الله أكبر سقطت كابل


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وحبيبه وخليله وخيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛؛؛

هذا هو الدرس السادس والخمسون من سلسلة الدروس العلمية العامة في هذه الليلة ليلة الاثنين 18/شوال/1412هـ، وقد اخترت أن يكون عنوان هذا المجلس "الله أكبر خربت خيبر"، وقياساً على ذلك نقول: الله أكبر سقطت كابل .

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم.

إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً [النصر:1-3].

روى الإمام البخاري في صحيحه في كتاب الصلاة باب ما يذكر في الفخذ ومسلم أيضاً في صحيحه كتاب الجهاد باب غزوة خيبر عن أنس رضي الله عنه وأرضاه: {أن النبي صلى الله عليه وسلم غزا خيبر، قال أنس فصلينا عندها صلاة الغداة بغلس، فركب نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم، وركب أبو طلحة، وأنا رديف أبي طلحة، فأجرى نبي الله صلى الله عليه وسلم في زقاق خيبر، وإن ركبتي لتمس فخذ النبي صلى الله عليه وسلم، ثم حسر الإزار عن فخذه حتى إني لأنظر إلى بياض فخذ النبي صلى الله عليه وسلم} وهذا هو مأخذ الإمام البخاري رحمه الله في تبويبه على هذا الحديث، قال أنس رضي الله عنه وأرضاه: فلما دخل النبي صلى الله عليه وسلم القرية قال: {الله أكبر خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين قالها صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، قال: وخرج القوم -أي: اليهود- إلى أعمالهم، فرأوا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقالوا: محمد والخميس -والخميس هو: الجيش- قال رضي الله عنه وأرضاه: وأصمناها عنوةً} أي: أنهم أخذوها بالقوة والقتال، وقد كان قول النبي صلى الله عليه وسلم: {الله أكبر خربت خيبر } وهو على أبوابها، وعلى مشارفها، لأن ذلك كان إيذاناً بأن وعد الله تعالى بسقوطها وخرابها حقاً لا يتخلف، وأن الله تعالى يورثها أولئك المؤمنين الذين كانوا يستضعفون، فأورثهم الله تعالى مشارق الأرض ومغاربها التي بارك فيها.

فلا عجب -إذاً- أن نقول: الله أكبر سقطت كابل وإن لم تكن سقطت كلها بعد {إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين} نقول ذلك تفاؤلاً بسقوطها، وثقة بوعد الله تعالى الذي لا يتخلف؛ بل نقوله إعلاناً حقيقياً لسقوط كابل، فإن سقوط كابل يعني سقوط النظام الكافر الشيوعي الملحد الذي كان يحكمها، وقد تهاوى هذا النظام، وسقطت أركانه، وتباعدت أطرافه، وهربت رموزه ذات اليمين، وذات الشمال، فمنهم من انتحر كما فعل وزير الأمن، ومنهم من هرب يلوذ بالسفرات يبحث عن الأمن وهو رئيس ذلك النظام، ومنهم من اختفى، فلا يعلم أين هو، وهذا هو شأن الله وصنيعه في المكذبين والطغاة والمعاندين، وللظالمين والكافرين أمثالها، وهذا السقوط وإن سميناه سقوطاً إلا أنه في حقيقته ارتفاعٌ وشموخٌ، إنه طهارةٌ لـكابل من رجس الطواغيت الذين طالما دنسوها، إنه ارتفاع إلى قمم المجد الجديد الذي نسأل الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يحققه للمسلمين في أفغانستان، وفي كل مكان بإذنه جل وعلا.

إنه سقوط الطفل في حجر أمه الحنون الرؤوم.

فتحت وربك بالعقيدة كابل

وقد كنت -أيها الأحبة- أبحث خلال إعدادي لهذه المحاضرة عن قصيدة تعطر بها أسماعكم، فضاق الوقت عن ذلك، وأتيت إلى هذا المجلس وأنا أشعر بأنني أتمنى أن لو وجدت تلك القصيدة التي تناسب المقام، ولكن قدر الله وما شاء فعل، وقد فات الأوان، فلما جلست هنا وصليت تحية المسجد، وضع الإخوة في يدي ورقة، فتأملتها، فإذا هي قصيدة جميلة قالها بهذه المناسبة، يقول الأستاذ/ سليمان العبيد :

