شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [16]


الحلقة مفرغة

شرح حديث اغتسال رسول الله من الفرق للجنابة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب مقدار الماء الذي يجزئ به الغسل.

حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من إناء واحد هو الفرق من الجنابة) .

قال أبو داود : قال معمر عن الزهري في هذا الحديث، قالت: (كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد، فيه قدر الفرق).

قال أبو داود : وروى ابن عيينة نحو حديث مالك .

قال أبو داود : سمعت أحمد بن حنبل يقول: الفرق ستة عشر رطلاً، وسمعته يقول: صاع ابن أبي ذئب خمسة أرطال وثلث. قال: فمن قال: ثمانية أرطال؟ قال: ليس ذلك بمحفوظ.

قال: وسمعت أحمد يقول: من أعطى في صدقة الفطر برطلنا هذا خمسة أرطال وثلثاً فقد أوفى. قيل: الصيحاني ثقيل؟ قال: الصيحاني أطيب. قال: لا أدري ].

هذ الترجمة في بيان مقدار الماء الذي يجزئ في الغسل، وذكر فيه حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من إناء هو الفرق، والفرق مكيال مقدار ثلاثة آصع، هذا أصح ما قيل فيه. وفي رواية الزهري قالت عائشة : (كنت أغتسل أنا ورسول الله من إناء واحد فيه قدر الفرق) يعني: -مقدار الآصع- وفي اللفظ الآخر: (تختلف أيدينا)، وفي اللفظ الآخر: (حتى أقول: دع لي، ويقول: دعي لي) وفيه دليل على جواز اغتسال الرجل وزوجته من إناء واحد، وأنه لا بأس أن ينظر الرجل إلى عورة امرأته وتنظر إلى عورته؛ لأنها حل له وهو حل لها، وأما حديث: (ما رأيت منه ولا رأى مني) يعني: العورة فهو حديث ضعيف لا يقاوم الأحاديث الصحيحة.

وفي هذا الحديث أن أبا داود سأل الإمام أحمد رحمه الله عن الفرق؟ فقال: ستة عشر رطلاً، وهو ثلاثة آصع، بصاع النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الصاع خمسة أرطال وثلث؛ ولهذا قال أبو داود : سمعت أحمد يقول: صاع ابن أبي ذئب خمسة أرطال وثلث، فيكون الفرق ستة عشر رطلاً، وهو ثلاثة آصع، فسأل أبو داود الإمام أحمد عمن قال: ثمانية أرطال؟ فقال: ليس ذلك بمحفوظ، وهذا هو ما ذهب إليه الأحناف، فقد ذهبوا إلى أن الصاع ثمانية أرطال، ولم ير هذا أحمد وقال: ليس ذلك بمحفوظ.

قال أبو داود : وسمعت أحمد يقول: من أعطى في صدقة الفطر برطلنا هذا خمسة أرطال وثلثاً فقد أوفى، يعني: أن الصاع في الماء وفي صدقة الفطر خمسة أرطال وثلث.

وقوله: الصيحاني ثقيل، الصيحاني تمر معروف في المدينة.

وقوله: الصيحاني أطيب. قال: لا أدري. هذه اللفظة فيها اختلاف، والأصل أن الصاع أربعة أمدد، والمد ملء كفي الرجل المتوسط، والصاع أربع حفنات كل حفنة ملء كفي الرجل المتوسط الذي ليست يداه كبيرتين ولا صغيرتين، وهذا هو صاع النبي صلى الله عليه وسلم.

و أبو حنيفة ذهب إلى أن الصاع ثمانية أرطال، وكان أبو يوسف الصاحب الأول يذهب إلى قول أبي حنيفة ، ثم بعد أن ذهب إلى الحجاز وأروه الصاع النبوي ذهب إلى أن الصاع خمسة أرطال وثلث، وترك قول أبي حنيفة ، وقد روى البيهقي عن الحسين بن الوليد القرشي قال: قدم علينا أبو يوسف من الحج، فقال: إني أريد أن أفتح لكم باباً من العلم أهمني، ففحصت عنه فقدمت المدينة فسألتهم عن الصاع، فقالوا: صاعنا هذا صاع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لهم: ما حجتكم في ذلك؟ قالوا: نأتيك بالحجة غداً، فلما أصبحت أتاني نحو خمسين شيخاً من أبناء المهاجرين والأنصار مع كل رجل منهم الصاع تحت ردائه، كل رجل منهم يخبر عن أبيه وأهل بيته أن هذا صاع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلها سواء، خمسة أرطال وثلث، فرأيت أمراً قوياً فتركت قول أبي حنيفة في الصاع، وأخذت بقول أهل المدينة.

والمراد هنا بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل في الغالب بالصاع، ويتوضأ بالمد، وربما توضأ بثلثي المد، وربما اغتسل بأقل من الصاع، وكان يغتسل هو وزوجته بثلاث آصع في الغالب، وقد يزيد يسيراً، وليس المراد التحديد، وقد ذكر الشارح كلاماً جيداً في هذا، قال: واعلم أنه ليس الغسل بالصاع أو الفرق للتحديد والتقدير، بل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما اقتصر على الصاع، وربما زاد عليه، والقدر المجزئ من الغسل ما يحصل به تعميم البدن على الوجه المعتبر سواء كان صاعاً أو أقل أو أكثر ما لم يبلغ في النقصان إلى مقدار لا يسمى مستعمله مغتسلاً، أو إلى مقدار في الزيادة يدخل فاعله في حد الإسراف.

إذاً: ليس هناك تحديد، لكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بالصاع، فإذا اغتسل الإنسان بالصاع أو أكثر فلا حرج، أو أقل فلا حرج، المهم أن يعمم البدن على الوجه المعتاد وعلى الوجه المعتبر، فإذا عمم بدنه بالماء سواء كان صاعاً أو أقل أو أكثر فلا حرج ما لم يبلغ في النقصان إلى مقدار لا يسمى مستعمله مغتسلاً، فلو أتى بمد أو بنص مد واغتسل به فهذا لا يصل إلى حد يسمى صاحبه مغتسلاً، بل هذا مسح، وليس المقصود أن يمسح بدنه، بل المقصود أن يغسل بدنه ويعمه بالماء.

وهذا الحديث أخرجه الشيخان وله ألفاظ.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب مقدار الماء الذي يجزئ به الغسل.

حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من إناء واحد هو الفرق من الجنابة) .

قال أبو داود : قال معمر عن الزهري في هذا الحديث، قالت: (كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد، فيه قدر الفرق).

قال أبو داود : وروى ابن عيينة نحو حديث مالك .

قال أبو داود : سمعت أحمد بن حنبل يقول: الفرق ستة عشر رطلاً، وسمعته يقول: صاع ابن أبي ذئب خمسة أرطال وثلث. قال: فمن قال: ثمانية أرطال؟ قال: ليس ذلك بمحفوظ.

