مفاتيح الخير


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله نحمد ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56].

اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته وأتباعه إلى يوم الدين.

أما بعــد:

فالسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته..

سلاماً عاماً لكم أنتم أيها الأحبة الذين مشت أقدامكم إلى هذا المسجد الذي هو بيت من بيوت الله تعالى، وأسأل الله عز وجل بأسمائه وصفاته ألا تمشي أقدامنا ولا أقدامكم إلى النار.

أيها الأحبة.. حديثي إليكم في هذه الليلة هو بعنوان "مفاتيح الخير"، وقبل أن أدخل في هذا الحديث, فإنني أجد نفسي محتاجاً إلى كلمة أقولها وقد رزئت الأمة في هذا اليوم بفقد عالم من علمائها، وفذ من أفذاذها، ورجل من رجالات العلم والدعوة والإصلاح فيها، ذلكم هو سماحة شيخنا ووالدنا الشيخ حمود بن عبد الله التويجري رحمه الله تعالى, لقد واريناه التراب في هذا اليوم، في وسط جو من الحزن عظيم لدى كل من عرف الشيخ أو أحبه, أو تتلمذ على يديه أو سمع به, فإن الرجل رحمه الله تعالى ممن جعل الله تعالى له ذكراً حسناً بين الناس, وتلك عاجل بشرى المؤمن.

مواقف تتكرر

أيها الأحبة: إن مثل هذه المواقف هي مواقف تتكرر يومياً، ففي كل يوم بل في كل ساعة نحن نفقد قريباً أو حبيباً أو جاراً أو معروفاً أو غير ذلك, ولكن العبرة هي بماذا خلف الإنسان بعد موته، فإن الناس يتفاوتون بذلك تفاوتاً عظيماً وما بالك بإنسان يكون فقده وتكون رزيته على الأمة كلها, ليس على بيت، ولا على بلد، ولا على حي بل على الأمة كلها.

لعمرك ما الرزية فقد مالٍ       ولا شاة تموت ولا بعير

ولكن الرزية فقد فذ      يموت بموته خلق كثير

إن العالم يحيي الله به قلوب العباد بالعلم والذكر والهداية ونور الوحي وغير ذلك.

يا رب حي رخام القبر مسكنه      ورب ميت على أقدامه انتصبا

فالعلماء أحياء وإن وسدوا في قبورهم, وإن وروا التراب, وإن فقدت شخوصهم, إلا أنهم أحياء بعلمهم وبتراثهم، وبتلاميذهم، بجهودهم، وبآرائهم، وباجتهاداتهم، وبأعمالهم التي كلما ذكرت ذكروا, فأثنى الناس عليهم خيراً, وترحموا عليهم، بل وكرهوا البقاء بعدهم.

عفاءٌ على أرض تقيم بغيرها     فليس بها للصالحين معرج

لمن تستجد الأرض بعدك زينة     فتصبح في أثوابها تتبهرج

وليس البكا أن تسفح العين إنما      أحر البكائين البكاء المولج

فرحم الله فقيدنا رحمة واسعة, اللهم ارفع درجته في المهديين, واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين, اللهم افسح له في قبره ونور له فيه, اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة, اللهم اجعل هذه الليلة خير ليلة تمر عليه منذ أن ولدته أمه, اللهم اجعلها خير ليلة تمر عليه, اللهم عوض المسلمين خيراً مما فقدوا.

الفأل الحسن

ولعل من الفأل الحسن -إن شاء الله تعالى- أن أقول لكم: إنني زرت سماحة الشيخ رحمه الله في مرضه مرات, وآخر مرة زرته فيها قبل أيام, فحدثني فيها رحمه الله تعالى رحمة واسعة بالحديث المسلسل بالأولية وهو قوله عليه الصلاة والسلام: {الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء}, وقد حدثني بهذا الحديث من روايته مشافهة عن الشيخين الفاضلين رحمهما الله تعالى, الشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقري والشيخ سليمان بن عبد الرحمن الحمدان رحمهم الله تعالى, فقد روى الشيخ هذا الحديث عنهما بالإسناد إلى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي قابوس مولى عبد الله بن عمرو بن العاص عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم إنه أجازني رحمه الله بسائر مروياته وكتبه, فلعل الله أن يتغمده برحمته، ولعل الله أن يجعله من المرحومين, اللهم ارحمه رحمة واسعة يا حي يا قيوم, اللهم ارفع درجاته اللهم تجاوز عن سيئاته، اللهم احفظ البقية الباقية من علماء المسلمين.

