خصائص الاقتصاد الإسلامي
مدة
قراءة المادة :
14 دقائق
.
1
سلسلة متتابعة لتيسير أحكام
البيوع...
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أحل البيع وحرم الربا ، والصلاة والسلام على النبي
القائل ( كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى ) و
( من عصاني فقد أبى ) وبعد :
فقد ألقيت مجموعة محاضرات في دورة عن أحكام البيوع والمعاملات المالية
المعاصرة ، نظمتها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية مشكورة ،
وحضرها مجموعة من طلبة العلم ، تخرج منهم خمسون طالبا ، ووزعت الجمعية
التعاونية جزى الله القائمين عليها كل خير ، جوائز على المتفوقين فيها
، وقد ألحوا علي أن أراجعها وأطبعها وأنشرها ليعم النفع ،
فتعذرت بكثرة الأشغال ، فما زادهم ذلك إلا إلحاحا وإصرارا ، فاستجبت
لهم ، وراجعتها ، وأعددتها للطباعة ، وها هي تنشر على شبكة ( الإنترنت
) أولا ، ريثما تنتهي من المطبعة بتوفيق الله تعالى
.
وقد تضمنت المحاضرات :
أولا
: مقدمة عن خصائص الاقتصاد الإسلامي
.
ثانيا
: أسباب تحريم البيوع في الشريعة
.
ثالثا
: شروط البيع
.
رابعا
: الشروط في البيع
.
خامسا
: الخيار
.
سادسا
: الربا
.
سابعا
: الشركات
.
ثامنا
: البنوك الإسلامية
.
تاسعا
: أحكام بعض العقود والبيوع المعاصرة .
كل ذلك بأسلوب سهل ميسر ، مقرب إلى الفهم ، ولهذا أسميت هذه الرسالة
الصغيرة ، تيسير بعض أحكام البيوع والمعاملات المالية المعاصرة ،
والله تعالى أسأل أن يجعل عملي خالصا لوجهه الكريم ، لينفعني يوم لا
ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم آمين وصلى الله على
نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
حامد بن عبد الله العلي ،السادس من ربيع الأول
1423هـ
أهم خصائص الاقتصاد الإسلامي
أولاً - الانطلاق من العقيدة
:
وهذه
أهم خصائص الاقتصاد الإسلامي ، ولو نزعت منه هذه الخاصية لم
ينجح ، وننوه هنا إلى أن الإيمان هو الاسم الوارد في الكتاب و
السنة ، بدل كلمة العقيدة ، وذلك لدلالته على الهدف الأسمى من الإيمان
وهو الأمن ، فلفظ الإيمان يطوي تحته هذا المعنى العظيم ، كما
قال تعالى : {
الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم
مهتدون }
،
ولهذا فاستعمال هذا اللفظ بدل العقيدة ، أولى وأفضل ، فالإيمان
كلمة خفيفة على النفس وحروفها سهلة ، وتشعر النفس بانجذاب نحوها ، كما
أنها تدل أيضا على الانقياد ، بمعنى أن الله تعالى يريد
بالإيمان التصديق الذي يتبعه انقياد ، وكلمة الإيمان تدل على هذا
المعنى ، ذلك أن معناها ليس التصديق ، وإنما تصديق مع انقياد
.
ومما يدل على ارتباط الاقتصاد بالإيمان : قوله تعالى :
{
ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض
ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون
}
.
ففي هذه الآية الكريمة ، بيان أن الإيمان والتقوى أهم أسباب
الازدهار في الاقتصاد الإسلامي ، وهما سبب للبركات والرفاه ، كما يقول
الاقتصاديون ، أن هدف الاقتصاد هو تحقيق مجتمع الرفاهية
.
فالله تعالى يقول في هذه الآية ، إذا أردتم اقتصادا سليما ،
يحقق الرفاهية ، فعليكم بتقوى الله عز وجل والإيمان
.
