اللسان ومنطق الصمت


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.

إخواني الكرام: موضوعنا إن شاء الله حول الصمت والمنطق.

لقد امتن الله عز وجل على الإنسان بنعمة اللسان والبيان، كما قال الله عز وجل: أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ [البلد:8-9].

وهذه اللسان من أبرز وأعظم مميزات الإنسان، فإننا نجد أن العرب يسمون الحيوانات عجماء، كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: { العجماء جبار} وفي لفظ {العجماء جرحها جُبار} وذلك لأن العجماء لا تنطق ولا تتكلم، ولا تبين عن نفسها، فلا يدرى ماذا تتألم، وماذا تريد، وماذا تحتاج، ولا يعلم عنها شيئاً؛ لأنها لا تنطق ولا تعرب عن نفسها، أما الإنسان فميزه الله عز وجل بقوله: أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ [البلد:9].

هذه نعمة، وكذلك يقول الله عز وجل: الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْأِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ [الرحمن:1-4].

فامتن الله على الإنسان بالبيان -أي أنه يَبِينُ عما في نفسه- ولاحظ أن الله عز وجل قال في الآية: (خَلَقَ الْأِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ [الرحمن:3-4] وهذا فيه إيماءٌ وإشعار وإشارة إلى أن البيان من خصائص الإنسانية، أي أن من خصائص الإنسان أنه يبين عن نفسه، فبماذا يتميز الإنسان عن الحيوان؟

يتميز بأمور: منها العقل، والفؤاد، ومنها اللسان الذي يعرب عما في قلبه، ولذلك يقول الشاعر:

لسان الفتى نصفٌ ونصفٌ فؤاده     فلم تبقَ إلا صورة اللحم والدم

وكم ترى من صامت لك معجبٍ          زيادته أو نقصه في التكلمِ

فقوله: (لسان الفتى نصف ونصف فؤاده) أي أن لسانك يعتبر نصفك؛ لأنه يعبر عما في نفسك.

ولذلك فإن الناس يُقدِّرون الإنسان أو يزدرونه بحسب منطقه وما يخرج من فيه، وربما تجد إنسانا له هيئة وبزة وسمت حسن وهيبة، فإذا جاء إلى الناس قاموا إليه وأكرموه وبجلوه وقدموه في المجلس فإذا تكلم ضحكوا منه وازدروه ولم يهتموا به.

قصة أبي حنيفة

لعلكم تعرفون جميعاً قصة أبي حنيفة رحمه الله حين كان في مجلسه مع طلابه، وكان يشتكي وجعاً برجله فمدها، لأنهم طلابه ويعرفونه ويقدرونه، وليس بينه وبينهم كلفة، فجاء رجلٌ غريب عليه عمامة، وهيئة وبزة حسنة، فهابه أبو حنيفة وكف رجله -رحمه الله- فجلس الرجل وسكت، وأبو حنيفة خائف يظن أن هذا من علماء الأمة، من علماء المشرق أو المغرب الذين يسمع بهم أبو حنيفة ولا يعرفهم، فتكلم أبو حنيفة في مسألة من مسائل الصيام، في مسألة طلوع الفجر، وأنه يكون الصيام بطلوع الفجر، فتنحنح هذا الرجل وتحرك ثم التفت وقال: يا إمام، فإن لم يطلع الفجر حتى طلعت الشمس ماذا يكون؟ فتبسم أبو حنيفة وقال: الآن يمد أبو حنيفة رجله ولا يبالي، فأول ما رأى هذا الرجل هابه وقدره، لكنه لما رأى سوء منطقه، عرف أن هذا المظهر ليس على مخبر وليس على حقيقة، ولذلك نجد أن الله سبحانه وتعالى ميز الإنسان بهذه الميزة، وهي ميزة يشترك فيها المؤمن والكافر، والطيب والفاجر.

الفصاحة والبيان تعين على الدعوة

إنك تجد في القرآن الكريم أن الله عز وجل ذكر على لسان موسى عليه السلام فصاحة هارون قال موسى عليه السلام كما جاء في القرآن الكريم: وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُون [القصص:34].

فوصف أخاه هارون بالفصاحة، وبين أن هذه الفصاحة نعمة، يستفاد منها في الدعوة إلى الله عز وجل، فإن الإنسان الفصيح البليغ القادر على الحديث والتعبير، يكون لديه قدرة على الدعوة إلى الله عز وجل وإقناع الناس، وكم من متحدث أو خطيب إذا تكلم سكت الناس وأصغوا، وربما استثار عواطفهم، وربما غير كثيراً من أفكارهم ومفاهيمهم، وربما يهتدي إنسان بسبب كلمة سمعها، فالفصاحة والبلاغة سبب للهداية أحياناً، ولذلك وصف موسى بها أخاه هارون فقال: (وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً).

وفي مقابل ذلك وصف الله عز وجل جماعات من غير المؤمنين بالفصاحة والبلاغة والتقعر في الكلام، فقال مثلاً عن الكفار، كما في قوله تعالى: وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ [الزخرف:58].

فوصفهم بالخصومة والجدل، وهذا دليل على أنهم يتكلمون ويعبرون ويعربون، وهذا معروف عند العرب، فوصفهم بذلك، كما وصف به سبحانه وتعالى المنافقين في مواضع، كما في قوله تعالى: وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ [المنافقون:4] أي فصحاء بلغاء، يملكون أزَِمَّة القول، فإذا قالوا لم يملك الناس إلا أن يستمعوا وينصتوا لهذا القول البليغ، الذي هو في الذروة من الفصاحة والبيان.. وكذلك قال عز وجل عن المنافقين: أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ [الأحزاب:19].