أما بعد:

فأمامي في هذا العنوان "مفاتيح الخير" ويندرج تحته عدة عناوين:

أيها الأحبة: إن مثل هذه المواقف هي مواقف تتكرر يومياً، ففي كل يوم بل في كل ساعة نحن نفقد قريباً أو حبيباً أو جاراً أو معروفاً أو غير ذلك, ولكن العبرة هي بماذا خلف الإنسان بعد موته، فإن الناس يتفاوتون بذلك تفاوتاً عظيماً وما بالك بإنسان يكون فقده وتكون رزيته على الأمة كلها, ليس على بيت، ولا على بلد، ولا على حي بل على الأمة كلها.

لعمرك ما الرزية فقد مالٍ       ولا شاة تموت ولا بعير

ولكن الرزية فقد فذ      يموت بموته خلق كثير

إن العالم يحيي الله به قلوب العباد بالعلم والذكر والهداية ونور الوحي وغير ذلك.

يا رب حي رخام القبر مسكنه      ورب ميت على أقدامه انتصبا

فالعلماء أحياء وإن وسدوا في قبورهم, وإن وروا التراب, وإن فقدت شخوصهم, إلا أنهم أحياء بعلمهم وبتراثهم، وبتلاميذهم، بجهودهم، وبآرائهم، وباجتهاداتهم، وبأعمالهم التي كلما ذكرت ذكروا, فأثنى الناس عليهم خيراً, وترحموا عليهم، بل وكرهوا البقاء بعدهم.

عفاءٌ على أرض تقيم بغيرها     فليس بها للصالحين معرج

لمن تستجد الأرض بعدك زينة     فتصبح في أثوابها تتبهرج

وليس البكا أن تسفح العين إنما      أحر البكائين البكاء المولج

فرحم الله فقيدنا رحمة واسعة, اللهم ارفع درجته في المهديين, واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين, اللهم افسح له في قبره ونور له فيه, اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة, اللهم اجعل هذه الليلة خير ليلة تمر عليه منذ أن ولدته أمه, اللهم اجعلها خير ليلة تمر عليه, اللهم عوض المسلمين خيراً مما فقدوا.

ولعل من الفأل الحسن -إن شاء الله تعالى- أن أقول لكم: إنني زرت سماحة الشيخ رحمه الله في مرضه مرات, وآخر مرة زرته فيها قبل أيام, فحدثني فيها رحمه الله تعالى رحمة واسعة بالحديث المسلسل بالأولية وهو قوله عليه الصلاة والسلام: {الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء}, وقد حدثني بهذا الحديث من روايته مشافهة عن الشيخين الفاضلين رحمهما الله تعالى, الشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقري والشيخ سليمان بن عبد الرحمن الحمدان رحمهم الله تعالى, فقد روى الشيخ هذا الحديث عنهما بالإسناد إلى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي قابوس مولى عبد الله بن عمرو بن العاص عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم إنه أجازني رحمه الله بسائر مروياته وكتبه, فلعل الله أن يتغمده برحمته، ولعل الله أن يجعله من المرحومين, اللهم ارحمه رحمة واسعة يا حي يا قيوم, اللهم ارفع درجاته اللهم تجاوز عن سيئاته، اللهم احفظ البقية الباقية من علماء المسلمين.

أما بعد:

فأمامي في هذا العنوان "مفاتيح الخير" ويندرج تحته عدة عناوين:

أولها لماذا نقف هنا؟

لماذا نتحدث عن مفاتيح الخير؟

هذا أحد الموضوعات التي باتت الحاجة إليها ملحة وماسة، مع تنامي الوعي الشرعي لدى مختلف الفئات في هذه الأمة المباركة.

من فوائد الصحوة الإسلامية

لقد أصبحت الصحوة الإسلامية ذات وجود عميق عريض مؤثر في كل مجال, وشهد الناس عودة إلى الدين وإلى التعبد وإلى العلم الشرعي, وإلى السعي إلى خدمة هذا الدين، كلٌ في موقعه وكلٌ بحسب طاقته.

إننا نعلم علم اليقين أن في عامة الناس وخاصتهم، وفي الطلاب والأساتذة، وفي الرجال والنساء، وفي التجار وغير التجار، وفي المدنيين والعسكريين, بل وفي رجال الأمن من الشرط وغيرها، وسائر الأجهزة الحكومية وغير الحكومية أن في هؤلاء أعداداً من الناس مخلصةً لدينها، حريصةً على حمايتها, وحماية علمائها, بل من هؤلاء من يتشبه بموسى عليه الصلاة والسلام الذي أعلنها صريحة مدوية بكلمة الحق.

