حق الجار


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أما بعد:

فإن الله سبحانه وتعالى خلق البرية من نفس واحدة، وهي آدم، ولو شاء لجعل كل فرد ينبت من أصل وحده كما ينبت الشجر، ولكنه أراد ترابط هذا الجنس فيما بينه وألفته واتحاده، وتعاونه على البر والتقوى؛ ولذلك لم يغن أحدٌ عن غيره من الناس، بل جعل جميع الناس يحتاج بعضهم إلى بعض في معاشه ولباسه ومسكنه وشئونه، حتى في أمور دينه، فلا يمكن أن يستغني أحد عن الناس في أمور الدين ولا في أمور الدنيا.

فالإنسان محتاج في أمور الدين إلى من يعلمه، وإذا قدر أنه يعرف حكم ما يقبل عليه من شئون الدين؛ فهو محتاج إلى من يذكره إذا غفل، ومن يساعده إذا ضعف؛ فهو عرضة للعوارض محتاج إلى التنبيه، فإنه تعتريه السنة والمنام؛ لمخالفته لله جل جلاله؛ فالله تعالى هو الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، والناس ينامون، وهو كذلك تعتريه الغفلة والنسيان، ويحتاج معهما إلى من ينبهه.

وهو كذلك تعتريه الأمراض والأعراض، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم: ( فخط خطاً مربعاً، وخطاً داخل الخط، وخطاً خارجاً منه، وخطوطاً عن اليمين وعن الشمال، فوضع يده على الخط الداخل فقال: هذا ابن آدم، وعلى الخط المربع فقال: وهذا أجله، وعلى الخط الخارج وقال: هذا أمله، ووضع إصبعه على الخطوط الصغيرة التي في الأطراف، فقال: وهذه أعراض، إن أخطأه هذا أصابه هذا ).

فالإنسان عرضة لكثير من العوارض في نفسه، وفي عقله، وفي خلقه، وفي تدبيره وفي شأنه كله؛ ولذلك يحتاج إلى من يساعده، والذين يخالطهم الإنسان أنواع منوعة؛ فمنهم من يكون أعلى مستوىً منه فيكون مثلاً له يقتدي به، ومنهم من يكون أدنى منه مستوىً فيكون هو الأسوة له، ومنهم من يكون مساوياً له، ومنهم من يفضله في بعض الجوانب ويقصر دونه بعض الجوانب، وكل ذلك بتدبير الله جل جلاله؛ هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ[آل عمران:163].

ولهذا جعل الله للناس حقوقاً وعليهم حقوقاً، وجعل لهم أواصر وروابط يرتبطون بها، وعلق على تلك الأواصر كثيراً من الحقوق التي من وفى بها فقد أدى الحق الذي عليه، وينال مقابل ذلك من الثواب الأخروي، وينال أيضاً بركة دنيوية على ما قدم، وما فرط فيها وضيعها؛ فهو عرضة للعقاب الأخروي، وسيناله شؤم التضييع في الحياة الدنيا.

ومن هذه الحقوق حق الجار؛ فالجار هو المجاور للإنسان، وقد أمر الله بالإحسان إليه في كتابه؛ فقال تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ[النساء:36].

تعريف الجار

والجار الذي يجاور الإنسان؛ إما أن يكون مأموراً بمجاورته ومخالطته، وهو الجار الصالح، الذي إذا رآه الإنسان ذكره بالله، ويعينه إذا ضعف، ويذكره إذا غفل، ويعلمه إذا جهل، وهؤلاء هم الذين يقول الله فيهم: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً[الكهف:28]، فهذا النوع من الناس يحتاج الإنسان إلى جواره، وهو مما يرغم فيه، ويحرص عليه الإنسان، وقد أمر به، فإذا حصل للإنسان أن وجد جاراً من الصالحين؛ فليتعاون معه، وليصبر نفسه عليه، وليخالطه بالتي هي أحسن، فإن: ( المؤمن الذي يخالط الناس، ويصبر على أذاهم خير وأحب إلى الله من المؤمن الذي لا يخالط الناس، ولا يصبر على أذاهم )، كما في الحديث.

أقسام الجار

والجار أقسام؛ فقد قسم النبي صلى الله عليه وسلم الجار من ناحية الدين إلى قسمين فقال: ( الجار المؤمن له حقان، والجار الكافر له حق واحد )؛ فالجار إما أن يكون مؤمناً، وإما أن يكون كافراً، فالجار المؤمن له حقان: حق الجوار وحق الإسلام، والجار الكافر له حق واحد، وهو حق الجوار؛ فيحسن إليه الإنسان ويتلطف به ويقرب له المعروف؛ لعله يهتدي على يديه، فيكون قد جر له نفع الدنيا والآخرة.

وكذلك ينقسم الجار بتقسيم آخر إلى: أن يكون قريباً أو جنيباً، كما قال الله تعالى: وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ[النساء:36]؛ فالجار القريب معناه: الذي تربطه بإنسان آصرة قربى ورحم؛ فله حقان أيضاً بالإضافة إلى حق الإسلام، والجار الجنيب التي لا تربطه بإنسان آصرة قريبة؛ فله حق الجوار وحق الإسلام إذا كان مسلماً.

