شرح كتاب الإيمان الأوسط لابن تيمية [3]


الحلقة مفرغة

أصل الإيمان في اللغة: التصديق والإقرار والمعرفة، وهو تصديق القلب وإقراره واعترافه.

وشرعاً: تصديق القلب، وإقرار اللسان، وعمل القلب والجوارح. فيشمل أربعة أشياء: تصديق القلب ويسمى قول القلب، وقول اللسان، وعمل القلب، وعمل الجوارح.

فقول القلب: هو التصديق والإقرار والمعرفة.

وقول اللسان: هو النطق، كالنطق بالشهادتين، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله، والذكر، وتلاوة القرآن.

وعمل القلب: كالنية والإخلاص والصدق والمحبة والتوكل والرغبة والرهبة.

وعمل الجوارح: كالصلاة والصيام والزكاة والحج.

ولهذا يقول العلماء: الإيمان قول باللسان، واعتقاد بالجنان -وهو القلب- وعمل بالأركان، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.

ومن عبارات السلف في هذا: الإيمان عمل ونية، أي: عمل القلب وعمل الجوارح، والنية التصديق والإقرار، ويدخل في العمل أيضاً قول اللسان. وبهذا ينفصل أهل السنة عن المرجئة بجميع طوائفهم وعن أهل البدع جميعاً.

والعلماء والسلف والأئمة من الصحابة والتابعين وأهل السنة قاطبة ومنهم الأئمة الأربعة يقررون أن الإيمان تصديق القلب، وإقرار اللسان ونطقه، وعمل القلب وعمل الجوارح، وقرروا أنه يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وبهذا انفصلوا عن جميع الطوائف، فانفصلوا عن الخوارج، والمعتزلة، والمرجئة، والشيعة، والكرامية، والجهمية وغيرهم، فالمرجئة الذين يرون أن الأعمال لا تدخل في مسمى الإيمان، من أعظم من خالف أهل السنة في مسمى الإيمان.

المرجئة أربع طوائف:

الطائفة الأولى: الجهمية، ومذهبهم في الإيمان أن الإيمان معرفة الرب بالقلب, والكفر: جهل الرب بالقلب.

والجهمية نسبة إلى جهم بن صفوان السمرقندي الراسبي الذي نشر مذهب الجهمية، وتعريفهم هذا أفسد ما قيل في تعريف الإيمان وأبطلها وأشدها كفراً وضلالاً وبعداً عن الحق.

وألزمهم العلماء على هذا التعريف أن إبليس مؤمن؛ لأنه عرف ربه بقلبه، قال الله عنه: قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [الحجر:36] وألزموهم بأن فرعون أكفر أهل الأرض مؤمن؛ لأن فرعون يعرف ربه بقلبه، قال الله تعالى عن فرعون وقومه: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا [النمل:14]، وقال الله عن موسى أنه قال لفرعون: لَقَدْ عَلِمْتَ [الإسراء:102] والعلم هو يقين القلب، لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ [الإسراء:102] فعلى هذا يكون فرعون مؤمناً على مذهب الجهم .

واليهود مؤمنون أيضاً على مذهب الجهم ؛ لأن اليهود يعرفون صدق النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة:146] .

و أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم الذي مات على الشرك، وأبى أن يقول لا إله إلا الله يكون مؤمناً على مذهب الجهم ؛ لأنه قال في قصيدته المعروفة:

ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية دينا

لولا الملامة أو حذار مسبة لوجدتني سمحاً بذاك مبيناً

بل إن العلماء ألزموا الجهم على قوله بأنه كافر بتعريفه هو؛ لأنه قال: الكفر هو الجهل بالرب، ولا أحد أجهل من الجهم بربه، فيكون كافراً بتعريفه هو.

و الجهم اشتهر بأربع عقائد خبيثة فاسدة:

الأولى: عقيدة الإرجاء، وهو أن الإيمان معرفة الرب بالقلب، والكفر جهل الرب بالقلب.

