نظرة في أحاديث الفتن


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى أصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

هذه ليلة الإثنين الموافق الثاني عشر من شهر ربيع الأول لعام (1411هـ) للهجرة، وهذا هو الدرس الحادي والعشرون من سلسلة الدروس العلمية العامة، موضوع الدرس في هذه الليلة هو "نظرة في أحاديث الفتن".

أيها الإخوة: إن وموضوع هذه الليلة في غاية الأهمية:

وسوف أتناوله في عدة نقاط، أولها: ما هي الفتن؟

وما هو المقصود بها؟

معنى الفتنة في اللغة

فأقول: الفتن مأخوذة من فَتَنَ الذهب، إذا وضعه في النار وأوقد عليه حتى يتميز الذهب الصحيح من الذهب المغشوش، هذا أصل الفتن.

وللفتن في القرآن الكريم والسنة النبوية معانٍ منها:

العذاب، فيقال: الفتنة بمعنى العذاب، كما في قوله تعالى: يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ * ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ [الذاريات:13-14] ذوقوا فتنتكم: أي: ذوقوا عذابكم.

ومن معاني الفتنة أيضاً: صرف الإنسان عن دينه، سواء كان هذا الصرف بالقوة والشدة والبطش، أو كان بالشبهات والشهوات والترغيب ونحوها، وهذا كثير في القرآن الكريم، كما في قوله تعالى: وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ [البقرة:217] وكما في قوله: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا [البروج:10] وكما في قوله: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا [النساء:101] وكما في قوله عز وجل: فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَأِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ [يونس:83] أي: يصرفهم عن دينهم وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ [الإسراء:73] يعني يصرفونك عنه إلى غيره وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ [المائدة:49] أي: يصرفونك عن الدين والقرآن والوحي إلى شئ آخر غيره.

ومن معاني الفتنة: الزيغ والضلال والانحراف، سواء كان ذلك بالكفر والشرك أو بالمعصية مما دون الكفر والشرك، كما في قوله عز وجل: وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ [الحديد:14] فتنتم أنفسكم أي: أضللتموها، وكما في قوله: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ [آل عمران:7] وابتغاء الضلال، ابتغاء الانحراف، وكما في قوله: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ [النور:63] أي: زيغ فيهلكون، كما قال الإمام أحمد: لعله إن رد بعض قوله -أي: قول النبي صلى الله عليه وسلم- أن يقع في قلبه شئ من الزيغ فيهلك.

وأخيراً: فإن من معاني الفتنة الابتلاء، والاختبار، والامتحان، كما في قوله عز وجل: وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [العنكبوت:3] ولقد فتنا الذين من قبلهم، أي: اختبرناهم وبلوناهم وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ [الأنعام:53] أي: ابتلينا بعضهم ببعض.

معناها في الاصطلاح

فكل هذا من معاني الفتنة، ومعناها في الاصطلاح غالباً: أن الفتنة تطلق على ما يقع في الأمة، ويعرض لها من آثار الشهوات والشبهات من الخلاف والقتال، فكل خلاف بين الأمة أو قتال، هو إما بسبب شهوة، أي أن الإنسان يتسلط يريد العلو في الأرض ويريد الفساد، أو بسبب شبهة عرضت له فرأى فيها الحق باطلاً أو رأى الباطل حقاً، فيقع نتيجة ذلك اختلاف وتنازع وتطاحن، هذا الخلاف والتنازع والتطاحن والقتال يسمى: فتنة.

فأقول: الفتن مأخوذة من فَتَنَ الذهب، إذا وضعه في النار وأوقد عليه حتى يتميز الذهب الصحيح من الذهب المغشوش، هذا أصل الفتن.

وللفتن في القرآن الكريم والسنة النبوية معانٍ منها:

العذاب، فيقال: الفتنة بمعنى العذاب، كما في قوله تعالى: يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ * ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ [الذاريات:13-14] ذوقوا فتنتكم: أي: ذوقوا عذابكم.

