الشباب والتحديات


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمةً للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإن الله الحكيم الخبير سبحانه وتعالى، سير هذا الكون على وفق نواميس ثابتة هي التي تحكم هذا الكون كله، وهذه النواميس هي السنن الإلهية التي لا يمكن أن يتحرك، ولا أن يسكن شيء في هذا الكون إلا بها، ومن هذه السنن والنواميس سنة التحدي، والإنسان بحاجة إليها أكثر من غيره؛ لأنه عندما يشعر بأن عدواً ما يتحداه، فستتحرك فيه دواعي العزة ليأخذ مكانه وليرد ذلك التحدي على أعقابه، ولن تتحرك كوامنه ولن يكتشف قواه إلا بالتحديات، والذي لا يشعر بالتحديات سيعيش عادياً ويموت عادياً، ويبعث عادياً، لم يحدث شيئاً في هذا الكون.

ومن المعلوم أن الإنسان خلق ليغير في هذا الكون، فالإنسان خليفة الله في الأرض، وخلق الله له ما في الأرض جميعاً، فلا بد أن يكون مسئولاً ولا بد أن يكون مشاركاً في حركة هذا الكون واستغلال ما فيه: فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ [الملك:15].

حاجة الشاب إلى معرفة ما يواجهه

لذلك احتاج الشباب بالخصوص من بين هذا الجنس البشري إلى معرفة ما يمكن أن يتحداهم من أنواع التحديات، وإلى الموازنة بين هذه المتحديات التي تتحداهم.

إن أول ما يتحدى الشباب من المتحديات هو تحدي البحث عن الذات، فعندما ينشأ الشاب وقد عاش فترته الأولى في التكوين بين أبويه وتلقى من مدرسته وشارعه، فتنوعت مشاربه، وأخذ من مختلف الاتجاهات، فللوالدين تأثير فيه وللزملاء والقرناء تأثير آخر، وللشارع الذي يعيش فيه تأثير، وللمدرسة التي يدرس فيها ولمقرراتها تأثير، ولوسائل الإعلام تأثير، كل هذه مجتمعة تؤثر في عقلية الشاب، وأول ما يواجهه من التحديات هو تحدي البحث عن الذات من أنا؟

البحث عن الذات والانتماء

فهذا أول سؤال يطرحه الشاب على نفسه، هذا التحدي جوابه: ما يبحث فيه الإنسان هل هو تابع لقيم دينية تحكمه أو خلقية؟ أو يبحث عن وجوده في العنصر، أو في الوطن أو في اللغة أو في غير ذلك من العوامل التي تبني الشخصية، فإن وجد ما يلبي هذا الجواب في دين وقيم وأخلاق سما وعرف لماذا أتى، وعرف أنه غريب في هذه الدنيا، وأنه جاء لمدة محددة في مهمة محددة.

ومن هنا لا يمكن أن يضيع شيئاً من وقته ولا من جهده ولا من طاقته في غير المهمة الأساسية التي من أجلها أتى، وما يكملها من المكملات التي يحتاج إليها، وإن لم يعرف كيانه وحقيقته في الجانب الديني والخلقي، فسيبحث عن الجوانب الأخرى، كالعنصر والوطن واللغة وغير ذلك.

البحث عن الذات في العنصر وأثره

ومن هنا سيكون عامل هدم وفساد؛ لأنه إذا بحث عن كيانه في العنصر فسيكون عنصرياً، لا يسعى لمصلحة البشر جميعاً ولا يسعى لإصلاح الأرض ومن عليها، ويهتم بعنصر واحدٍ، يرى أن له الحق في استغلال ما في الأرض، وأن ما سواه من العناصر تستحق الإقصاء والطرد.

ومن هنا سيكون عامل هدم في هذا البيت الواحد الذي تسكنه أسرة واحدة، فالأرض بيت واحد تسكنه أسرة واحدة، ذرية آدم و حواء .

الذاتية الوطنية وأثرها

وإن بحث عن ذاته في الوطن فسيرتبط ببعض الأمور التي لا يدرك مغازيها ولا مهماتها، فيرتبط بوطن مخصوص وببقعة مخصوصة من هذه الأرض، والواقع أن للإنسان في الأرض وطناً واحداً، وهو قبره.