*** كما يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم
:(
لا يزيد في العمر إلا البر ولا يرد القدر إلا الدعاء وإن الرجل ليحرم
الرزق بالذنب يصيبه
)
[
رواه ابن ماجه
]
، وفي هذا تأكيد للعلاقة بين الإيمان والاقتصاد الإسلامي .
*** ومن الأمثلة على ذلك أيضا ، أعني تأثير تقوى الله تعالى في
الاقتصاد ،
قو
له صلى الله عليه وسلم
:
( من باع دارا ، ثم لم يجعل ثمنها في مثلها ، لم يبار
َ
ك له فيها
)
[
رواه الضياء المقدسي والطيالسي والبيهقي عن حذيفة رضي الله
عنه
]
.
فهذا ـ كما هو واضح ـ لا علاقة له بالأمور المادية ، ولكن
علاقته بالأمور الإيمانية ، ومن أمثلة ذلك ما نسمعه عن الذين دخلوا
البورصة بأثمان بيعهم لبيوتهم ، ثم خسروا وانكسروا ، فهذا البعد
، بعد إيماني غيبي لم ينبه عليه إلا في الاقتصاد الإسلامي ،
ولا
يعترف به الاقتصاد الملحد الذي لا
يبني الاقتصاد على الإيمان بالله تعالى ، الممحوق البركة ، الذي ملأ
العالم جشعا
ً
وفسادا .
***ومن الأمثلة أيضا : قوله صلى الله عليه وســــم (
ما نقصت صدقة من مال ، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا ، وما تواضع
أحد لله إلا رفعه الله
)
[
رواه مسلم من حديث أبي هريرة
]
، فهذا المعيار خاص في الاقتصاد الإسلامي ، وفيه
يبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الزيادة والنقصان للمال
، تؤثر فيهما الصدقة على الفقراء ابتغاء وجه الله تعالى ، وذلك من
جهتين :
أحدهما
:
أن الله
تعالى يدفع عن المسلم من البلاء والمصائب ، بسبب الصدقة ، بما
لو لم يتصدق لاجتاحت ماله وهـو لا يـدري .
الثانية :
أن الله تعالى يجعل في المال القليل نفعا أكثر من المال الكثير
.
ثانيا :
أن الاقتصاد الإسلامي ، اقتصاد مستقل قائم على الوحي ، فليس هو
حصيلة أفكار مرقعة شرقية وغربية ، ولا مصدره من بشر قد يبدلون ،
ويغيرون أفكارهم فهم معرضون للصواب والخطأ .
وهذه أهم خصائص الإسلام بشكل عام ، فإنه لا يعتمد إلا على الوحي ، فهو
نظام مستقل قائم بذاته مصدره الوحي الإلهي .
وفي الإسلام ، كل النظريات الأخرى في الاقتصاد وغيره ، إنما
تقاس على الوحي ، فما عارض الوحي منها ردّ ، فالمعيار المطلق هو
موافقة الوحي فحسب ، والواقع هو موضع الحكم ، وليس مصدر الحكم
.
بينما في الاقتصاد الرأسمالي مثلا ، المعيار هو النفعية ، كما
أن الواقع هو موضع الحكم وليس مصدره .
ذلك أن العلمانية هي وعاء الاقتصاد الرأسمالي ، وهي مبينة
على أساس أن الواقع القائم على الفائدة النفعية هو مصدر الحكم
.
وأسس العلمانية الثلاث التي تقوم عليها هي :
المادة والنفعية واللذة ، يقابلها عندنا الإيمان بالله تعالى والرسول
والسعادة الأخروية .
كما قال شيخ الإسلام ابن تيميه :
" الأصول الثلاثة التي اتفق عليها الرسل هي الإيمان بالله والرسل
والمعاد " .
ومن هنا فنحن ننبه إلى أن بعض البنوك الإسلامية بدأت تتأثر
بالرأسمالية ، من حيث لا تشعر ، وذلك من جهة الحرص على المنفعة وجعلها
مصدر الحكم أحيانا ، تحت غطاء من حيل .