ومنهم من لا يملك ذلك ولكنه يتشبه بمؤمن آل فرعون فيستغل موقعه للذب عن المؤمنين، ونفي قالة السوء عنهم، والتخذيل لعدوهم.

ومنهم من يتشبه بأصحاب الفلك في المحاماة عن يونس بن متّى عليه الصلاة والسلام, ومنهم من يتشبه بذلك الرجل الذي جاء من أقصى المدينة وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ [يس:21].

ومنهم من يعزز الدعوة ويبين محاسنها وفضائل أعمالها.

ومنهم من يتشبه بذلك الرجل الصالح الذي استأجر موسى ثماني حجج قال له: فإن أتممت عشراً فمن عندك, فيبحث عن الرجل القوي الأمين الدِّين بعمله أو تجارته ليغني الله به فقيراً أو يعين به محتاجاً أو يهيئ له سبيل تحصيل خبرة لطالبها.

ومنهم من يتشبه بالحواريين إذا قالوا لعيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام حين قال كما حكى الله عنه: قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ [آل عمران:52].

ومنهم من يتشبه بـأبي بكر الصديق رضي الله عنه إذ سمع دعوة الحق لأول وهلة فتقبلتها نفسه، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: صدقت، وقالت له قريش: كذبت, فسمي من يومئذٍ بـالصديق قال الله تعالى: وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ [الزمر:33].

ومنهم من يتشبه بـعمر الذي ما إن عرف الحق حتى أعلنها مدوية في شوارع مكة, ومنهم ومنهم..

ومنهم من يقلب كفيه، وينظر في عطفيه، ويقدم رِجلاً ويؤخر أخرى, ويقول: عسى ولعل وليت.

ليت وهل تنفع شيئاً ليت     ليت شباباً بوع فاشتريتُ

ولهؤلاء الذين قدموا وعملوا وصبروا وجاهدوا واقتدوا بالصالحين, ولأولئك الذين ما زالوا يترددون ويرقبون الميدان، لهؤلاء وأولئك لا بد من حديث.

فأما الحديث عن الأولين فهو أنه لا يكفي منهم مشاركة مجملة وعطاء قليل, بل ينبغي أن يفجروا ينابيع الخير في نفوسهم، وأن يحسنوا كما أحسن الله إليهم, فمن أعطى لدينه ودعوته في مجال واحد, فلينظر نطاقاً آخر يعمل فيه, فإن المؤمن لا يشبع من خير أبداً حتى يكون منتهاه الجنة.

دعوة لمن يركب في قافلة الصحوة

أما أولئك القاعدون المترددون فقد آن لهم أن يتوبوا إلى الله تعالى توبة صادقة نصوحاً، يغسلون بها وضر الذنب والمعصية، توبة من وصمة القعود خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقعود خلاف المؤمنين، وأن يكفروا بعمل صالح رشيد فإن الحسنات يذهبن السيئات كما قال تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ [هود:114] ومازالت الكلمات للعلماء والدعاة والخطب والمحاضرات تدندن حول مطلب المشاركة.

يا عباد الله: إن الشريعة ما نـزلت لطائفة، ولا خصت بها فئة، بل نـزلت لكل الناس قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107] إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً [مريم:93] لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً [مريم:94] وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً [مريم:95].

فيا عباد الله.. إلى متى نقصر مهمتنا على أن نقول: هذا أصاب وهذا أخطأ، دون أن نخمل أنفسنا مسئولية تعزيز الصواب ودعمه وتأييده، بل والتضحية في سبيله، أو مهمة تصحيح الخطأ ورده بالأسلوب المناسب، إنه من أجل هذا وذاك كان هذا العنوان وكانت هذه المحاضرة.

لقد أصبحت الصحوة الإسلامية ذات وجود عميق عريض مؤثر في كل مجال, وشهد الناس عودة إلى الدين وإلى التعبد وإلى العلم الشرعي, وإلى السعي إلى خدمة هذا الدين، كلٌ في موقعه وكلٌ بحسب طاقته.