ومن معاني الفتنة أيضاً: صرف الإنسان عن دينه، سواء كان هذا الصرف بالقوة والشدة والبطش، أو كان بالشبهات والشهوات والترغيب ونحوها، وهذا كثير في القرآن الكريم، كما في قوله تعالى: وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ [البقرة:217] وكما في قوله: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا [البروج:10] وكما في قوله: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا [النساء:101] وكما في قوله عز وجل: فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَأِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ [يونس:83] أي: يصرفهم عن دينهم وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ [الإسراء:73] يعني يصرفونك عنه إلى غيره وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ [المائدة:49] أي: يصرفونك عن الدين والقرآن والوحي إلى شئ آخر غيره.

ومن معاني الفتنة: الزيغ والضلال والانحراف، سواء كان ذلك بالكفر والشرك أو بالمعصية مما دون الكفر والشرك، كما في قوله عز وجل: وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ [الحديد:14] فتنتم أنفسكم أي: أضللتموها، وكما في قوله: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ [آل عمران:7] وابتغاء الضلال، ابتغاء الانحراف، وكما في قوله: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ [النور:63] أي: زيغ فيهلكون، كما قال الإمام أحمد: لعله إن رد بعض قوله -أي: قول النبي صلى الله عليه وسلم- أن يقع في قلبه شئ من الزيغ فيهلك.

وأخيراً: فإن من معاني الفتنة الابتلاء، والاختبار، والامتحان، كما في قوله عز وجل: وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [العنكبوت:3] ولقد فتنا الذين من قبلهم، أي: اختبرناهم وبلوناهم وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ [الأنعام:53] أي: ابتلينا بعضهم ببعض.

فكل هذا من معاني الفتنة، ومعناها في الاصطلاح غالباً: أن الفتنة تطلق على ما يقع في الأمة، ويعرض لها من آثار الشهوات والشبهات من الخلاف والقتال، فكل خلاف بين الأمة أو قتال، هو إما بسبب شهوة، أي أن الإنسان يتسلط يريد العلو في الأرض ويريد الفساد، أو بسبب شبهة عرضت له فرأى فيها الحق باطلاً أو رأى الباطل حقاً، فيقع نتيجة ذلك اختلاف وتنازع وتطاحن، هذا الخلاف والتنازع والتطاحن والقتال يسمى: فتنة.

النقطة الثانية: اهتمام العلماء بأحاديث الفتن، فالعلماء وعلى رأسهم الصحابة رضي الله عنهم، قد اهتموا بأحاديث الفتن اهتماماً كبيراً وإن لم تشغلهم عن ما هو أهم منها كما سيأتي، لكن من اهتمام الصحابة رضي الله عنهم بأحاديث الفتن، ما رواه الشيخان عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال: {كان الناس يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني}.

عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه      ومن لا يعرف الشر من الخير يقع فيه

فحذيفة رضي الله عنه عرف الشر لا للشر لكن ليتقيه ويحذر منه، ولذلك كان حذيفة أمين سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، والخبير بالمنافقين، وأحوالهم، وأسمائهم، وأوصافهم، وكذلك كان العالم بالفتن، ولذلك جاء في الصحيحين أيضاً: { أن عمر بن الخطاب قال يوماً لبعض الصحابة: أيكم يذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة، فقال حذيفة رضي الله عنه: أنا أحفظه! قال: إنك عليها لجريء تعالَ اذكر لنا! فقال حذيفة رضي الله عنه: فتنة الرجل في أهله، وماله، تكفرها الصلاة، والصوم، والحج، والصدقة، فقال عمر رضي الله عنه: ليس عن هذا أسألك، إنما أسألك عن الفتنة التي تموج كموج البحر، فقال: مالك ومالها يا أمير المؤمنين إن بينك وبينها باباً مغلقاً، أنت عنه بعيد، فقال له عمر: رضي الله عنه أيفتح هذا الباب المغلق أم يكسر؟

