خطب ومحاضرات
التزمت ولكن!!
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين، سيدنا وحبيبنا وإمامنا وقدوتنا محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اقتفى أثره وسار على دربه، واتبع شريعته ودعا إلى ملته.
أما بعد:
أيها الأحبة في الله! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسأل الله سبحانه وتعالى كما جمعنا في هذا المكان الطاهر، وفي هذه الليلة الشريفة وجمعنا على طاعته، وعلى ذكره بعد أداء فريضته، أسأله بأسمائه الحسنى، وبصفاته العلى أن يجمعنا في جناته جنات النعيم، وآبائنا وأمهاتنا، وإخواننا وأخواتنا، وزوجاتنا وذرياتنا، وجميع إخواننا المسلمين برحمته إنه أرحم الراحمين.
التزمت ولكن!! عنوانٌ مثيرٌ للتساؤل، يبحث في مشكلة ويقدم الحلول المناسبة لها، هي في الأصل ليست مشكلة بل هي بارقة أمل، وصحوة قلب، ودليل عافية، وعملٌ لا بد منه.
الالتزام هو: التمسك بطاعة الله، وأداء فرائض الله، والبعد عن محارم الله، والاستقامة على منهج الله، هذا المعنى العام لكلمة الالتزام.
وظاهرة الالتزام: ظاهرة منظورة وملاحظة ومشهودة، ليس أدل عليها من حضوركم، فهذا الحضور الغفير، وهذا الجمع الكبير يبعث على الأمل، لا سيما إذا عرفنا أن معظم الجالسين من الشباب الذين سلكوا طريق الهداية إلى الله، وتركوا خلفهم كل طرق الغواية والضلال، ولم يستجيبوا لكل نداءات الشهوة والحرام، ولبوا نداء ربهم: لبيك اللهم لبيك، وبرهنوا على ذلك بتمسكهم بأوامر الله، والتزامهم بشريعة الله، واستقامتهم على منهج الله.
لكن، ماذا بعد الالتزام؟ وماذا يعني الالتزام؟
وماذا يطلب من الملتزم إذا التزم؟
وما هو البرنامج العملي الذي يجب أن يسير عليه حتى يصل إلى ساحل النجاة وبر الأمان، وحتى يدخل إلى جنة الرضوان، وينجو من عذاب النيران؟
أسأل الله سبحانه وتعالى كما هدانا أن يرزقنا الثبات حتى الممات، وأن يجعل لنا بصيرةً في أمرنا، ونوراً في قلوبنا، وعقولنا، وأبصارنا، وأسماعنا، وجوارحنا، ونوراً من بين أيدينا، ومن خلفنا، وعن أيماننا، وعن شمائلنا، ومن فوقنا، ومن تحتنا، فإنه لا نور إلا نوره، ولا توفيق إلا من عنده، هو الموفق يوفق من يشاء، ويخذل من يشاء، ويهدي من يشاء، ويضل من يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، يهب الخير إذا طُلب (يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم) اللهم اهدنا يا رب العالمين!
فقد كان سيد الهدى يطلب الهدى، ويقول فيما روته عائشة في الصحيحين : (كان صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يقول: اللهم رب جبرائيل، وميكائيل، وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراطٍ مستقيم) وهو سيد الهدى، فاللهم اهدنا لما اختلف فيه من الحق بعلمك وبإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراطٍ مستقيم.
فإن هناك موفق وهناك مخذول، وهناك مضل وهناك مهدي، فلا مهدي إلا من هدى الله، ولا موفق إلا من وفقه الله.