سر في البلاد وصاحب أن تنل فطناً فيها دليلاً وجانب ضيق العطن

ولا تبيتن فيها آنفاً وطناً فلم يكن لك قبل القبر من وطن

وهذا الوطن الضيق الصغير، الذي هو وطن الإنسان الحقيقي: مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى [طه:55]، مجهول لا يدري الإنسان أين يكون: وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ [لقمان:34].

من هنا كان الاهتمام بوطن سوى ذلك مدعاة لتفضيل بعض الأوطان على بعض، كما نشاهده في البلدان الغربية، عندما تلمس الغربيون البحث عن ذواتهم في الوطن فوجدوا أن الوطن الأوروبي مفضل على غيره من الأوطان، ومن أجل ذلك سعوا لاستغلال ما في الأوطان الأخرى من الخيرات وجلبها إلى بلادهم، فقاموا بالاستعمار العسكري لنهب خيرات البلاد واستغلالها في بلادهم، فبنوا البنى التحتية، بنوا الجامعات والمستشفيات والطرق وشبكات الأنفاق، وغير ذلك من أموال الدول الأخرى، التي ليست مستحقة للحياة في تصورهم.

وهنا طرفة واقعية، وليست نكتة حصلت لاثنين من الشباب الموريتانيين في فرنسا، لم يكن معهما نقود كحال كثير من الطلاب، وسامحوني في هذه، فأراد أن يمتطي مترو الأنفاق في باريس، لكنهما قفزا فوق الحواجز وركبا في القطار، فجاء مسؤول الأمن في القطار فسألهما: أين تذاكركما؟ وعرف أنهما قد قفزا، فأتى بهما إلى الشرطة فسألتهم الشرطة: لماذا تقفزان الحواجز وتركبان بلا تذاكر؟ فقالا: فرنسا ليس فيها حديد وهذا الحديد منهوب من بلادنا، وفعلاً صدقت الشرطة ما قال الشابان وخرجا بسلام.

وقد حضرت محاضرة لأحد الساسة الأمريكان، قال فيها: إننا لا نأخذ من خيرات العالم إلا خمساً وثمانين في المائة فقط، ونتصدق بخمسة عشرة في المائة من خيرات العالم على سكان الأرض.

إن أولئك القوم عندما بحثوا عن ذواتهم في الوطنية عبدوا عباد الله الأحرار، فأخذوا سكان هذه القارة المحكوم عليها بالمهانة والهوان وشغلوهم في مناجم الفحم تحت الأرض، وفي حفر أنفاق القطارات، وفي أنواع الأعمال الشاقة ليبنوا بلادهم بسواعد الآخرين، ومع ذلك نجد في أمريكا بعض الأماكن يكتب عليها أنها محرمة على الكلاب والخنازير والسود، وإلى الآن في بلاد الحرية ما زالت هذه الشعارات تكتب، فهذا دليل على انحراف هؤلاء القوم حين طلبوا البحث عن ذواتهم في الوطنية.

الذاتية القومية

ومثل ذلك أولئك الذين يبحثون عنها في نطاقٍ قومي، فيتعلقون بالناطقين بلغة من اللغات، ويطلبون في ذلك البحث عن ذواتهم، فيعتبرون من نطق باللغة الفلانية عنصراً مقدساً يستحق التشريف والتكريم، ومن سواه من العناصر لا يستحق ذلك، وهذا غاية في الانحراف؛ لأنه ما من لغة تستعصي على أن يتعلمها الناس، فلغات العالم كلها يمكن أن يتعلمها كل إنسان، ويكون من الناطقين بها، بل قد يجيدها أكثر مما يجيدها أصحابها وذويها.

الذاتية الدينية والأخلاقية ودورها في صلاح المجتمعات

من هنا كان هذا التحدي الأول للشباب مهماً جداً في تقويم مسيرتهم وحياتهم؛ ولذلك لا بد أن يبحث الشباب عن ذواتهم في القيم الدينية والخلقية، وإذا بحث الإنسان عن ذاته من خلال القيم الدينية والخلقية، فسيجد أنه عبد لله ما شاوره في أصل خلقته، ولا شاوره بأي لون يصبغه، ولا في أية بلدة يسكنه، ولا بأي أنواع المعاش يعيشه: مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً [الكهف:51]. يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ[القصص:68]، فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ [الانفطار:8].