قال حذيفة: بل يكسر، قال: هذا حري ألا يغلق أبداً } قال بعض الرواة: [[فهبنا أن نسأل حذيفة من الباب، فأمرنا مسروقمسروق هو أحد التابعين، وهو ابن الأجدع- فجاء إلى حذيفة وسأله: قال له من الباب؟ قال: عمر رضي الله عنه، هذا هو الباب الذي يحول دون الفتن فقتله هو كسر الباب، فقال: هل كان عمر يدري أنه هو الباب؟

قال: نعم يدرى، إني حدثته حديثاً ليس بالأغاليط ]]، أي أخبرته بهذا، وأخبرته أنه هو الباب الذي يحول بين الأمة وبين الفتن.

إذاً: الصحابة رضي الله عنهم كان من بينهم من يهتم بأخبار الفتن وأحوالها، ويتتبعها ويسأل عنها ليحذرها ويحذر الناس منها، ثم جاء بعد ذلك العلماء فصنفوا الكتب، كما فعل البخاري، ومسلم، وأبو داود، الترمذي، والنسائي، وابن ماجة وغيرهم، فكانوا إذا ألفوا وجمعوا أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم قالوا: كتاب الفتن، أو كتاب الملاحم وأشراط الساعة، ثم يذكرون بعض أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الواردة في الفتن.

ثم جاء علماء آخرون فألفوا وصنفوا كتباً خاصة، حول أحاديث الفتن، وقد صنف في أحاديث الفتن جماعة كثيرة من أهل العلم، منهم: نعيم بن حماد، له كتاب مخطوط اسمه "الفتن والملاحمb/" ومنهم: حنبل بن إسحاق الشيباني، له كتاب اسمه "الفتن" وهو مخطوط أيضاً، ولا أدري أهو موجود أيضاً أم لا.

ومنهم أيضاً: أبو عمرو الداني، الذي صنف كتاباً أسماه "السنن الواردة في الفتن" وهو مخطوط.

ومنهم أبو الغنائم الكوفي، صنف كتابا أسماه "الفتن".

ومنهم الحافظ ابن كثير، له كتاب "النهاية في الفتن والملاحم" وقد يسميه بعض الناس (الفتن والملاحم) ومن هؤلاء كتاب "الملاحم" لـأبي الحسن بن المنادى، وهناك الكتب الواردة في أشراط الساعة، مثل: "الإذاعة فيما كان وما يكون بين يدي الساعة" لـصديق حسن خان، وكتاب "الإشاعة لأشراط الساعة" للـبرزنجي، وهناك كتب خاصة في أنواع معينة من الفتن.

فمثلاً: الدجال، هناك كتب خاصة في أحاديث الدجال، ككتاب "التصريح لما تواتر في نـزول المسيح"، وهناك أحاديث في عيسى بن مريم، وهناك كتب خاصة في المهدي قديمة وجديدة، هذه الكتب من كتب الملاحم ويذكرون فيها كثيراً من كتب الفتن، ومن الكتب المعاصرة وهى كثيرة كتاب "إتحاف الجماعة" وهو كتاب ضخم جامع للشيخ عبد الله بن حمود التويجري، "إتحاف الجماعة في أحاديث الفتن وأشراط الساعة" وهو كتاب ضخم جامع حاشد، جمع فيه كثيراً من الأحاديث الواردة في ذلك، وهناك كتاب جديد اسمه "مجموعة أخبار في الزمان وأشراط الساعة" للشيخ عبد الله بن سليمان المشعلي، من علماء هذا البلد، وهناك كتاب "أشراط الساعة" لـيوسف الوابل وهو رسالة ماجستير في جامعة أم القرى، قسم العقيدة في كلية الشريعة عام (1404هـ) إلى كتب كثيرة جداً في الفتن والملاحم وأحاديثها.