*** ومن الأمثلة أن الفكرة في أرباح البنك الإسلامي مبنية على
المضاربة ،
حيث يدخل السوق ويوفر فرص العمل وينوع السلع وينافس بالأسعار ويحرك
الاقتصاد ويضخ إلى السوق النقد والبضائع ، ويحرك الدورة
الاقتصادية ، فيأخذ أموال الجماعة ويوظفها في مصلحة الجماعة ، وهذا
يحتاج إلى إيمان وصبر ، وبه يتحقق الخير العام للمجتمع
.
ولكن للأسف ، فقد استبطأت بعض البنوك الإسلامية هذه العملية ، ولهذا
لجأت إلى حيل توفر عليها الجهد ، وتعجل الفائدة ، مثل توسيع الأمر في
نظام المرابحة ، وقد وسعت بعض البنوك الإسلامية أرباحها من هذا المصدر
، لأنها وجدته أسهل وأسرع في تحصيل الربح المضمون ، ذلك أنها
جعلت نظام البيع بالمرابحة ، ما هو إلا جعل البنك الإسلامي نفسه
وسيطا بين البائع أو التاجر والعميل ، فهو لا يحتاج إلا إلى أوراق
وطاولة وموظف ، يعرف الزبون أن يوقع على الوعد بالشراء ، ثم يتصل
البنك الإسلامي بالشركة التي تبيع السلعة ، وبالهاتف يقول للبائع هناك
اشترينا منك السلعة الفلانية ، قل : بعت ، فيقول البائع هناك بعت ، ثم
يوقع الزبون عند البنك الإسلامي ، على عقد البيع ، ويعطي البنك
الإسلامي ثمن السلعة نقدا ، ويقاسط الزبون بالفوائد ، هكذا دون أي
عناء ، سوى توقيع واتصال هاتفي فقط ، ويسمون هذا بيعا شر
عي
ا ، ومضاربة شرعي
ة
للأسف .
وأنت إذا تأملت في هذه العملية وجدت أن البنك الإسلامي ، لم ينفع أحدا
إلا نفسه ، ولم يزد شيئا في السوق ، ولم يقم بأي دور في الاقتصاد
العام للمجتمع ، وإنما حمل الزبون دينا مع زيادة الفوائـــد ، وهي نفس
فكرة المرابي الذي يقول : أنا لا أريد أن أعمل ، إنما أجلس وأعطي
نقودا ، وآخذ نقودا زيادة ، فلا أدخل السوق ولا أوفر فرصا للعمل
، وهو أسلوب سهل لكسب المال دون تعب ، ولكنه يؤدي إلى تكديس الأموال
بيد المرابي ، وتكديس الديون على الناس .
والمرابحة بالطريقة توسعوا فيها ، قد ظهرت صورتها النهائية ،
نفس صورة العملية الربوية ، ونتائجها هي نفس نتائجها ، وهي جعل
المجتمع مدينا ، وجعل البنك هو الدائن العام لأفراد المجتمع ولا حول
ولا قوة إلا بالله .
ثالثا :
الاقتصاد الإسلامي ، يعتمد على القاعدة الفقهية التي تقول : إن
الأصل في المعاملات الإباحة ، انطلاقا من القاعدة
الشرعية
"
أن الشريعة مبنية على التيسير ورفع الحرج
"
فكل ما لم يرد نص في تحريمه فهو مباح ، يقول تعالى
{
ما جعل عليكم في الدين من حرج
}
.
رابعا :
كما أن الاقتصاد الإسلامي ، لا يحرم ولا يبيح إلا درءا لمفسدة أو جلبا
لمصلحة عامة أو خاصة .
تابع الحلقة التالية من سلسلة تيسير أحكام البيوع >>>> أسباب تحريم البيوع في الشريعة