قال: وسمعت أحمد يقول: من أعطى في صدقة الفطر برطلنا هذا خمسة أرطال وثلثاً فقد أوفى. قيل: الصيحاني ثقيل؟ قال: الصيحاني أطيب. قال: لا أدري ].

هذ الترجمة في بيان مقدار الماء الذي يجزئ في الغسل، وذكر فيه حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من إناء هو الفرق، والفرق مكيال مقدار ثلاثة آصع، هذا أصح ما قيل فيه. وفي رواية الزهري قالت عائشة : (كنت أغتسل أنا ورسول الله من إناء واحد فيه قدر الفرق) يعني: -مقدار الآصع- وفي اللفظ الآخر: (تختلف أيدينا)، وفي اللفظ الآخر: (حتى أقول: دع لي، ويقول: دعي لي) وفيه دليل على جواز اغتسال الرجل وزوجته من إناء واحد، وأنه لا بأس أن ينظر الرجل إلى عورة امرأته وتنظر إلى عورته؛ لأنها حل له وهو حل لها، وأما حديث: (ما رأيت منه ولا رأى مني) يعني: العورة فهو حديث ضعيف لا يقاوم الأحاديث الصحيحة.

وفي هذا الحديث أن أبا داود سأل الإمام أحمد رحمه الله عن الفرق؟ فقال: ستة عشر رطلاً، وهو ثلاثة آصع، بصاع النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الصاع خمسة أرطال وثلث؛ ولهذا قال أبو داود : سمعت أحمد يقول: صاع ابن أبي ذئب خمسة أرطال وثلث، فيكون الفرق ستة عشر رطلاً، وهو ثلاثة آصع، فسأل أبو داود الإمام أحمد عمن قال: ثمانية أرطال؟ فقال: ليس ذلك بمحفوظ، وهذا هو ما ذهب إليه الأحناف، فقد ذهبوا إلى أن الصاع ثمانية أرطال، ولم ير هذا أحمد وقال: ليس ذلك بمحفوظ.

قال أبو داود : وسمعت أحمد يقول: من أعطى في صدقة الفطر برطلنا هذا خمسة أرطال وثلثاً فقد أوفى، يعني: أن الصاع في الماء وفي صدقة الفطر خمسة أرطال وثلث.

وقوله: الصيحاني ثقيل، الصيحاني تمر معروف في المدينة.

وقوله: الصيحاني أطيب. قال: لا أدري. هذه اللفظة فيها اختلاف، والأصل أن الصاع أربعة أمدد، والمد ملء كفي الرجل المتوسط، والصاع أربع حفنات كل حفنة ملء كفي الرجل المتوسط الذي ليست يداه كبيرتين ولا صغيرتين، وهذا هو صاع النبي صلى الله عليه وسلم.

و أبو حنيفة ذهب إلى أن الصاع ثمانية أرطال، وكان أبو يوسف الصاحب الأول يذهب إلى قول أبي حنيفة ، ثم بعد أن ذهب إلى الحجاز وأروه الصاع النبوي ذهب إلى أن الصاع خمسة أرطال وثلث، وترك قول أبي حنيفة ، وقد روى البيهقي عن الحسين بن الوليد القرشي قال: قدم علينا أبو يوسف من الحج، فقال: إني أريد أن أفتح لكم باباً من العلم أهمني، ففحصت عنه فقدمت المدينة فسألتهم عن الصاع، فقالوا: صاعنا هذا صاع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لهم: ما حجتكم في ذلك؟ قالوا: نأتيك بالحجة غداً، فلما أصبحت أتاني نحو خمسين شيخاً من أبناء المهاجرين والأنصار مع كل رجل منهم الصاع تحت ردائه، كل رجل منهم يخبر عن أبيه وأهل بيته أن هذا صاع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلها سواء، خمسة أرطال وثلث، فرأيت أمراً قوياً فتركت قول أبي حنيفة في الصاع، وأخذت بقول أهل المدينة.

والمراد هنا بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل في الغالب بالصاع، ويتوضأ بالمد، وربما توضأ بثلثي المد، وربما اغتسل بأقل من الصاع، وكان يغتسل هو وزوجته بثلاث آصع في الغالب، وقد يزيد يسيراً، وليس المراد التحديد، وقد ذكر الشارح كلاماً جيداً في هذا، قال: واعلم أنه ليس الغسل بالصاع أو الفرق للتحديد والتقدير، بل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما اقتصر على الصاع، وربما زاد عليه، والقدر المجزئ من الغسل ما يحصل به تعميم البدن على الوجه المعتبر سواء كان صاعاً أو أقل أو أكثر ما لم يبلغ في النقصان إلى مقدار لا يسمى مستعمله مغتسلاً، أو إلى مقدار في الزيادة يدخل فاعله في حد الإسراف.

إذاً: ليس هناك تحديد، لكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بالصاع، فإذا اغتسل الإنسان بالصاع أو أكثر فلا حرج، أو أقل فلا حرج، المهم أن يعمم البدن على الوجه المعتاد وعلى الوجه المعتبر، فإذا عمم بدنه بالماء سواء كان صاعاً أو أقل أو أكثر فلا حرج ما لم يبلغ في النقصان إلى مقدار لا يسمى مستعمله مغتسلاً، فلو أتى بمد أو بنص مد واغتسل به فهذا لا يصل إلى حد يسمى صاحبه مغتسلاً، بل هذا مسح، وليس المقصود أن يمسح بدنه، بل المقصود أن يغسل بدنه ويعمه بالماء.

وهذا الحديث أخرجه الشيخان وله ألفاظ.

شرح الأحاديث الواردة في صفة غسل الجنابة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الغسل من الجنابة.

حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي قال: حدثنا زهير قال: حدثنا أبو إسحاق قال: حدثني سليمان بن صرد عن جبير بن مطعم رضي الله عنه: (أنهم ذكروا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الغسل من الجنابة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أنا فأفيض على رأسي ثلاثاً وأشار بيديه كلتيهما) ].

هذا الباب معقود لبيان كيفية الاغتسال، وذكر في حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه، والحديث أخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجة .

وفيه استحباب إفاضة الماء على الرأس ثلاثاً، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أما أنا فأفيض على رأسي ثلاثاً وأشار بيده كلتيهما)، ولم يذكر بقية الغسل؛ لأنه جاء في الأحاديث الأخرى، وإنما فيه بيان إفاضة الماء على الرأس ثلاثاً، وهذا هو المستحب، والواجب في الغسل إيصال الماء إلى أصول الشعر، لكن كونه يفيض الماء على رأسه ثلاثاً فهذا مستحب، وهو الأفضل.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المثنى حدثنا أبو عاصم عن حنظلة عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة دعا بشيء من نحو الحلاب، فأخذ بكفيه، فبدأ بشق رأسه الأيمن ثم الأيسر، ثم أخذ بكفيه فقال بهما على رأسه) ].