النقطة الثالثة: أماكن الفتن:

وتقل وتكثر؛ فليس هناك مكان في الدنيا معصوم من الفتن كلها، فقد يعصم مكان ما من بعض الفتن، كما ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه ذكر مثلاً { أن الدجال لا يدخل مكة ولا المدينة، فعلى كل بلد منهما وأنقابهما ملائكة يحرسونهما، لكن يتزلزل البلد ويرجف ثلاث رجفات، فيخرج إلى الدجال كل منافق ومنافقة} فهذه البلاد معصومة من الدجال، لكنها ليست معصومة من الفتن الأخرى، فالفتن كثيرة.

بلاد المشرق من أماكن الفتن

ومن أهم أماكن الفتن التي تكثر الفتن فيها وتخرج الفتن منها، بلاد المشرق، وقد ثبت في هذا أحاديث من أشهرها وأصحها ما رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول وهو مستقبل المشرق -جهة المشرق بالنسبة للمدينة المنورة- يقول: {ألا إن الفتنة هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان، ويشير النبي صلى الله عليه وسلم إلى جهة المشرق} والمقصود بالمشرق بادية العراق ونواحيها وما وراءها أيضاً، حتى إن بلاد فارس تدخل في ذلك؛ ولذلك كان المتقدمون يسمونها "عراق العجم" باعتبار أنها مرتبطة بها ومتصلة.

وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم سمى تلك البلاد (نجد) بلاد المشرق، وهى بادية العراق وما حولها، سماها النبي صلى الله عليه وسلم (نجداً) وذلك لارتفاعها، والنجد هو: كل ما علا وارتفع، تقول: أنجد فلان -أي: ارتفع- وكذلك أتهم: أي دخل في تهامة، وهكذا، فالنجد هو: المرتفع، وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم بلاد العراق (نجد)، كما في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما الذي رواه البخاري، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا، قالوا: وفي نجدنا يا رسول الله؟ قال: اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا، قالوا: وفي نجدنا يا رسول الله؟ قال في الثانية أو في الثالثة: هناك الزلازل والفتن حيث يطلع قرن الشيطان } قال الإمام الخطابي رحمه الله: نجد من جهة المشرق، ومن كان بـالمدينة نجدة بادية العراق ونواحيها فصرح الإمام الخطابي بأن المقصود بـنجد: جهة المشرق، وهى بادية العراق ونواحيها.

أماكن الفتن عبر التأريخ

وهذا هو الذي حدث، فإنك لو قرأت التأريخ لوجدت كثيراً من الفتن التي ألمت بالمسلمين خرجت من العراق، خذ على سبيل المثال الفتن الاعتقادية، التي عصفت بالأمة ومزقت وحدتها وخربت عقول الناس، من أين خرجت؟

خرجت من الكوفة والبصرة وما حولهما.

فمثلاً: الرافضة نشأتهم في العراق، وكان لهم فيها هيمنة وسيطرة وعلو وفساد في أزمنة كثيرة وإلى يومنا هذا، وهم يشكلون كثرة فيها.

وكذلك المعتزلة الذين ألَّهُوا العقل وحكَّموه وعبثوا بالنصوص وخربوا عقول الأمة، وعبثوا بها أيضاً، خرجوا من البصرة وما حولها.

وكذلك الخوارج أين كان ظهورهم وانتشارهم؟

من العراق، ولذلك لما جاءت المرأة إلى عائشة رضي الله عنها، وقالت: [[ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ قالت لها عائشة: أحرورية أنت؟]] أي: من أهل الحرورة، وحرورة بلد في العراق نشأ فيها الخوارج وتغلبوا عليهم وانتشروا فيما حولها.

