وظيفة الإمام بين الصلاة والصيام


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

نحمد الله تعالى إذ جمعنا بهذه الوجوه الخيرة النيرة في هذا الشهر الكريم في هذا المسجد المبارك، ونسأل الله تعالى أن يجعل هذه الوجوه جميعاً من الوجوه الناضرة الناظرة إلى وجه الله الكريم، وأن يجعلنا من المتحابين فيه الذين يظلهم في ظله يوم لا ظل إلا ظله. أما بعد:

اختيار المساجد وتفضيلها على بقية البقاع

فمن المعلوم أن الله جل جلاله يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ [القصص:68]، وقد اختار من الأماكن المساجد فنسبها إلى نفسه وحررها من الأغيار، وجعلها أحب البقاع إليه، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( أحب البقاع إلى الله مساجدها، وأبغض البقاع إلى الله أسواقها )، وحررها الله سبحانه وتعالى من الأغيار؛ فقال تعالى: وَأَنَّ المَسَاجِدَ للهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا [الجن:18]، وهذا التشريف للبقعة المكانية مكتوب قبل خلق السموات والأرض؛ فكل مدينة تؤسس يختار الله منها نقاطاً محددة يرفع عنها أيدي المخلوقين، ويجعلها خالصة لوجهه الكريم، وهي مساجدها، تعمر بطاعاته ما نرى منها وما لم نر؛ ففيها ملائكة كرام مكلفون بها، وهم على أبوابها يكتبون الناس الأول فالأول.

وهذا التشريف لهذه البقاع ليس راجعاً لبنائها؛ فهذا التشريف سابق على البنيان، كما قال العلامة محمد مولود ولد أحمد فال رحمة الله عليهما:

ومسجد البدو وإن تخولف هل كسواه حرماً وشرفا

لم ينف ذلك كونه بيت العلي أعد للصلاة والتبتل

وذا هو الوجه الذي منه اكتسب الآخر ما اكتسب لا من الخشب

اختيار شهر رمضان وتفضيله من بين الشهور

وإذا أدركنا ذلك عرفنا أن هذا الاختيار الرباني الذي لا معقب له هو مثل الاختيار الزماني أيضاً؛ فقد اختار الله من الأزمنة مواسم الخير، ومنها شهر رمضان المعظم؛ فقد اختاره الله قبل خلق الزمان، وخصه بخاصية إنزال القرآن فيه، وبما خصه به من الخصائص الأخرى بأن جعل فيه الليلتين العظيمتين: ليلة العتق، وليلة القدر، وبأن جعل فيه العشر الأواخر منه، وبأن خص هذه الأمة بالشرف الكريم الكبير فيه، الذي تتمناه الأمم الأخرى؛ فالأمم الأخرى كانت أطول منا أعماراً وأقوى أبداناً، ولكن الله شرفنا بهذه الليلة التي يدرك بها الإنسان أربعة وثمانين سنة، يزداد بها عمره في ليلة واحدة، ينجو من مشاكلها وتعبها ونصبها وأمراضها وأسقامها وأعراضها، وينال خيرها وفضلها؛ لأن فائدة العمر ما رجح كفة الحسنات، ولا فائدة فيما سوى ذلك؛ فاتباع الشهوات تحسنه البهائم والأنعام، ولم يخلق الإنسان له إنما خلق لعبادة الله؛ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، فإذا نجح في ذلك الامتحان فلا عبرة بما فاته مما سواه.

فمن المعلوم أن الله جل جلاله يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ [القصص:68]، وقد اختار من الأماكن المساجد فنسبها إلى نفسه وحررها من الأغيار، وجعلها أحب البقاع إليه، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( أحب البقاع إلى الله مساجدها، وأبغض البقاع إلى الله أسواقها )، وحررها الله سبحانه وتعالى من الأغيار؛ فقال تعالى: وَأَنَّ المَسَاجِدَ للهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا [الجن:18]، وهذا التشريف للبقعة المكانية مكتوب قبل خلق السموات والأرض؛ فكل مدينة تؤسس يختار الله منها نقاطاً محددة يرفع عنها أيدي المخلوقين، ويجعلها خالصة لوجهه الكريم، وهي مساجدها، تعمر بطاعاته ما نرى منها وما لم نر؛ ففيها ملائكة كرام مكلفون بها، وهم على أبوابها يكتبون الناس الأول فالأول.

