الخوف والرجاء


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أما بعد:

فإن الله سبحانه وتعالى جعل هذه الدار دار امتحان وابتلاء، ويبلو فيها عباده المؤمنين، ومن نجح منهم في الامتحان نال بذلك الخلود في دار المقام، ومن رسب في الامتحان، لا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً، وقد جعل الله سبحانه وتعالى المؤمن في هذه الدار ضيفاً غريباً؛ لأنه عابر سبيل، وهذه هي حياة المؤمن الطبيعية في الحياة الدنيا, فليس له أن يركن إلى شيء من متاعها، ولا أن يرغب في التعمير فيها والبقاء، فهي دار زوال، ولذلك فلو كان في التعمير والبقاء فيها خير لناله خير البشر وأزكاهم وأحبهم إلى الله، فرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعش في عمره الدنيوي فوق هذه الأرض إلا ثلاثاً وستين سنة، وكذلك عدد كبير من خيرة أصحابه, فـأبو بكر الصديق لم يعش إلا ثلاثاً وستين سنة، و عمر بن الخطاب لم يعش إلا ثلاثاً وستين سنة، و علي بن أبي طالب لم يعش إلا ثلاثاً وستين سنة، و الزبير و طلحة لم يعيشا إلا ثلاثاً وستين سنة، و بلال بن رباح لم يعش إلا ثلاثاً وستين سنة.

وكذلك عدد كبير ممن بعدهم من أئمة الهدى، منهم من عاش دون ذلك، ومنهم من عاش في هذه الحدود، وهذا يدل على أن المهم في هذا العمر هو النجاح في الامتحان إذا نحج الإنسان فيه ولو بلحظة واحدة، فذلك كاف كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الرجل الذي أتاه وهو في الصف أمام العدو، فقال: ( يا رسول الله! أسلم وأقاتل، أم أقاتل ثم أسلم؟ فقال: أسلم ثم قاتل، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، وقاتل فقتل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد عمل قليلاً وأجر كثيراً )، فهذا الرجل نحج في الامتحان مع أنه لم يعش بعد إيمانه، وبعد أن أبصر الطريق إلا لحظات محصورة.

ومثل ذلك ما حصل يوم بدر لفتى من الأنصار زودته أمه بتمرات، فكان يأكلهن في وجاه الصف، فسمع رسول صلى الله عليه وسلم يزجي الصف وهو يقول: ( تقدموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض، فقال: عرضها السماوات والأرض، بخ بخ! إني لشحيح إذا عشت حتى آكل هذه التمرات، فرمى بقيتهن، وتقدم فقاتل فقتل )، فلذلك لا بد أن يحرص المؤمن فيما يعمره سواء كان قليلاً أو كثيراً فوق هذه الأرض، أن يكون ناجحاً في الامتحان، وأن يعرف أنه ليس كسائر الحيوانات التي تعيش ولا معنى لعيشها، ولا لحياتها.

فأنتم عندما ترون الكبش يضجع ويذبح تستشعرون حياة البهائم، وأنها لا معنى لها، وعندما ترون أن ما يتنافس فيه المتنافسون من أهل الدنيا من متاعها إنما هو عبارة عن رزق لبقاء الرمق في البدن، تحسن الفأرة جمعه، وتحسن النملة جمعه، وتحسن الخلائق كلها جمعه، كل ذلك يدلكم على أن هذا الإنسان كائن شريف، وأنه لم يخلق لمثل هذا، ولهذا قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم، وهو خطاب للمؤمنين جميعاً: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى * وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [طه:131-132].

فلذلك لا بد أن يأخذ المؤمن لنفسه مسافة عن هذه الحياة الدنيا، وأن يتذكر عرضه على الله في كل وقت، وأن يستعد للخروج من هذه الدار إلى الدار الآخرة، وأن يقدم زاده ومزاده إلى ما هنالك، فالإنسان إذا قدم إلى دار مستقره دون أن يكون له زاد، ولا متاع، ولا لباس؛ لا شك أنه خاسر، لكن إذا كان قد قدم متاعه وزاده وكل ما لديه، كل ما نال نعمة قدمها، فإنه سيجدها مضاعفة عند الله سبحانه وتعالى، وهذا هو القرض الحسن الذي ينميه الله جل جلاله؛ كما ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وما تصدق امرؤ من كسب طيب إلا كان كأنما وضعها في يمين الرحمن، فلا يزال ينميها له كما ينمي أحدكم فلوه، أو فصيله حتى تكون كالجبل )، ولذلك لا بد أن يدرك الإنسان القيم التي تنظم الحياة الطبيعية للمؤمن في هذه الدار، فمن هذه القيم:

استشعار الغربة في الحياة الدنيا

أولاً: غرابته- أن يستشعر أنه غريب - وأن يحرص على هذه الغرابة: ( كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل )، فإذا أصبح لا ينتظر المساء، وإذا أمسى لا ينتظر الصباح، وهو مستعد للموت في كل لحظاته، وفي كل أوقاته، فهذه قيمة من القيم المنظمة لحياة المؤمن في هذه الدار.