إننا نعلم علم اليقين أن في عامة الناس وخاصتهم، وفي الطلاب والأساتذة، وفي الرجال والنساء، وفي التجار وغير التجار، وفي المدنيين والعسكريين, بل وفي رجال الأمن من الشرط وغيرها، وسائر الأجهزة الحكومية وغير الحكومية أن في هؤلاء أعداداً من الناس مخلصةً لدينها، حريصةً على حمايتها, وحماية علمائها, بل من هؤلاء من يتشبه بموسى عليه الصلاة والسلام الذي أعلنها صريحة مدوية بكلمة الحق.

ومنهم من لا يملك ذلك ولكنه يتشبه بمؤمن آل فرعون فيستغل موقعه للذب عن المؤمنين، ونفي قالة السوء عنهم، والتخذيل لعدوهم.

ومنهم من يتشبه بأصحاب الفلك في المحاماة عن يونس بن متّى عليه الصلاة والسلام, ومنهم من يتشبه بذلك الرجل الذي جاء من أقصى المدينة وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ [يس:21].

ومنهم من يعزز الدعوة ويبين محاسنها وفضائل أعمالها.

ومنهم من يتشبه بذلك الرجل الصالح الذي استأجر موسى ثماني حجج قال له: فإن أتممت عشراً فمن عندك, فيبحث عن الرجل القوي الأمين الدِّين بعمله أو تجارته ليغني الله به فقيراً أو يعين به محتاجاً أو يهيئ له سبيل تحصيل خبرة لطالبها.

ومنهم من يتشبه بالحواريين إذا قالوا لعيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام حين قال كما حكى الله عنه: قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ [آل عمران:52].

ومنهم من يتشبه بـأبي بكر الصديق رضي الله عنه إذ سمع دعوة الحق لأول وهلة فتقبلتها نفسه، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: صدقت، وقالت له قريش: كذبت, فسمي من يومئذٍ بـالصديق قال الله تعالى: وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ [الزمر:33].

ومنهم من يتشبه بـعمر الذي ما إن عرف الحق حتى أعلنها مدوية في شوارع مكة, ومنهم ومنهم..

ومنهم من يقلب كفيه، وينظر في عطفيه، ويقدم رِجلاً ويؤخر أخرى, ويقول: عسى ولعل وليت.

ليت وهل تنفع شيئاً ليت     ليت شباباً بوع فاشتريتُ

ولهؤلاء الذين قدموا وعملوا وصبروا وجاهدوا واقتدوا بالصالحين, ولأولئك الذين ما زالوا يترددون ويرقبون الميدان، لهؤلاء وأولئك لا بد من حديث.

فأما الحديث عن الأولين فهو أنه لا يكفي منهم مشاركة مجملة وعطاء قليل, بل ينبغي أن يفجروا ينابيع الخير في نفوسهم، وأن يحسنوا كما أحسن الله إليهم, فمن أعطى لدينه ودعوته في مجال واحد, فلينظر نطاقاً آخر يعمل فيه, فإن المؤمن لا يشبع من خير أبداً حتى يكون منتهاه الجنة.

أما أولئك القاعدون المترددون فقد آن لهم أن يتوبوا إلى الله تعالى توبة صادقة نصوحاً، يغسلون بها وضر الذنب والمعصية، توبة من وصمة القعود خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقعود خلاف المؤمنين، وأن يكفروا بعمل صالح رشيد فإن الحسنات يذهبن السيئات كما قال تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ [هود:114] ومازالت الكلمات للعلماء والدعاة والخطب والمحاضرات تدندن حول مطلب المشاركة.

يا عباد الله: إن الشريعة ما نـزلت لطائفة، ولا خصت بها فئة، بل نـزلت لكل الناس قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107] إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً [مريم:93] لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً [مريم:94] وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً [مريم:95].

فيا عباد الله.. إلى متى نقصر مهمتنا على أن نقول: هذا أصاب وهذا أخطأ، دون أن نخمل أنفسنا مسئولية تعزيز الصواب ودعمه وتأييده، بل والتضحية في سبيله، أو مهمة تصحيح الخطأ ورده بالأسلوب المناسب، إنه من أجل هذا وذاك كان هذا العنوان وكانت هذه المحاضرة.