إذاً الخوارج والرافضة والمعتزلة وغيرهم من الفرق الضالة إنما خرجت من العراق وانتشرت منه إلى أنحاء بلاد الإسلام، وهؤلاء أصحاب الفتن الاعتقادية كان لهم -باستثناء المعتزلة- كان لهم وجود عسكري وقوة، فكانوا يقاتلون، مثل الخوارج، أقلقوا الخلافة الإسلامية زماناً طويلاً، وكان لهم دول في بلاد المغرب وما حولها، وأزعجوا المسلمين أيما إزعاج، وكانوا أهل بأس ونجدة وشدة وقوة، وتأريخهم معروف:

أقول لها وقد طارت شعاعاً      من الأبطال ويحك لن تراعِ

فإنك لو سألت بقاء يوم     على الأجل الذي لك لن تطاعِ

فصبراً في مجال الموت صبراً      فما نيل الخلود بمستطاع

ويقول آخر منهم:

فيا رب إن حانت وفاتي فلا تكن     على شرجع يعلى بخضر المطارف

ولكن أَحِنْ يومي سعيداً بعصبة     يصابون في فج من الأرض خائف

عصائب من شيبان ألف بينهم     تقى الله زالون عند التزاحف

إذا فارقوا دنياهم فارقوا الأذى     وصاروا إلى موعود ما في المصاحف

فـالخوارج كانوا أهل قوة وشجاعة وبأس ونجدة، وكان ظهورهم من العراق، وأقلقوا راحة المسلمين إقلاقاً عظيماً، فكلما تجمع عشرة منهم قاموا بثورة ضد الخلافة وحاربوا الجيوش؛ وقد ينتصرون على أضعافهم بما تميزوا به من القوة والشدة، وهذا معروف شأنهم.

فتنة قتل الحسين

إضافة إلى أنه خرج من جهة العراق أو انساح إلى بلاد الإسلام من جهة العراق فتن كثيرة، لعل من أولها قضية الحسين رضي الله عنه ورحمه الله، فإن أهل العراق كاتبوا الحسين أن يخرج إليهم وكتبوا إليه الرسائل، قالوا له: تعال، فعندنا القوة والنجدة والبأس والشجاعة، نحن مستعدون أن نحميك ونقاتل دونك، فقال له عبد الله بن عمر: دع هؤلاء لا تذهب إليهم، يا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا تخرج إلى هؤلاء، فأصر أن يخرج، فلما رآه عبد الله بن عمر مصراً خرج معه إلى أطراف المدينة ثم ضمه إليه وبكى وقال: أستودعك الله من قتيل.

وهكذا كان، فإن أهل العراق لما جاءهم الحسين رضي الله عنه تخلوا عنه، وخذلوه في كربلاء حتى قتل شهيداً رضي الله عنه، وتحقق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم حين نام مرة ثم استيقظ وهو يبكي، فقالت له أم سلمة: يا رسول الله! ما يبكيك؟ قال: {أُريت مقتل ابني هذا -وكان عنده فأشار إليه- وأوتيت بتربة من تربته حمراء}.

أترجو أمة قتلت حسيناً     شفاعة جده يوم الحساب

فقتلوا حسيناً رضي الله عنه، والغريب في الأمر أنهم بعد ما قتلوه صاروا يقيمون المآتم في مثل ذلك اليوم حزناً على قتله، ويضربون وجوههم وجنوبهم وظهورهم، هذا ما فعلتم بأنفسكم المهم أنهم تسببوا في قتل الحسين رضي الله عنه، وتخلوا عنه وخذلوه أيما خذلان.

ولذلك لما جاءوا إلى عبد الله بن عمر رضي الله عنه يسألونه عن قتل المحرم للبعوضة؟ قال: قاتلكم الله يا أهل العراق، ما أجرأكم على الكبيرة وأسألكم عن الصغيرة، تقتلون ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتسألون عن البعوضة! الذي قتل الحسين لا يحتاج أن يسأل عن البعوضة.