إذا جاء الخوف -كما في أول الآية- رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت، خائفون فإذا ذهب الخوف جاءوا يتكلمون ويعتذرون، ويتوسعون في الكلام، حتى ربما أقنعوا بعض المؤمنين، بأنهم كانوا معذورين فعلاً، وأنهم كانوا صادقين فيما يقولون، وكذلك قال الله عز وجل: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ [البقرة:204].

أي يأتي إليك يتحدث ويقول لك: يا أخي أنا كذا وأنا كذا وأنا كذا وأنا أحب الله ورسوله والمؤمنين، وفيَّ وفيَّ وفيَّ، ثم إذا انتهى من كلامه، قال: يا أخي أنا أشهد الله على أني ما قلت لك إلا حقاً وصدقاً، ولا تظن أني منافق أو مخادع أو مجامل، والله عز وجل ذم مثل هذا الصنف، فقال: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [البقرة:204] وذلك لجماله وفصاحته، وأنه يكسوه بالألفاظ الحلوة وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ [البقرة:204-205].

وكثيراً ما تجد مثل هذا الصنف من الناس، فيخدعك لأول مرة، لأنك تستبعد أن يوجد إنسان يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ثم يجرؤ مثلاً على الحلف الكاذب، وعلى تحسين الكلام الكاذب، وعلى ادعاء القول الكاذب، ولكنك إذا تتبعت بعض حال هؤلاء وجدتهم والعياذ بالله على أسوأ حال، وقد رأيت أصنافاً من الناس يجلس بين يديك، حتى والله إن منهم من يبكي، فتذرف عيناه الدموع، ويتحدث ويعتذر، ويقول: الأمر كذا وكذا، وأنا وأنا، ويثني على نفسه فوق ما يخطر ببالك، فإذا تحققت من أمره وجدت هذا الرجل والعياذ بالله ماكراً غداراً لا عهد له ولا ذمة، ويقول بلسانه ما ليس في قلبه، فهذا صنف من المنافقين والمخادعين فضحهم الله عز وجل، وذكر أن عندهم فصاحة وبلاغة وتوسعاً في المنطق، لكن هذا لا ينفعهم.

الشياطين وزخرف القول

كما أنه تعالى ذكر أن الجن والإنس من الشياطين، يتقاولون فيما بينهم زخرف القول، لإضلال الناس، قال الله عز وجل: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ [الأنعام:112-113].

لاحظوا الآية: شياطين الإنس والجن، يتعاون بعضهم مع بعض ويوحي بعضهم إلى بعض، زخرف القول -وهو الكلام الحسن المعسول، والكلام اللين الجميل- يغرون به الناس ويخدعون به، لكن هذا الكلام الذي يخدعون به لا يضر إلا الذين لا يؤمنون بالآخرة، كما قال تعالى: وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ [الأنعام:113] وهذا الكلام في العصر الحاضر، لم يعد مجرد حوادث فردية، ففي الماضي في الجاهلية كان يوجد مثلاً رجل شاعر والله عز وجل وصف الشعراء في قوله: وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ [الشعراء:224-227] فالشاعر في الجاهلية كان يقول قولاً لا رصيد له من الواقع، فقد يتغزل الشاعر، وفي الواقع أنه رجل عفيف كما هو مشهور عن جرير وكثير من شعره غزل، لكن يُحكى عنه أنه كان من أكثر الناس عفة، وأبعد الناس عن الدنس، وعكسه يروى عن الفرزدق، أن شعره من أعف الشعر لكنه كان كما قال عنه الجاحظ: كان زير غوانٍ "زير نساء" أي رجل متورط في الشهوات والملذات -عافانا الله وإياكم- لكن شعره عفيف. فالشعراء كانوا يفعلون هذا، أما اليوم فلم تصبح القضية قضية واحد أو اثنين أو عشرة، لا.

اليوم في أنحاء العالم من أقصاه إلى أدناه، أصبح هناك أجهزة كاملة متخصصة في التزوير وزخرف القول، بحيث أنها تقلب الحق باطلاً، وتقلب الباطل حقاً في نفوس الناس، حتى يلتبس الأمر على كثيرٍ من المغفلين. وحتى تعرف معنى هذا الكلام، تأمل من أين يأخذ الناس -النساء والأطفال والشباب والشيوخ- آراءهم؟

وتصوراتهم ومفاهيمهم وأفكارهم؟

إنهم يأخذونها غالباً بواسطة أجهزة الإعلام العالمية، من إذاعة وصحافة وتلفزة، وكتب وغيرها.. وغالب هذه الأشياء هي زور وتزوير، فتزين للناس زخرف القول، كما قال تعالى: وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ [الأنعام:113].