وكذلك فإن الجار ينقسم إلى قسمين بتقسيم آخر: الجار الدائم، وهو جار دار المقام، والجار المرتحل وهو الذي يمكث مدة يسيرة، كالضيف ونحوه؛ فهو جار في مدة مكثه وإذا خرج انتهى جواره، وقد ذكر أهل العلم أن الإنسان ينبغي أن ينظر إلى الجيران جميعاً بنظرته للضيوف؛ لأن الضيف يتلقاه المحسن بالبشاشة والإكرام، ويبسط له في وجهه وفراشه وفيما لديه؛ لعلمه أنه منتقل لا محالة، وأن انتقاله قريب.

هذا وأن الضيف مخبر أهله بمبيت ليلته وإن لم يسأل

فكذلك الجار مدة بقائه معك محصورة؛ لأنه إما أن تموت أنت أو يموت هو؛ فلا بد أن ينتقل أحدكما عن الآخر؛ ولذلك قال الشاعر:

واصل حبيبك ما التواصل ممكن فلأنت أو هو عن قريب ذاهب

إما أن تذهب أنت وإما أن يذهب هو؛ فلذلك لا بد من الإحسان إليهما معاً.

والجار الذي يجاور الإنسان؛ إما أن يكون مأموراً بمجاورته ومخالطته، وهو الجار الصالح، الذي إذا رآه الإنسان ذكره بالله، ويعينه إذا ضعف، ويذكره إذا غفل، ويعلمه إذا جهل، وهؤلاء هم الذين يقول الله فيهم: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً[الكهف:28]، فهذا النوع من الناس يحتاج الإنسان إلى جواره، وهو مما يرغم فيه، ويحرص عليه الإنسان، وقد أمر به، فإذا حصل للإنسان أن وجد جاراً من الصالحين؛ فليتعاون معه، وليصبر نفسه عليه، وليخالطه بالتي هي أحسن، فإن: ( المؤمن الذي يخالط الناس، ويصبر على أذاهم خير وأحب إلى الله من المؤمن الذي لا يخالط الناس، ولا يصبر على أذاهم )، كما في الحديث.

والجار أقسام؛ فقد قسم النبي صلى الله عليه وسلم الجار من ناحية الدين إلى قسمين فقال: ( الجار المؤمن له حقان، والجار الكافر له حق واحد )؛ فالجار إما أن يكون مؤمناً، وإما أن يكون كافراً، فالجار المؤمن له حقان: حق الجوار وحق الإسلام، والجار الكافر له حق واحد، وهو حق الجوار؛ فيحسن إليه الإنسان ويتلطف به ويقرب له المعروف؛ لعله يهتدي على يديه، فيكون قد جر له نفع الدنيا والآخرة.

وكذلك ينقسم الجار بتقسيم آخر إلى: أن يكون قريباً أو جنيباً، كما قال الله تعالى: وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ[النساء:36]؛ فالجار القريب معناه: الذي تربطه بإنسان آصرة قربى ورحم؛ فله حقان أيضاً بالإضافة إلى حق الإسلام، والجار الجنيب التي لا تربطه بإنسان آصرة قريبة؛ فله حق الجوار وحق الإسلام إذا كان مسلماً.

وكذلك فإن الجار ينقسم إلى قسمين بتقسيم آخر: الجار الدائم، وهو جار دار المقام، والجار المرتحل وهو الذي يمكث مدة يسيرة، كالضيف ونحوه؛ فهو جار في مدة مكثه وإذا خرج انتهى جواره، وقد ذكر أهل العلم أن الإنسان ينبغي أن ينظر إلى الجيران جميعاً بنظرته للضيوف؛ لأن الضيف يتلقاه المحسن بالبشاشة والإكرام، ويبسط له في وجهه وفراشه وفيما لديه؛ لعلمه أنه منتقل لا محالة، وأن انتقاله قريب.

هذا وأن الضيف مخبر أهله بمبيت ليلته وإن لم يسأل

فكذلك الجار مدة بقائه معك محصورة؛ لأنه إما أن تموت أنت أو يموت هو؛ فلا بد أن ينتقل أحدكما عن الآخر؛ ولذلك قال الشاعر:

واصل حبيبك ما التواصل ممكن فلأنت أو هو عن قريب ذاهب

إما أن تذهب أنت وإما أن يذهب هو؛ فلذلك لا بد من الإحسان إليهما معاً.

وقد حض النبي صلى الله عليه وسلم على إكرام الجار؛ فقال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت )، وفي الحديث الآخر النهي عن أذاه؛ فقد قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره )، وفي الحديث الآخر: ( من آذى جاره أورثه الله داره )، وكذلك فإنه قال: ( ما زال جبريل يحثني على الجار حتى ظننت أنه سيورثه )، أي: يجعل له حقاً في المال بعد موت الإنسان.

وهذا الحق الذي هو حق الجوار هو راجع إلى المروءة والكرم؛ فمن كان صاحب مروءة؛ فإن الجوار ذمة في حقه كما قال الحكيم: (إن المعارف في أهل النهى ذمم).

