذاب
كذلك فإن الله سبحانه وتعالى بين أن عدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مقتضٍ لحصول سخطه وعذابه، فقال تعالى: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [المائدة:78-79].
وكذلك قال تعالى: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ [المدثر:42-47]، وكذلك قال تعالى: أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ [الماعون:1-3]، فدع اليتيم من التكاليف الخاصة، وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ [الماعون:3]، هذا الأمر بالمعروف الذي هو من التكاليف العامة، فسبب سخط الله ولعنته هنا هو ما ذكر من أنه يدع اليتيم يظلم، ولا يأمر بالمعروف، وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ [الماعون:3]، وهو كافر؛ لأنه يكذب أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ [الماعون:1].
فإذاً اقترن الكفر بترك الأمر بالمعروف؛ لأنه شعبة من شعبه، ولذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين لأصحابه أن ارتفاع العقاب لا يتم إلا إذا كان الناس يأمر بعضهم بعضاً بالمعروف وينهى بعضهم بعضاً عن المنكر، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أن الرجل كان يلقى الرجل، فيقول: يا هذا! اتقِ الله ودع ما تصنع، ثم يلقاه من الغد وهو على حاله، فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وقعيده وشريبه، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم على بعض، ثم قال: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [المائدة:78-81]، ثم قال: كلا! والله لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد الظالم، ولتأطرنه على الحق أطراً، ولتقصرنه على الحق قصراً، أو ليضربن الله قلوب بعضكم على بعضٍ، ثم ليلعنكم كما لعنهم )، هذا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يصدق بلا يمين فهو الصادق المصدوق، ومع ذلك أقسم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
عدم استجابة الدعاء
كذلك فإنه صلى الله عليه وسلم بين أن من أسباب عدم استجابة الدعاء، وانقطاع الصلة بالله عدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والناس محتاجون دائماً إلى أن يستجيب الله دعاءهم وأن يقضي حوائجهم، وما من أحدٍ إلا يسوؤه أن يرد عليه دعاؤه، وأن يحكم عليه بأن دعاءه غير مستجاب، وما من أحدٍ إلا ويسره استجابة دعائه، واستماع الله تعالى لدعوته.
فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يحل عليكم عقاباً منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم )، فهذا مانع من موانع استجابة الدعاء، وموانع استجابة الدعاء المصرح بها في الحديث الصحيح عدداً، منها أكل الحرام، وأنتم اليوم في زمان الربا، فالذي لم يأكل منه ناله من غباره، ورسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا [المؤمنون:51]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة:172]، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب! ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك ).
السبب الثاني: عدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي ذكرناه في حديث حذيفة .
السبب الثالث: الدعاء بإثم أو قطيعة رحم، ( يستجاب لأحدكم ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ).
السبب الرابع: التعجل في الدعاء، ( لا يزال الله يستجيب للعبد ما لم يتعجل، فيقول: قد دعوت ودعوت ولم يستجب لي ).
فهذه الأسباب مانعة من استجابة الدعاء، وصاحبها لا يرفع دعاؤه إلى الله سبحانه وتعالى: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر:10].
كذلك فإن الله سبحانه وتعالى بين أن عدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مقتضٍ لحصول سخطه وعذابه، فقال تعالى: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [المائدة:78-79].
وكذلك قال تعالى: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ [المدثر:42-47]، وكذلك قال تعالى: أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ [الماعون:1-3]، فدع اليتيم من التكاليف الخاصة، وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ [الماعون:3]، هذا الأمر بالمعروف الذي هو من التكاليف العامة، فسبب سخط الله ولعنته هنا هو ما ذكر من أنه يدع اليتيم يظلم، ولا يأمر بالمعروف، وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ [الماعون:3]، وهو كافر؛ لأنه يكذب أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ [الماعون:1].