لعلكم تعرفون جميعاً قصة أبي حنيفة رحمه الله حين كان في مجلسه مع طلابه، وكان يشتكي وجعاً برجله فمدها، لأنهم طلابه ويعرفونه ويقدرونه، وليس بينه وبينهم كلفة، فجاء رجلٌ غريب عليه عمامة، وهيئة وبزة حسنة، فهابه أبو حنيفة وكف رجله -رحمه الله- فجلس الرجل وسكت، وأبو حنيفة خائف يظن أن هذا من علماء الأمة، من علماء المشرق أو المغرب الذين يسمع بهم أبو حنيفة ولا يعرفهم، فتكلم أبو حنيفة في مسألة من مسائل الصيام، في مسألة طلوع الفجر، وأنه يكون الصيام بطلوع الفجر، فتنحنح هذا الرجل وتحرك ثم التفت وقال: يا إمام، فإن لم يطلع الفجر حتى طلعت الشمس ماذا يكون؟ فتبسم أبو حنيفة وقال: الآن يمد أبو حنيفة رجله ولا يبالي، فأول ما رأى هذا الرجل هابه وقدره، لكنه لما رأى سوء منطقه، عرف أن هذا المظهر ليس على مخبر وليس على حقيقة، ولذلك نجد أن الله سبحانه وتعالى ميز الإنسان بهذه الميزة، وهي ميزة يشترك فيها المؤمن والكافر، والطيب والفاجر.

إنك تجد في القرآن الكريم أن الله عز وجل ذكر على لسان موسى عليه السلام فصاحة هارون قال موسى عليه السلام كما جاء في القرآن الكريم: وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُون [القصص:34].

فوصف أخاه هارون بالفصاحة، وبين أن هذه الفصاحة نعمة، يستفاد منها في الدعوة إلى الله عز وجل، فإن الإنسان الفصيح البليغ القادر على الحديث والتعبير، يكون لديه قدرة على الدعوة إلى الله عز وجل وإقناع الناس، وكم من متحدث أو خطيب إذا تكلم سكت الناس وأصغوا، وربما استثار عواطفهم، وربما غير كثيراً من أفكارهم ومفاهيمهم، وربما يهتدي إنسان بسبب كلمة سمعها، فالفصاحة والبلاغة سبب للهداية أحياناً، ولذلك وصف موسى بها أخاه هارون فقال: (وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً).

وفي مقابل ذلك وصف الله عز وجل جماعات من غير المؤمنين بالفصاحة والبلاغة والتقعر في الكلام، فقال مثلاً عن الكفار، كما في قوله تعالى: وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ [الزخرف:58].

فوصفهم بالخصومة والجدل، وهذا دليل على أنهم يتكلمون ويعبرون ويعربون، وهذا معروف عند العرب، فوصفهم بذلك، كما وصف به سبحانه وتعالى المنافقين في مواضع، كما في قوله تعالى: وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ [المنافقون:4] أي فصحاء بلغاء، يملكون أزَِمَّة القول، فإذا قالوا لم يملك الناس إلا أن يستمعوا وينصتوا لهذا القول البليغ، الذي هو في الذروة من الفصاحة والبيان.. وكذلك قال عز وجل عن المنافقين: أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ [الأحزاب:19].

إذا جاء الخوف -كما في أول الآية- رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت، خائفون فإذا ذهب الخوف جاءوا يتكلمون ويعتذرون، ويتوسعون في الكلام، حتى ربما أقنعوا بعض المؤمنين، بأنهم كانوا معذورين فعلاً، وأنهم كانوا صادقين فيما يقولون، وكذلك قال الله عز وجل: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ [البقرة:204].

أي يأتي إليك يتحدث ويقول لك: يا أخي أنا كذا وأنا كذا وأنا كذا وأنا أحب الله ورسوله والمؤمنين، وفيَّ وفيَّ وفيَّ، ثم إذا انتهى من كلامه، قال: يا أخي أنا أشهد الله على أني ما قلت لك إلا حقاً وصدقاً، ولا تظن أني منافق أو مخادع أو مجامل، والله عز وجل ذم مثل هذا الصنف، فقال: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [البقرة:204] وذلك لجماله وفصاحته، وأنه يكسوه بالألفاظ الحلوة وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ [البقرة:204-205].

وكثيراً ما تجد مثل هذا الصنف من الناس، فيخدعك لأول مرة، لأنك تستبعد أن يوجد إنسان يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ثم يجرؤ مثلاً على الحلف الكاذب، وعلى تحسين الكلام الكاذب، وعلى ادعاء القول الكاذب، ولكنك إذا تتبعت بعض حال هؤلاء وجدتهم والعياذ بالله على أسوأ حال، وقد رأيت أصنافاً من الناس يجلس بين يديك، حتى والله إن منهم من يبكي، فتذرف عيناه الدموع، ويتحدث ويعتذر، ويقول: الأمر كذا وكذا، وأنا وأنا، ويثني على نفسه فوق ما يخطر ببالك، فإذا تحققت من أمره وجدت هذا الرجل والعياذ بالله ماكراً غداراً لا عهد له ولا ذمة، ويقول بلسانه ما ليس في قلبه، فهذا صنف من المنافقين والمخادعين فضحهم الله عز وجل، وذكر أن عندهم فصاحة وبلاغة وتوسعاً في المنطق، لكن هذا لا ينفعهم.

كما أنه تعالى ذكر أن الجن والإنس من الشياطين، يتقاولون فيما بينهم زخرف القول، لإضلال الناس، قال الله عز وجل: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ [الأنعام:112-113].