كنت أبحث في القرآن الكريم عن معنى من المعاني يثني الله تعالى فيه على أولئك الأشخاص الذين ينفعون في كل ميدان, ويخدمون في كل مجال, فكل من دعاهم إلى خير أجابوه, وكل من سألهم شيئاً مما يستـطيعون أعطوه مما هو مباح في شريعة الله تعالى, فهم يمنحون العلم للطالب, والمال للسائل, والجاه للمحتاج, والرأي والمشورة للمستشير والمستخرج, ولا يترددون أبداً في تحقيق خدمة الناس في كل ما يملكون, حتى يصبح هذا الأمر جزءاً من شخصياتهم ومن تكوينهم، يُعْرَفُونَ به ويُعْرَفُ بهم, ولا يجدون أنسهم وراحة بالهم وقرة عيونهم وسرورهم إلا بذلك, كنت أبحث عن هذا المعنى في القرآن الكريم, حتى لفت نظري أحد الإخوة من طلبة العلم إلى قول الله عز وجل على لسان عيسى عليه الصلاة والسلام: قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً [مريم:30] وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً [مريم:31] إلى آخر الآيات.

عيسى عليه السلام مباركاً أينما كان

إذاً: عيسى عليه السلام ذكر أن الله تعالى منَّ عليه بأن جعله مباركاً أينما كان, ولذلك جاء في حديث خرجه الإسماعيلي وابن مردويه وابن النجار في تاريخه وغيرهم, عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رفع هذا الحديث نظر, قال: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ[مريم:31] , قال: جعلني نفاعاً للناس أينما اتجهت} وذكر هذا المعنى وهذا الحديث الطبري في تفسيره, وابن كثير عن مجاهد, وجاءت رواية عن ابن عباس رضي الله عنه مرفوعاً: {أن عيسى كان معلماً مؤدباً حيثما توجه}, وفي رواية عن ابن مسعود أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {معلماً ومؤدباً أينما كنت}.

إذاً: هذا هو المعنى الذي نبحث عنه، ففرحت به وكأنما وقعت ووقفت على كنـزٍ ثمين, ثم وجدت في كلام الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى هذا المعنى حول تفسير هذه الآية.

إن الذي يتأمل سيرة عيسى عليه الصلاة والسلام يعرف شيئاً من قوله ذاك, فقد كان عليه الصلاة والسلام يبرئ الأكمه والأبرص ويحي الموتى بإذن الله, وينبئ الناس بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم, وكان يحل لهم بعض الذي حرم عليهم، وكان يصدق ما بين يديه من التوراة ويبشر بما يأتي بعده من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ورسالته.

ومن أبرز الصفات في شخصية عيسى عليه الصلاة والسلام ما يلي:

أولاً: أنه صلة للأنبياء السابقين وبشرى للنبي صلى الله عليه وسلم, فهو حلقة في سلسلة متصلة أولها آدم عليه السلام, فقد كان نبياً معلماً مكلماً, ثم نوح، وآخرها وخاتمها محمد صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:40].

ثانياً: أن عيسى عليه الصلاة والسلام كان نفعه عاماً بأمور الدين والدنيا, فمن نفعه في أمور الدنيا أنه يبرئ الأكمه والأبرص ويحي الموتى، ويشفي الله تعالى به المريض بإذنه عز وجل, ويخبرهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم وهذا من علم الغيب الذي لا يعمله إلا الله أو من أطلع عليه من خلقه عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ [الجن:26-27].

أما الأمور الدينية فمثل ذلك: الدعوة إلى العقيدة وتصحيحها، وإخراج بني إسرائيل من رق المادية وعبودية الشهوة، وعبودية العجل إلى العبودية لله الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد, ومثله أنه جاء محيياً ومجدداً لشريعة موسى عليه الصلاة والسلام، فكان نفع عيسى نفعاً دينياً ونفعاً دنيوياً.

ثالثاً: أن عيسى عليه السلام كان مشهوراً باللطف والسماحة، والبعد عن اللجاج والمساخطة والمغاضبة، وكان عفاً في قوله ولسانه وحديثه, ولهذا جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إن عيسى عليه السلام رأى رجلاً يسرق, فقال له: سرقت؟ قال: لا والله الذي لا إله غيره ما سرقت, فقال عيسى عليه الصلاة والسلام: آمنت بالله وكذبت عيني}.

ودعوته عليه السلام إلى حسن الخُلُقِ والملاينة والملاطفة والحلم على الناس والصبر عليهم أمر مستفيض، وإن كان يوجد في التوراة المحرفة من ذلك الشيء الكثير, إلا أنه دخله كما دخل غيره التحريف والتبديل.