وإذا ضيع جاره فإنها وصمة عار لديه، وإذا كان جاره لا يأمنه على نفسه أو أهله أو ماله؛ فإن ذلك دليل على رقة دينه وخراب ذمته؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم (والله لا يؤمن.. والله لا يؤمن.. والله لا يؤمن.. )، وبين أنه: ( من لم يأمن جاره بوائقه )، وكذلك: ( من بات شبعان وجاره جائع )، فهذا من حق الجار، ( ولما سأله عبد الله بن مسعود عن أعظم الذنوب؛ فقال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك، قلت: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يشركك في طعامك، قلت: ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلة جارك )؛ فالذي لا يأمنه جاره على نفسه أو على أهله أو على ماله من أشد الناس إجراماً، وأعظمهم كبائر عند الله جل جلاله.

ولذلك كان أهل الجاهلية على ما فيهم من النخوة والمروءة يعرفون حقوق الجار، وقد قال عنترة :

حتى يواري جارتي مأواها.

وقال الآخر:

إني حمدت بني شيبان إذ خمدت نيران قومي وفيهم شبت النار

فمن تكرمهم في المحل أنهم لا يحسب الجار أنه جار

حتى يكون عزيزاً من نفوسهم أو أن يبين جميع وهو مختار

والوفاء بحق الجار به شرف عدد كبير من الذين شرفوا وكانت لهم مكانة اجتماعية؛ كـالسموأل بن عادياء ؛ فإنه لما أتى أعداء جاره يريدون أن يسلمه إليهم وأسروا ولده؛ قال للرجل: (اقتل أسيرك إني مانع جاري)، فنال بذلك الشرف الصميم الذي أصبح مضرب المثل في الوفاء إلى الآن، يضرب المثل بوفاء السموأل ، وذلك بسبب وفائه لجاره.

وحق الجار بالإضافة إلى هذه النصوص التي تدعو إليه يودي الوفاء به إلى كثير من الفوائد للإنسان، ففي الآخرة فيه طاعة الله ورسوله وامتثال للأمر، وفي الدنيا فيه بركة عظيمة؛ فإن من تعاهد جيرانه لا بد أن يوسع له في رزقه؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لـأبي ذر رضي الله عنه: (إذا طبخت لحماً فأكثر مرقه ثم تعاهد جيرانك), فإن ذلك مما يوسع على الإنسان في رزقه.

وكذلك يأمن به الإنسان، فإنه إذا كان يأمن جيرانه مكره، وكانوا يأمنون على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم منه؛ فإنه سيؤمنه الله سبحانه وتعالى حين أمنه جيرانه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا إيمان لمن لا أمانة له).

وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم مراتب الجار في الفضل فقد ورد عنه أنه قال: ( أربعون داراً جار )، وهذا يقتضي أن الجيران ليسوا الذين يلون الباب مباشرة، بل يتعدى ذلك الجوار إلى ما هو أبعد منه حتى يصل ذلك إلى أربعين داراً، ومفهوم العدد قيل: هو مخرج لما فوقه، أي: أن ما زاد على ذلك لا يكون جاراً، وقيل: بل ليس مخرجاً له، فمن بينك وبينه تواصل، ولو كان بينك وبينه أربعون داراً؛ فإن حق الجوار باق في حقه.

وكذلك فإنه قال كما في صحيح البخاري : ( الجار أحق بسقبه )، والسقب والصقب، بالسين والصاد، معناه: القرب؛ فمعناه: أن من كان أقرب إليك من جيرانك؛ فحقه أعظم، وقد عرف هذا اللفظ، وهو: الصقب، بمعنى: القرب، ومن ذلك قول عبد الله بن قيس الرقيات في قصيدته لـعبد الملك بن مروان :

كوفية نازح محلتها لا أمم دارها ولا صقب

"لا أمم دارها" معناه: لا بعيدة، ولا صقب، أي: لا قريبة.

وكذلك فإنه كان في صدر الإسلام يؤخذ بالشفعة للجار، وقد أخذ بذلك الحنفية إلى اليوم فهو مذهبهم، ومذهب الجمهور: أن الشفعة للشريك فقط، والحنفية يرون أن شفعة الجار باقية؛ فإذا باع الإنسان داره دون أن يستشير جاره؛ فلجاره أن يأخذها بنفس الثمن غصباً عن المشتري والبائع، فيدفع الثمن إلى صاحبها؛ لئلا ينزل فيها من لا يحب جواره، لأن جار السوء في دار المقام مما يتعوذ منه.


استمع المزيد من الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي - عنوان الحلقة اسٌتمع
خطورة المتاجرة بكلمة الحق 4839 استماع
بشائر النصر 4291 استماع
أسئلة عامة [2] 4133 استماع
المسؤولية في الإسلام 4062 استماع
كيف نستقبل رمضان [1] 4003 استماع
نواقض الإيمان [2] 3948 استماع
عداوة الشيطان 3935 استماع
اللغة العربية 3932 استماع
المسابقة إلى الخيرات 3908 استماع
القضاء في الإسلام 3898 استماع