المسلمون بين الآمال والآلام [1]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمةً للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد: فإن الله سبحانه وتعالى هو الحي القيوم، ومدبر الكون، منه يصدر أمر هذا الكون، وإليه يعود، يرفع إليه أمر الليل قبل النهار، وأمر النهار قبل الليل، وهو الحي القيوم لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، مقاليد كل الأمور بيده، ورزق كل شيء عليه، ولا يمكن أن يقع في الكون إلا ما أراد، له الحكمة البالغة، لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:23]، وإن من حكمته سبحانه وتعالى أن جعل هذه الدار الدنيا مسرحاً للصراع بين الحق والباطل، وقد جعل فيها حزبين هما: حزب الله الساعي إلى رضوان الله، وتحقيق هداية الناس إلى منهجه الذي من أجله خلقوا، وهدايتهم إلى جنته التي بناها وأعدها للإحسان إلى أولئك الذين أطاعوه واتبعوا منهجه.

والحزب الثاني: هو حزب الشيطان الذي يسعى لإغواء الناس وتحقيق يمين إبليس، وهو يسعى دائماً لإضلال الناس عن طريق الحق، وقد قال الله تعالى: إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ [فاطر:6]، والصراع بين هذين الحزبين أبدي مستمر لا يمكن أن يتوقف حتى يرث الله الأرض ومن عليها؛ ولذلك لا يقصد حسمه، ولا يقصد أن يتغلب حزب الله على حزب الشيطان بالكلية، فلا يبقى لحزب الشيطان وجود في هذه الحياة الدنيا، ولو أراد الله ذلك لحققه، ولا يقصد -أيضاً- أن يتغلب حزب الشيطان على حزب الله بالكلية، حتى لا يبقى لحزب الله صوت ولا صولة، ولو شاء الله ذلك لحققه، ولكن الله سبحانه وتعالى جعل هذا الصراع والدفاع سنةً من سنن الكون عليها يسير الله أمر السموات والأرض، ولا يمكن أن تتوقف ولو توقفت لحظةً لفسدت السموات والأرض؛ كما قال الله تعالى: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الأَرْضُ [البقرة:251]، وفساد الأرض واضح وهو أن هذه الدنيا إنما هي دار عمل ولا جزاء، والآخرة بعدها دار جزاء ولا عمل، وإذا كانت هذه الدنيا دار عمل ولا جزاء فلو توقف الباطل عليها لنجح أهلها جميعاً فاستحقوا الجزاء، وحينئذ لم يبق للدنيا معنىً؛ لأن أهلها قد نجحوا في الامتحان فيستحقون أن ينقلوا إلى دار النعيم، ولو تغلب أيضاً الباطل عليها، وانهزم أهل الحق ولم يبق لهم وجود لاستحق أهل الأرض سخط الله ومقته، ( إن ربي اليوم غضب غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وذلك حين لا يبقى على الأرض من يقول: الله ).

فلهذا كان هذا التدافع سنة الله سبحانه وتعالى في الكون، وهو مصلحة الأرض، ولا يمكن أن يتوقف بحال من الأحوال، لكن لا بد أن يكون فيه نوبات وأيام كما قال الله تعالى: وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران:140]، والله قادر على هداية الناس أجمعين كما قال الله تعالى: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ [يونس:99-100].

ابتلاء الله لنبيه الكريم وللصحابة ولمن جاء بعدهم

وهو قادر على الانتقام من أعدائه جميعاً كما قال تعالى: ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ [محمد:4]، فهو اختبار وامتحان؛ ولذلك أخرج مسلم في الصحيح من حديث عياض بن حمار المجاشعي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم غير بقايا من أهل الكتاب، وقال: إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك )، هذا خطاب الله لمحمد صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك)، (لأبتليك) وقد نجح في هذا الابتلاء، فأنتم جميعاً تشهدون أنه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وعبد الله حتى أتاه اليقين، وقد شهد الله بذلك وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً [الفتح:28]، وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ قِيلاً [النساء:122]، فقد قال الله تعالى: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ [الذاريات:54]، وقال: وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ [النور:54]، وهذه شهادة الرب سبحانه وتعالى للنبي صلى الله عليه وسلم بأنه أدى ما عليه وبلغ الرسالة أحسن تبليغ، فلم يبق إلا الابتلاء به، وهو امتحان كل عصر ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به من الحق، فأنتم تعلمون أن الصدر الأول من هذه الأمة وفيهم الصحابة والتابعون وأتباع التابعين قد تمسكوا بما جاءهم الرسول صلى الله عليه وسلم به، فكان منهم قادة هذه الأمة في الخير، منهم العلماء العاملون، ومنهم الأولياء الصالحون، ومنها القادة المجاهدون، وقد بذلوا أرواحهم وأنفسهم لله تعالى، فاشتراها الله غاليةً بالجنة، وقامت بنصر الله أنصار دينه، وبيعت من الله النفوس والنفائس، لكن بقي من وراءهم وهم ممتحنون بنفس الامتحان الذي امتحن به السابقون، فأنتم اليوم ما امتحانكم إلا نظير الامتحان الذي امتحن به أبو بكر و عمر و عثمان و علي و بلال و صهيب و عمار ومن على شاكلتهم من السابقين، لكن أولئك هم الإسوة الحسنة والقدوة الصالحة نجحوا في الامتحان، فصدقوا الله ما عاهدوه عليه؛ ولذلك نظر الله إليهم بعين رحمته ورضاه لما صدقوه يوم بدر فقال: ( اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم )، ويوم بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة أحل الله عليهم رضوانه الأكبر الذي لا سخط بعده فسبقت المغفرة ذنوبهم، فلا يقع منهم ذنب إلا مغفوراً؛ ولذلك قال الله تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً [الفتح:18].

وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( والذي نفس محمد بيده لا يلج النار أحد بايع تحت الشجرة ).

وفي حديث جابر في صحيح مسلم : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم حين انتهوا من البيعة نظر إليهم فقال: أنتم خير أهل الأرض ).

وهو قادر على الانتقام من أعدائه جميعاً كما قال تعالى: ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ [محمد:4]، فهو اختبار وامتحان؛ ولذلك أخرج مسلم في الصحيح من حديث عياض بن حمار المجاشعي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم غير بقايا من أهل الكتاب، وقال: إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك )، هذا خطاب الله لمحمد صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك)، (لأبتليك) وقد نجح في هذا الابتلاء، فأنتم جميعاً تشهدون أنه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وعبد الله حتى أتاه اليقين، وقد شهد الله بذلك وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً [الفتح:28]، وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ قِيلاً [النساء:122]، فقد قال الله تعالى: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ [الذاريات:54]، وقال: وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ [النور:54]، وهذه شهادة الرب سبحانه وتعالى للنبي صلى الله عليه وسلم بأنه أدى ما عليه وبلغ الرسالة أحسن تبليغ، فلم يبق إلا الابتلاء به، وهو امتحان كل عصر ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به من الحق، فأنتم تعلمون أن الصدر الأول من هذه الأمة وفيهم الصحابة والتابعون وأتباع التابعين قد تمسكوا بما جاءهم الرسول صلى الله عليه وسلم به، فكان منهم قادة هذه الأمة في الخير، منهم العلماء العاملون، ومنهم الأولياء الصالحون، ومنها القادة المجاهدون، وقد بذلوا أرواحهم وأنفسهم لله تعالى، فاشتراها الله غاليةً بالجنة، وقامت بنصر الله أنصار دينه، وبيعت من الله النفوس والنفائس، لكن بقي من وراءهم وهم ممتحنون بنفس الامتحان الذي امتحن به السابقون، فأنتم اليوم ما امتحانكم إلا نظير الامتحان الذي امتحن به أبو بكر و عمر و عثمان و علي و بلال و صهيب و عمار ومن على شاكلتهم من السابقين، لكن أولئك هم الإسوة الحسنة والقدوة الصالحة نجحوا في الامتحان، فصدقوا الله ما عاهدوه عليه؛ ولذلك نظر الله إليهم بعين رحمته ورضاه لما صدقوه يوم بدر فقال: ( اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم )، ويوم بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة أحل الله عليهم رضوانه الأكبر الذي لا سخط بعده فسبقت المغفرة ذنوبهم، فلا يقع منهم ذنب إلا مغفوراً؛ ولذلك قال الله تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً [الفتح:18].

وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( والذي نفس محمد بيده لا يلج النار أحد بايع تحت الشجرة ).

وفي حديث جابر في صحيح مسلم : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم حين انتهوا من البيعة نظر إليهم فقال: أنتم خير أهل الأرض ).

ثم بعد ذلك جاءت عصور وعصور من هذه الأمة يأتي فيها الرجال المخلصون الذين يجددون عهد السابقين ويذكرون بهم، فتحدث الهمم في قلوب المؤمنين، فيريدون أن يسدوا لهذه الأمة مسد أولئك الرجال السابقين، إن مجد هذه الأمة ما بني إلا على الأشلاء والجماجم، وما بناه إلا الرجال المضحون الباذلون؛ فلذلك يأتي أقوام في كل عصر وفي كل مصر وحتى في البوادي والأرياف تحدث في نفوسهم الهمة أن يجددوا لهذه الأمة أمر دينها، وأن يتحملوا بعض مسئولياتها، وأن يقوموا بما قام به السلف الصالح، كل إنسان منهم يريد أن يسد مسداً لشخص واحد من الصحابة أو من التابعين أو من أتباعهم أو من أئمة الدين المعتبرين، فتراهم يتوارثون هذا الدين قبساً يضيء لهم، ويضيئون به للناس دربهم وطريقهم، وهم بذلك حجة الله القائمة على عباد الله سبحانه وتعالى، وهم رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم المبلغون عنه بكل أمانة وصدق، وقد اختارهم الله لأن يكونوا أوعيةً لدينه ووحيه، ولم يكن الله ليجعل وحيه بدار هوان، بل لا بد أن يختار له الصفوة وصفوة الصفوة، فهم الذين يستطيعون القيام بأعبائه، وهم الذين يتحملون تبعاته، وهم الذين يصدقون الله تعالى في بيعته، وأنتم تعلمون أن البيعة خطاب للجميع، وقد وقع الجميع عليها بمجرد النطق بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ولا يستطيع أحد أن يتراجع عنها، فهي مؤكدة في التوراة والإنجيل والقرآن، قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:111].