العلماء والدعاة المباركون

وهكذا العلماء المباركون والدعاة المباركون في هذه الأمة يجب أن يكونوا كالسابقين ينفعون بعلمهم وهديهم وميراثهم للأمة كلها, ويمهدون لظهور آخرين يحملون الهدي والعلم من بعدهم, ويحرصون على إيصال الخير للناس في سائر أمور دينهم وسائر أمور دنياهم على حد سواء, فهم لا يرون الاقتصار على النفع الديني حتى يضيفوا إليه النفع الدنيوي ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.

إنه إرث من إرث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ينبغي أن يوجد في هذه الأمة من يقوم به وينشره ويحييه.

إذاً: عيسى عليه السلام ذكر أن الله تعالى منَّ عليه بأن جعله مباركاً أينما كان, ولذلك جاء في حديث خرجه الإسماعيلي وابن مردويه وابن النجار في تاريخه وغيرهم, عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رفع هذا الحديث نظر, قال: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ[مريم:31] , قال: جعلني نفاعاً للناس أينما اتجهت} وذكر هذا المعنى وهذا الحديث الطبري في تفسيره, وابن كثير عن مجاهد, وجاءت رواية عن ابن عباس رضي الله عنه مرفوعاً: {أن عيسى كان معلماً مؤدباً حيثما توجه}, وفي رواية عن ابن مسعود أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {معلماً ومؤدباً أينما كنت}.

إذاً: هذا هو المعنى الذي نبحث عنه، ففرحت به وكأنما وقعت ووقفت على كنـزٍ ثمين, ثم وجدت في كلام الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى هذا المعنى حول تفسير هذه الآية.

إن الذي يتأمل سيرة عيسى عليه الصلاة والسلام يعرف شيئاً من قوله ذاك, فقد كان عليه الصلاة والسلام يبرئ الأكمه والأبرص ويحي الموتى بإذن الله, وينبئ الناس بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم, وكان يحل لهم بعض الذي حرم عليهم، وكان يصدق ما بين يديه من التوراة ويبشر بما يأتي بعده من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ورسالته.

ومن أبرز الصفات في شخصية عيسى عليه الصلاة والسلام ما يلي:

أولاً: أنه صلة للأنبياء السابقين وبشرى للنبي صلى الله عليه وسلم, فهو حلقة في سلسلة متصلة أولها آدم عليه السلام, فقد كان نبياً معلماً مكلماً, ثم نوح، وآخرها وخاتمها محمد صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:40].

ثانياً: أن عيسى عليه الصلاة والسلام كان نفعه عاماً بأمور الدين والدنيا, فمن نفعه في أمور الدنيا أنه يبرئ الأكمه والأبرص ويحي الموتى، ويشفي الله تعالى به المريض بإذنه عز وجل, ويخبرهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم وهذا من علم الغيب الذي لا يعمله إلا الله أو من أطلع عليه من خلقه عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ [الجن:26-27].

أما الأمور الدينية فمثل ذلك: الدعوة إلى العقيدة وتصحيحها، وإخراج بني إسرائيل من رق المادية وعبودية الشهوة، وعبودية العجل إلى العبودية لله الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد, ومثله أنه جاء محيياً ومجدداً لشريعة موسى عليه الصلاة والسلام، فكان نفع عيسى نفعاً دينياً ونفعاً دنيوياً.

ثالثاً: أن عيسى عليه السلام كان مشهوراً باللطف والسماحة، والبعد عن اللجاج والمساخطة والمغاضبة، وكان عفاً في قوله ولسانه وحديثه, ولهذا جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إن عيسى عليه السلام رأى رجلاً يسرق, فقال له: سرقت؟ قال: لا والله الذي لا إله غيره ما سرقت, فقال عيسى عليه الصلاة والسلام: آمنت بالله وكذبت عيني}.

ودعوته عليه السلام إلى حسن الخُلُقِ والملاينة والملاطفة والحلم على الناس والصبر عليهم أمر مستفيض، وإن كان يوجد في التوراة المحرفة من ذلك الشيء الكثير, إلا أنه دخله كما دخل غيره التحريف والتبديل.

وهكذا العلماء المباركون والدعاة المباركون في هذه الأمة يجب أن يكونوا كالسابقين ينفعون بعلمهم وهديهم وميراثهم للأمة كلها, ويمهدون لظهور آخرين يحملون الهدي والعلم من بعدهم, ويحرصون على إيصال الخير للناس في سائر أمور دينهم وسائر أمور دنياهم على حد سواء, فهم لا يرون الاقتصار على النفع الديني حتى يضيفوا إليه النفع الدنيوي ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.