فمن هنا ينطلق الإنسان بقناعة كاملة أنه عبد لله وحده، حر من الأغيار جميعاً، وأن الرب الذي خلقه وسواه هو الذي يستحق عليه العبادة، وهو الذي يمكن أن يشرع له ويأمره وينهاه ويحل له ويحرم عليه، وهو الغني عنه.

ومن هنا فما أحل له أو ما حرم عليه فلمصلحته هو لا لمصلحة الرب سبحانه وتعالى، وهكذا في القيم الخلقية في التعامل مع الناس، وأولاهم بحسن العشرة والتعامل الوالدان اللذان نجلا الإنسان، ثم الأقرب فالأقرب، ويشمل ذلك كل من كان أكبر منك أو أصغر، فمن كان أكبر منك فهو بمثابة والدك ومن كان دونك أو أصغر منك فهو بمثابة ولدك، ومن هنا تنظر إلى الناس بهذه النظرة، ومن كان معاصراً لك فهو أقرب من ذلك؛ لأنه الزميل والقريب.

ومن هنا لن تكون لك عقدة ضد أهل الأرض، بل ستراهم جميعاً أهل أسرة واحدة.

فمن بحث عن ذاته في هذه القيم وفي هذا الدين والأخلاق وجدت نفسك معه في خندق واحد من أي جنسية، ومن أي بلد، ومن أي لون، ومن أية لغة، ومن لم يعرف نفسه من خلال هذه المعرفة وجدت أنه مسكين ناقص، يحتاج إلى من يرحمه، ورحمته إنما تكون بالسعي لهدايته فأنت حريص على هدايته، حريص على أن تحول بينه وبين أن يكبه الله على وجهه في النار.

ومن هنا تنطلق من واقع الرحمة التي كتبها الله على نفسه: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ[الأنعام:54]، وهذه الرحمة هي خلق هذا الدين كما قال صلى الله عليه وسلم: ( لكل دين خلق، وخلق الإسلام الرحمة)، وهي تقتضي منك أن ترحم الكافرين من عذاب الله فتسعى لهدايتهم، وأن ترحم الضآلين من عذاب الله فتسعى لهدايتهم، وأن ترحم المبتلين في أبدانهم بما تستطيع مساعدتهم به، وأن ترحم المبتلين في أرزاقهم بما تستطيع مساعدتهم به، فتكون فعلاً عامل صلاح وإصلاح في هذه الأرض، فأنت صالح في نفسك مصلح لغيرك ما استطعت، وإذا تعديت هذا التحدي الأول فقد نجحت نجاحاً باهراً، ولله الحمد وتخرجت من مدرسة التحدي الأول، وستصل إلى المستوى الثاني، وهو تحدي البحث لماذا أنا؟ ما مهمتي؟

لذلك احتاج الشباب بالخصوص من بين هذا الجنس البشري إلى معرفة ما يمكن أن يتحداهم من أنواع التحديات، وإلى الموازنة بين هذه المتحديات التي تتحداهم.

إن أول ما يتحدى الشباب من المتحديات هو تحدي البحث عن الذات، فعندما ينشأ الشاب وقد عاش فترته الأولى في التكوين بين أبويه وتلقى من مدرسته وشارعه، فتنوعت مشاربه، وأخذ من مختلف الاتجاهات، فللوالدين تأثير فيه وللزملاء والقرناء تأثير آخر، وللشارع الذي يعيش فيه تأثير، وللمدرسة التي يدرس فيها ولمقرراتها تأثير، ولوسائل الإعلام تأثير، كل هذه مجتمعة تؤثر في عقلية الشاب، وأول ما يواجهه من التحديات هو تحدي البحث عن الذات من أنا؟

فهذا أول سؤال يطرحه الشاب على نفسه، هذا التحدي جوابه: ما يبحث فيه الإنسان هل هو تابع لقيم دينية تحكمه أو خلقية؟ أو يبحث عن وجوده في العنصر، أو في الوطن أو في اللغة أو في غير ذلك من العوامل التي تبني الشخصية، فإن وجد ما يلبي هذا الجواب في دين وقيم وأخلاق سما وعرف لماذا أتى، وعرف أنه غريب في هذه الدنيا، وأنه جاء لمدة محددة في مهمة محددة.