وهذا التشريف لهذه البقاع ليس راجعاً لبنائها؛ فهذا التشريف سابق على البنيان، كما قال العلامة محمد مولود ولد أحمد فال رحمة الله عليهما:

ومسجد البدو وإن تخولف هل كسواه حرماً وشرفا

لم ينف ذلك كونه بيت العلي أعد للصلاة والتبتل

وذا هو الوجه الذي منه اكتسب الآخر ما اكتسب لا من الخشب

وإذا أدركنا ذلك عرفنا أن هذا الاختيار الرباني الذي لا معقب له هو مثل الاختيار الزماني أيضاً؛ فقد اختار الله من الأزمنة مواسم الخير، ومنها شهر رمضان المعظم؛ فقد اختاره الله قبل خلق الزمان، وخصه بخاصية إنزال القرآن فيه، وبما خصه به من الخصائص الأخرى بأن جعل فيه الليلتين العظيمتين: ليلة العتق، وليلة القدر، وبأن جعل فيه العشر الأواخر منه، وبأن خص هذه الأمة بالشرف الكريم الكبير فيه، الذي تتمناه الأمم الأخرى؛ فالأمم الأخرى كانت أطول منا أعماراً وأقوى أبداناً، ولكن الله شرفنا بهذه الليلة التي يدرك بها الإنسان أربعة وثمانين سنة، يزداد بها عمره في ليلة واحدة، ينجو من مشاكلها وتعبها ونصبها وأمراضها وأسقامها وأعراضها، وينال خيرها وفضلها؛ لأن فائدة العمر ما رجح كفة الحسنات، ولا فائدة فيما سوى ذلك؛ فاتباع الشهوات تحسنه البهائم والأنعام، ولم يخلق الإنسان له إنما خلق لعبادة الله؛ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، فإذا نجح في ذلك الامتحان فلا عبرة بما فاته مما سواه.

ولما كان هذا الشرف الذي يجمع بين الزمان والمكان اختياراً ربانياً كانت الوظيفة تابعة لذلك؛ فالله اختار هذا المكان وشرفه ثم يختار له أهله، وأهله الذين يختارهم الله له ينقسمون إلى قسمين:

القسم الأول: القائمين عليه، وهم عمار المساجد، وهؤلاء أيضاً ينقسمون إلى قسمين:

إلى بناتها، وإلى أئمتها ومؤذنيها والقائمين على شئونها.

القسم الثاني: هم الذين يصلون فيها، ويعمرونها بأداء الصلوات فيها.

فأولئك يختارون اختياراً وتنزل لوائحهم من عند الله سبحانه وتعالى؛ فالإمام إنما توظف بتعيين من الله جل جلاله واختيار؛ ولذلك ائتمنه الله على هذا الوحي وعلى هذه الوظيفة العظيمة، وأنتم تعرفون أن أي وزارة أو شركة باعتبار أهل الدنيا يعتبر المسئول الأول عنها ذا وظيفة عظيمة ومكانة كبيرة، والمسجد أعظم من كل الشركات ومن كل الوزارات ومن غير ذلك؛ لأنه أحب البقاع إلى الله، فإذا اختار الله له موظفاً مسئولاً عنه فهذا يدل على عظم مكانته وعلو شأنه، وبالأخص أن الإمام ضامن؛ فتكتب له صلاة المأمومين جميعاً حتى لو صلى وراءه آلاف البشر فإنه تكتب له صلاتهم جميعاً، وكذلك المؤذن فإنه لا يبلغ مدى صوته أي شيء إلا شهد له يوم القيامة؛ كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إنك امرؤ تحب الغنم والبادية؛ فإذا كنت في باديتك وغنمك فأذن؛ فإنه لا يبلغ مدى صوت المؤذن إنس ولا جن ولا ملك إلا شهد له ).

