خطب ومحاضرات
الثبات حتى الممات
الحلقة مفرغة
إن الحمد الله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وأتباعه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعـد:
فيا أيها الأحبة -جميعاً-: السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته:
وإنني في مستهل هذه الكلمة أرحب بإخواني -جميعاً- الذين مشوا إلى هذا المكان المبارك، وأسأل الله تعالى أن يكتب لهم ذلك في ميزان حسناتهم، وأرحب بكم جميعاً وأشكركم على حرصكم على حضوري إلى هذا البلد الطيب، وإلحاحكم، وإن كنت لا أملك شيئاً كثيراً أقدمه لكم، ولكنني أجود بما أملك، ومن جاد بما يملك فإنه ما بخل.
فإنني أشكركم كثيراً -أيها الأحبة- في هذا البلد الكريم، الحريص المضياف، وأسأل الله تعالى أن يجزيكم جميعاً خير الجزاء، ثم إنني أشكر -أيضاً- على وجه الخصوص أصحاب الفضيلة، والمشايخ، والعلماء، والدعاة، والقضاة، وأساتذة الجامعة الذين حضروا إلى هذا المكان... فجزاهم الله خيراً.
أيها الأحبة هذه الليلة هي ليلة التاسع من رجب من سنة ألف وأربعمائة وثلاثة عشر للهجرة، وعنوان هذه المحاضرة هو: الثبات حتى الممات، وهذا هو جامع القرطبي في الخرج.
إن الحديث عن موضوع الثبات لا يحتاج إلى مسوغ فإن الثبات على الحق لا يقل أهمية عن معرفة الحق ذاته، ولو تأملت أحوال الناس لوجدتهم أصنافاً شتى فهناك:
الذين لا يعرفون الحق أصلاً
الذين يعرفون الحق ولا يتبعونه
وقال: مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ [المائدة:60].
ومثال ذلك: اليهود، فإنهم يعلمون ولكنهم لا يعملون، وأيضاً: من ضل من أحبار هذه الأمة، ففيه شبه من هؤلاء.
يعرفون الحق ويعملون به زماناً ثم ينحرفون
من عرف الحق وعمل به واستمر عليه
ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل الله تعالى الثبات -كما سوف يأتي- ويقول: {يا مقلب القلوب؛ ثبت قلوبنا على دينك} ويقول: { يا مصرف القلوب؛ اصرف قلوبنا إلى طاعتك} وكان المؤمنون منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى يوم الناس هذا يفرحون بالثبات، سواء كان الثبات في اليقظة بلزوم الطريق والاستمرار عليه، والصبر على الحق والتواصي به، وتحمل الأذى في سبيله، أم كان الثبات في المنام.
فقد كان السلف رضي الله عنهم كـمحمد بن سيرين وغيره، كانوا يفسرون القيد في القدم في النوم -في الرؤيا- أنه: ثبات في الدين، فيقولون: القيد ثبات في الدين؛ بخلاف الغل في اليد فإن الغل في اليد وفي العنق مكروه -يعني في الرؤيا- أما القيد في الرجل فهو ثبات في الدين، وكانوا يحبون الثبات في الحياة، ويحبون الثبات عند الممات ويفرحون به، ويدعون لصاحبه، ويغتبطون بحاله!.
الفئة الأولى من الناس: الذين لا يعرفون الحق أصلاً، وبالتالي لا يتبعونه، بل يتخبطون في دياجير الظلمات، كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها، ألا وهم: الضالون، غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة7] ومثال ذلك النصارى الذين يعبدون الله تعالى على جهلٍ وضلال، فهذا هو الصنف الأول.
الصنف الثاني: الذين يعرفون الحق معرفة ذهنية عقلية ومجردة، ولكنهم لا يتبعون الحق ولا يعملون به، وهؤلاء هم: المغضوب عليهم، كما قال الله تعالى: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7].
وقال: مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ [المائدة:60].
ومثال ذلك: اليهود، فإنهم يعلمون ولكنهم لا يعملون، وأيضاً: من ضل من أحبار هذه الأمة، ففيه شبه من هؤلاء.
الصنف الثالث: هم الذين يعرفون الحق، ويتبعونه، ويعملون به زماناً، ثم ينحرفون عنه، وهؤلاء هم الناكصون على أعقابهم، كالمرتدين على أعقابهم ردة كلية بمعنى الخروج من الإسلام؛ أو ردة جزئية تعني ترك بعض شعائر الإسلام وبعض شرائعه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم -في شأن أولئك الذين رآهم يوم القيامة، وقد أوشكوا على ورود حوضه، فلما قربوا منه أبعدوا عنه- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: {يا رب، أمتي.. أمتي، فقيل له: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم!} فهم لزموا الحق زماناً حتى عرف النبي صلى الله عليه وسلم سيما الأمة فيهم، ثم ارتدوا وانحرفوا عن سواء السبيل.
الصنف الرابع: هم الذين يعرفون الحق ويتبعونه، ويعملون به، ويستمرون عليه، وأولئك هم المؤمنون المفلحون، قال الله تعالى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ [إبراهيم:27].
ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل الله تعالى الثبات -كما سوف يأتي- ويقول: {يا مقلب القلوب؛ ثبت قلوبنا على دينك} ويقول: { يا مصرف القلوب؛ اصرف قلوبنا إلى طاعتك} وكان المؤمنون منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى يوم الناس هذا يفرحون بالثبات، سواء كان الثبات في اليقظة بلزوم الطريق والاستمرار عليه، والصبر على الحق والتواصي به، وتحمل الأذى في سبيله، أم كان الثبات في المنام.