لاحظوا الآية: شياطين الإنس والجن، يتعاون بعضهم مع بعض ويوحي بعضهم إلى بعض، زخرف القول -وهو الكلام الحسن المعسول، والكلام اللين الجميل- يغرون به الناس ويخدعون به، لكن هذا الكلام الذي يخدعون به لا يضر إلا الذين لا يؤمنون بالآخرة، كما قال تعالى: وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ [الأنعام:113] وهذا الكلام في العصر الحاضر، لم يعد مجرد حوادث فردية، ففي الماضي في الجاهلية كان يوجد مثلاً رجل شاعر والله عز وجل وصف الشعراء في قوله: وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ [الشعراء:224-227] فالشاعر في الجاهلية كان يقول قولاً لا رصيد له من الواقع، فقد يتغزل الشاعر، وفي الواقع أنه رجل عفيف كما هو مشهور عن جرير وكثير من شعره غزل، لكن يُحكى عنه أنه كان من أكثر الناس عفة، وأبعد الناس عن الدنس، وعكسه يروى عن الفرزدق، أن شعره من أعف الشعر لكنه كان كما قال عنه الجاحظ: كان زير غوانٍ "زير نساء" أي رجل متورط في الشهوات والملذات -عافانا الله وإياكم- لكن شعره عفيف. فالشعراء كانوا يفعلون هذا، أما اليوم فلم تصبح القضية قضية واحد أو اثنين أو عشرة، لا.

اليوم في أنحاء العالم من أقصاه إلى أدناه، أصبح هناك أجهزة كاملة متخصصة في التزوير وزخرف القول، بحيث أنها تقلب الحق باطلاً، وتقلب الباطل حقاً في نفوس الناس، حتى يلتبس الأمر على كثيرٍ من المغفلين. وحتى تعرف معنى هذا الكلام، تأمل من أين يأخذ الناس -النساء والأطفال والشباب والشيوخ- آراءهم؟

وتصوراتهم ومفاهيمهم وأفكارهم؟

إنهم يأخذونها غالباً بواسطة أجهزة الإعلام العالمية، من إذاعة وصحافة وتلفزة، وكتب وغيرها.. وغالب هذه الأشياء هي زور وتزوير، فتزين للناس زخرف القول، كما قال تعالى: وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ [الأنعام:113].

من المعلوم أن الفصاحة والبلاغة لا تحمد ولا تذم بذاتها، فالله تعالى وصف المنافقين بالبلاغة ووصف بها المؤمنين أيضاً، فهي وسيلة يستخدمها المؤمن فتكون سبباً في هداية الناس، وتحريك قلوبهم وإرشادهم إلى الطريق المستقيم، ويستخدمها الفاجر والكافر والمنافق، فتكون سبباً في إضلال الناس، وتصغى أفئدتهم إلى زخرف القول الباطل، الذي يلبس الباطل لبوس الحق، ويلبس الحق لبوس الباطل.

أيها الإخوة.. الحديث عن موضوع اللسان والصمت والمنطق مهماً، ولا تظنوا أنني في هذه الكلمة، أو في هذا الدرس أريد أن أقول لكم إن الصمت خير من الكلام، كلا، فإن هذا من الكلام المجمل، الذي يقع عليه اعتراض كبير، فلا يمكن أن نقول: إن الصمت خير من الكلام، وليس قصدي في هذه المحاضرة أن أقول لكم: إن الصمت خير من الكلام، كما إنه ليس المقصود أن يقال لكم: إن الكلام خير من الصمت، بل المقصود أن نبين متى يكون الصمت حسناً؟

ومتى يكون الكلام حسنا؟

لقد أوصى الشارع بحفظ اللسان، واعتبر أن الكلمة مسئولية، فالإنسان يدخل الإسلام بكلمة أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، فإن هو قالها عصم منا دمه وماله إلا بحق الإسلام، وكذلك يخرج من الإسلام بكلمة، فربما كلمة يقولها الإنسان تكون سبباً في ردته، كما لو سب الله تعالى، أو سب الرسول صلى الله عليه وسلم، أو استهزأ بالدين، أو سخر من المؤمنين لتدينهم، أو ما أشبه ذلك، وقد يدخل الإنسان الجنة بكلمة، وقد يدخل النار بكلمة، وقد يخسر الإنسان دنياه بكلمة، وقد يكسب ويربح في دنياه أيضاً بكلمة، فالكلمة ليست أمراً هيناً.

أيها الإخوة: كثيراً ما تسمعون بعض العامة، يتكلمون بكلام رديء، فإذا قلت له: لماذا تقول هذا الكلام؟

قال: يا أخي كلام طار في الهواء، إن هذا ليس كلاماً يطير في الهواء، إنما هو محفوظ، يقول الله عز وجل: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18] فالإنسان عنده ملكان أحدهما عن اليمين والآخر عن الشمال، حاضران ينتظران ما يخرج من الإنسان لكتابته، وقد أجمع السلف رضي الله عنهم كما يقول ابن رجب الحنبلي -رحمه الله- على أن الذي عن يمين الإنسان يكتب الحسنات، والذي عن شماله يكتب السيئات (ما يلفظ من قول)، (قول) هنا نكرة في اللغة العربية، تشمل كل قول، سواء كان قولاً حسناً مثل الذكر والقرآن، أو قبيحاً مثل السب والشتم، وما أشبه ذلك، أما الكلام العادي، مثل ذهبت وجئت وأكلت وشربت ونمت وقمت وسافرت وأقمت، وما أشبه ذلك، من الكلام الذي ليس حسناً ولا قبيحاً، فهذا الكلام هل يكتب؟

اختلف العلماء والصحيح أنه يكتب، لأن الآية عامة مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18] فكل ما لا يكتبه الملك الموكل بالحسنات صاحب اليمين، يكتبه الملك الموكل بالسيئات الذي هو عن شمال الإنسان، وقد ورد من رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: [[إن الملكين يكتبان كل شيء، فإذا كان يوم الخميس محا الله عز وجل من كلام الإنسان ما لا إثم فيه ولا أجر له، فذلك قول الله عز وجل يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [الرعد:39]]].