فإذاً اقترن الكفر بترك الأمر بالمعروف؛ لأنه شعبة من شعبه، ولذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين لأصحابه أن ارتفاع العقاب لا يتم إلا إذا كان الناس يأمر بعضهم بعضاً بالمعروف وينهى بعضهم بعضاً عن المنكر، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أن الرجل كان يلقى الرجل، فيقول: يا هذا! اتقِ الله ودع ما تصنع، ثم يلقاه من الغد وهو على حاله، فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وقعيده وشريبه، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم على بعض، ثم قال: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [المائدة:78-81]، ثم قال: كلا! والله لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد الظالم، ولتأطرنه على الحق أطراً، ولتقصرنه على الحق قصراً، أو ليضربن الله قلوب بعضكم على بعضٍ، ثم ليلعنكم كما لعنهم )، هذا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يصدق بلا يمين فهو الصادق المصدوق، ومع ذلك أقسم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كذلك فإنه صلى الله عليه وسلم بين أن من أسباب عدم استجابة الدعاء، وانقطاع الصلة بالله عدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والناس محتاجون دائماً إلى أن يستجيب الله دعاءهم وأن يقضي حوائجهم، وما من أحدٍ إلا يسوؤه أن يرد عليه دعاؤه، وأن يحكم عليه بأن دعاءه غير مستجاب، وما من أحدٍ إلا ويسره استجابة دعائه، واستماع الله تعالى لدعوته.
فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يحل عليكم عقاباً منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم )، فهذا مانع من موانع استجابة الدعاء، وموانع استجابة الدعاء المصرح بها في الحديث الصحيح عدداً، منها أكل الحرام، وأنتم اليوم في زمان الربا، فالذي لم يأكل منه ناله من غباره، ورسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا [المؤمنون:51]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة:172]، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب! ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك ).
السبب الثاني: عدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي ذكرناه في حديث حذيفة .
السبب الثالث: الدعاء بإثم أو قطيعة رحم، ( يستجاب لأحدكم ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ).
السبب الرابع: التعجل في الدعاء، ( لا يزال الله يستجيب للعبد ما لم يتعجل، فيقول: قد دعوت ودعوت ولم يستجب لي ).
فهذه الأسباب مانعة من استجابة الدعاء، وصاحبها لا يرفع دعاؤه إلى الله سبحانه وتعالى: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر:10].
كذلك فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جعله الله تعالى على درجات متفاوتة في التكليف، فمنه ما هو فرض عين، ومنه ما هو فرض كفاية، فقد أخرج مسلم في الصحيح من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان )، وقد نص العلماء على أن (مَن) في قوله صلى الله عليه وسلم: ( من رأى منكم منكراً )، مِن ألفاظ العموم، وأنها تشمل الكبير والصغير، والقوي والضعيف، والعالم والجاهل، والذكر والأنثى، ومن يؤتم بأمره ويطاع ومن ليس كذلك، فهي من ألفاظ العموم التي تشمل كل ما يصلح لها.
مرتبة النهي عن المنكر عند الرؤية وعدمها
كذلك فإن من رأى المنكر ولم يره من سواه تعين عليه تغييره بالإجماع، فهذا فرض عين في حقه، وكذلك من كان المنكر فيمن تحت يده، كمن كان المنكر في أهل بيته فهذا يتعين عليه فرض عين تغييره؛ لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم:6]، فمن كان باختلاط أو فساد الأخلاق أو التبرج والسفور، أو التهاون بشأن الصلاة، أو بغير ذلك من الطاعات في أهل بيته تعين عليه تغيير هذا المنكر، ووجب عليه ذلك فرض عين، إن فرط فيه بعث مع المضيعين يوم القيامة.
أما إذا كان الإنسان لم ينفرد برؤية المنكر، ورآه من سواه، أو لم يكن في أهل بيته، وإنما علم به في بيت آخر أو رآه في غير موقعه، فإنه لا يتعين عليه لكن يجب عليه في عموم الأمة فرض كفاية.
وقد اختلف العلماء في فرض الكفاية وفرض العين أيهما أفضل؟ فقالت طائفة: فرض العين أفضل؛ لأن الشارع يقصد وقوعه من كل أحد.