خروج هولاكو من جهة الشرق

بلاد المشرق هي من مواطن الفتن، وقد ظهر منها مثل هذه الفتنة كما ظهرت فتن عظيمة، مثلاً: هولاكو جاء من جهة المشرق ومن تلك البوادي، وكانوا قوماً متوحشين، فانساحوا إلى بلاد الإسلام، وهتكوا الأعراض، وأتوا على الحرث والنسل، والأخضر واليابس، وأسقطوا دولة الخلافة، وعاثوا في الأرض فساداً وكانوا من أعظم الفتن التي مرت بالمسلمين.

الحرب بين العراق وإيران وحرب الخليج

ومن فتنهم المتأخرة تلك الحرب التي دمرت الأخضر واليابس، القتال بين العراق وإيران والتي استمرت ثمان سنوات وذهب من قتلاها مئات الألوف، فضلاً عن الأموال الكثيرة التي ذهبت بسببها، فهذا يدل على ما جبل عليه أهل تلك البلاد من البطش، والشدة، والعنف، والحب للحروب، وإثارة الفتن.

وكذلك هذه الفتنة التي يعيشها المسلمون اليوم فإنها جاءت من قبل تلك البلاد.

فما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم واقع لا محالة، وأقل البلاد فتناً وأكثرها اطمئناناً وأبعدها عن القتل والقتال وسفك الدماء، تلك المواطن التي أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنها من مواطن الإسلام، وذلك كـبلاد الشام وبلاد اليمن والجزيرة العربية بشكل عام وخاصة أرض الحجاز، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن هذه المواطن أنها من الأماكن التي يفيء إليها الإسلام ويرجع إليها، وحين تتحقق الغربة يكون الإسلام في مجمله ومعظمه في تلك البلاد، وهذه ليست قاعدة مطردة، فقد يكون بلد من هذه البلاد يوماً من الأيام تغلب عليه أهل الشر والفساد، وحكموه كما حكمت النصيرية والشيوعية، وكما حكمت أديان وملل ومذاهب، لكن العبرة بالغالب، فلا يشكل على الإنسان أمام حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوجد وقت من الأوقات حكم فيه بعض هذه البلاد قوم غير مؤمنين، أو حكمت بغير ما أنـزل الله عز وجل، فالعبرة بغالب الأحوال.

ومن أهم أماكن الفتن التي تكثر الفتن فيها وتخرج الفتن منها، بلاد المشرق، وقد ثبت في هذا أحاديث من أشهرها وأصحها ما رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول وهو مستقبل المشرق -جهة المشرق بالنسبة للمدينة المنورة- يقول: {ألا إن الفتنة هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان، ويشير النبي صلى الله عليه وسلم إلى جهة المشرق} والمقصود بالمشرق بادية العراق ونواحيها وما وراءها أيضاً، حتى إن بلاد فارس تدخل في ذلك؛ ولذلك كان المتقدمون يسمونها "عراق العجم" باعتبار أنها مرتبطة بها ومتصلة.

وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم سمى تلك البلاد (نجد) بلاد المشرق، وهى بادية العراق وما حولها، سماها النبي صلى الله عليه وسلم (نجداً) وذلك لارتفاعها، والنجد هو: كل ما علا وارتفع، تقول: أنجد فلان -أي: ارتفع- وكذلك أتهم: أي دخل في تهامة، وهكذا، فالنجد هو: المرتفع، وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم بلاد العراق (نجد)، كما في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما الذي رواه البخاري، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا، قالوا: وفي نجدنا يا رسول الله؟ قال: اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا، قالوا: وفي نجدنا يا رسول الله؟ قال في الثانية أو في الثالثة: هناك الزلازل والفتن حيث يطلع قرن الشيطان } قال الإمام الخطابي رحمه الله: نجد من جهة المشرق، ومن كان بـالمدينة نجدة بادية العراق ونواحيها فصرح الإمام الخطابي بأن المقصود بـنجد: جهة المشرق، وهى بادية العراق ونواحيها.