فقوله: يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ [الرعد:39] معناه حسب رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أنه يمحو الكلام الذي ليس بحق ولا باطل، ولا خير فيه ولا ضرر منه، ويثبت ما سوى ذلك من الكلام الذي يحاسب عليه الإنسان سواء كان له أو عليه.

وكذلك ورد في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت} إذاً أمامك طريقان: إما أن تقول خيراً أو تسكت، ولذلك أخذ بعض أهل العلم من هذا الحديث، أن كلام الإنسان إن لم يكن خيراً فهو شر، وإن لم يكن له فهو عليه، وكأنهم قالوا: ليس هناك كلام، لا لك ولا عليك، بل الكلام الذي ليس خيراً فهو شر، ولذلك أوصى النبي صلى الله عليه وسلم الإنسان إما أن يقول خيراً أو أن يسكت، ولا شك أن قول الخير واسع، والكلمة الطيبة صدقة، وتبسمك في وجه أخيك صدقة، والدعاء صدقة، وتطييبك لخاطر ولدك أو أخيك أو صديقك أو جارك أو زوجك صدقة، حتى ولو لم تكن ذِكراً محضاً لله عز وجل، فإن هذا كله من الخير والبر وفضل الله تبارك وتعالى واسع، وما لم يكن للإنسان مصلحة من ورائه لا دينية ولا دنيوية، فهو على الإنسان، ويكتب عليه، ولذلك قال عليه السلام: {من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت }.

آفات اللسان

الكلام الذي يقوله الإنسان وقد يكون جرحاً لغيره، كما يقول الشاعر الأول:
وجرح اللسان ليس كجرح اليد

فقد تجرح الإنسان بالقول أشد مما تجرحه باليد أو بالسيف أو بالسنان، ولذلك روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده} هذه صفة المسلم، ومن أبرز وأخص خصائصه وصفاته، أن يسلم المسلمون من لسانه ويده، فلا يقع في أعراضهم، فيشتم هذا، ويسب هذا، ويطعن هذا، ويعتدي على هذا، ويغتاب هذا، وينم هذا، وما أشبه ذلك، فهذا ليس مسلماً حق الإسلام، وإن كان يدعي الإسلام، كما أن المسلم الحق لا يعتدي على المسلمين في أموالهم أو أجسادهم بضرب أو سرقة أو اختلاس، أو ما أشبه ذلك، ولهذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة كما في صحيح البخاري: {لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن} يعني أنه عند السرقة يضيع الإيمان فينسى الإيمان، ويغيب عنه الخوف من الله تعالى فيسرق، وليس معنى ذلك أنه كافر إذا سرق، كلا، بل هو مسلم لكنه لو كان يتذكر رقابة الله تعالى عليه لما سرق.

ولقد تعجب معاذ بن جبل رضي الله عنه من هذا، تعجب من كون الإنسان يؤاخذ بما يتكلم به ويحاسب على ذلك فقال: {يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به}؟!

يتعجب أننا نتكلم بكلام لا نقصد من ورائه شيئاً هل نحن مؤاخذون به؟!

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: {ثكلتك أمك يا معاذ!} وهذا دعاء لا يقصد به حقيقة معناه {وهل يكب الناس في النار على وجوههم، أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم} والحديث رواه أحمد والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، وابن ماجة، والحديث يدل دلالة ظاهرة، على أن أكثر ما يدخل الناس النار هو اللسان.

وقد جاء هذا صريحاً في حديث أبي هريرة الذي رواه الترمذي، وغيره، وهو صحيح، أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟

فقال: {تقوى الله وحسن الخلق} وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار؟

فقال: {الأجوفان: الفم والفرج} وذلك لأن اللسان يقع به الشرك بالله، كما قال الذين أشركوا حين عدلوا بالله تعالى غيره، ويقع به القول على الله تعالى بغير علم، وهو قرين الشرك في القرآن كما قال تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [الأعراف:33].

فالمفتي بغير علم نطق بلسانة، والمتكلم في الدين بغير علم تكلم بلسانه، والمحرم الحلال نطق بلسانة، ومحلل الحرام نطق بلسانه، وكل هؤلاء يتكلمون عن رب العالمين وعن شريعته، فهم موقعون عنه كما سماهم ابن القيم في كتابه إعلام الموقعين عن رب العالمين، لكنهم يوقعون بالباطل، ولذلك يدخلون النار، ولذلك جعلها الله تعالى قرين الشرك.

فاللسان هو سبب شهادة الزور، التي هي قرينة الشرك بالله، كما في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، والغيبة، والنميمة، والكذب، والفحش، والسب، والبذاءة، والسحر، والقذف، كل هذه من الكبائر التي تمارس وتعمل باللسان، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: {وهل يكب الناس في النار على وجوههم، أو قال: على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم} إذاً، الكلمة ليست كلمة يطير بها الهواء.. إنما كما قال الله تعالى: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18].