والثانية: عقيدة الجبر، وهو القول بأن العبد مجبور على أفعاله، وأن الأفعال هي أفعال الله، والإنسان وعاء للأفعال، فهو آلة يحركها الله، فالأفعال أفعال الله، فالله هو المصلي والصائم على مذهب الجهم , والعباد وعاء للأفعال كالكوز الذي يصب فيه الماء، فيقول: العباد كالكوز، والله كصباب الماء فيه، هذا مذهب مذهب الجهم في الجبر.

والعقيدة الثالثة: عقيدة نفي الأسماء والصفات عن الله عز وجل، حيث قال: ليس لله سمع ولا بصر ولا قدرة، وليس فوق العالم ولا تحت العالم، ولا مباين له ولا محايث له، ولا متصل به ولا منفصل عنه. وهو بهذا يصف ربه بالعدم، بل أشد من العدم.

العقيدة الرابعة: القول بفناء الجنة والنار.

الطائفة الثانية: الكرامية، ومذهبهم أن الإيمان هو النطق باللسان والإقرار به.

فإذا أقر الإنسان فشهد أن لا إله الله بلسانه فإنه يكون مؤمناً ولو كان مكذباً بقلبه.

وهذا يلي مذهب الجهم في الفساد, فيقولون: إن الإنسان إذا نطق بلسانه فهو مؤمن كامل الإيمان، وإن كان مكذباً بقلبه فهو مخلد في النار، فيجمعون بين الأمرين المتناقضين, فيقولون: إذا نطق المنافق بالشهادتين فهو مؤمن كامل الإيمان ومع ذلك يخلد في النار.

وعللوا ذلك فقالوا: مؤمن كامل الإيمان؛ لأنه نطق بلسانه، ويخلد في النار؛ لأنه كذب بقلبه.

الطائفة الثالثة: الماتريدية والأشاعرة, ويقولون: إن الإيمان تصديق القلب فقط, وأما نطق اللسان وعمل الجوارح فهما وإن كانا مطلوبين وجوباً إلا أنهما ليسا من الإيمان.

فهذا هو مذهب الماتريدية والأشعرية، ورواية عن الإمام أبي حنيفة اختارها بعض أصحابه.

الطائفة الرابعة من المرجئة: وهم مرجئة الفقهاء، وهم طائفة من أهل السنة، يقولون: إن الإيمان شيئان: تصديق القلب, وإقرار اللسان, أما أعمال الجوارح فليست من الإيمان، وهذه هي الرواية الثانية عن الإمام أبي حنيفة وعليها جمهور أصحابه، وهذه هي التي قررها الطحاوي في الطحاوية، حيث قال: والإيمان إقرار باللسان، وتصديق بالجنان فقط.

القول بأن الخلاف مع مرجئة الفقهاء لفظي

وأول من قال بالإرجاء: حماد بن أبي سليمان شيخ الإمام أبي حنيفة في الكوفة، قال: إن الأعمال ليست داخلة في مسمى الإيمان.

وهؤلاء طائفة من أهل السنة، يقولون: إن الأعمال مطلوبة، ولكن لا نسميها إيماناً، بل الإيمان شيئان فقط: الإقرار باللسان، والتصديق بالقلب، أما الأعمال: كالصلاة والصيام والزكاة والحج وغيرها فواجبة، لكن ليست إيماناً.

فالإنسان عليه واجبان: واجب الإيمان وواجب العمل، وهؤلاء طائفة من أهل السنة، ويقولون: إن خلافنا مع الجمهور خلاف لفظي لا يترتب عليه أي فساد في العقيدة؛ لأننا متفقون على أن الأعمال مطلوبة وواجبة، لكن الخلاف بيننا: هل هي إيمان أو ليست إيماناً؟

فنحن نقول: ليست من الإيمان، وأنتم تقولون: من الإيمان، ونحن متفقون على أنها واجبة ومطلوبة، وأن من أدى الواجبات أثابه الله، ومن ترك الواجبات فهو آثم متعرض للعقوبة، ويقام عليه الحد.