هذا الحديث أخرجه الشيخان والنسائي ، وفيه استحباب البداءة بالميامن في التطهر، ولهذا قال: (فبدأ بشق رأسه الأيمن).

وفيه أنه أخذ بكفيه فقال بهما على رأسه.

وقوله: (من نحو الحلاب) ذكر الخطابي أن الحلاب إناء يسع قدر حلب الناقة.

والبخاري رحمه الله في صحيحه تأول هذا على استعمال الطيب في الطهور، قال الخطابي : هذا من البخاري وهم ، وليس الحلاب من الطيب في شيء، وإنما هو ما فسرت لك.

وفي هذا الحديث أنه بدأ بشقه الأيمن، وهذا هو الأفضل، ولم يذكر بقية الغسل، فيؤخذ من الأحاديث الأخرى.

وفيه استحباب البداءة بالميامن، يبدأ بشقه الأيمن، وإن لم يبدأ فلا حرج، وإذا عمم بدنه بالماء كفى سواء بدأ بالأيمن أو بالأيسر، لكن الأفضل أن يبدأ بالشق الأيمن من الرأس وكذلك أيضاً يبدأ بشقه الأيمن من الجسد.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا عبد الرحمن -يعني ابن مهدي - عن زائدة بن قدامة عن صدقة قال: حدثنا جميع بن عمير أحد بني تيم الله بن ثعلبة قال: (دخلت مع أمي وخالتي على عائشة رضي الله عنها، فسألتها إحداهما: كيف كنتم تصنعون عند الغسل؟ فقالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يفيض على رأسه ثلاث مرار، ونحن نفيض على رءوسنا خمساً من أجل الظفر) ].

هذا الحديث أخرجه النسائي وابن ماجة ، وفي سنده جميع بن عمير ، قال بعضهم: لا يحتج بحديثه، وقال في التقريب: صدوق يخطئ ويتشيع.

وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ وضوءه للصلاة، ثم أفاض بالماء على رأسه ثلاث مرار، لكن المستنكر هنا قوله: (ونحن نفيض على رءوسنا خمساً من أجل الظفر)، ففيه أن عائشة خالفت فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يفيض على رأسه ثلاثاً، وهي تفيض على رأسها خمساً من أجل الظَّفْر وهو شد الشعر أو من أجل الظُفُرْ وهي الخصلة من الشعر، وهو معارض لحديث أم سلمة الآتي: (يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات من ماء ثم تفيضين على سائر جسدك)، وهذا هو المعتمد، ولعل هذا من أوهام جميع بن عمير ، ففي ترجمته: جميع بن عمير التميمي : أبو الأسود كوفي شيعي. عن عائشة وابن عمرو وعوام بن حوشب والأعمش ، قال البخاري : فيه نظر. قال ابن أبي حاتم : صادق الحديث.

البخاري لطيف العبارة في التجريح، فإذا قال: فيه نظر، فمعناه: لا يحتج به، فلعل قوله: (ونحن نفيض على رءوسنا خمساً من أجل الظفر) من أوهام جميع ، ولا يمكن أن عائشة تخالف فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولاسيما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث أم سلمة الآتي: (يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات).

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن حرب الواشحي ح وحدثنا مسدد قالا: أخبرنا حماد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: _(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة -قال سليمان : يبدأ فيفرغ بيمينه على شماله، وقال مسدد : غسل يديه يصب الإناء على يده اليمنى، ثم اتفقا- فيغسل فرجه -وقال مسدد : يفرغ على شماله- وربما كنّت عن الفرج ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يدخل يده في الإناء فيخلل شعره حتى إذا رأى أنه قد أصاب البشرة أو أنقى البشرة أفرغ على رأسه ثلاثاً، فإذا فضل فضلة صبها عليه) ].

هذا الحديث أخرجه الشيخان والترمذي والنسائي ، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبدأ أولاً بغسل فرجه وما حوله، ثم يفيض بيمينه على شماله، فيغسل يده. وقوله: وربما كنّت عن الفرج، الكناية هي أن يعبر عن الشيء بما يفيد المعنى بعبارة ليس فيها ما يستنكرها الإنسان، فيعبر عن الشيء الذي يستحى منه بلفظ يفهم منه المعنى.

وقد جاء في الحديث الآخر: أنه كان يضرب بيده الأرض أو الحائط مرتين أو ثلاثاً لإزالة ما علق بها من الرائحة، وكانت الجدران من طين، فإذا ضرب يده في الجدار علق به الطين ثم صب عليه الماء فتزول الرائحة، والآن لا يجد الإنسان التراب لا في الجدار ولا في الأرض، ولكن يغني عن ذلك الصابون أو ما ينوب عنه، وإذا لم يجد صابوناً وصب عليه الماء يكفي، لكن من باب النظافة إذا أصاب شيئاً من الصابون أو ضرب يده بالأرض أو الحائط كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم لإزالة الرائحة فهو أفضل.

وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبدأ فيغسل فرجه وما حوله، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم بعد ذلك يخلل شعره ويصب على رأسه ثلاثاً، وهذا هو الأفضل، والواجب إيصال الماء إلى أصول الشعر ولو مرة واحدة، فإذا فضلت فضلة صبها عليه.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عمرو بن علي الباهلي حدثنا محمد بن أبي عدي حدثنا سعيد عن أبي معشر عن النخعي عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يغتسل من الجنابة بدأ بكفيه فغسلهما، ثم غسل مرافغه، وأفاض عليه الماء، فإذا أنقاهما أهوى بهما إلى حائط، ثم يستقبل الوضوء، ويفيض الماء على رأسه) ].

هذا الحديث فيه اختصار، وفيه بيان كيفية الغسل من الجنابة، وهو أنه يبدأ بكفيه -كما جاء في عدة أحاديث- فيغسلهما ثلاثاً، وقد جاء في حديث عائشة وفي حديث ميمونة أن المسلم إذا أراد أن يغتسل من الجنابة يبدأ بغسل كفيه، وقبل ذلك يجب عليه أن ينوي، فإن انغمس في الماء ناوياً التبرد لا يرتفع عنه الحدث؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) فلا بد من النية، ثم يسمي، والتسمية في الوضوء وفي الغسل مستحبة عند جمهور العلماء، وأوجبها طائفة من أهل العلم، وهم الحنابلة وجماعة، قالوا: والأحاديث وإن كانت ضعيفة إلا أنه يشد بعضها بعضاً، فتكون من باب الحسن لغيره، وقد ساق الحافظ ابن كثير رحمه الله الآثار في آية الوضوء التي جاءت في سورة المائدة، وهي كثيرة وقال: إنه يشد بعضها بعضاً.