إنه إرث من إرث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ينبغي أن يوجد في هذه الأمة من يقوم به وينشره ويحييه.

إن كل فضيلة للأنبياء السابقين فإن لإمامهم سيدنا وإمامنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم منها أوفر الحظ والنصيب, ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم -أيضاً- مباركاً أينما كان وقد أفاض الله تعالى عليه من جليل الأخلاق وكريم الطباع وعظيم الجود والكرم والسخاء ما لا يوجد في غيره من بني الإنسان أبداً.

كرمه في علمه صلى الله عليه وسلم

كان النبي صلى الله عليه وسلم كريماً في علمه, قد بذل علمه للناس كلهم، فأعطاهم وعلمهم حتى تخرج على يديه العلماء والجهابذة، والحفاظ والأساتذة الذين كانوا أئمة في علوم الدنيا وفي علوم الدين, وتخرج على يديه أولئك الذين كانوا رعاة الغنم وكانوا غارقين في صحرائهم, فتحولوا إلى أئمة يهدون بأمر الله عز وجل, لما تتلمذوا في هذه الجامعة الإسلامية المحمدية، ونهلوا من معين النبي المختار عليه صلوات الله تعالى وسلامه.

فتخرجوا أساتذة وعلماء ومجددين، وحملة علم وحفاظ شريعة، وكانوا آية من آيات الله تعالى في ذلك كله, ويكفي أن يعلم الإنسان أنه لم يكن على ظهر الأرض جيل منذ خلق الله تعالى الإنسان وإلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها, لم يكن على ظهر الأرض جيل مثل ذلك الجيل, من حيث العلوم، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث المتفق عليه: {خير القرون قرني}, وكل قرن يحاول أن يقتبس من علمهم ويأخذ من هديهم ويسير على طريقهم, ولكنه يظل بعيداً بعيداً عن تلك المنارة الرفيعة، وعن تلك القمة السامقة.

وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يبذل علمه لكل أحد, فلا يحتقر أحداً ولا يزدري صغيراً، ولا يستهين بإنسان عبداً أو حراً، شريفاً أو وضيعاً، أو عربياً أو أجنبياً، عالماً أو جاهلاً، كبير السن أو صغير السن, قديم الإسلام أو حديث الإسلام, كان يعطيهم العلم صلى الله عليه وسلم، بل ويعطيهم أكثر مما سألوا، ويصبر عليهم، ويتلطف معهم حتى حملوا علمه عليه الصلاة والسلام.

كرمه في عطائه صلى الله عليه وسلم

وكان كريماً في عطائه بالمال صلى الله عليه وسلم, فكان يعطي غنماً بين جبلين عطاء من لا يخشى الفقر، وكان صلى الله عليه وسلم لا يُسأَلُ شيئاً إلا أعطاه, حتى إن الإنسان ربما سأله ثوبه الذي على جلده ولا يملك غيره فيدخل صلى الله عليه وسلم بيته ويخلعه ويبعث به إلى فلان الذي سأله.

وكان صلى الله عليه وسلم كما قال ابن عباس: { كان أجود الناس, وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، وكان أجود بالخير من الريح المرسلة}, أعطى رجلاً مائة من الإبل، وأعطى أكثر من ذلك، وأعطى غنماً بين جبلين, وما جاءه أحد إلا أعطاه.

تراه إذا ما جئته متهللاً      كأنك تعطيه الذي أنت سائله

ما قال لا قط إلا في تشهده     لولا التشهد أضحت لائه نعم<

كرمه في جاهه صلى الله عليه وسلم

وكان صلى الله عليه وسلم كريماً في جاهه, يبذل جاهه وشفاعته لكل أحد، وفي كل أمر دق أو جل, عظم أو صغر, حتى إنه صلى الله عليه وسلم شفع لرجل لما رفضته زوجته وهي بريرة وكان مغيث يأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد زوجته التي طلبت الفسخ منه, فيقول لها النبي صلى الله عليه وسلم: {يا بريرة لماذا لا تعودين إلى مغيث؟ فتقول: يا رسول الله! أتأمرني؟ قال: لا، إنما أنا شافع, قالت: لا حاجة لي به} وشفع صلى الله عليه وسلم وتوسط في أمور كثيرة, وبذل جاهه ومكانته في مسائل عديدة حتى إنه كان يشفع للعبد عند سادته أن يرفقوا به، أو أن يضعوا من خراجه، أو لا يكثروا عليه العمل، أو يحسنوا معاملته, بل بلغ الأمر أن الحيوان شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض ما يلقاه من سوء المعاملة.