ويقولون: إن الأعمال التي سميت إيماناً إنما هي تسمية مجازية لا حقيقية، كما في قوله تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ [البقرة:143]، أي: صلاتكم إلى بيت المقدس، فسمى الصلاة إيماناً تسمية مجازية.

وكذلك الكفر عندهم هو الجحود فقط، أما الأعمال فإذا سميت كفراً فإنما هي تسمية مجازية، وهكذا.

قال بعض العلماء وبعض الذين شرحوا الطحاوية: إن الخلاف بين مرجئة الفقهاء وجمهور أهل السنة خلاف لفظي لا يترتب عليه فساد في العقيدة.

فالأئمة الثلاثة: مالك والشافعي وأحمد يرون أن الإيمان قول باللسان، وتصديق بالقلب، وعمل بالقلب، وعمل بالجوارح.

والإمام أبو حنيفة يرى أن الإيمان شيئان: إقرار باللسان، وتصديق بالقلب، أما عمل الجوارح فهو واجب آخر، ونحن متفقون على أن الأعمال مطلوبة، والخلاف بيننا وبينهم التسمية فقط.

يترتب على قول مرجئة الفقهاء فتح الباب للفساق والعصاة

في الواقع أن الخلاف ليس لفظياً من جميع الوجوه, فالخلاف بين جمهور أهل السنة ومرجئة الفقهاء وإن كان لا يترتب عليه فساد في العقيدة إلا أن له ثمرات وآثاراً تترتب عليه، ولهذا قال بعض العلماء: إن بدعتهم -وإن كانت في اللفظ بدعة المرجئة- أشد من فتنة الأزارقة، وهم الخوارج.

فمن الآثار التي ترتبت على خلاف مرجئة الفقهاء وإن كانوا طائفة من أهل السنة أنهم فتحوا باباً للفساق والعصاة، فمرجئة الفقهاء يقولون: إيمان أهل السماء وأهل الأرض واحد, وإيمان الفاسق والعاصي واحد هو التصديق، فكل منهم مصدق، ولكن التفاوت بينهم في الأعمال والتقوى.

فلما قالوا هذا القول فتحوا باباً للفساق والعصاة, فيأتي السكير, ويقول: أنا مؤمن كامل الإيمان، وإيماني كإيمان جبريل وميكائيل، وكإيمان أبي بكر وعمر , فإذا قيل له: كيف ذلك؟

قال: أنا مصدق، وأبو بكر مصدق وعمر مصدق.

فإذا قيل له: أبو بكر وعمر لهم أعمال عظيمة.

قال: الأعمال غير الإيمان، ونحن متفقون في الإيمان, فإيماني كإيمان أبي بكر وعمر .

وهذا باطل, فإن إيمان أبي بكر وعمر لو وزن بإيمان أهل الأرض لرجح, فكيف تقول أيها السكير: إن إيماني كإيمان أبي بكر وعمر , والذي فتح الباب لمثل هؤلاء هم مرجئة الفقهاء عندما قالوا: إن الأعمال غير داخلة في مسمى الإيمان.

يترتب على قول مرجئة الفقهاء فتح الباب للمرجئة المحضة

الأمر الثاني من الآثار التي تترتب على خلاف مرجئة الفقهاء مع جمهور أهل السنة فتح الباب للمرجئة المحضة وهم الجهمية، فلما قال مرجئة الفقهاء: إن الأعمال غير داخلة في مسمى الإيمان وهي مطلوبة، دخل المرجئة المحضة وقالوا: الأعمال ليست من الإيمان، وليست مطلوبة, فالمرجئة المحضة يقولون: إذا عرف الإنسان ربه بقلبه وصدق فلا يضره أي كبيرة يعملها، فلا ينفع مع الكفر طاعة كما لا يضر مع الإيمان معصية، ولهذا يقولون: إذا صدق أحد فهو مؤمن كامل الإيمان ويدخل الجنة من أول وهلة، حتى ولو فعل بعض المكفرات عندهم فلا يؤثر عليه مادام يعرف ربه بقلبه، فلو سب الله والرسول وهو يعرف ربه بقلبه ما تأثر إيمانه، ولو قتل النبي وداس المصحف بقدميه فلا يكون كافراً.