انقسام الناس حيال العمل بمقتضى بيعتهم مع الله تعالى

وفي آيات سورة الأحزاب بين الله انقسام الناس إلى قسمين حيال هذه البيعة إلى صادقين ومنافقين، فالصادقون: هم الذين وفوا لله بما عاهدوه عليه، فأخذوا هذه البيعة بالجد ووضعوها موضع التنفيذ، فأعمارهم لا يقصدون بها الهوى، ولا الشهوة، ولا جمع المال وحطامه، ولا المكانة في الدنيا، لا يريدون شيئاً من هذه الدنيا إلا تحقيق البيعة التي بايعوا الله عليها، فأوقاتهم وأعمارهم وجاههم ومالهم وعلمهم كل ذلك يصرف من أجل تحقيق البيعة التي بايعوا الله عليها، وهؤلاء فعلاً هم الصادقون الذين صدقوا الله ما عاهدوه عليه.

والطائفة الثانية: هم الذين انشغلوا بالأمور الأخرى وتركوا هذه البيعة ظهرياً، فإذا خطرت على قلب أحد منهم مر بها مرور الكرام، لا يجعل جزءاً من وقته، ولا جزءاً من ماله، ولا جزءاً من تفكيره، ولا جزءاً من عقله وتدبيره لتحقيق هذه البيعة، بل له انشغالات كثيرة، يهتم بمرضاه، يهتم بنفقته، يهتم بنفقة عياله، يهتم بمزرعته، يهتم بتجارته، يهتم بوظيفته وتقدماته، يهتم حتى بملابسه وسيارته، وترتيب أموره، لكن هذه البيعة عنده هي الهم العاشر أو بعد ذلك، وإذا خطرت على باله ظن أنها تعني طائفةً من الناس ولا تعني كثيراً منهم، وهو -والحمد لله- مستثنىً منها ولا تعنيه، فلا يظن أنه مخاطب بهذه البيعة التي هي على كل المؤمنين وفي رقابهم، وسيأتون جميعاً حفاةً عراةً غرلاً، فيوقفون بين يدي الحكم العدل، ويسألون عن هذه البيعة ماذا قدموا حيالها؟

قلة عدد من يوفي الله ببيعته

إن هذه البيعة ليست برجم الظنون، ولا هي حديث يفترى، ولكنها وحي منزل من عند الله نزل به الروح الأمين على قلب محمد صلى الله عليه وسلم، وأنتم جميعاً تؤمنون بها، وتعلمون أنها الحق، ولكن يبقى فقط من يقوم بحقها، ومن يهتم بها، ومن يعطي هذه البيعة جزءاً من وقته وتفكيره وتدبيره، ومن يقدمها على مصالحه الدنيوية.

وفي آيات سورة الأحزاب بين الله انقسام الناس إلى قسمين حيال هذه البيعة إلى صادقين ومنافقين، فالصادقون: هم الذين وفوا لله بما عاهدوه عليه، فأخذوا هذه البيعة بالجد ووضعوها موضع التنفيذ، فأعمارهم لا يقصدون بها الهوى، ولا الشهوة، ولا جمع المال وحطامه، ولا المكانة في الدنيا، لا يريدون شيئاً من هذه الدنيا إلا تحقيق البيعة التي بايعوا الله عليها، فأوقاتهم وأعمارهم وجاههم ومالهم وعلمهم كل ذلك يصرف من أجل تحقيق البيعة التي بايعوا الله عليها، وهؤلاء فعلاً هم الصادقون الذين صدقوا الله ما عاهدوه عليه.

والطائفة الثانية: هم الذين انشغلوا بالأمور الأخرى وتركوا هذه البيعة ظهرياً، فإذا خطرت على قلب أحد منهم مر بها مرور الكرام، لا يجعل جزءاً من وقته، ولا جزءاً من ماله، ولا جزءاً من تفكيره، ولا جزءاً من عقله وتدبيره لتحقيق هذه البيعة، بل له انشغالات كثيرة، يهتم بمرضاه، يهتم بنفقته، يهتم بنفقة عياله، يهتم بمزرعته، يهتم بتجارته، يهتم بوظيفته وتقدماته، يهتم حتى بملابسه وسيارته، وترتيب أموره، لكن هذه البيعة عنده هي الهم العاشر أو بعد ذلك، وإذا خطرت على باله ظن أنها تعني طائفةً من الناس ولا تعني كثيراً منهم، وهو -والحمد لله- مستثنىً منها ولا تعنيه، فلا يظن أنه مخاطب بهذه البيعة التي هي على كل المؤمنين وفي رقابهم، وسيأتون جميعاً حفاةً عراةً غرلاً، فيوقفون بين يدي الحكم العدل، ويسألون عن هذه البيعة ماذا قدموا حيالها؟