كرمه في نصحه صلى الله عليه وسلم

وكان كريماً صلى الله عليه وسلم في نصحهِ؛ فإنه لا يبخل بالنصح على أحدٍ أبداً, وينصح لكل أحد, ما رأى منكراً قط إلا أنكره, ولا رأى معروفاً متروكاً إلا أمره به, ولا وجد إنساناً إلا أحسن إليه، إما بماله أو بقوله أو بفعله أو بخلقه أو بدعوته، أو بفتيا أو بنصيحة أو بمشورة، أو بغير ذلك مما كان يستطيعه عليه الصلاة والسلام.

كرمه في وقته صلى الله عليه وسلم

وكان كريماً في وقته صلى الله عليه وسلم, فإنه ما بلغ الستين من عمره حتى كان معظم صلاته جالساً في الليل في النوافل, وذلك بعد أن حطمه الناس, فإن معظم وقت النبي صلى الله عليه وسلم كان مع الناس, يذهب معهم ويأتي معهم، ويسافر معهم، ويحج معهم، ويجاهد معهم، ويعتمر معهم، وهو معهم في المسجد، ومعهم في السوق، ومعهم في المقبرة، ومعهم في كل مكان، في الحل والترحال والظعن، والسلم والحرب، والخوف والأمن وفي كل حال، كان صلى الله عليه وسلم يجلس مع هؤلاء الناس ويبذل لهم من وقته ما يستطيع.

كرمه بنفسه صلى الله عليه وسلم

وكان من كرمه وجوده صلى الله عليه وسلم أنه كان كريماً بنفسه, فكان شجاعاً لا يَهَابْ, ربما خرج أهل المدينة على سماع حسةٍ أو صوت خائفين وجلين, فعندما يشرفوا على مشارف المدينة إذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقبل من جهة الصوت على فرس قال: {لن تراعوا لن تراعوا.. ما رأينا من شيء وإن وجدنا لبحراً} أي: ليس هناك من خوف.

وكان صلى الله عليه وسلم يخوض المنايا ولا يهاب ولا يبالي, ففي معركة حنين فر أصحابه -صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم- من حوله وبقي النبي صلى الله عليه وسلم ثابتاً ثبوت الجبال الرواسي لا يتراجع، وهو يقول بصوت معلن: {أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب} نعم! رجل مستهدف تريده قريش وهوازن...؟ وغيرهم من فنون المشركين يريدون أن يقتلوه صلى الله عليه وسلم ويبحثون عنه, يبحثون عن موقع القيادة أين هو؟ فما استخفى صلى الله عليه وسلم ولا استتر ولا اختفى, وإنما أعلنها بصوت عالٍ: {أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب}, ثم أمر العباس أن ينادي أصحاب الشجرة، فانجفلوا إليه صلى الله عليه وسلم وحاموا دونه حتى انتصروا.

فكان صلى الله عليه وسلم مباركاً أينما كان، والله تبارك وتعالى يقول لنبيه ومصطفاه: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107], ليس للعرب خاصة، ولا لجنس ولا لون، ولا لفئة ولا لأمة وإنما للعالمين, الذين كانوا في عصره والذين جاءوا بعد عصره إلى قيام الساعة, من العرب والعجم، قال الله تعالى: وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الجمعة:3].

فكان النبي صلى الله عليه وسلم مباركاً أينما كان, الخير معه، والنور في صدره, والبركة في يده, ولهذا أحبه الناس, وتحول أعداؤه إلى أصدقاء ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت:34].

ودانت الجزيرة العربية للإسلام، وتربى هؤلاء الرجال الأفذاذ على مثل ذلك الأستاذ الكبير العظيم صلى الله عليه وسلم.


استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة اسٌتمع
أحاديث موضوعة متداولة 5155 استماع
حديث الهجرة 5026 استماع
تلك الرسل 4157 استماع
الصومال الجريح 4148 استماع
مصير المترفين 4126 استماع
تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة 4054 استماع
وقفات مع سورة ق 3979 استماع
مقياس الربح والخسارة 3932 استماع
نظرة في مستقبل الدعوة الإسلامية 3874 استماع
العالم الشرعي بين الواقع والمثال 3836 استماع