قابلت يوماً من الأيام أحد الشباب الذين كانوا منحرفين، ونرجو أن يكونوا ممن تاب الله عليهم، فذكر لي أن من الأسباب التي دعته لأن يراجع موقفه ويعيد النظر فيما كان عليه، يقول: كنت يوماً من الأيام في مصر في القاهرة، وأريد أن أسافر إلى المملكة، وكانت معي زوجتي، فذهبت إلى المطار ولي أصدقاء كثيرون في المطار يريدون أن يسهلوا لي الأمر، فقالوا لي: أبداً لا تقلق فالموضوع هين والأمر عادي، يقول: سبق لي في مرات كثيرة جداً أنني آتي وأذهب بصورة طبيعية.. يقول: رتبتُ الأمور كلها، وسار الموضوع طبيعياً، وكانت زوجتي متخوفة ألا نسافر.. فقالت: إن شاء الله نسافر، فقلت لها: سنسافر -سنسافر أي بدون إن شاء الله!! فقد قال كلمة بشعة استثقل أن أقولها لكنه قال: سنسافر- قال: فلما وصلت إلى باب الصالة الذي يدخل منه المسافرون، أخذ الضابط الموجود بالباب تذكرتي فنظر إليها ثم نظر إلي ثم مزقها وأنا أنظر، وألقى بها في القمامة، وقال: هذه لا قيمة لها ارجع، يقول: فصدمت ورجعت ورجعت زوجتي معي وهي تبكي، فذهبت إلى رجل آخر، فقال لي: الأمر هين وبعد ساعتين أو ثلاث هناك رحلة أخرى إلى جدة، ونيسر لك الأمر، يقول: وانتظرنا، فبعد قليل أتيت إلى الرجل فاعتذر مني، وقال: إن الأمر ليس لحسابنا لقد حدثت أمور فوق ما كنا نتصور ونتوقع، يقول: فذهبنا تلك الليلة ونمنا في أحد الفنادق، فيقول: من ذلك الوقت بدأت أعيد النظر، وأحسست بأن كلمتي السيئة التي عطلتُ فيها المشيئة هي السبب في تعطيلنا عن السفر، الذي اعتدنا أن نذهب بصورة طبيعية من خلاله.

محاسبة اللسان ومراقبته

إن كل كلمة تخرج من اللسان فهي محسوبة ويؤاخذ عليها، ولذلك أوصى النبي صلى الله عليه وسلم عقبة بن عامر، حين قال: يا رسول الله! ما النجاة؟

فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: {أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابكِ على خطيئتك} تأمل هذه الوصايا الثلاث: أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابكِ على خطيئتك، فأمر الإنسان أولاً بأن يمسك لسانه فلا ينطق إلا بحق، ويسعه بيته فلا يكثر من الاختلاط بالناس، وفضول الصحبة والرفقة والذهاب والإياب والزيارة، التي تكون مثل الإكثار من الطعام والشراب تضر بالإنسان، قال الشاعر:

عدوك من صديقك مستفادٌ     فلا تستكثرن من الصحاب

فإن الداء أكثر ما تراه     يكون من الطعام أو الشراب

{أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك}، فلا تغتر أو تدلي بعملك، وابك على ذنبك وخطيئتك، ولو قضيت حياتك ساجداً راكعاً ما بلغت حق شكر نعمة الله تعالى عليك، والحديث رواه أحمد والترمذي، والبيهقي، وأبو نعيم وهو حديث صحيح.

قيمة الكلمة

وأعجب من ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهو في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله، لا يلقي لها بالاً -تذكر هذا الشرط- يرفعه الله تبارك وتعالى بها درجات، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم} (لا يلقي لها بالاً) أي كلمة هينة ليست مقصودة، مجرد كلمة إما ليضحك زملاءه، أو ليقطع عنهم عناء الطريق، أو ما أشبه ذلك من المقاصد، وأكثر ما يقع هذا على سبيل الإضحاك، بأن تكون مجموعة من الناس، أو مجموعة من الزملاء يخرجون في رحلة، أو زملاء في فصل من الفصول، أو زملاء في مؤسسة أو شركة أو عمل، تجد أن بينهم صلات معينة فيجتمعون في الفسح وفي أوقات الفراغ، ويخرجون في رحلات، يجتمعون في بعض الليالي، لأكلٍ أو شرب أو ما أشبه ذلك، وغالباً ما يكون بينهم شخص صاحب نكتة، فيتندرون به وينتظرونه، بحيث أن هذا الإنسان بمجرد أن يقول كلمة حتى لو كانت عادية يضحك الجميع، فقد اعتادوا على أن هذا الإنسان صاحب نكتة، وهو كذلك اعتاد على أن يضحكهم، فأحياناً تجد أنه يتوسع وربما يقول كلمة من أجل أن يضحكهم، ولذلك جاء في الحديث نفسه في بعض رواياته {ليضحك بها القوم} أي لا يقصد بها معناها، لكن يقصد أن يضحكهم وقد يضحكهم بالقرآن الكريم والعياذ بالله يتندر بآية من القرآن، وقد يضحكهم بالحديث النبوي، وقد يضحكهم بالضحك على رجل من الصالحين يسخر ويستهزئ به، كما يفعل بعض الناس حين يقلدون مثلاً أصوات المشايخ والعلماء، ويسخرون منهم ويقلدون حركاتهم وما أشبه ذلك، وليضحك الناس، فهذه الكلمات لا يلقي لها الإنسان بالاً أي لا يحسب حسابها، فهو ليس كمثل الإنسان الشيوعي الملحد والكافر الذي يقول الكلام عن عمد وصدق، واعتقاد، لا،وإنما قال الكلام لمجرد العادة والإلف، وليضحك زملاءه، ولئلا يغير ما اعتادوا من الضحك، حتى أصبح نجماً أمامهم، ولا بد أن يمارس الدور الذي ينتظرونه منه، فهذا قد يقول كلمة، يهوي بها في جهنم، كما في حديث أبي هريرة في صحيح البخاري، وعكسه إنسان يقول كلمة لا يلقي لها بالاً -أي لا يظن أنها تصل به إلى ذاك الحد، لكنها كلمة خير وبر- فيكتب الله عز وجل ويرفعه بها درجات، وقد تكون كلمة حق، أو نصيحة أمر بالمعروف، أو نهي عن المنكر، أو تنبيه على خطأ، أو إرشاد.