وهذا هو الذي حدث، فإنك لو قرأت التأريخ لوجدت كثيراً من الفتن التي ألمت بالمسلمين خرجت من العراق، خذ على سبيل المثال الفتن الاعتقادية، التي عصفت بالأمة ومزقت وحدتها وخربت عقول الناس، من أين خرجت؟

خرجت من الكوفة والبصرة وما حولهما.

فمثلاً: الرافضة نشأتهم في العراق، وكان لهم فيها هيمنة وسيطرة وعلو وفساد في أزمنة كثيرة وإلى يومنا هذا، وهم يشكلون كثرة فيها.

وكذلك المعتزلة الذين ألَّهُوا العقل وحكَّموه وعبثوا بالنصوص وخربوا عقول الأمة، وعبثوا بها أيضاً، خرجوا من البصرة وما حولها.

وكذلك الخوارج أين كان ظهورهم وانتشارهم؟

من العراق، ولذلك لما جاءت المرأة إلى عائشة رضي الله عنها، وقالت: [[ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ قالت لها عائشة: أحرورية أنت؟]] أي: من أهل الحرورة، وحرورة بلد في العراق نشأ فيها الخوارج وتغلبوا عليهم وانتشروا فيما حولها.

إذاً الخوارج والرافضة والمعتزلة وغيرهم من الفرق الضالة إنما خرجت من العراق وانتشرت منه إلى أنحاء بلاد الإسلام، وهؤلاء أصحاب الفتن الاعتقادية كان لهم -باستثناء المعتزلة- كان لهم وجود عسكري وقوة، فكانوا يقاتلون، مثل الخوارج، أقلقوا الخلافة الإسلامية زماناً طويلاً، وكان لهم دول في بلاد المغرب وما حولها، وأزعجوا المسلمين أيما إزعاج، وكانوا أهل بأس ونجدة وشدة وقوة، وتأريخهم معروف:

أقول لها وقد طارت شعاعاً      من الأبطال ويحك لن تراعِ

فإنك لو سألت بقاء يوم     على الأجل الذي لك لن تطاعِ

فصبراً في مجال الموت صبراً      فما نيل الخلود بمستطاع

ويقول آخر منهم:

فيا رب إن حانت وفاتي فلا تكن     على شرجع يعلى بخضر المطارف

ولكن أَحِنْ يومي سعيداً بعصبة     يصابون في فج من الأرض خائف

عصائب من شيبان ألف بينهم     تقى الله زالون عند التزاحف

إذا فارقوا دنياهم فارقوا الأذى     وصاروا إلى موعود ما في المصاحف

فـالخوارج كانوا أهل قوة وشجاعة وبأس ونجدة، وكان ظهورهم من العراق، وأقلقوا راحة المسلمين إقلاقاً عظيماً، فكلما تجمع عشرة منهم قاموا بثورة ضد الخلافة وحاربوا الجيوش؛ وقد ينتصرون على أضعافهم بما تميزوا به من القوة والشدة، وهذا معروف شأنهم.

إضافة إلى أنه خرج من جهة العراق أو انساح إلى بلاد الإسلام من جهة العراق فتن كثيرة، لعل من أولها قضية الحسين رضي الله عنه ورحمه الله، فإن أهل العراق كاتبوا الحسين أن يخرج إليهم وكتبوا إليه الرسائل، قالوا له: تعال، فعندنا القوة والنجدة والبأس والشجاعة، نحن مستعدون أن نحميك ونقاتل دونك، فقال له عبد الله بن عمر: دع هؤلاء لا تذهب إليهم، يا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا تخرج إلى هؤلاء، فأصر أن يخرج، فلما رآه عبد الله بن عمر مصراً خرج معه إلى أطراف المدينة ثم ضمه إليه وبكى وقال: أستودعك الله من قتيل.