وقال آخرون: بل فرض الكفاية أفضل؛ لأن القائم به يسقط العقوبة عن الأمة بكاملها، فيحصل له ثواب الأمة جميعاً، وهذا الخلاف الذي حكاه السيوطي رحمه الله في الكوكب الساطع في قوله:
فرض الكفاية مهم يقصد ونظر عن فاعل مجرد
وذهب الأستاذ والجويني ونجله يفضل فرض العين
وهو على كلِّ رأى الجمهور والقول بالبعض هو المنصور
فقيل مبهم وقيل: عينا وقيل: من قام به ووهنا
وبالشروع في الأصح يلزم ومثله سنتها تنقسم
من شرع فيه تعين عليه على الصحيح، كل من شرع في فرض كفاية تعين عليه إكماله؛ لأنه قد بادر إليه، فتهاون به من سواه بسبب اشتغاله هو به.
مراتب الأمر بالمعروف
كذلك فإنه لا بد من التفريق بين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من ناحية الحكم، فإن الأمر بالمعروف يكون واجباً عينياً، ويكون واجباً كفائياً، ويكون مسنوناً، ويكون مندوباً؛ لأن المعروف منه فرائض، ومنه سنن، ومنه مندوبات، فمن ترك فريضة كان الأمر بالمعروف في حقه واجباً، ومن ترك سنة كان الأمر بالمعروف في حقه مسنوناً، ومن ترك مندوباً كان الأمر بالمعروف في حقه مندوباً.
درجة المنكر وما تصحبه من أمور
أما النهي عن المنكر فلا يكون إلا واجباً؛ لأن المنكر معناه ما اتفق على تحريمه، ما حرمه الله تعالى، وما حرمه الله يجب إنكاره على كل حال، وذلك أن المنكر تصحبه خمسة أمور هي أضر على الناس من أصل اقترافه:
تعظيم المنكر واحتقاره
فأول هذه القرائن التي يقترن بها: تعظيمه، فإذا عظمه صاحبه وعظم في قلبه عن مغفرة الله، كان قد ازدرى بعض صفات الله سبحانه وتعالى، وبذلك لم يعرف الله تعالى حق المعرفة، ومن هنا فإنه سيغويه الشيطان ويمنعه من التوبة لاستعظامه لذنبه.
القرينة الثانية: احتقاره، وهذا إنما يقع في حق مرضى القلوب الذين إذا أسرف أحدهم، وارتكب جرماً وعصى ربه التمس لنفسه الأعذار، وبدأ الشيطان يغريه، ويقول: هذه صغيرة، وهذا ذنب يسير، والناس يفعلون أكبر من هذا، وهذا هو النفاق؛ ولذلك قال ابن مسعود رضي الله عنه: (إن ذنب المؤمن كجبل فوق رأسه يخاف أن يقع عليه، وذنب المنافق كذباب نزل على أنفه فنفاه بيده هكذا)، فينساه بعد وقوعه، وأما المؤمن فلا يزال يتذكره وينكسر قلبه ويستغفر ويتوب لعل الله يتوب عليه.
الإصرار على المنكر
القرينة الثالثة: الإصرار عليه، وذلك أن الإصرار على الذنب مبطل للحياء من الله؛ لأن الإنسان الذي يعلم أن الله يراقبه لا تخفى عليه خافية، ولا يستتر عنه إنسان طرفة عين، وله الحفظة الكرام البررة، الذين يرسلهم فيكتبون على الناس، ويرفعون إليه التقارير الصادقة، من كان يعرف هذا ويؤمن به كيف يصر على الذنب وهو يعلم أنه عندما ارتكبه في الصباح رفع الملك تقريراً إلى الله، يا رب! عبدك فلان اقترف الذنب الفلاني، وفي المساء يرتفع تقريراً آخر، من ملك آخر: يا رب عبدك فلان ما زال مصراً على الذنب الذي فعله الصباح، وفي صباح اليوم اللاحق ومسائه وهكذا في الأيام حتى تتراكم التقارير عند الله.
إن الختم على القلب حينئذٍ قد نفدت مساحته، ومن هنا فإن الإصرار على الذنب يقتضي قسوة القلب والختم عليه نسأل الله السلامة والعافية.