فقد كان السلف رضي الله عنهم كـمحمد بن سيرين وغيره، كانوا يفسرون القيد في القدم في النوم -في الرؤيا- أنه: ثبات في الدين، فيقولون: القيد ثبات في الدين؛ بخلاف الغل في اليد فإن الغل في اليد وفي العنق مكروه -يعني في الرؤيا- أما القيد في الرجل فهو ثبات في الدين، وكانوا يحبون الثبات في الحياة، ويحبون الثبات عند الممات ويفرحون به، ويدعون لصاحبه، ويغتبطون بحاله!.
إن الذي لم يعرف الحق أصلاً ولم يدر به ربما يعود إلى الحق أو يتبعه إذا عرفه؛ لأن انحرافه ناتج عن جهل والجهل من السهل أن يدفع بالتعليم، فكم من إنسانٍ عاش زماناً في الظلمات؛ لأنه لم يعرف الحق فبمجرد ما سمع صوت الداعي إلى الله؛ أصغى له، وتقبله، وآمن به، واندفع إليه؛ لأن انحرافه كان ناتجاً عن جهل، وليس عن هوى.
الانحراف بعد الهدى
إن من أخطر الأشياء أن ينحرف الإنسان بعد الهدى، ويضل بعد أن كان على الصراط المستقيم، فإنه لا يكاد ينفع فيه كلام، ولا تفيد فيه موعظة؛ لأنه يعتبر نفسه خبيراً مجرباً، وكل الكلام الذي يمكن أن تقوله أنت، أو تنصحه به، أو تذكره به، كل هذا الكلام.. لا أقول أنه سبق أن علمه من غيرك، لا،بل ربما يكون سبق أن قاله هو لغيره، ودعا به غيره، وأمر به غيره، ونهى به غيره، وهكذا أصبح الكلام عنده غير ذي معنى وغير ذي تأثير.
مثال: إنسان كان على الهدى، ثم انحرف بسبب مواقف يعتبر أنها غير جيدة من قبل بعض أصدقائه، وبعض أصحابه، وبعض جلسائه الذين كانوا معه على الهدى، وعلى الطريق المستقيم؛ فأحدثت هذه التصرفات، وهذه المواقف منهم ردود فعل ضدهم، فأصبح يكره الأخيار والطيبين، بل ويكره الخير ويكره الداعي إليه، ولا يثق بأحد من هؤلاء؛ لأنه يقيس كل من سمع على أولئك الذين جربهم يوماً من الأيام في حياته.
مثل هذا الإنسان، لو أتيته لتحدثه عن الشباب الصالحين، أو عن العلماء العاملين، أو عن الدعاة المخلصين، أو عن الملتزمين، لظنك مخدوعاً مثلما كان هو مخدوعاً من قبل، وأن الغشاوة يجب أن تزول عنك مثلما زالت عنه، ولهذا لا يفيد فيه كلام ولا يؤثر فيه وعظ، إلا أن يشاء الله تعالى.
الهدى بعد الضلال
أما الذي عرف الحق ثم أعرض عنه، أو تبعه زماناً ثم تركه، فأي شيءٍ تعتقد أن يغريه باتباع الحق من جديد، إلا أن يتداركه الله تعالى برحمته.
إن من أخطر الأشياء أن ينحرف الإنسان بعد الهدى، ويضل بعد أن كان على الصراط المستقيم، فإنه لا يكاد ينفع فيه كلام، ولا تفيد فيه موعظة؛ لأنه يعتبر نفسه خبيراً مجرباً، وكل الكلام الذي يمكن أن تقوله أنت، أو تنصحه به، أو تذكره به، كل هذا الكلام.. لا أقول أنه سبق أن علمه من غيرك، لا،بل ربما يكون سبق أن قاله هو لغيره، ودعا به غيره، وأمر به غيره، ونهى به غيره، وهكذا أصبح الكلام عنده غير ذي معنى وغير ذي تأثير.
مثال: إنسان كان على الهدى، ثم انحرف بسبب مواقف يعتبر أنها غير جيدة من قبل بعض أصدقائه، وبعض أصحابه، وبعض جلسائه الذين كانوا معه على الهدى، وعلى الطريق المستقيم؛ فأحدثت هذه التصرفات، وهذه المواقف منهم ردود فعل ضدهم، فأصبح يكره الأخيار والطيبين، بل ويكره الخير ويكره الداعي إليه، ولا يثق بأحد من هؤلاء؛ لأنه يقيس كل من سمع على أولئك الذين جربهم يوماً من الأيام في حياته.
مثل هذا الإنسان، لو أتيته لتحدثه عن الشباب الصالحين، أو عن العلماء العاملين، أو عن الدعاة المخلصين، أو عن الملتزمين، لظنك مخدوعاً مثلما كان هو مخدوعاً من قبل، وأن الغشاوة يجب أن تزول عنك مثلما زالت عنه، ولهذا لا يفيد فيه كلام ولا يؤثر فيه وعظ، إلا أن يشاء الله تعالى.
استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
أحاديث موضوعة متداولة | 5118 استماع |
حديث الهجرة | 5007 استماع |
تلك الرسل | 4155 استماع |
الصومال الجريح | 4146 استماع |
مصير المترفين | 4123 استماع |
تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة | 4052 استماع |
وقفات مع سورة ق | 3976 استماع |
مقياس الربح والخسارة | 3929 استماع |
نظرة في مستقبل الدعوة الإسلامية | 3872 استماع |
التخريج بواسطة المعجم المفهرس | 3833 استماع |