فتحت وربك بالعقيدة كابل     والله يحكم ما يريد ويفعلُ

سقطت بأيدي الصابرين وسلمت     وانهار حصنٌ للعمالة باطلُ

هانوا وكانوا خائنين لشعبهم     من أجل ماذا حاربوه وناضلوا؟

ألرضى الشيوعي ذبحوا أطفاله     يا ويلهم ماذا جناه الأعزلُ؟

تربو على المليون عدة من قضوا     فدماؤهم فوق الجبال هطلُ

بين السفوح تقطعت أوصالهم     أجداثهم في كل وادٍ تنزلُ

ومضى الشيوعي للبوار فولولوا      هيهات لولا كان حزباً يعقلُ

خدعوه بالمبثوث من دبابةٍ      وبطائرات للقنابل تحملُ

ومدافعٍ للراجمات ثقيلةٍ      واسكود شيءٌ في المعارك هائلُ

هذي ظننت بأن ستمنع أهلها     إن القتال عقيدةٌ يا جاهلُ

هذي تدمر لو تقاتل كافراً     لرأيته من رعبه يترعبلُ

أما الأسود المؤمنون فكلما      قوي التحدي حطموه وهللوا

من كان ظن بنادقاً مخزونةً     ستظل في عصر القذائف تقتلُ

أو كان ظن بأن جنداً عزلاً      ستفل حزباً باللذائذ يركلُ

أو كان ظن بأن خيمة معدمٍ     ستدك قصر الكرملين فيبطلُ

يا للعجائب بيد أن الله ذو أمرٍ      إذا يقضيه، حتماً يحصلُ

يا ليت عزاماً تمتع ساعةً      معنا بنصرٍ وجهه المتهللُ

سيسرُّ من هذا وتأنس روحه     وجميل والشهداء حيث تحملوا

قدموا إلى الرحمن أكرم راحمٍ     وبصبر هم وقت الطعان تجملوا

ومن العجائب مجلس الأمن الذي      يقضي بجورٍ ليس يوماً يعدلُ

فيقول: هِبُّوا أنقذوا إخواننا     بقيادة رهن الإشارة فاعملوا

أفما تزال وبعد عقدٍ كاملٍ     وحصاد ما بذلوا تكيد وتشغلُ

اسمع لحاك الله خلِ سبيلهم     كي ينقذوا إخوانهم، هل تفعلوا؟

أو يستميت المسلمون جميعهم     كي يرفع اليوم الأسى المتطاولُ

دع عنك في أفغان أسد كريهةٍ     لهمُ سهامٌ بالفرائص تدخلُ

كم كنت أنت بكيت دمعة كافرٍ     ودماءنا في كل صقعٍ ترسلُ

ثمرة الجهاد الأفغاني

أيها الأحبة... إن تساقط الأقاليم والولايات والمدن في أيدي المجاهدين واحدة بعد أخرى كما تتساقط أوراق الخريف لم يكن إلا ثمرة جهاد طويل دام ما يزيد على ثلاثة عشر عاماً، وبذلت في هذا الجهاد أرواحٌ لعلني لا أبالغ إذا قلت إنها تقدر بمئات الآلاف، وأسأل الله جل وعلا أن يكونوا شهداء في سبيله، كما بذلت فيه أموال طائلة هائلة لا يعلم مداها وقدرها إلا الله عز وجل، كما أوقفت عليها جهود جبارة من التخطيط والعمل والتدريب؛ فضلاً عن جهود أخرى في مجالات متعددة كالإعلام والتعليم، فضلاً عن تضحيات جسام لا تكاد تحد، ولا توصف، وقد كان هذا الذي جرى من تساقط الولايات هو -بإذن الله تعالى- ثمرةً لهذا الجهاد الطويل المرير.

فلا غرابة إذاً أن تشرئب أعناق المسلمين لهذا النصر الكبير، وتتشنف أسماعهم لأخبارهم، وتشرق وجوههم بعلامات الفرحة الغامرة وهم يسمعون أنباء تساقط المدن واحدة بعد أخرى في أيدي المجاهدين، ولا غرابة أيضاً أن تنزعج لذلك قلوب المنافقين وترتعد فرائصهم، فيبدو على فلتات ألسنتهم، وعلى صفحات جرائدهم ومجلاتهم ما كانت تكنه قلوبهم المريضة من عداوة للإسلام والمسلمين، فتجدهم يدقون طبول الحرب الأهلية التي يراهنون على أنها سوف تحتدم بين فصائل المجاهدين.

ولا غرابة أيضاً أن يضع المسلمون أيديهم على قلوبهم لهفةً إلى اكتمال هذا النصر المبين وتكليله لقيام حكومة إسلامية من فصائل المجاهدين تحكم أفغانستان، وتقودها إلى بر الخير والأمن والإيمان، وتحميها من شر التفرق والتشرذم والاختلاف، وما ينجم عنه من ويلات وفتن ومحن وحروب طاحنة.

ولا غرابة أن يتنادى الغيورون من أهل الإسلام إلى ضرورة التواصل مع المجاهدين، ومع قياداتهم دعماً ومساندةً ونصحاً لهم، وجهوداً متصلةً للتوفيق بينهم، وتسديد خطواتهم وآرائهم، وما هذه الجلسة المباركة إلا نوعٌ من المشاركة، فإذا كانت الموانع والأسباب عن الشخوص والذهاب إلى إخواننا المجاهدين هناك، ومشاركتهم في آلامهم ومعاناتهم مشاركةً مباشرة تحول دون ذلك، فإذا كان ذلك كذلك، فلا أقل من كلمة تتعدى وتتحدى حدود الزمان والمكان لتصل إلى الآذان آذان أولئك الإخوة المرابطين على الثغور، وإلى الله تعالى عاقبة الأمور.

أيها الأحبة... اشتركنا جميعاً في الاستماع من أفواه الرواة، ومن الوسائل الأخرى، أو قراءة أعداد كبيرة من الأخبار المتعلقة بالوضع الأخير في أفغانستان، والذي بدأت ملامحه تبين من أول شهر رمضان المبارك، فمن ذلك أن عدداً كبيراً من الولايات بدأت تتساقط، وتستسلم للمجاهدين دون قتال، أو بقتال يسير، أو عنيف، المهم أنه ينتهي بسقوطها في أيدي المجاهدين، وقد كان من أول الولايات التي سقطت في أيدي المجاهدين مزار شريف، وقائدها: دوستم الذي يقال: إن تحت يده خمسين ألف مقاتل ورامي أنضم بهم كلهم إلى صفوف المجاهدين، وقد كان هذا في شهر رمضان المبارك، ثم بعد ذلك ولاية بروان وبها قواعد لصواريخ اسكود، وما يزيد عن أربعين طائرة مقاتلة، وقد سقطت في أيدي المجاهدين، ثم سقطت قاعدة بجرام، وهي قاعدة جوية، بل هي أكبر قاعدة جوية في أفغانستان، وقد أعلنت وكالات الأنباء عن سقوطها، وأن في هذه القاعدة ما يزيد عن مائة وواحد وستين طائرة كلها سقطت في أيدي المجاهدين، ومثلها قاعدة سنداند وهي أيضاً قاعدة جوية كبيرة تحتل المرتبة الثانية بعد قاعدة بجرام، ثم تهاوت عدد من المدن كمدينة غزني التي ينتسب إليها القائد الغزنوي الشهير الذي فتح بلاد الهند، وغزاها سبع مرات، وكان له قصة مشهورة معروفة؛ حيث أنه لما أراد قتل الصنم، حاول الهنود أن يرشوه بالذهب، فأعطوه ذهباً كثيراً مقابل ألا يكسر، وألا يحرق هذا الصنم، فأخذ الذهب وحرق الصنم، وبذلك كان الشاعر: محمد إقبال رحمه الله يقول مذكراً بهذا الحادث:

كنا نرى الأصنام من ذهبٍ      فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا

لو كان غير المسلمين لحازها     ذهباً وصاغ الحلي والدينارا

فيقول: إن المسلمين لا يمكن أن يبيعوا توحيدهم وعقيدتهم بشيء مهما غلا ثمنه، فقد سقطت مدينة غزني الشهيرة بأيدي المجاهدين، كما سقطت مدينة قندز وهي ثالث مدن أفغانستان، ثم هلمند، ثم هرات، ثم مدينة بادغيث، وأخيراً كابل، فإن كابل قد سقط مطارها في أيدي ضباط متحالفين مع أحد فصائل المجاهدين، وقد صرح مندوب الأمم المتحدة حينما ذهب إلى هناك بأنه رأى الجنود في مطار كابل وهم غير الجنود المعتادين الذين كان يشاهدهم من قبل، ويشاع أن هناك أحياء من كابل قد سقطت أيضاً في أيدي المجاهدين، بل وصلني خبرٌ قبل أن أصل إلى هذا المكان بدقائق من باكستان أن مجموعات من المجاهدين التابعة للحزب الإسلامي دخلت إلى أحياء من كابل، ووصلت إلى السجن، وفتحت أبواب السجن، وأخرجت آلافاً من المساجين والمجاهدين المسلمين الذين كانوا معتقلين في ذلك السجن.

الوضع الحالي لمدينتي كابل وجلال أباد

وعلى أي حال، فإن كابل محاصرةً الآن بجنود المجاهدين، فأما من الجنوب، فإنه يحاصرها حكمتيار بجنوده التابعين للحزب الإسلامي، وهم جمٌ غفيرٌ، وأما من الشمال؛ فإنه يحاصرها أحمد شاه مسعود بجنوده الذين قدموا من الشمال فضلاً عن الذين تحالفوا معهم من الضباط في داخل كابل، وجميع ممرات كابل الرئيسية قد سقطت بيد المجاهدين، ويصح أن نقول: إن قوات المجاهدين الآن على مسافة حوالي ثلاثة، أو أربعة كيلو مترات من قصر الرئاسة في كابل، فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذه المدينة تذعن لحكم الإسلام، وتدين له، وتدين به.

المدينة الوحيدة التي لا زالت تتمنع هي مدينة جلال أباد، وهي من كبريات المدن في أفغانستان، وهي لم تسقط بعد، ولكن المسألة مسألة وقت، وهناك مفاوضات بين حاميتها وبين المجاهدين، وكل ما في الأمر أنهم يريدون نوعاً من الحماية، وربما نوعاً من المشاركة، وما دام أن السلاح الجوي في أيدي المجاهدين، فإنه لا تستطيع جلال أباد، ولا غيرها أن تمتنع منهم.

أما رموز النظام السابق، فكما أسلفت فإن زعيم أفغانستان السابق لجئ إلى الأمم المتحدة، واختفى هناك خوفاً من بطش المجاهدين، ووزير خارجيته أصبح يصفه بأنه دكتاتور، وأنه عميل، ويتهمه بالخيانة العظمى، ويطالب بمحاكمته، أما وزير دفاعه، فقد اختفى، وأما وزير أمنه، فقد انتحر، وقتل نفسه -والعياذ بالله- وقد شكل في أعقاب ذلك مجلس عسكري مكون من عدة شخصيات من رموز الحكومة السابقة برئاسة الجنرال/ محمد نبي عظيمي، وأخشى ما يخشى أن يكون هذا المجلس العسكري هو حجر عثرة في طريق مواصلة المجاهدين في خطواتهم إلى أعماق كابل، وإلى قيام الحكم الإسلامي فيها.

هذا موجز الأخبار والمعلومات التي وصلت من خلال المصادر الإعلامية، ومن خلال المصادر الشفوية، ومن خلال رسائل كثيرة وصلتني من الإخوة المجاهدين داخل أفغانستان وخارجها.

وقد كنت -أيها الأحبة- أبحث خلال إعدادي لهذه المحاضرة عن قصيدة تعطر بها أسماعكم، فضاق الوقت عن ذلك، وأتيت إلى هذا المجلس وأنا أشعر بأنني أتمنى أن لو وجدت تلك القصيدة التي تناسب المقام، ولكن قدر الله وما شاء فعل، وقد فات الأوان، فلما جلست هنا وصليت تحية المسجد، وضع الإخوة في يدي ورقة، فتأملتها، فإذا هي قصيدة جميلة قالها بهذه المناسبة، يقول الأستاذ/ سليمان العبيد :