وكذلك عمار المساجد لهم نصيبهم من ذلك؛ فالمصلون فيها يشهد لهم بالإيمان؛ كما أخرج الترمذي في السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا رأيتم الرجل يرتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان؛ فإن الله تعالى يقول: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ [التوبة:18] ).

وهؤلاء الذين اختارهم الله سبحانه وتعالى لعمارة بيوته واستغلالها والاستفادة منها لا بد أن يدركوا مسئوليتهم وأن يتحملوها، وهي مسئولية جسيمة نبيلة؛ فالإمام ضمانه مطلق غير مقيد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الإمام ضامن )، ولم يقل: ضامن للصلاة، أو لصلاة من وراءه، بل أطلق، فقال: ( الإمام ضامن )، وهذا يقتضي أنه مفوض، مسئول مسئولية كاملة؛ ولذلك ليست مسئوليته في المسجد مقتصرة على أداء الصلوات والإمامة فيها والحفاظ على أوقاتها، بل مسئوليته تتعدى ذلك؛ ففي الصلاة هو المسئول حتى عن تسوية الصفوف، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسويها بنفسه، فيتقدم أمام الصف، فإذا رأى صدراً بادياً أو بادناً أرجعه إلى الصف، وكان يظن أنهم قد انقادوا لذلك؛ ( فخرج يوماً للصلاة فرأى رجلاً بادي الصدر، أي: قد تقدم على الصف، فقال: عباد الله! لتسون بين صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم )، ( ورأى فرجة في الصف؛ فقال: ما لي أرى الشياطين خلال صفوفكم كأنهم غنم عفر )، وكل ذلك يقتضي مسئولية الإمام حتى عن الصفوف الأواخر، وحتى في ترتيبها، وفي اختيار من يليه منها؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يختار في تنظيم الصف الذين يلونه كما في صحيح مسلم أنه قال: ( ليلني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم )، وهذا يقتضي أن الإمام مسئول حتى في ترتيب منازل الناس في الصف.

إذاً: إذا عرفنا أن توظيف الإمام إنما هو اختيار رباني من عند الله سبحانه وتعالى، وأن مسئوليته شاملة كاملة، فذلك يدل على أن عليه أن يهتم بشأن الناس، وأن يهتم بشأن الصلاة والصيام معاً، وبغير ذلك من الشعائر؛ فكما أن عليه مسئولية تجاه الوقت وتحديده هل دخل الوقت وقت الصلاة أم لا؟ فكذلك عليه البحث أيضاً في وقت الصيام هل دخل أم لا؟ وفي وقت الحج، هل دخل أم لا؟ لأن الله تعالى يقول: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ [البقرة:189]؛ فلا بد أن يعرف الإمام هذه المواقيت وأن يهتم بها، ولذلك لابد أن يعتني الأئمة جميعاً برؤية الهلال؛ فتعاهد الأهلة من فروض الكفايات، والأئمة هم القائمون بفروض الكفايات، وهم الذين يقلدون في الصلاة والصيام كما قال العلامة محمد مولود رحمة الله عليه:

وجاز في الصيام والصلاة تقليد عدل عارف الأوقات

فهم العدول العارفون بالأوقات.




استمع المزيد من الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي - عنوان الحلقة اسٌتمع
خطورة المتاجرة بكلمة الحق 4779 استماع
بشائر النصر 4275 استماع
أسئلة عامة [2] 4118 استماع
المسؤولية في الإسلام 4042 استماع
كيف نستقبل رمضان [1] 3981 استماع
نواقض الإيمان [2] 3937 استماع
اللغة العربية 3919 استماع
عداوة الشيطان 3919 استماع
المسابقة إلى الخيرات 3892 استماع
القضاء في الإسلام 3882 استماع