فهذه من الآثار التي ترتبت على الخلاف بين مرجئة الفقهاء وجمهور أهل السنة.

منع مرجئة الفقهاء الاستثناء في الإيمان

المسألة الثالثة: مسألة الاستثناء في الإيمان، وهو قول الإنسان: أنا مؤمن إن شاء الله، ومرجئة الفقهاء يمنعون الاستثناء في الإيمان، ويقولون: الاستثناء شك في الإيمان، ولا يجوز شك الشخص في إيمانه، بل لا بد أن يعلم أنه مصدق كما يعلم أنه قرأ الفاتحة، وكما يعلم أنه يحب الرسول عليه الصلاة والسلام، وأنه يبغض اليهود، ولهذا من قال: أنا مؤمن إن شاء الله، قالوا: هذا شاك في إيمانه، ويسمونه من أهل السنة الشكاكة.

أما جمهور أهل السنة فإنهم أجازوا الاستثناء باعتبار ومنعوه باعتبار، فقالوا: إن قصد الشك في أصل الإيمان والتصديق فهذا ممنوع، وإن أراد بقوله: أنا مؤمن إن شاء الله أن شرائع الإيمان والواجبات كثيرة ولا يجزم الإنسان أنه أدى ما عليه ولا يزكي نفسه، جاز له أن يستثني فيقول: أنا مؤمن إن شاء الله.

وكذلك إذا أراد عدم علمه بالعاقبة فله أن يستثني ويقول: أنا مؤمن إن شاء الله، وكذلك إذا أراد التبرك بذكر اسم الله فله أن يستثني.

ولقد انتشر في هذه الآونة مذهب الإرجاء وصار فيه كلام كثير، وأخذ ورد في الشبكة المعلوماتية، والكتابات والصحف والرسائل، واختلط الحابل بالنابل على كثير من الناس، فلا يفرقون بين الحق والباطل إلا من عصم الله، فكل من قال: إن الأعمال غير داخلة في مسمى الإيمان فهو من المرجئة, سواء قال إنه شرط كمال أو شرط صحة أو غير ذلك، فإن الشرط خارج عن المشروط، وعليه لا يقال شرط ولا غيره، وإنما الأعمال جزء من الإيمان ركن فيه.

وأول من قال بالإرجاء: حماد بن أبي سليمان شيخ الإمام أبي حنيفة في الكوفة، قال: إن الأعمال ليست داخلة في مسمى الإيمان.

وهؤلاء طائفة من أهل السنة، يقولون: إن الأعمال مطلوبة، ولكن لا نسميها إيماناً، بل الإيمان شيئان فقط: الإقرار باللسان، والتصديق بالقلب، أما الأعمال: كالصلاة والصيام والزكاة والحج وغيرها فواجبة، لكن ليست إيماناً.

فالإنسان عليه واجبان: واجب الإيمان وواجب العمل، وهؤلاء طائفة من أهل السنة، ويقولون: إن خلافنا مع الجمهور خلاف لفظي لا يترتب عليه أي فساد في العقيدة؛ لأننا متفقون على أن الأعمال مطلوبة وواجبة، لكن الخلاف بيننا: هل هي إيمان أو ليست إيماناً؟

فنحن نقول: ليست من الإيمان، وأنتم تقولون: من الإيمان، ونحن متفقون على أنها واجبة ومطلوبة، وأن من أدى الواجبات أثابه الله، ومن ترك الواجبات فهو آثم متعرض للعقوبة، ويقام عليه الحد.

ويقولون: إن الأعمال التي سميت إيماناً إنما هي تسمية مجازية لا حقيقية، كما في قوله تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ [البقرة:143]، أي: صلاتكم إلى بيت المقدس، فسمى الصلاة إيماناً تسمية مجازية.