الجهر بالمنكر
القرينة الرابعة: الجهر بالذنب، والجهر بالذنب دعوة إليه، فأهل الإيمان بفطرتهم وسلامة قلوبهم يكرهون المنكر، ولا يرضون لعباد الله إلا ما يرتضيه الله لهم، والله لا يرضى لعباده الكفر، فلا يرضون لعباد الله الشرك، ولا يرضون لهم الكبائر، ولا يرضون لهم أية معصية، ويحبون الله فأحبوا أن يعبد الله، وأهل الإيمان يحبون أن يتقرب جبريل إلى الله وأن يعبده؛ لأنهم أحبوا الله والتعبير عن محبته إنما يكون بعبادته، فما عجزوا عنه أحبوا أن يقوم به من سواهم، ولهذا يحبون كل من يحب الله، ويحبون كل من يتقرب إلى الله بعمل صالح، وهذا من تمام محبة الله.
ومن تمام محبة الله أن تحب كل من يعبده، كذلك من تمام محبته أن تبغض كل من يعصيه، فهم يكرهون المعصية ويكرهون فاعلها؛ لأنهم يؤمنون بالله ويحبونه فلا يحبون أن يعصى، ولهذا فقلوبهم السليمة وفطرهم المستقيمة تقشعر إذا رأت المنكر، فإذا رأوا المنكر أول وهلة اقشعرت منه قلوبهم وأنكرته نفوسهم، والفرق بين من أشرب قلبه الفتن وبين من نجا منها، أن الذي نجا قلبه من الفتن هو سليم القلب ينكر المنكر إذا رآه، ولا يطمئن إليه ولا يقر بدعة؛ لأن قلبه بريء من الفتن، فلذلك يكرهها وينكرها أول ما تقع، ويقشعر قلبه منها، ويقشعر جسده منها.
السبب في عدم إنكار المنكر
والذي أشربت قلبه الفتن - نسأل الله السلامة والعافية- لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً، مات الإحساس والوجدان في نفسه، فلو عرضت عليه كل المنكرات لاستساغها وقبلها، نسأل الله السلامة والعافية.
فمن هنا فإن المجاهرة بالذنب تقتضي الدعوة إليه؛ لأن الناس إذا مروا على هذا الذنب في الشوارع، فرأوه في أول وهلة استنكروه وعظم لديهم، لكن إذا لم ينكروه استقر في نفوسهم وزالت غرابته؛ لأن كل ما تكرر كثيراً تزول غرابته، فلو انفجر شيء مثل صوت الرعد من الأرض لتفطرت أكباد الناس من الفزع، فلماذا لا يقع هذا إذا سمعوه في العلو وفي السماء؟ لأنهم قد تعودوا عليه فقط، فكثرة المساس تزيل الإحساس، فكذلك الملائكة مثلاً إنكارهم للمنكر مثل إنكار الناس لصوت الرعد من الأرض، وليتصور كل واحد منا لو سمع صوت رعد شديد قاصف تحت رجليه، كيف يكون فزعه؟ فكذلك: قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ [البقرة:30]، من أجل هذا فإن كل منكر تكرر ولم ينكر سيستقر وتزول رعبته، والرعبة التي كانت للنفوس عند رؤيته ستزول، ومن هنا يلامس شغاف القلوب فينشأ الصغار على أنه أمر معتاد، ويتعودون عليه، وتذهب الأجيال التي كانت تنكره ولم يكن موجوداً في زمنها، وما هي إلا عشر سنوات حتى يصبح عادةً لا يمكن أن يتغير ولا أن يتبدل، ويصبح من أنكره هو المبتدع الذي يرميه الناس عن قوس واحدة.
إذاً عندما يأتي محدث يتجرأ على الإحداث في دين الله فيحدث أي بدعة اليوم، إذا لم تبادر بإنكارها ولم يقم الناس بطرده وإزالة ما جاء به، فبعد عشر سنوات لن يتمكنوا من ذلك أبداً، بل سيعتبر الناس كل من أنكر عليه منكراً لسنة وآتياً ببدعة؛ لجبلتهم التي يتعودون بها على ما ألفوه، وتزول عنهم غرابته بسبب ذلك.