فتحت وربك بالعقيدة كابل     والله يحكم ما يريد ويفعلُ

سقطت بأيدي الصابرين وسلمت     وانهار حصنٌ للعمالة باطلُ

هانوا وكانوا خائنين لشعبهم     من أجل ماذا حاربوه وناضلوا؟

ألرضى الشيوعي ذبحوا أطفاله     يا ويلهم ماذا جناه الأعزلُ؟

تربو على المليون عدة من قضوا     فدماؤهم فوق الجبال هطلُ

بين السفوح تقطعت أوصالهم     أجداثهم في كل وادٍ تنزلُ

ومضى الشيوعي للبوار فولولوا      هيهات لولا كان حزباً يعقلُ

خدعوه بالمبثوث من دبابةٍ      وبطائرات للقنابل تحملُ

ومدافعٍ للراجمات ثقيلةٍ      واسكود شيءٌ في المعارك هائلُ

هذي ظننت بأن ستمنع أهلها     إن القتال عقيدةٌ يا جاهلُ

هذي تدمر لو تقاتل كافراً     لرأيته من رعبه يترعبلُ

أما الأسود المؤمنون فكلما      قوي التحدي حطموه وهللوا

من كان ظن بنادقاً مخزونةً     ستظل في عصر القذائف تقتلُ

أو كان ظن بأن جنداً عزلاً      ستفل حزباً باللذائذ يركلُ

أو كان ظن بأن خيمة معدمٍ     ستدك قصر الكرملين فيبطلُ

يا للعجائب بيد أن الله ذو أمرٍ      إذا يقضيه، حتماً يحصلُ

يا ليت عزاماً تمتع ساعةً      معنا بنصرٍ وجهه المتهللُ

سيسرُّ من هذا وتأنس روحه     وجميل والشهداء حيث تحملوا

قدموا إلى الرحمن أكرم راحمٍ     وبصبر هم وقت الطعان تجملوا

ومن العجائب مجلس الأمن الذي      يقضي بجورٍ ليس يوماً يعدلُ

فيقول: هِبُّوا أنقذوا إخواننا     بقيادة رهن الإشارة فاعملوا

أفما تزال وبعد عقدٍ كاملٍ     وحصاد ما بذلوا تكيد وتشغلُ

اسمع لحاك الله خلِ سبيلهم     كي ينقذوا إخوانهم، هل تفعلوا؟

أو يستميت المسلمون جميعهم     كي يرفع اليوم الأسى المتطاولُ

دع عنك في أفغان أسد كريهةٍ     لهمُ سهامٌ بالفرائص تدخلُ

كم كنت أنت بكيت دمعة كافرٍ     ودماءنا في كل صقعٍ ترسلُ

أيها الأحبة... إن تساقط الأقاليم والولايات والمدن في أيدي المجاهدين واحدة بعد أخرى كما تتساقط أوراق الخريف لم يكن إلا ثمرة جهاد طويل دام ما يزيد على ثلاثة عشر عاماً، وبذلت في هذا الجهاد أرواحٌ لعلني لا أبالغ إذا قلت إنها تقدر بمئات الآلاف، وأسأل الله جل وعلا أن يكونوا شهداء في سبيله، كما بذلت فيه أموال طائلة هائلة لا يعلم مداها وقدرها إلا الله عز وجل، كما أوقفت عليها جهود جبارة من التخطيط والعمل والتدريب؛ فضلاً عن جهود أخرى في مجالات متعددة كالإعلام والتعليم، فضلاً عن تضحيات جسام لا تكاد تحد، ولا توصف، وقد كان هذا الذي جرى من تساقط الولايات هو -بإذن الله تعالى- ثمرةً لهذا الجهاد الطويل المرير.

فلا غرابة إذاً أن تشرئب أعناق المسلمين لهذا النصر الكبير، وتتشنف أسماعهم لأخبارهم، وتشرق وجوههم بعلامات الفرحة الغامرة وهم يسمعون أنباء تساقط المدن واحدة بعد أخرى في أيدي المجاهدين، ولا غرابة أيضاً أن تنزعج لذلك قلوب المنافقين وترتعد فرائصهم، فيبدو على فلتات ألسنتهم، وعلى صفحات جرائدهم ومجلاتهم ما كانت تكنه قلوبهم المريضة من عداوة للإسلام والمسلمين، فتجدهم يدقون طبول الحرب الأهلية التي يراهنون على أنها سوف تحتدم بين فصائل المجاهدين.

ولا غرابة أيضاً أن يضع المسلمون أيديهم على قلوبهم لهفةً إلى اكتمال هذا النصر المبين وتكليله لقيام حكومة إسلامية من فصائل المجاهدين تحكم أفغانستان، وتقودها إلى بر الخير والأمن والإيمان، وتحميها من شر التفرق والتشرذم والاختلاف، وما ينجم عنه من ويلات وفتن ومحن وحروب طاحنة.

ولا غرابة أن يتنادى الغيورون من أهل الإسلام إلى ضرورة التواصل مع المجاهدين، ومع قياداتهم دعماً ومساندةً ونصحاً لهم، وجهوداً متصلةً للتوفيق بينهم، وتسديد خطواتهم وآرائهم، وما هذه الجلسة المباركة إلا نوعٌ من المشاركة، فإذا كانت الموانع والأسباب عن الشخوص والذهاب إلى إخواننا المجاهدين هناك، ومشاركتهم في آلامهم ومعاناتهم مشاركةً مباشرة تحول دون ذلك، فإذا كان ذلك كذلك، فلا أقل من كلمة تتعدى وتتحدى حدود الزمان والمكان لتصل إلى الآذان آذان أولئك الإخوة المرابطين على الثغور، وإلى الله تعالى عاقبة الأمور.

أيها الأحبة... اشتركنا جميعاً في الاستماع من أفواه الرواة، ومن الوسائل الأخرى، أو قراءة أعداد كبيرة من الأخبار المتعلقة بالوضع الأخير في أفغانستان، والذي بدأت ملامحه تبين من أول شهر رمضان المبارك، فمن ذلك أن عدداً كبيراً من الولايات بدأت تتساقط، وتستسلم للمجاهدين دون قتال، أو بقتال يسير، أو عنيف، المهم أنه ينتهي بسقوطها في أيدي المجاهدين، وقد كان من أول الولايات التي سقطت في أيدي المجاهدين مزار شريف، وقائدها: دوستم الذي يقال: إن تحت يده خمسين ألف مقاتل ورامي أنضم بهم كلهم إلى صفوف المجاهدين، وقد كان هذا في شهر رمضان المبارك، ثم بعد ذلك ولاية بروان وبها قواعد لصواريخ اسكود، وما يزيد عن أربعين طائرة مقاتلة، وقد سقطت في أيدي المجاهدين، ثم سقطت قاعدة بجرام، وهي قاعدة جوية، بل هي أكبر قاعدة جوية في أفغانستان، وقد أعلنت وكالات الأنباء عن سقوطها، وأن في هذه القاعدة ما يزيد عن مائة وواحد وستين طائرة كلها سقطت في أيدي المجاهدين، ومثلها قاعدة سنداند وهي أيضاً قاعدة جوية كبيرة تحتل المرتبة الثانية بعد قاعدة بجرام، ثم تهاوت عدد من المدن كمدينة غزني التي ينتسب إليها القائد الغزنوي الشهير الذي فتح بلاد الهند، وغزاها سبع مرات، وكان له قصة مشهورة معروفة؛ حيث أنه لما أراد قتل الصنم، حاول الهنود أن يرشوه بالذهب، فأعطوه ذهباً كثيراً مقابل ألا يكسر، وألا يحرق هذا الصنم، فأخذ الذهب وحرق الصنم، وبذلك كان الشاعر: محمد إقبال رحمه الله يقول مذكراً بهذا الحادث:

كنا نرى الأصنام من ذهبٍ      فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا

لو كان غير المسلمين لحازها     ذهباً وصاغ الحلي والدينارا

فيقول: إن المسلمين لا يمكن أن يبيعوا توحيدهم وعقيدتهم بشيء مهما غلا ثمنه، فقد سقطت مدينة غزني الشهيرة بأيدي المجاهدين، كما سقطت مدينة قندز وهي ثالث مدن أفغانستان، ثم هلمند، ثم هرات، ثم مدينة بادغيث، وأخيراً كابل، فإن كابل قد سقط مطارها في أيدي ضباط متحالفين مع أحد فصائل المجاهدين، وقد صرح مندوب الأمم المتحدة حينما ذهب إلى هناك بأنه رأى الجنود في مطار كابل وهم غير الجنود المعتادين الذين كان يشاهدهم من قبل، ويشاع أن هناك أحياء من كابل قد سقطت أيضاً في أيدي المجاهدين، بل وصلني خبرٌ قبل أن أصل إلى هذا المكان بدقائق من باكستان أن مجموعات من المجاهدين التابعة للحزب الإسلامي دخلت إلى أحياء من كابل، ووصلت إلى السجن، وفتحت أبواب السجن، وأخرجت آلافاً من المساجين والمجاهدين المسلمين الذين كانوا معتقلين في ذلك السجن.

وعلى أي حال، فإن كابل محاصرةً الآن بجنود المجاهدين، فأما من الجنوب، فإنه يحاصرها حكمتيار بجنوده التابعين للحزب الإسلامي، وهم جمٌ غفيرٌ، وأما من الشمال؛ فإنه يحاصرها أحمد شاه مسعود بجنوده الذين قدموا من الشمال فضلاً عن الذين تحالفوا معهم من الضباط في داخل كابل، وجميع ممرات كابل الرئيسية قد سقطت بيد المجاهدين، ويصح أن نقول: إن قوات المجاهدين الآن على مسافة حوالي ثلاثة، أو أربعة كيلو مترات من قصر الرئاسة في كابل، فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذه المدينة تذعن لحكم الإسلام، وتدين له، وتدين به.

المدينة الوحيدة التي لا زالت تتمنع هي مدينة جلال أباد، وهي من كبريات المدن في أفغانستان، وهي لم تسقط بعد، ولكن المسألة مسألة وقت، وهناك مفاوضات بين حاميتها وبين المجاهدين، وكل ما في الأمر أنهم يريدون نوعاً من الحماية، وربما نوعاً من المشاركة، وما دام أن السلاح الجوي في أيدي المجاهدين، فإنه لا تستطيع جلال أباد، ولا غيرها أن تمتنع منهم.

أما رموز النظام السابق، فكما أسلفت فإن زعيم أفغانستان السابق لجئ إلى الأمم المتحدة، واختفى هناك خوفاً من بطش المجاهدين، ووزير خارجيته أصبح يصفه بأنه دكتاتور، وأنه عميل، ويتهمه بالخيانة العظمى، ويطالب بمحاكمته، أما وزير دفاعه، فقد اختفى، وأما وزير أمنه، فقد انتحر، وقتل نفسه -والعياذ بالله- وقد شكل في أعقاب ذلك مجلس عسكري مكون من عدة شخصيات من رموز الحكومة السابقة برئاسة الجنرال/ محمد نبي عظيمي، وأخشى ما يخشى أن يكون هذا المجلس العسكري هو حجر عثرة في طريق مواصلة المجاهدين في خطواتهم إلى أعماق كابل، وإلى قيام الحكم الإسلامي فيها.

هذا موجز الأخبار والمعلومات التي وصلت من خلال المصادر الإعلامية، ومن خلال المصادر الشفوية، ومن خلال رسائل كثيرة وصلتني من الإخوة المجاهدين داخل أفغانستان وخارجها.

هذا النصر الكبير هلل له المسلمون وكبروا في كل مكان، لستم أنتم الوحيدون الذين هللوا وكبروا لهذا النصر المبين وفرحوا به، لقد سر به المسلمون في كل مكان خاصةً وهم يعيشون أياماً صعبةً حالكة، يواجههم فيها عدوٌ كافر في كل بلد.

ففي الجزائر مناحةٌ وسجون عميقة، وأحكامٌ يمكن أن تصل إلى حد الإعدام بقيادات المسلمين هناك.

وفي تونس ألوان من التعذيب يندى لها الجبين حتى إن منظمة حقوق الإنسان وهي منظمة نصرانية كتبت تقريراً يندهش منه كل إنسان عمَّا يلاقيه المسلمون في سجون تونس، وعددهم يزيد على ثلاثين ألفاً.

وفي يوغسلافيا شن الصرب النصارى على المسلمين في البوسنة والهرسك منذ أسبوع هجوماً عنيفاً يذبحونهم ذبح الخراف، ويهدمون بيوتهم عليهم، ويقتلونهم في الشوارع والأزقة، وقد حاصروا المدينة، ثم احتلوا الأحياء الجديدة منها، وهم في طريقهم إلى السيطرة الكاملة على المدينة، بل يقول رئيس الدولة هناك وهو مسلم اسمه/ علي عزت، يقول: إذا لم يتدخل أحدٌ من المسلمين لحمايتنا، فأعلنوا من الغد البكاء على المسلمين هناك، وهناك خزان مخصص للغاز السام تتجه إليه قذائف الصرب النصارى لمحاولة تفجيره، فقد رمي منذ أيام بما يزيد على أربعين قذيفة، ولو تفجر، لكانت كارثة لا يعلم مداها إلا الله عز وجل، إضافة إلى ما يعانيه المسلمون في بلاد كثيرة.