قوله: (ثم غسل مرافغه) المراد بالمرافغ: المغابن والآباط وأصول الفخذين، وهو كناية عن غسل الفرج، وكنت عائشة رضي الله عنها عن غسل الفرج بغسل المرافغ كما جاء في بعض الروايات: (إذا التقى الرفغان وجب الغسل)، يريد التقاء الختانين، فكنى عنه بالتقاء أصول الفخذين، ذكر هذا في النهاية وفي غيره.

وفيه أنه إذا استنجى يغسل يده بعد ذلك، وقد جاء هذا أيضاً في أحاديث وفيها أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا استنجى ضرب بيده الحائط، لتنقية اليد مما علق بها من الرائحة، وإذا غسلها بالصابون فإنه ينوب مناب الحائط؛ لأن الحائط في ذلك الزمان من طين فيعلق الطين ويغسله أما الآن فالحائط أملس، وكذلك الأرض ملساء، فينوب عنه الصابون، وإن اكتفى بالماء كفى، وليس الصابون بلازم، لكن هذا من باب النظافة، ثم يتوضأ، ثم يفيض الماء على رأسه.

ومتن هذا الحديث فيه اختصار وتقديم وتأخير، ولعل ذلك من بعض الرواة والله تعالى أعلم.

وفي سند هذا الحديث سعيد بن أبي عروبة قال في التقريب: ثقة حافظ له تصانيف كثير التدليس واختلط، وكان من أثبت الناس في قتادة أهـ.

ومحمد بن أبي عدي روى عنه بعد الاختلاط؛ ولهذا نجد في هذا الحديث بعض المخالفة للأحاديث الأخرى.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن شوكر قال: حدثنا هشيم عن عروة الهمداني قال: حدثنا الشعبي قال: قالت عائشة رضي الله عنها: لئن شئتم لأرينكم أثر يد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحائط، حيث كان يغتسل من الجنابة ].

هذا فيه بيان أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا استنجى ضرب بيده الحائط، وقد جاء في عدة أحاديث أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا استنجى ضرب بيده الحائط للتنقية وإزالة الرائحة، لكن هذا الحديث ضعيف؛ لأن الشعبي لم يسمع من عائشة رضي الله عنها، والحسن بن شوكر لا بأس به صدوق.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد بن مسرهد قال: أخبرنا عبد الله بن داود عن الأعمش عن سالم عن كريب قال: أخبرنا ابن عباس رضي الله عنهما عن خالته ميمونة رضي الله عنها قالت: (وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم غسلاً يغتسل به من الجنابة، فأكفأ الإناء على يده اليمنى، فغسلها مرتين أو ثلاثاً، ثم صب على فرجه، فغسل فرجه بشماله، ثم ضرب بيده الأرض فغسلها، ثم تمضمض واستنشق، وغسل وجهه ويديه، ثم صب على رأسه وجسده، ثم تنحى ناحية فغسل رجليه، فناولته المنديل فلم يأخذه، وجعل ينفض الماء عن جسده، فذكرت ذلك لـإبراهيم فقال: كانوا لا يرون بالمنديل بأساً، ولكن كانوا يكرهون العادة).

قال أبو داود : قال مسدد : قلت لـعبد الله بن داود : كانوا يكرهونه للعادة؟ فقال: هكذا هو، ولكن وجدته في كتابي هكذا ].

هذا الحديث أخرجه الشيخان والترمذي والنسائي وابن ماجة ، وفيه البدء في الغسل بغسل الكفين، وأنه يشرع للمسلم إذا أراد أن يغتسل أن يبدأ بغسل كفيه بنية رفع الحدث عنهما، وهذا بعد نية الغسل وبعد التسمية، لعموم حديث: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)، والبسملة مستحبة في الوضوء وفي الغسل عند جمهور العلماء، ثم البداءة بغسل الفرج بشماله.

وفيه مشروعية المضمضة والاستنشاق في غسل الجنابة، وفي الوضوء، وفي الغسل، والصواب أن المضمضة والاستنشاق واجبتان في الوضوء وفي الغسل.

وقال بعض العلماء: ليستا واجبتين لا في الغسل ولا في الوضوء.

وقال آخرون: واجبتان في الوضوء دون الغسل.

وقال آخرون: يجب الاستنشاق دون المضمضة.

والصواب أنه لا بد منهما في الوضوء والغسل.

وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ أولاً، ثم أخر غسل رجليه، ففيه تأخير غسل الرجلين إلى آخر الغسل، وفي حديث عائشة أنه كمل وضوءه أولاً قبل غسل رجليه فدل على جواز الأمرين، ولعله أخر غسل الرجلين في حديث ميمونة لأن المكان فيه طين، فغسل رجليه آخراً حتى ينظفهما من الطين والتراب.

وفي آخر الحديث قالت: (ناولته المنديل، فلم يأخذه، وجعل ينفض الماء عن جسده)، وقد أخذ بعضهم من هذا الحديث أن ترك استعمال المنديل في الغسل أولى دون الوضوء؛ فإنه مسكوت عنه، ولهذا يقول العلماء في الوضوء: وتباح معونته وتنشيف أعضائه، أما في الغسل فالأولى تركه، وإن استعمله فلا حرج.

قال سليمان الأعمش : فذكرت ذلك لـإبراهيم النخعي فقال: كانوا لا يرون بالمنديل بأساً، لكن كانوا يكرهونه للعادة. يعني لمن يتخذ التنشيف عادة لا لمن يفعله أحياناً.

ثم ذكر أبو داود عن شيخه مسدد أنه قال لشيخه عبد الله بن داود : كانوا يكرهونه للعادة؟ يعني: أكانوا؟ على حذف حرف الاستفهام، يعني: أكانوا يكرهون التنشيف من أجل العادة؟ فقال: هكذا هو، يعني هكذا حفظته، ولكن وجدته في كتابي هكذا، فما في الكتاب غير ما في الحفظ، يعني: حفظت أنهم كانوا يكرهونه للعادة، ولكن وجدته في كتابي هكذا: كانوا يكرهون العادة.

وقد اختلف العلماء فيمن اغتسل للجنابة بلا وضوء هل يجزئه الغسل عن الوضوء أو لا يجزئه؟ وهل يندرج الحدث الأصغر في الأكبر فيكتفي بالغسل عن الوضوء أم لا؟

على قولين، قيل: إنه يجزئه ذلك إذا نوى رفع الحدثين، فيدخل الحدث الأصغر في الأكبر، وإن لم ينو فلا بد أن يتوضأ، والأفضل أن يتوضأ قبل الغسل، ويكفيه هذا، ولا يحتاج إلى أن يعيد الوضوء إلا إذا أحدث.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسين بن عيسى الخرساني قال أخبرنا ابن أبي فديك ، عن ابن أبي ذئب عن شعبة قال: إن ابن عباس رضي الله عنهما كان إذا اغتسل من الجنابة يفرغ بيده اليمنى على يده اليسرى سبع مرار ، ثم يغسل فرجه، فنسي مرة كم أفرغ، فسألني: كم أفرغت؟ فقلت: لا أدري، فقال: لا أم لك! وما يمنعك أن تدري؟ ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يفيض على جلده الماء، ثم يقول: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتطهر ] .