وهكذا كان، فإن أهل العراق لما جاءهم الحسين رضي الله عنه تخلوا عنه، وخذلوه في كربلاء حتى قتل شهيداً رضي الله عنه، وتحقق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم حين نام مرة ثم استيقظ وهو يبكي، فقالت له أم سلمة: يا رسول الله! ما يبكيك؟ قال: {أُريت مقتل ابني هذا -وكان عنده فأشار إليه- وأوتيت بتربة من تربته حمراء}.

أترجو أمة قتلت حسيناً     شفاعة جده يوم الحساب

فقتلوا حسيناً رضي الله عنه، والغريب في الأمر أنهم بعد ما قتلوه صاروا يقيمون المآتم في مثل ذلك اليوم حزناً على قتله، ويضربون وجوههم وجنوبهم وظهورهم، هذا ما فعلتم بأنفسكم المهم أنهم تسببوا في قتل الحسين رضي الله عنه، وتخلوا عنه وخذلوه أيما خذلان.

ولذلك لما جاءوا إلى عبد الله بن عمر رضي الله عنه يسألونه عن قتل المحرم للبعوضة؟ قال: قاتلكم الله يا أهل العراق، ما أجرأكم على الكبيرة وأسألكم عن الصغيرة، تقتلون ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتسألون عن البعوضة! الذي قتل الحسين لا يحتاج أن يسأل عن البعوضة.

بلاد المشرق هي من مواطن الفتن، وقد ظهر منها مثل هذه الفتنة كما ظهرت فتن عظيمة، مثلاً: هولاكو جاء من جهة المشرق ومن تلك البوادي، وكانوا قوماً متوحشين، فانساحوا إلى بلاد الإسلام، وهتكوا الأعراض، وأتوا على الحرث والنسل، والأخضر واليابس، وأسقطوا دولة الخلافة، وعاثوا في الأرض فساداً وكانوا من أعظم الفتن التي مرت بالمسلمين.

ومن فتنهم المتأخرة تلك الحرب التي دمرت الأخضر واليابس، القتال بين العراق وإيران والتي استمرت ثمان سنوات وذهب من قتلاها مئات الألوف، فضلاً عن الأموال الكثيرة التي ذهبت بسببها، فهذا يدل على ما جبل عليه أهل تلك البلاد من البطش، والشدة، والعنف، والحب للحروب، وإثارة الفتن.

وكذلك هذه الفتنة التي يعيشها المسلمون اليوم فإنها جاءت من قبل تلك البلاد.

فما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم واقع لا محالة، وأقل البلاد فتناً وأكثرها اطمئناناً وأبعدها عن القتل والقتال وسفك الدماء، تلك المواطن التي أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنها من مواطن الإسلام، وذلك كـبلاد الشام وبلاد اليمن والجزيرة العربية بشكل عام وخاصة أرض الحجاز، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن هذه المواطن أنها من الأماكن التي يفيء إليها الإسلام ويرجع إليها، وحين تتحقق الغربة يكون الإسلام في مجمله ومعظمه في تلك البلاد، وهذه ليست قاعدة مطردة، فقد يكون بلد من هذه البلاد يوماً من الأيام تغلب عليه أهل الشر والفساد، وحكموه كما حكمت النصيرية والشيوعية، وكما حكمت أديان وملل ومذاهب، لكن العبرة بالغالب، فلا يشكل على الإنسان أمام حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوجد وقت من الأوقات حكم فيه بعض هذه البلاد قوم غير مؤمنين، أو حكمت بغير ما أنـزل الله عز وجل، فالعبرة بغالب الأحوال.




استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة اسٌتمع
أحاديث موضوعة متداولة 5007 استماع
حديث الهجرة 4966 استماع
تلك الرسل 4144 استماع
الصومال الجريح 4140 استماع
مصير المترفين 4078 استماع
تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة 4043 استماع
وقفات مع سورة ق 3969 استماع
مقياس الربح والخسارة 3922 استماع
نظرة في مستقبل الدعوة الإسلامية 3862 استماع
التخريج بواسطة المعجم المفهرس 3821 استماع