وكذلك الكفر عندهم هو الجحود فقط، أما الأعمال فإذا سميت كفراً فإنما هي تسمية مجازية، وهكذا.

قال بعض العلماء وبعض الذين شرحوا الطحاوية: إن الخلاف بين مرجئة الفقهاء وجمهور أهل السنة خلاف لفظي لا يترتب عليه فساد في العقيدة.

فالأئمة الثلاثة: مالك والشافعي وأحمد يرون أن الإيمان قول باللسان، وتصديق بالقلب، وعمل بالقلب، وعمل بالجوارح.

والإمام أبو حنيفة يرى أن الإيمان شيئان: إقرار باللسان، وتصديق بالقلب، أما عمل الجوارح فهو واجب آخر، ونحن متفقون على أن الأعمال مطلوبة، والخلاف بيننا وبينهم التسمية فقط.

في الواقع أن الخلاف ليس لفظياً من جميع الوجوه, فالخلاف بين جمهور أهل السنة ومرجئة الفقهاء وإن كان لا يترتب عليه فساد في العقيدة إلا أن له ثمرات وآثاراً تترتب عليه، ولهذا قال بعض العلماء: إن بدعتهم -وإن كانت في اللفظ بدعة المرجئة- أشد من فتنة الأزارقة، وهم الخوارج.

فمن الآثار التي ترتبت على خلاف مرجئة الفقهاء وإن كانوا طائفة من أهل السنة أنهم فتحوا باباً للفساق والعصاة، فمرجئة الفقهاء يقولون: إيمان أهل السماء وأهل الأرض واحد, وإيمان الفاسق والعاصي واحد هو التصديق، فكل منهم مصدق، ولكن التفاوت بينهم في الأعمال والتقوى.

فلما قالوا هذا القول فتحوا باباً للفساق والعصاة, فيأتي السكير, ويقول: أنا مؤمن كامل الإيمان، وإيماني كإيمان جبريل وميكائيل، وكإيمان أبي بكر وعمر , فإذا قيل له: كيف ذلك؟

قال: أنا مصدق، وأبو بكر مصدق وعمر مصدق.

فإذا قيل له: أبو بكر وعمر لهم أعمال عظيمة.

قال: الأعمال غير الإيمان، ونحن متفقون في الإيمان, فإيماني كإيمان أبي بكر وعمر .

وهذا باطل, فإن إيمان أبي بكر وعمر لو وزن بإيمان أهل الأرض لرجح, فكيف تقول أيها السكير: إن إيماني كإيمان أبي بكر وعمر , والذي فتح الباب لمثل هؤلاء هم مرجئة الفقهاء عندما قالوا: إن الأعمال غير داخلة في مسمى الإيمان.

الأمر الثاني من الآثار التي تترتب على خلاف مرجئة الفقهاء مع جمهور أهل السنة فتح الباب للمرجئة المحضة وهم الجهمية، فلما قال مرجئة الفقهاء: إن الأعمال غير داخلة في مسمى الإيمان وهي مطلوبة، دخل المرجئة المحضة وقالوا: الأعمال ليست من الإيمان، وليست مطلوبة, فالمرجئة المحضة يقولون: إذا عرف الإنسان ربه بقلبه وصدق فلا يضره أي كبيرة يعملها، فلا ينفع مع الكفر طاعة كما لا يضر مع الإيمان معصية، ولهذا يقولون: إذا صدق أحد فهو مؤمن كامل الإيمان ويدخل الجنة من أول وهلة، حتى ولو فعل بعض المكفرات عندهم فلا يؤثر عليه مادام يعرف ربه بقلبه، فلو سب الله والرسول وهو يعرف ربه بقلبه ما تأثر إيمانه، ولو قتل النبي وداس المصحف بقدميه فلا يكون كافراً.

فهذه من الآثار التي ترتبت على الخلاف بين مرجئة الفقهاء وجمهور أهل السنة.