هذا الحديث ضعيف من أجل شعبة مولى ابن عباس ، وهو أبو عبد الله ويقال له: أبو يحيى ، وهو ضعيف لا حجة لما دل عليه من الغسل سبع مرار، كما أن في الثابت من الأحاديث الصحيحة أن الغسل ثلاث مرات لا سبعاً، فيغسل يده ثلاثاً، ثم يغسل شقه الأيمن ثلاثاً، ولا يغسل سبعاً.

ومن النكارة في الحديث قوله: فنسي كم مرة أفرغ، فسألني، يعني ابن عباس سأل مولاه شعبة . كم أفرغ، مرتين أو ثلاث أو أربع حتى يكمل سبعة، قال: فقلت: لا أدري، فقال: لا أم لك، وما يمنعك أن تدري، يعني لماذا لم تنتبه.

وهذا الحديث ضعيف، للعلة السابقة وقد قال ابن حبان عن شعبة هذا: يروي عن ابن عباس ما لا أصل له.

شرح حديث: (كانت الصلاة خمسين والغسل من الجنابة سبع مرار ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد قال: أخبرنا أيوب بن جابر عن عبد الله بن عصم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (كانت الصلاة خمسين والغسل من الجنابة سبع مرار، وغسل البول من الثوب سبع مرار، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل حتى جعلت الصلاة خمساً والغسل من الجنابة مرة، وغسل البول من الثوب مرة) ].

وهذا الحديث أيضاً ضعيف؛ لأن فيه ضعيفين: أيوب بن جابر وعبد الله بن عصم ، كلاهما ضعيف، فلا حجة فيه فيما دل عليه من غسل الجنابة سبع مرار، وغسل البول أيضاً سبع مرار، ومن النكارة في الحديث قوله: لم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه - يعني ليلة المعراج - حتى جعلت الصلاة خمساً، والغسل من الجنابة مرة، وغسل البول من الثوب مرة، فهذا مخالف للأحاديث الصحيحة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم سأل في ليلة المعراج تخفيف الصلاة، فحسب ولم يرد في الأحاديث الصحيحة ذكر غسل الجنابة ولا غسل البول، كما أن المحفوظ أنه عليه الصلاة والسلام لما اغتسل من الجنابة أفاض على جسده ثلاثاً، ولم يرد غسل البول وإنما يكون بغلبة الظن، أي: حتى يغلب على الظن أنه قد طهر.

ولو صح هذا الحديث فإنه منسوخ كما دل عليه آخر الحديث، أما الصلاة فإنها فرضت خمسين ثم نسخت إلى خمس قبل التمكن من الفعل، وبعض الأحناف ذكر أن النجاسة تغسل ثلاثاً، وجاء في الحديث أيضاً: أمرنا بغسل الأنجاس سبعاً لكنه حديث ضعيف، والصواب أنه ليس هناك تحديد، وقد ذكر بعضهم أن النجاسة ضربان: مرئية وغير مرئية، فما كان منها مرئية فطهارتها بأن تزول عينها فإذا زالت عينها ثم زادها غسلة بعد ذلك زالت النجاسة وبذلك تكون طاهرة، أما غير المرئية فطهارتها أن يغسلها حتى يغلب على ظنه أنها قد طهرت, أما هذا الحديث فهو ضعيف، وليس بحجة.

شرح حديث: (إن تحت كل شعرة جنابة ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا نصر بن علي قال: حدثني حارث بن وجيه قال: أخبرنا مالك بن دينار عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن تحت كل شعرة جنابة فاغسلوا الشعر وأنقوا البشر) .

قال أبو داود : الحارث بن وجيه حديثه منكر وهو ضعيف ].

وهذا الحديث أخرجه قد الترمذي وابن ماجة وهو ضعيف بل منكر كما قال المؤلف لضعف الحارث بن وجيه ، فلا حجة فيه، لقوله: إن تحت كل شعرة جنابة؛ لأنه يقتضي نقض القرون والضفائر خلافاً للجمهور وقد أخذ بهذا الحديث إبراهيم النخعي ، وقال إنه يجب نقض القرون والضفائر، والصواب أنه لا يجب، بل يكفيه إيصال الماء إلى أصول الشعر وإن لم ينقض شعره، كما هو قول عامة أهل العلم، وكما جاء في حديث أم سلمة بعد الباب، أنه لا يجب النقض، وإنما الواجب إدخال الماء إلى أصول الشعر ولو لم ينقض، وأما هذا الحديث: (إن تحت كل شعرة جنابة فاغسلوا الشعر وأنقوا البشر)، فهو ضعيف.

شرح حديث: (من ترك موضع شعرة من جنابة لم يغسلها فعل به كذا وكذا من النار)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل قال: أخبرنا حماد أخبرنا عطاء بن السائب عن زاذان عن علي رضي الله عنه قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من ترك موضع شعرة من جنابة لم يغسلها فعل به كذا وكذا من النار، قال علي رضي الله عنه: فمن ثم عاديت رأسي ثلاثاً وكان يجز شعره، رضي الله عنه) ].

وهذا أخرجه ابن ماجة وهو ضعيف أيضاً؛ لأن فيه عطاء بن السائب ، وقد اختلط في آخر عمره فمن روى عنه قبل الاختلاط فروايته صحيحه كـالبخاري ، فهو ممن روى عنه قبل الاختلاط، أما من روى عنه بعد الاختلاط فهو غير مقبول، وممن روى عنه بعد الاختلاط حماد بن سلمة ، فهو كحديث أبي هريرة السابق في ضعفه، فلا يدل على وجوب غسل البشرة التي تحت الشعر الكثيف، بل يكتفي بغسل ظاهر الشعر؛ لأنه بمثابة البشرة، أما الشعر الخفيف فيجب غسله وغسل البشرة التي تحته.

وقد دل حديث أم سلمة الآتي على أنه لا ينقض شعر الرأس المشدود، بل تحثي على رأسها ثلاث حثيات، لكن أيضاً دل الحديث على أن النقض أفضل.