رجاء لقاء الله في الدار الآخرة على خير ما يرام

وكذلك رجاء لقاء الله جل جلاله، أن يرجو لقاء الله، مَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ [العنكبوت:5]، فيكون المؤمن محباً للقاء الله سبحانه وتعالى، صاحب أنس به وشوق إليه جل جلاله، فيشتاق إلى لقاء ربه جل جلاله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما خير بين أن يبرأ ويعيش ويعمر، وبين أن يلقى ربه جل جلاله، قال: ( اللهم في الرفيق الأعلى )، فعرفت عائشة ذلك، وعندما أخبرها في مرضه أنه لم يمت نبي قط إلا خير، وإنه قد خير، قالت: إذاً والله لا يصحبنا، فعرفت أنه سيختار ما هو خير، سيختار لقاء الله جل جلاله.

رجاء البقاء في الدنيا لزيادة الحسنات

وهكذا الحال في كل من أحسن عملاً، فلا يرجو من الدنيا، ولا من البقاء فيها إلا ما يزيد به حسناته، ويرجح به كفتها، وما سوى ذلك من الدار الدنيا يعتبره وحلاً ووسخاً، فلا يحرص من الدنيا إلا على ما يثقل كفة الحسنات، فلحظة واحدة يبقى فيها ليقول: لا إله إلا الله يستغلها ولا تفوت عليه الفرصة، لحظة واحدة يحضر فيها درساً، أو يسمع موعظة، أو يقدمها، لحظة واحدة يركع فيها لله جل جلاله، يقرأ فيها حرفاً من القرآن فيكون له بالحرف الواحد عشر حسنات، ( لا أقول: آلم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف )، كل ذلك يحرص عليه؛ لأنه يريد أن يثقل كفة موازين حسناته، ويعلم أن الإنسان يوم القيامة وزنه الحق، وأنه بالقسط والعدل.

فإذا عاش المؤمن على هذا الوجه كانت حياته مستقيمة.

أولاً: غرابته- أن يستشعر أنه غريب - وأن يحرص على هذه الغرابة: ( كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل )، فإذا أصبح لا ينتظر المساء، وإذا أمسى لا ينتظر الصباح، وهو مستعد للموت في كل لحظاته، وفي كل أوقاته، فهذه قيمة من القيم المنظمة لحياة المؤمن في هذه الدار.

وكذلك رجاء لقاء الله جل جلاله، أن يرجو لقاء الله، مَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ [العنكبوت:5]، فيكون المؤمن محباً للقاء الله سبحانه وتعالى، صاحب أنس به وشوق إليه جل جلاله، فيشتاق إلى لقاء ربه جل جلاله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما خير بين أن يبرأ ويعيش ويعمر، وبين أن يلقى ربه جل جلاله، قال: ( اللهم في الرفيق الأعلى )، فعرفت عائشة ذلك، وعندما أخبرها في مرضه أنه لم يمت نبي قط إلا خير، وإنه قد خير، قالت: إذاً والله لا يصحبنا، فعرفت أنه سيختار ما هو خير، سيختار لقاء الله جل جلاله.

وهكذا الحال في كل من أحسن عملاً، فلا يرجو من الدنيا، ولا من البقاء فيها إلا ما يزيد به حسناته، ويرجح به كفتها، وما سوى ذلك من الدار الدنيا يعتبره وحلاً ووسخاً، فلا يحرص من الدنيا إلا على ما يثقل كفة الحسنات، فلحظة واحدة يبقى فيها ليقول: لا إله إلا الله يستغلها ولا تفوت عليه الفرصة، لحظة واحدة يحضر فيها درساً، أو يسمع موعظة، أو يقدمها، لحظة واحدة يركع فيها لله جل جلاله، يقرأ فيها حرفاً من القرآن فيكون له بالحرف الواحد عشر حسنات، ( لا أقول: آلم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف )، كل ذلك يحرص عليه؛ لأنه يريد أن يثقل كفة موازين حسناته، ويعلم أن الإنسان يوم القيامة وزنه الحق، وأنه بالقسط والعدل.

فإذا عاش المؤمن على هذا الوجه كانت حياته مستقيمة.