ففي وسط هذا الليل المظلم لاحت بوارق من الأمل للمسلمين فيما جرى في أفغانستان، فلا أحد يلومهم، ولا يثرب عليهم إذا أشرقت قلوبهم بالفرحة، نسأل الله تعالى أن يتم علينا جميعاً هذه الفرحة، ورغبةً مني في أن تكلل هذه الفرحة بفرحة أخرى وهي فرحة قيام الحكم الإسلامي في أفغانستان، فإنني رأيت أن أقل الواجب أن نخاطب إخواننا المجاهدين هناك، وخاصةً قياداتهم في مثل هذا المجلس المبارك ببعض المخاوف التي نضع أيدينا على قلوبنا خشية أن يتحقق منها شيء، فيكون ذلك تأخيراً لما نؤمله ونرجوه من قيام الحكم الإسلامي في أفغانستان .

إن التحدي الأول الذي يواجه إخواننا المجاهدين هناك الآن هو التفرق والتنازع والتوزع والتشتت، والله عز وجل يقول: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103] ويقول سبحانه وتعالى: وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ [الأنفال:46] فقد جعل الفشل وذهاب الريح في المعارك أثراً من آثار التنازع والتفكك والتشتت، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة : {إن الله تعالى يرضى لكم ثلاثاً: أن تعبدوه وحده، ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً، ولا تفرقوا، وأن تناصحوا، -أو تطيعوا- من ولاه الله أمركم، ويكره لكم ثلاثاً: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال}.

فليتق الله إخواننا المجاهدون، وليجمعوا كلمتهم، إن القدرة على الارتفاع عن حظوظ النفس، والسمو إلى الآفاق الرحبة في إيثار ما عند الله تعالى مما هو خيرٌ وأبقى، هو الانتصار الأكبر الذي ينتظره المجاهدين.

انتصار المجاهدين في أفغانستان انتصار لكل المسلمين

إن الانتصار للمجاهدين في أفغانستان، ليس نصراً لهم في بلادهم فحسب, بل هو نصرٌ للمسلمين في كل مكان, وإن المسلمين -ونحن جزءٌ منهم- يتطلعون بفارغ الصبر إلى ما تنجلي عنه هذه الأحداث المتلاحقة، إن المجاهدين ومن ورائهم المسلمون يعيشون جميعاً عصر الهيمنة الغربية, والتسلط الاستعماري الجديد, الذي أول ما يستهدف الأمة الإسلامية, وهيهات هيهات! أن يستطيع المسلمون الصمود في وجه الاستعمار النصراني الجديد, وهم دولٌ متفرقة متناحرة, فكيف نتوقع أن يصمدوا فيواجهوا هذا العدو الجديد، العدو الغربي النصراني، حين يكونون أحزاباً متفرقة داخل دولةٍ واحدة، وكيانٍ واحد.

إن الأمل الذي يراود قلوبنا أن تفلح أفغانستان المسلمة في الخروج من الحصار الذي يحاول فرضه عليها الأعداء, ولن تستطيع إلا إذا تجاوزت هذه الأحزاب والجمعيات القائمة فيها خلافاتها, واتفقت على صيغةٍ مقبولة تحقن الدماء وتضبط المسيرة.

بل إننا نحلم ونطمع أن يكون النصر للإسلام والمسلمين في أفغانستان مثلاً يحتذى لجيرانها الجدد، من الجمهوريات التي خرجت لتوها من الاتحاد السوفيتي، والغرب أخشى ما يخشى أن تتحول إلى جمهوريات إسلامية -فعلاً- وهي تملك ألواناً من السلاح لا يملكه المسلمون في بلادهم الأخرى, فيسلط الغرب عليهم إمكانياته وطاقاته، بل يسلط عليهم دولاً علمانية كـتركيا، أو غيرها لمحاولة الحيلولة بينها وبين الإسلام, فلو قام للإسلام قائمة في أفغانستان لكان هذا -بإذن الله تعالى- سبباً ووسيلةً وذريعةً إلى امتداد الإسلام، وقيام حكمه في تلك الجمهوريات، التي طالما حكمها الإسلام قرونا طويلةً من الزمان.

نداء إلى قادة المجاهدين

إنني أنادي قادة المجاهدين وأقول لهم: اتقوا الله تعالى: ليس في أنفسكم فحسب, ولا في أحزابكم فحسب, ولا في الشعب الأفغاني فحسب, بل اتقوا الله تعالى في أمة الإسلام التي كانت ولا زالت معكم خطوةً بخطوة، والتي علقت عليكم الآمال العظام, وفاخرت بكم أمم الأرض كلها, وتغنت ببطولاتكم الحربية زماناً طويلاً، فدعوها تتغنى الآن ببطولات الانتصار على النفس, وعلى المؤثرات القريبة، فهي معركة أخرى لا تقل أثراً ولا خطراً عن المعارك العسكرية.

إنه لكي يتم النصر ويكتمل للمجاهدين، لا بد من توحيد صفوفهم, والصورة المعقولة التي نتطلع إليها هي أن ينسق المجاهدون مواقفهم فيما بينهم, وأن يرسموا القنوات التي يتم من خلالها التفاهم حول أي مشكلة, ويتفقوا على تجنب استخدام القوة لحل أي مشكلةٍ تنجم فيما بينهم.

فالمسلمون الذين كانوا يبتهجون بكل معركةٍ يثيرها المجاهدون مع الشيوعيين، لا يريدون أبداً أن يسمعوا معركة داخل الصف المسلم.

فيا معشر أحبابنا في أفغانستان.. نسألكم بالله العظيم الذي تحبونه وتعبدونه، وتجاهدون في سبيله, ونسألكم بالله العظيم الذي تقوم السماوات والأرض بأمره, ونسألكم بالله الذي لا إله غيره، ولا رب سواه ألا تشمتوا بنا وبكم الأعداء, وألا تروعوا قلوبنا بسماع ما يسوء, وأن تصمموا على صناعة النصر الكامل المبين, بإذن الله تعالى رب العالمين.