أما جز الشعر وهو حلقه بالنسبة للرجل فلا بأس به، وهو مباح، وقال بعضهم: مكروه، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى صبياً حلق بعض رأسه، فقال: (أحلقه كله أو اتركه كله) ، فلا بأس في حلق شعر الرأس، فإذا كان في إبقاء الشعر تشبه ببعض أهل البدع فلا يبقيه، لكن لو أبقاه إتباعاً للسنة فهذا حسن، ولهذا قال الإمام أحمد رحمه الله إن إبقاء الشعر سنة، ولو نقوى عليه لاتخذناه، لكن له كلفة ومشقة، بل يحتاج إلى غسل ودهن وتسريح ففيه مشقة، ومن كان يقوى على هذا فهو حسن.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الغسل من الجنابة.

حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي قال: حدثنا زهير قال: حدثنا أبو إسحاق قال: حدثني سليمان بن صرد عن جبير بن مطعم رضي الله عنه: (أنهم ذكروا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الغسل من الجنابة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أنا فأفيض على رأسي ثلاثاً وأشار بيديه كلتيهما) ].

هذا الباب معقود لبيان كيفية الاغتسال، وذكر في حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه، والحديث أخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجة .

وفيه استحباب إفاضة الماء على الرأس ثلاثاً، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أما أنا فأفيض على رأسي ثلاثاً وأشار بيده كلتيهما)، ولم يذكر بقية الغسل؛ لأنه جاء في الأحاديث الأخرى، وإنما فيه بيان إفاضة الماء على الرأس ثلاثاً، وهذا هو المستحب، والواجب في الغسل إيصال الماء إلى أصول الشعر، لكن كونه يفيض الماء على رأسه ثلاثاً فهذا مستحب، وهو الأفضل.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المثنى حدثنا أبو عاصم عن حنظلة عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة دعا بشيء من نحو الحلاب، فأخذ بكفيه، فبدأ بشق رأسه الأيمن ثم الأيسر، ثم أخذ بكفيه فقال بهما على رأسه) ].

هذا الحديث أخرجه الشيخان والنسائي ، وفيه استحباب البداءة بالميامن في التطهر، ولهذا قال: (فبدأ بشق رأسه الأيمن).

وفيه أنه أخذ بكفيه فقال بهما على رأسه.

وقوله: (من نحو الحلاب) ذكر الخطابي أن الحلاب إناء يسع قدر حلب الناقة.

والبخاري رحمه الله في صحيحه تأول هذا على استعمال الطيب في الطهور، قال الخطابي : هذا من البخاري وهم ، وليس الحلاب من الطيب في شيء، وإنما هو ما فسرت لك.

وفي هذا الحديث أنه بدأ بشقه الأيمن، وهذا هو الأفضل، ولم يذكر بقية الغسل، فيؤخذ من الأحاديث الأخرى.

وفيه استحباب البداءة بالميامن، يبدأ بشقه الأيمن، وإن لم يبدأ فلا حرج، وإذا عمم بدنه بالماء كفى سواء بدأ بالأيمن أو بالأيسر، لكن الأفضل أن يبدأ بالشق الأيمن من الرأس وكذلك أيضاً يبدأ بشقه الأيمن من الجسد.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا عبد الرحمن -يعني ابن مهدي - عن زائدة بن قدامة عن صدقة قال: حدثنا جميع بن عمير أحد بني تيم الله بن ثعلبة قال: (دخلت مع أمي وخالتي على عائشة رضي الله عنها، فسألتها إحداهما: كيف كنتم تصنعون عند الغسل؟ فقالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يفيض على رأسه ثلاث مرار، ونحن نفيض على رءوسنا خمساً من أجل الظفر) ].

هذا الحديث أخرجه النسائي وابن ماجة ، وفي سنده جميع بن عمير ، قال بعضهم: لا يحتج بحديثه، وقال في التقريب: صدوق يخطئ ويتشيع.

وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ وضوءه للصلاة، ثم أفاض بالماء على رأسه ثلاث مرار، لكن المستنكر هنا قوله: (ونحن نفيض على رءوسنا خمساً من أجل الظفر)، ففيه أن عائشة خالفت فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يفيض على رأسه ثلاثاً، وهي تفيض على رأسها خمساً من أجل الظَّفْر وهو شد الشعر أو من أجل الظُفُرْ وهي الخصلة من الشعر، وهو معارض لحديث أم سلمة الآتي: (يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات من ماء ثم تفيضين على سائر جسدك)، وهذا هو المعتمد، ولعل هذا من أوهام جميع بن عمير ، ففي ترجمته: جميع بن عمير التميمي : أبو الأسود كوفي شيعي. عن عائشة وابن عمرو وعوام بن حوشب والأعمش ، قال البخاري : فيه نظر. قال ابن أبي حاتم : صادق الحديث.

البخاري لطيف العبارة في التجريح، فإذا قال: فيه نظر، فمعناه: لا يحتج به، فلعل قوله: (ونحن نفيض على رءوسنا خمساً من أجل الظفر) من أوهام جميع ، ولا يمكن أن عائشة تخالف فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولاسيما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث أم سلمة الآتي: (يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات).

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن حرب الواشحي ح وحدثنا مسدد قالا: أخبرنا حماد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: _(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة -قال سليمان : يبدأ فيفرغ بيمينه على شماله، وقال مسدد : غسل يديه يصب الإناء على يده اليمنى، ثم اتفقا- فيغسل فرجه -وقال مسدد : يفرغ على شماله- وربما كنّت عن الفرج ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يدخل يده في الإناء فيخلل شعره حتى إذا رأى أنه قد أصاب البشرة أو أنقى البشرة أفرغ على رأسه ثلاثاً، فإذا فضل فضلة صبها عليه) ].

هذا الحديث أخرجه الشيخان والترمذي والنسائي ، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبدأ أولاً بغسل فرجه وما حوله، ثم يفيض بيمينه على شماله، فيغسل يده. وقوله: وربما كنّت عن الفرج، الكناية هي أن يعبر عن الشيء بما يفيد المعنى بعبارة ليس فيها ما يستنكرها الإنسان، فيعبر عن الشيء الذي يستحى منه بلفظ يفهم منه المعنى.

وقد جاء في الحديث الآخر: أنه كان يضرب بيده الأرض أو الحائط مرتين أو ثلاثاً لإزالة ما علق بها من الرائحة، وكانت الجدران من طين، فإذا ضرب يده في الجدار علق به الطين ثم صب عليه الماء فتزول الرائحة، والآن لا يجد الإنسان التراب لا في الجدار ولا في الأرض، ولكن يغني عن ذلك الصابون أو ما ينوب عنه، وإذا لم يجد صابوناً وصب عليه الماء يكفي، لكن من باب النظافة إذا أصاب شيئاً من الصابون أو ضرب يده بالأرض أو الحائط كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم لإزالة الرائحة فهو أفضل.

وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبدأ فيغسل فرجه وما حوله، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم بعد ذلك يخلل شعره ويصب على رأسه ثلاثاً، وهذا هو الأفضل، والواجب إيصال الماء إلى أصول الشعر ولو مرة واحدة، فإذا فضلت فضلة صبها عليه.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عمرو بن علي الباهلي حدثنا محمد بن أبي عدي حدثنا سعيد عن أبي معشر عن النخعي عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يغتسل من الجنابة بدأ بكفيه فغسلهما، ثم غسل مرافغه، وأفاض عليه الماء، فإذا أنقاهما أهوى بهما إلى حائط، ثم يستقبل الوضوء، ويفيض الماء على رأسه) ].

هذا الحديث فيه اختصار، وفيه بيان كيفية الغسل من الجنابة، وهو أنه يبدأ بكفيه -كما جاء في عدة أحاديث- فيغسلهما ثلاثاً، وقد جاء في حديث عائشة وفي حديث ميمونة أن المسلم إذا أراد أن يغتسل من الجنابة يبدأ بغسل كفيه، وقبل ذلك يجب عليه أن ينوي، فإن انغمس في الماء ناوياً التبرد لا يرتفع عنه الحدث؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) فلا بد من النية، ثم يسمي، والتسمية في الوضوء وفي الغسل مستحبة عند جمهور العلماء، وأوجبها طائفة من أهل العلم، وهم الحنابلة وجماعة، قالوا: والأحاديث وإن كانت ضعيفة إلا أنه يشد بعضها بعضاً، فتكون من باب الحسن لغيره، وقد ساق الحافظ ابن كثير رحمه الله الآثار في آية الوضوء التي جاءت في سورة المائدة، وهي كثيرة وقال: إنه يشد بعضها بعضاً.

قوله: (ثم غسل مرافغه) المراد بالمرافغ: المغابن والآباط وأصول الفخذين، وهو كناية عن غسل الفرج، وكنت عائشة رضي الله عنها عن غسل الفرج بغسل المرافغ كما جاء في بعض الروايات: (إذا التقى الرفغان وجب الغسل)، يريد التقاء الختانين، فكنى عنه بالتقاء أصول الفخذين، ذكر هذا في النهاية وفي غيره.

وفيه أنه إذا استنجى يغسل يده بعد ذلك، وقد جاء هذا أيضاً في أحاديث وفيها أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا استنجى ضرب بيده الحائط، لتنقية اليد مما علق بها من الرائحة، وإذا غسلها بالصابون فإنه ينوب مناب الحائط؛ لأن الحائط في ذلك الزمان من طين فيعلق الطين ويغسله أما الآن فالحائط أملس، وكذلك الأرض ملساء، فينوب عنه الصابون، وإن اكتفى بالماء كفى، وليس الصابون بلازم، لكن هذا من باب النظافة، ثم يتوضأ، ثم يفيض الماء على رأسه.

ومتن هذا الحديث فيه اختصار وتقديم وتأخير، ولعل ذلك من بعض الرواة والله تعالى أعلم.

وفي سند هذا الحديث سعيد بن أبي عروبة قال في التقريب: ثقة حافظ له تصانيف كثير التدليس واختلط، وكان من أثبت الناس في قتادة أهـ.

ومحمد بن أبي عدي روى عنه بعد الاختلاط؛ ولهذا نجد في هذا الحديث بعض المخالفة للأحاديث الأخرى.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن شوكر قال: حدثنا هشيم عن عروة الهمداني قال: حدثنا الشعبي قال: قالت عائشة رضي الله عنها: لئن شئتم لأرينكم أثر يد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحائط، حيث كان يغتسل من الجنابة ].

هذا فيه بيان أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا استنجى ضرب بيده الحائط، وقد جاء في عدة أحاديث أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا استنجى ضرب بيده الحائط للتنقية وإزالة الرائحة، لكن هذا الحديث ضعيف؛ لأن الشعبي لم يسمع من عائشة رضي الله عنها، والحسن بن شوكر لا بأس به صدوق.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد بن مسرهد قال: أخبرنا عبد الله بن داود عن الأعمش عن سالم عن كريب قال: أخبرنا ابن عباس رضي الله عنهما عن خالته ميمونة رضي الله عنها قالت: (وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم غسلاً يغتسل به من الجنابة، فأكفأ الإناء على يده اليمنى، فغسلها مرتين أو ثلاثاً، ثم صب على فرجه، فغسل فرجه بشماله، ثم ضرب بيده الأرض فغسلها، ثم تمضمض واستنشق، وغسل وجهه ويديه، ثم صب على رأسه وجسده، ثم تنحى ناحية فغسل رجليه، فناولته المنديل فلم يأخذه، وجعل ينفض الماء عن جسده، فذكرت ذلك لـإبراهيم فقال: كانوا لا يرون بالمنديل بأساً، ولكن كانوا يكرهون العادة).

قال أبو داود : قال مسدد : قلت لـعبد الله بن داود : كانوا يكرهونه للعادة؟ فقال: هكذا هو، ولكن وجدته في كتابي هكذا ].

هذا الحديث أخرجه الشيخان والترمذي والنسائي وابن ماجة ، وفيه البدء في الغسل بغسل الكفين، وأنه يشرع للمسلم إذا أراد أن يغتسل أن يبدأ بغسل كفيه بنية رفع الحدث عنهما، وهذا بعد نية الغسل وبعد التسمية، لعموم حديث: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)، والبسملة مستحبة في الوضوء وفي الغسل عند جمهور العلماء، ثم البداءة بغسل الفرج بشماله.

وفيه مشروعية المضمضة والاستنشاق في غسل الجنابة، وفي الوضوء، وفي الغسل، والصواب أن المضمضة والاستنشاق واجبتان في الوضوء وفي الغسل.

وقال بعض العلماء: ليستا واجبتين لا في الغسل ولا في الوضوء.

وقال آخرون: واجبتان في الوضوء دون الغسل.

وقال آخرون: يجب الاستنشاق دون المضمضة.

والصواب أنه لا بد منهما في الوضوء والغسل.

وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ أولاً، ثم أخر غسل رجليه، ففيه تأخير غسل الرجلين إلى آخر الغسل، وفي حديث عائشة أنه كمل وضوءه أولاً قبل غسل رجليه فدل على جواز الأمرين، ولعله أخر غسل الرجلين في حديث ميمونة لأن المكان فيه طين، فغسل رجليه آخراً حتى ينظفهما من الطين والتراب.

وفي آخر الحديث قالت: (ناولته المنديل، فلم يأخذه، وجعل ينفض الماء عن جسده)، وقد أخذ بعضهم من هذا الحديث أن ترك استعمال المنديل في الغسل أولى دون الوضوء؛ فإنه مسكوت عنه، ولهذا يقول العلماء في الوضوء: وتباح معونته وتنشيف أعضائه، أما في الغسل فالأولى تركه، وإن استعمله فلا حرج.