ومن هنا فإن مخيمات الاختلاط والفساد التي تضرب على الشوارع أول ما عرفت كانت منكراً يستنكره الناس ويستهجنونه، ويستغربون أن يكون مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر يترك ابنته الساعة الثانية ليلاً تذهب إلى هذا المكان، وأما اليوم فقد جاء جيل جديد تعود على هذا ولم يستنكروه، بل إذا جاءت حملة ليس فيها ضرب خيام رأوا أن هذا بدعة وشيء منكر، وخروج عن المألوف، ونظير هذا في كل منكر من المنكرات.
واليوم هنا لو خرجت امرأة موريتانية سافرة كاشفة عن رأسها في السوق لاستنكر الناس هذا واستعظموه، لكن إذا لم ينكروه وخرجت واحدة سافرة فالتي بعدها سيكون استهجانها أقل، والتي بعد تلك سيكون استهجانها أقل، حتى يشتهر هذا وينتشر من الحال في البلدان الأخرى، ونظير هذا في أنواع المناكر كلها، تأتي بالتدريج شيئاً ضعيفاً يسيراً، فإذا قضي عليه في نعومة أظافره ومهده زال، وإذا ترك نما واشتد ووجد أنصاراً وأعواناً.
الجرأة على الذنب
ثم بعد هذا الجرأة على الذنب، فالجراءة على الله سبحانه وتعالى باقتراف ما نهى عنه فساد في الأرض، وهو مقتضٍ لأن يزول الإيمان بالكلية عمن يتجرأ على الله سبحانه وتعالى ويبارزه بالمعصية، وذلك أن برهان الله في قلب كل مؤمن هو إيمانه، فإذا خف هذا الإيمان وانطفأت جلوته من القلوب فإن ذلك داعٍ نسأل الله السلامة والعافية لأن يتجرأ الإنسان على معصية الله، ولهذه: ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن )، فيتعود الناس بالتدريج على الجراءة على المناكر حتى تقوى وتستمر وتصبح عادةً للناس.
إن بداية وجود البنوك الربوية والتعامل معها في هذه البلاد مثلاً، كان أمراً مستهجناً مستقبحاً لدى الناس ينكرونه ويبغضونه، واليوم قل من ينكر عليه ذلك، ولم يعد عيباً لدى الناس ولا نقصاً، بل السوي هو الذي له حسابات في البنوك الربوية، ومن لا يريد ذلك يوصف بالرجعية، وعدم فهم الحال، ومثل هذا: ما حصل لدى الناس من تعمق النظرة المادية فيهم، فالذنوب المتعلقة بالماديات أعظم لدى الناس من الذنوب الأخرى.
فلو خرج إنسان في السوق الآن فكذب أو غش، أو خان أو رابى أو فعل أية فعلة محرمة لم ينكر عليه أحد، وإذا أكل غيبة مسلمٍ وطعن في عرضه ضحك الناس من ذلك، لكن إذا سرق عشر أواق، أو عشرين أوقية، فسينكر عليه كل الناس، كل أحدٍ يحاول إمساكه ويقول: سارق، سارق، فهل عشر أواق أعظم من الجراءة على الله تعالى بأنواع الذنوب الأخرى؟ لا، هي ذنوب كلها والكفر ملة واحدة، ولكن الناس قد طغت عليهم المادية، فأصبحوا يزنون كل الأمور بهذا الميزان، ولا ينظرون إلى أي شيءٍ آخر.
استمع المزيد من الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
خطورة المتاجرة بكلمة الحق | 4810 استماع |
بشائر النصر | 4287 استماع |
أسئلة عامة [2] | 4131 استماع |
المسؤولية في الإسلام | 4057 استماع |
كيف نستقبل رمضان [1] | 3997 استماع |
نواقض الإيمان [2] | 3946 استماع |
عداوة الشيطان | 3932 استماع |
اللغة العربية | 3930 استماع |
المسابقة إلى الخيرات | 3906 استماع |
القضاء في الإسلام | 3896 استماع |