المسلمون معكم ولو بالدعاء

أيها المجاهدون، وأيها القادة وأيتها الأحزاب.. إذا كنتم أنتم في الميادين والثغور, فالمسلمون في كل مكان معكم في المحاريب والدور, يزودونكم بالدعاء ويقولون: كما قال الله تعالى: عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ [الأعراف:129].

لقد أهلك الله تعالى عدوكم ورأيتم هذا بأعينكم؛ ولكن بقي الاستخلاف، والله تعالى إنما يستخلف من قال في حقهم: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ [الحج:41] فكونوا أيها الأحبة من هؤلاء فإن المسلمين بأمس الحاجة إليكم.

أكاذيب على الجهاد الأفغاني

إن الصحافة الغربية والعربية، والإعلام الغربي والعربي في كثير من قنواته ووسائله، يراهن على الاقتتال بين المجاهدين, خاصة بين الحزب الإسلامي بقيادة حكمتيار، وبين الجمعية الإسلامية بقيادة برهان الدين رباني, وبالذات الجناح الذي يقوده أحمد شاه مسعود, بل إن بعض تلك الوسائل مما تحمله بقلبها من الغيظ على المسلمين، وتمني الحرب فيما بينهم, أصبحت تفتعل أخباراً وهمية عن حصول قتال في بعض المناطق بين هذين الطرفين, ولكنَّ اتصالات مباشرة مع القادة الميدانيين بلغني بها عدد من الإخوة تنفي حصول هذا القتال، وتثبت أنَّ كل ما ذكر لا يعدو أن يكون مجرد إشاعات، وترويجات من بعض الصحف ووسائل الإعلام التي تتمنى أن يقع ذلك.

ومع الأسف الشديد أن عدداً من الصحف الناطقة باللغة العربية، كـصحيفة الشرق الأوسط وصوت الكويت والحياة وغيرها فضلاً عن بعض الإذاعات العربية، وبعض الإذاعات الأجنبية، كلندن وغيرها, تروج لمثل هذه الأمور وتؤكد المواجهة بين أحمد شاه مسعود وبين القائد الثاني قلب الدين حكمتيار.

أقول: إنهم يفتعلون ويروجون لمثل هذه المواجهة المزعومة التي خلقتها أوهامهم وعقولهم، وأمانيهم، ويتعمدون إثارة النواحي القبلية، فتجد أن كثيراً من هذه الصحف ووسائل الإعلام تتحدث عن أحمد شاه مسعود، وأنه ينتسب إلى قبيلة الطاجيك، بينما قلب الدين حكمتيار ينتسب إلى قبيلة البشتو, وتحاول أن تثير هذه النعرة القبلية لافتعال خصومة بين قبيلتين من القبائل هناك, أو تحاول أن تثير النواحي الحزبية، حيث أن أحمد شاه مسعود يتبع للجمعية الإسلامية وقلب الدين حكمتيار هو قائد الحزب الإسلامي, فتحاول إثارة مواجهة بين الحزب والجمعية, أو تحاول إثارة المنافسة بين الشخصين في الجهود الذي بذلاها في الجهاد، وفي تحقيق النصر الكبير هناك, فلكل منهما جهد, فأما حكمتيار فإن له جهداً كبيراً منذ أول جهاد على كافة الجبهات, وأما أحمد شاه مسعود فقد كان قائداً ميدانياً كبيراً تابعاً لـبرهان الدين رباني في مناطق الشمال.

والأخبار على أي حال تشير إلى عزم حكمتيار على دخول كابل بالقوة إذا لم تستسلم, بينما يميل أحمد شاه إلى الحل السلمي، والتنسيق مع الضباط الذين يمكن أن ينضموا إلى المجاهدين، بل ربما أعلنوا له أنهم ينضمون إليه شريطة المشاركة، أو وجود نوع من المشاركة لهم في حكومة جديدة.

بيان من أطراف الصراع في أفغانستان

وقد وصلني في هذا اليوم بيانات مختلفة من الطرفين، فوصلني بيان من الحزب الإسلامي يحذر من تدخل دولة مجاورة, وأعتقد أن هذه الدولة المجاورة على الأرجح هي إيران, وأنها تحاول أن تستغل بعض الأقليات داخل أفغانستان، لإثارة النعرات، وتمزيق الجهاد هناك, وإيجاد موضع قدم للـشيعة هناك, هذا في تقديري أن المقصود هي إيران، وإن كان البيان لم يحددها على سبيل الدقة, ولكنه أشار إلى دولة مجاورة تحاول استغلال النواحي العرقية واللغوية، كما يقول البيان, ودعا إلى توحيد الصف، ومواصلة الجهاد والقضاء على كل المحاولات التي يتشبث بها رموز النظام السابق، حتى يتحقق النصر المبين والكامل, وتقوم حكومة للمجاهدين ممثلة فيها كل الأحزاب، وكل الأطراف، وكل المناطق، وكل الطوائف.

وبمقابل ذلك وصلني من الجمعية بيانان من المندوبية العامة لها, في أحدهما أن القائد أحمد شاه مسعود يطمئن المسلمين ويطالب زعماء المجاهدين في بيشاور أن يشكلوا الحكومة الجهادية فوراً لتسلم السلطة في كابل, وقد حذر البيان من الاستماع إلى إشاعات الحاقدين والحاسدين حول قادة الجهاد وانتصاراتهم.

كما أبدى البيان أسفه؛ لأن بعض الصحف لا تشعر بالمسؤولية، وتضم صوتها إلى صوت الإعلام المغرضة في إثارة النعرات الجاهلية النتنة في أفغانستان, هكذا يقول البيان.

كما وصلني بيان آخر حول الموضوع نفسه، ومن الجهة ذاتها, وفيه تطمين لقادة الجهاد الميدانيين، وتحذير من الدعايات التي تحاول أن تخترق الصف، وتحذير من الانسياق وراء مخططات العدو الذي يحاول تفريق الصف إلى شمال وجنوب, أو إلى أصحاب هذه اللغة أو تلك, وينادي بقيام حكومةٍ إسلامية تمثل فيها جميع الأحزاب.