ومن هنا لا يمكن أن يضيع شيئاً من وقته ولا من جهده ولا من طاقته في غير المهمة الأساسية التي من أجلها أتى، وما يكملها من المكملات التي يحتاج إليها، وإن لم يعرف كيانه وحقيقته في الجانب الديني والخلقي، فسيبحث عن الجوانب الأخرى، كالعنصر والوطن واللغة وغير ذلك.

ومن هنا سيكون عامل هدم وفساد؛ لأنه إذا بحث عن كيانه في العنصر فسيكون عنصرياً، لا يسعى لمصلحة البشر جميعاً ولا يسعى لإصلاح الأرض ومن عليها، ويهتم بعنصر واحدٍ، يرى أن له الحق في استغلال ما في الأرض، وأن ما سواه من العناصر تستحق الإقصاء والطرد.

ومن هنا سيكون عامل هدم في هذا البيت الواحد الذي تسكنه أسرة واحدة، فالأرض بيت واحد تسكنه أسرة واحدة، ذرية آدم و حواء .

وإن بحث عن ذاته في الوطن فسيرتبط ببعض الأمور التي لا يدرك مغازيها ولا مهماتها، فيرتبط بوطن مخصوص وببقعة مخصوصة من هذه الأرض، والواقع أن للإنسان في الأرض وطناً واحداً، وهو قبره.

سر في البلاد وصاحب أن تنل فطناً فيها دليلاً وجانب ضيق العطن

ولا تبيتن فيها آنفاً وطناً فلم يكن لك قبل القبر من وطن

وهذا الوطن الضيق الصغير، الذي هو وطن الإنسان الحقيقي: مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى [طه:55]، مجهول لا يدري الإنسان أين يكون: وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ [لقمان:34].

من هنا كان الاهتمام بوطن سوى ذلك مدعاة لتفضيل بعض الأوطان على بعض، كما نشاهده في البلدان الغربية، عندما تلمس الغربيون البحث عن ذواتهم في الوطن فوجدوا أن الوطن الأوروبي مفضل على غيره من الأوطان، ومن أجل ذلك سعوا لاستغلال ما في الأوطان الأخرى من الخيرات وجلبها إلى بلادهم، فقاموا بالاستعمار العسكري لنهب خيرات البلاد واستغلالها في بلادهم، فبنوا البنى التحتية، بنوا الجامعات والمستشفيات والطرق وشبكات الأنفاق، وغير ذلك من أموال الدول الأخرى، التي ليست مستحقة للحياة في تصورهم.

وهنا طرفة واقعية، وليست نكتة حصلت لاثنين من الشباب الموريتانيين في فرنسا، لم يكن معهما نقود كحال كثير من الطلاب، وسامحوني في هذه، فأراد أن يمتطي مترو الأنفاق في باريس، لكنهما قفزا فوق الحواجز وركبا في القطار، فجاء مسؤول الأمن في القطار فسألهما: أين تذاكركما؟ وعرف أنهما قد قفزا، فأتى بهما إلى الشرطة فسألتهم الشرطة: لماذا تقفزان الحواجز وتركبان بلا تذاكر؟ فقالا: فرنسا ليس فيها حديد وهذا الحديد منهوب من بلادنا، وفعلاً صدقت الشرطة ما قال الشابان وخرجا بسلام.

وقد حضرت محاضرة لأحد الساسة الأمريكان، قال فيها: إننا لا نأخذ من خيرات العالم إلا خمساً وثمانين في المائة فقط، ونتصدق بخمسة عشرة في المائة من خيرات العالم على سكان الأرض.

إن أولئك القوم عندما بحثوا عن ذواتهم في الوطنية عبدوا عباد الله الأحرار، فأخذوا سكان هذه القارة المحكوم عليها بالمهانة والهوان وشغلوهم في مناجم الفحم تحت الأرض، وفي حفر أنفاق القطارات، وفي أنواع الأعمال الشاقة ليبنوا بلادهم بسواعد الآخرين، ومع ذلك نجد في أمريكا بعض الأماكن يكتب عليها أنها محرمة على الكلاب والخنازير والسود، وإلى الآن في بلاد الحرية ما زالت هذه الشعارات تكتب، فهذا دليل على انحراف هؤلاء القوم حين طلبوا البحث عن ذواتهم في الوطنية.