قال سليمان الأعمش : فذكرت ذلك لـإبراهيم النخعي فقال: كانوا لا يرون بالمنديل بأساً، لكن كانوا يكرهونه للعادة. يعني لمن يتخذ التنشيف عادة لا لمن يفعله أحياناً.

ثم ذكر أبو داود عن شيخه مسدد أنه قال لشيخه عبد الله بن داود : كانوا يكرهونه للعادة؟ يعني: أكانوا؟ على حذف حرف الاستفهام، يعني: أكانوا يكرهون التنشيف من أجل العادة؟ فقال: هكذا هو، يعني هكذا حفظته، ولكن وجدته في كتابي هكذا، فما في الكتاب غير ما في الحفظ، يعني: حفظت أنهم كانوا يكرهونه للعادة، ولكن وجدته في كتابي هكذا: كانوا يكرهون العادة.

وقد اختلف العلماء فيمن اغتسل للجنابة بلا وضوء هل يجزئه الغسل عن الوضوء أو لا يجزئه؟ وهل يندرج الحدث الأصغر في الأكبر فيكتفي بالغسل عن الوضوء أم لا؟

على قولين، قيل: إنه يجزئه ذلك إذا نوى رفع الحدثين، فيدخل الحدث الأصغر في الأكبر، وإن لم ينو فلا بد أن يتوضأ، والأفضل أن يتوضأ قبل الغسل، ويكفيه هذا، ولا يحتاج إلى أن يعيد الوضوء إلا إذا أحدث.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسين بن عيسى الخرساني قال أخبرنا ابن أبي فديك ، عن ابن أبي ذئب عن شعبة قال: إن ابن عباس رضي الله عنهما كان إذا اغتسل من الجنابة يفرغ بيده اليمنى على يده اليسرى سبع مرار ، ثم يغسل فرجه، فنسي مرة كم أفرغ، فسألني: كم أفرغت؟ فقلت: لا أدري، فقال: لا أم لك! وما يمنعك أن تدري؟ ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يفيض على جلده الماء، ثم يقول: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتطهر ] .

هذا الحديث ضعيف من أجل شعبة مولى ابن عباس ، وهو أبو عبد الله ويقال له: أبو يحيى ، وهو ضعيف لا حجة لما دل عليه من الغسل سبع مرار، كما أن في الثابت من الأحاديث الصحيحة أن الغسل ثلاث مرات لا سبعاً، فيغسل يده ثلاثاً، ثم يغسل شقه الأيمن ثلاثاً، ولا يغسل سبعاً.

ومن النكارة في الحديث قوله: فنسي كم مرة أفرغ، فسألني، يعني ابن عباس سأل مولاه شعبة . كم أفرغ، مرتين أو ثلاث أو أربع حتى يكمل سبعة، قال: فقلت: لا أدري، فقال: لا أم لك، وما يمنعك أن تدري، يعني لماذا لم تنتبه.

وهذا الحديث ضعيف، للعلة السابقة وقد قال ابن حبان عن شعبة هذا: يروي عن ابن عباس ما لا أصل له.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد قال: أخبرنا أيوب بن جابر عن عبد الله بن عصم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (كانت الصلاة خمسين والغسل من الجنابة سبع مرار، وغسل البول من الثوب سبع مرار، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل حتى جعلت الصلاة خمساً والغسل من الجنابة مرة، وغسل البول من الثوب مرة) ].

وهذا الحديث أيضاً ضعيف؛ لأن فيه ضعيفين: أيوب بن جابر وعبد الله بن عصم ، كلاهما ضعيف، فلا حجة فيه فيما دل عليه من غسل الجنابة سبع مرار، وغسل البول أيضاً سبع مرار، ومن النكارة في الحديث قوله: لم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه - يعني ليلة المعراج - حتى جعلت الصلاة خمساً، والغسل من الجنابة مرة، وغسل البول من الثوب مرة، فهذا مخالف للأحاديث الصحيحة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم سأل في ليلة المعراج تخفيف الصلاة، فحسب ولم يرد في الأحاديث الصحيحة ذكر غسل الجنابة ولا غسل البول، كما أن المحفوظ أنه عليه الصلاة والسلام لما اغتسل من الجنابة أفاض على جسده ثلاثاً، ولم يرد غسل البول وإنما يكون بغلبة الظن، أي: حتى يغلب على الظن أنه قد طهر.

ولو صح هذا الحديث فإنه منسوخ كما دل عليه آخر الحديث، أما الصلاة فإنها فرضت خمسين ثم نسخت إلى خمس قبل التمكن من الفعل، وبعض الأحناف ذكر أن النجاسة تغسل ثلاثاً، وجاء في الحديث أيضاً: أمرنا بغسل الأنجاس سبعاً لكنه حديث ضعيف، والصواب أنه ليس هناك تحديد، وقد ذكر بعضهم أن النجاسة ضربان: مرئية وغير مرئية، فما كان منها مرئية فطهارتها بأن تزول عينها فإذا زالت عينها ثم زادها غسلة بعد ذلك زالت النجاسة وبذلك تكون طاهرة، أما غير المرئية فطهارتها أن يغسلها حتى يغلب على ظنه أنها قد طهرت, أما هذا الحديث فهو ضعيف، وليس بحجة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا نصر بن علي قال: حدثني حارث بن وجيه قال: أخبرنا مالك بن دينار عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن تحت كل شعرة جنابة فاغسلوا الشعر وأنقوا البشر) .

قال أبو داود : الحارث بن وجيه حديثه منكر وهو ضعيف ].

وهذا الحديث أخرجه قد الترمذي وابن ماجة وهو ضعيف بل منكر كما قال المؤلف لضعف الحارث بن وجيه ، فلا حجة فيه، لقوله: إن تحت كل شعرة جنابة؛ لأنه يقتضي نقض القرون والضفائر خلافاً للجمهور وقد أخذ بهذا الحديث إبراهيم النخعي ، وقال إنه يجب نقض القرون والضفائر، والصواب أنه لا يجب، بل يكفيه إيصال الماء إلى أصول الشعر وإن لم ينقض شعره، كما هو قول عامة أهل العلم، وكما جاء في حديث أم سلمة بعد الباب، أنه لا يجب النقض، وإنما الواجب إدخال الماء إلى أصول الشعر ولو لم ينقض، وأما هذا الحديث: (إن تحت كل شعرة جنابة فاغسلوا الشعر وأنقوا البشر)، فهو ضعيف.




استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [25] 2606 استماع
شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [10] 2229 استماع
شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [20] 2119 استماع
شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [6] 1988 استماع
شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [7] 1965 استماع
شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [22] 1948 استماع
شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [4] 1887 استماع
شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [14] 1844 استماع
شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [9] 1778 استماع
شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [19] 1770 استماع