كتبت إليَّ الجمعية اليوم خطاباً تعرب فيه عن بالغ سرورها بهذه المحاضرة التي علموا بإقامتها، ويطمئنوني إلى أنه لا تنسيق ولا علاقة بينهم في الجمعية، وبين الرافضة، وأن الرافضة شرذمةٌ قليلون في أفغانستان ولا يعبأ بهم.

وأشكر عبد الأحد الذي وافاني بهذه الرسالة، وأقول: حسب المعلومات فإن عدد الشيعة في أفغانستان هو حوالي (10%) وهم يسكنون في مناطق محدودة, وتقف وراءهم إيران؛ لإثبات موقع لهم في أي حكومة تشكل في أفغانستان.

الواجب على قادة الجهاد في أفغانستان

إن من واجب الطرفين "الحزب الإسلامي، والجمعية الإسلامية" إن من واجبهم جميعاً الجلوس على مائدة المفاوضات، فالتفاهم بينهم أولى من التفاهم بينهم وبين أي طرفٍ آخر, وإن من الواجب على رجالات الجهاد في أفغانستان أن يروا الله تعالى من أنفسهم خيراً، في التدخل لدى كافة الأطراف للإصلاح ورأب بالصدع, كما إنه من الواجب على العلماء، والمشايخ ورجال الدعوة، أن يساهموا في الأمر سواء بالاتصال الشخصي بالذهاب إلى هناك، أو بالمراسلة، أو بالمهاتفة، أو بغير ذلك من الوسائل والأسباب.

وإنني أحمل الإخوة الموجودين هناك من العرب، وغيرهم من رموز الجهاد ورؤوسه، الذين كان لهم قدم صدق، أن يتدخلوا لدى القادة، ولدى من هم حول القادة، ولدى مستشاريهم، ولدى رؤساء دوائر الأحزاب، أن يتدخلوا بصورة قوية وحازمة لتوحيد الصف، وإزالة أي بادرةٍ من بوادر الخلاف قال تعالى: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً [النساء:84].

ونسأل الله تعالى أن ينصر المجاهدين، ويوحد صفهم ويجمع كلمتهم، ويقيهم شر أنفسهم، وشر عدوهم.

ولا يفوتني أن أشير إلى أنه قد هاتفني في هذا اليوم الأخ أبو عبد الله أسامة بن لادن، وحدثني عن قدوم بعض المشايخ إلى إسلام أباد، للصلح بين الأطراف من هذا البلد، وعسى الله أن يكلل الجهود بالنجاح, ونرجو أن تكون جهوداً مثمرة، وأن تتبعها جهودٌ أخرى كثيرة من كل المسلمين, وأقول: إن واجبنا جميعاً أن نضاعف جهودنا في هذا الباب، حتى من لا يملك إلا الدعاء، بأن يوحد الله تعالى كلمة المجاهدين، ويجمع كلمتهم، ويجعلهم إخوةً متحابين متناصرين، ويكلل جهدهم بالنجاح، ويقيم على أيديهم دولة الإسلام في أفغانستان, ومن لا يملك إلا الدعاء فعليه أن يبتهل إلى الله تعالى بالدعاء.

إن قيام دولة للإسلام في كابل أمرٌ عظيم, وإننا سننسى متاعب ثلاث عشرة سنة كلها, بل سوف نذكرها بمزيد من الفخر، والفرح والإكبار، إذا تصورنا أنها أثمرت قيام حكومةٍ إسلامية في أفغانستان؛ لكن لو كانت الأخرى -لا قدر الله- وآل الأمر إلى نوعٍ من الخلافات بين المجاهدين، أو المواجهة أو المعارك, فكم سوف تكون الكارثة عظيمة؟ وكيف سيكون وقعها حاداً وكبيراً على قلوب المسلمين جميعاً, نسأل الله تعالى ألا يكون ذلك.

إن الانتصار للمجاهدين في أفغانستان، ليس نصراً لهم في بلادهم فحسب, بل هو نصرٌ للمسلمين في كل مكان, وإن المسلمين -ونحن جزءٌ منهم- يتطلعون بفارغ الصبر إلى ما تنجلي عنه هذه الأحداث المتلاحقة، إن المجاهدين ومن ورائهم المسلمون يعيشون جميعاً عصر الهيمنة الغربية, والتسلط الاستعماري الجديد, الذي أول ما يستهدف الأمة الإسلامية, وهيهات هيهات! أن يستطيع المسلمون الصمود في وجه الاستعمار النصراني الجديد, وهم دولٌ متفرقة متناحرة, فكيف نتوقع أن يصمدوا فيواجهوا هذا العدو الجديد، العدو الغربي النصراني، حين يكونون أحزاباً متفرقة داخل دولةٍ واحدة، وكيانٍ واحد.

إن الأمل الذي يراود قلوبنا أن تفلح أفغانستان المسلمة في الخروج من الحصار الذي يحاول فرضه عليها الأعداء, ولن تستطيع إلا إذا تجاوزت هذه الأحزاب والجمعيات القائمة فيها خلافاتها, واتفقت على صيغةٍ مقبولة تحقن الدماء وتضبط المسيرة.

بل إننا نحلم ونطمع أن يكون النصر للإسلام والمسلمين في أفغانستان مثلاً يحتذى لجيرانها الجدد، من الجمهوريات التي خرجت لتوها من الاتحاد السوفيتي، والغرب أخشى ما يخشى أن تتحول إلى جمهوريات إسلامية -فعلاً- وهي تملك ألواناً من السلاح لا يملكه المسلمون في بلادهم الأخرى, فيسلط الغرب عليهم إمكانياته وطاقاته، بل يسلط عليهم دولاً علمانية كـتركيا، أو غيرها لمحاولة الحيلولة بينها وبين الإسلام, فلو قام للإسلام قائمة في أفغانستان لكان هذا -بإذن الله تعالى- سبباً ووسيلةً وذريعةً إلى امتداد الإسلام، وقيام حكمه في تلك الجمهوريات، التي طالما حكمها الإسلام قرونا طويلةً من الزمان.