فالكلمة لها قيمة، ولها مسئولية، وفي حديث بلال بن الحارث المزني، الذي رواه الترمذي وغيره، وهو حديث صحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم: {إن أحدكم ليتكلم بالكلمة من رضوان الله، ما يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله عز وجل له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن أحدكم ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله عز وجل عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه} (ما يظن أن تبلغ ما بلغت) كلمة انـزلقت من اللسان عفوياً، ولذلك يقول علقمة أحد رواة الحديث: {كم من كلام منعنيه حديث بلال} كانوا رحمهم الله يعدون كلامهم من عملهم، ومن عد كلامه من عمله، قل كلامه إلا فيما يعنيه.

إذاً هذا الحديث يؤكد لنا جميعا مسئولية الكلمة، وأن كل كلمة تخرج من الإنسان إما له أو عليه، وينبغي أن ينتهي عندنا جميعاً نحن المسلمين قضية أن هناك مجرد كلام، يطير به الهواء، هذا لا قيمة ولا وجود له، فقد ذكر الله ذلك قال: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18].

الحذر من التكلم فيما لا يعني الإنسان

إن جميع الأعضاء يدور صلاحها على صلاح اللسان، كما جاء في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وهو حديث صحيح، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إذا أصبح ابن آدم، فإن الأعضاء كلها تذكر اللسان تقول له: اتق الله فينا، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا} هكذا تقول الأعضاء للسان: اتق الله فينا، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا، والحديث رواه أحمد والترمذي وحسنه؛ وذلك لأن اللسان يعبر عما في القلب، فإذا كان كلام الإنسان حسناً وطيباً، كذكر الله وقراءة القرآن والأمر بالمعروف والنهي عن منكر، وما أشبه ذلك، دل على صلاح القلب، وإذا صلح القلب، صلح السان، وإذا صلح اللسان صلحت الجوارح كلها.

أخي المسلم: لا تمدحن امرئٍ لصلاحه أو صلاته أو صيامه، وأنت لا تدري ما مدى حفظه لمنطقه، روى أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مات -بل في بعض الروايات- أنه قتل شهيداً، فقال بعض الصحابه: هنيئاً له الجنة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:{وما يدريك أنه في الجنة؟! لعله تكلم فيما لا يعني، أو بخل بما لا يغنيه} والحديث رواه الترمذي، ويقول الحافظ ابن رجب، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه متعددة، أنه قال ذلك، مع أن الرجل قتل شهيداً فيما يحسبه الناس، ولكن منع الرسول صلى الله عليه وسلم من تزكيته، لماذا؟ قال:{ لعله تكلم فيما لا يعنيه}، إذاً من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه.

الكلام الذي يقوله الإنسان وقد يكون جرحاً لغيره، كما يقول الشاعر الأول:

وجرح اللسان ليس كجرح اليد

فقد تجرح الإنسان بالقول أشد مما تجرحه باليد أو بالسيف أو بالسنان، ولذلك روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده} هذه صفة المسلم، ومن أبرز وأخص خصائصه وصفاته، أن يسلم المسلمون من لسانه ويده، فلا يقع في أعراضهم، فيشتم هذا، ويسب هذا، ويطعن هذا، ويعتدي على هذا، ويغتاب هذا، وينم هذا، وما أشبه ذلك، فهذا ليس مسلماً حق الإسلام، وإن كان يدعي الإسلام، كما أن المسلم الحق لا يعتدي على المسلمين في أموالهم أو أجسادهم بضرب أو سرقة أو اختلاس، أو ما أشبه ذلك، ولهذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة كما في صحيح البخاري: {لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن} يعني أنه عند السرقة يضيع الإيمان فينسى الإيمان، ويغيب عنه الخوف من الله تعالى فيسرق، وليس معنى ذلك أنه كافر إذا سرق، كلا، بل هو مسلم لكنه لو كان يتذكر رقابة الله تعالى عليه لما سرق.

ولقد تعجب معاذ بن جبل رضي الله عنه من هذا، تعجب من كون الإنسان يؤاخذ بما يتكلم به ويحاسب على ذلك فقال: {يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به}؟!

يتعجب أننا نتكلم بكلام لا نقصد من ورائه شيئاً هل نحن مؤاخذون به؟!

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: {ثكلتك أمك يا معاذ!} وهذا دعاء لا يقصد به حقيقة معناه {وهل يكب الناس في النار على وجوههم، أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم} والحديث رواه أحمد والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، وابن ماجة، والحديث يدل دلالة ظاهرة، على أن أكثر ما يدخل الناس النار هو اللسان.

وقد جاء هذا صريحاً في حديث أبي هريرة الذي رواه الترمذي، وغيره، وهو صحيح، أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟

فقال: {تقوى الله وحسن الخلق} وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار؟

فقال: {الأجوفان: الفم والفرج} وذلك لأن اللسان يقع به الشرك بالله، كما قال الذين أشركوا حين عدلوا بالله تعالى غيره، ويقع به القول على الله تعالى بغير علم، وهو قرين الشرك في القرآن كما قال تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [الأعراف:33].

فالمفتي بغير علم نطق بلسانة، والمتكلم في الدين بغير علم تكلم بلسانه، والمحرم الحلال نطق بلسانة، ومحلل الحرام نطق بلسانه، وكل هؤلاء يتكلمون عن رب العالمين وعن شريعته، فهم موقعون عنه كما سماهم ابن القيم في كتابه إعلام الموقعين عن رب العالمين، لكنهم يوقعون بالباطل، ولذلك يدخلون النار، ولذلك جعلها الله تعالى قرين الشرك.

فاللسان هو سبب شهادة الزور، التي هي قرينة الشرك بالله، كما في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، والغيبة، والنميمة، والكذب، والفحش، والسب، والبذاءة، والسحر، والقذف، كل هذه من الكبائر التي تمارس وتعمل باللسان، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: {وهل يكب الناس في النار على وجوههم، أو قال: على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم} إذاً، الكلمة ليست كلمة يطير بها الهواء.. إنما كما قال الله تعالى: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18].

قابلت يوماً من الأيام أحد الشباب الذين كانوا منحرفين، ونرجو أن يكونوا ممن تاب الله عليهم، فذكر لي أن من الأسباب التي دعته لأن يراجع موقفه ويعيد النظر فيما كان عليه، يقول: كنت يوماً من الأيام في مصر في القاهرة، وأريد أن أسافر إلى المملكة، وكانت معي زوجتي، فذهبت إلى المطار ولي أصدقاء كثيرون في المطار يريدون أن يسهلوا لي الأمر، فقالوا لي: أبداً لا تقلق فالموضوع هين والأمر عادي، يقول: سبق لي في مرات كثيرة جداً أنني آتي وأذهب بصورة طبيعية.. يقول: رتبتُ الأمور كلها، وسار الموضوع طبيعياً، وكانت زوجتي متخوفة ألا نسافر.. فقالت: إن شاء الله نسافر، فقلت لها: سنسافر -سنسافر أي بدون إن شاء الله!! فقد قال كلمة بشعة استثقل أن أقولها لكنه قال: سنسافر- قال: فلما وصلت إلى باب الصالة الذي يدخل منه المسافرون، أخذ الضابط الموجود بالباب تذكرتي فنظر إليها ثم نظر إلي ثم مزقها وأنا أنظر، وألقى بها في القمامة، وقال: هذه لا قيمة لها ارجع، يقول: فصدمت ورجعت ورجعت زوجتي معي وهي تبكي، فذهبت إلى رجل آخر، فقال لي: الأمر هين وبعد ساعتين أو ثلاث هناك رحلة أخرى إلى جدة، ونيسر لك الأمر، يقول: وانتظرنا، فبعد قليل أتيت إلى الرجل فاعتذر مني، وقال: إن الأمر ليس لحسابنا لقد حدثت أمور فوق ما كنا نتصور ونتوقع، يقول: فذهبنا تلك الليلة ونمنا في أحد الفنادق، فيقول: من ذلك الوقت بدأت أعيد النظر، وأحسست بأن كلمتي السيئة التي عطلتُ فيها المشيئة هي السبب في تعطيلنا عن السفر، الذي اعتدنا أن نذهب بصورة طبيعية من خلاله.

إن كل كلمة تخرج من اللسان فهي محسوبة ويؤاخذ عليها، ولذلك أوصى النبي صلى الله عليه وسلم عقبة بن عامر، حين قال: يا رسول الله! ما النجاة؟

فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: {أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابكِ على خطيئتك} تأمل هذه الوصايا الثلاث: أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابكِ على خطيئتك، فأمر الإنسان أولاً بأن يمسك لسانه فلا ينطق إلا بحق، ويسعه بيته فلا يكثر من الاختلاط بالناس، وفضول الصحبة والرفقة والذهاب والإياب والزيارة، التي تكون مثل الإكثار من الطعام والشراب تضر بالإنسان، قال الشاعر:

عدوك من صديقك مستفادٌ     فلا تستكثرن من الصحاب

فإن الداء أكثر ما تراه     يكون من الطعام أو الشراب

{أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك}، فلا تغتر أو تدلي بعملك، وابك على ذنبك وخطيئتك، ولو قضيت حياتك ساجداً راكعاً ما بلغت حق شكر نعمة الله تعالى عليك، والحديث رواه أحمد والترمذي، والبيهقي، وأبو نعيم وهو حديث صحيح.