اشترى قاضٍ من قضاة البصرة جارية -في عهد السلف - وفي أول ليلة وهي في بيته قام آخر الليل يتفقدها؛ لأنه لا يعرف أخلاقها، فلما دخل غرفتها إذا هي ليست في الغرفة، فأساء الظن. أين ذهبت؟ وحينما بحث وجدها في زاوية غرفتها وهي تناجي ربها في آخر الليل، وتقول وهي ساجدة: اللهم إني أسألك بحبك لي أن تغفر لي، -تسأل الله في حبه لها أن يغفر لها- فلم يستسغ الشيخ هذه العبارة وقال: إن الأولى أن تقول: اللهم إني أسألك بحبي لك -لأن الإنسان يتوسل بفعله وعمله- أن تغفر لي، فانتظرها حتى سلمت ثم قال لها -وهو عالم-: لا تقولي اللهم إني أسألك بحبك لي؛ وإنما قولي: اللهم إني أسألك بحبي لك، قالت له: ليس المهم أن تُحِب، لكن المهم أن تُحب، لولا حبه لي ما أيقظني وأغفلك، أي: حبه لي هو الذي جعلني أقوم.
وليس المهم أن تحب.. قد تحب شخصاً لكنه لا يحبك، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم كان يسأل الله حبه: (اللهم إني أسألك حبك، وحب من يحبك، وحب كل عملٍ يقربني إلى حبك، اللهم اجعل حبك إلي أحب من الماء البارد على الظمأ، -ثم يقول- اللهم ما أعطيتني مما أحب؛ فاجعله لي عوناً على ما تحب، وما زويت عني مما أحب؛ فاجعله لي فراغاً فيما تحب) انظروا الكلام العظيم! (اللهم ما أعطيتني مما أحب) لأن الإنسان يعطى أشياء يحبها، يعطى المال وهو يحبه، ويُعطى الزوجة وهو يحبها، ويُعطى المنصب وهو يحبه، ويُعطى الولد وهو يحبه، فيقول صلى الله عليه وسلم: (اللهم ما أعطيتني مما أحب -من هذه الأشياء- فاجعله عوناً لي على ما تحب) اجعل الزوجة عوناً لي على محبتك، واجعل المال عوناً لي على محبتك، واجعل الأولاد عوناً لي على محبتك، واجعل المنصب عوناً لي على محبتك؛ لأن من الناس من يُعطى مما يحب؛ فيكون ما يُحب قاطعاً له عن محبة الله، الزوجة التي يحبها تقطع الطريق بينه وبين الله، المال الذي يحبه يقطع الطريق بينه وبين الله، فيصبح حبه لهذه الأشياء مانعاً له من محبة الله عز وجل.
الالتزام -أيها الإخوة- يحتاج من الإنسان إلى فهم لمعناه، ولحقيقته ولمقتضياته.
أما معناه: فهو التمسك والاستقامة على دين الله ظاهراً وباطناً، التزامٌ في المعتقد، والتزامٌ في العبادة، والتزامٌ في السلوك والأخلاق، والتزامٌ في التعامل، هذا هو الالتزام الكامل، التزامٌ في الباطن، والتزامٌ في الظاهر، التزامٌ في المسجد، والتزامٌ في العمل، والتزامٌ في السوق، والتزامٌ في البيت، لماذا؟ لأنك خضعت: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163].
فالدخول في الدين والالتزام يجب أن يكون دخولاً كاملاً، ليس دخولاً جزئياً تشليحياً، يشلح الدين، يأخذ من الدين لحية وثوباً فقط، وذاك يأخذ من الدين صلاة فقط، لا. الله يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً [البقرة:208] ما رأيكم! برجل ذهب للتشليح وأخذ له (دركسوناً) ووضع فوق رأسه (بوري) ومشى بالشارع ويضرب (بوري) هل هذه سيارة؟
لا. (بوري) و(دركسون) فقط؛ لكن أين السيارة؟ السيارة لها أجزاء لا بد من توفرها، كذلك الدين له أجزاء لا بد من توفرهما، لا تأخذ من الدين (البوري) ولا تأخذ فقط (الدركسون) و(الإشارة)، خذ الدين كاملاً كما قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [البقرة:208].
هذه الظاهرة والحمد لله التي نشهدها في شباب الأمة رغم جهود أعداء دين الله، وضراوة الهجمات، وشراسة الأساليب التي تسلط على الشباب من أجل إبعادهم عن دينهم، وزعزعة عقيدتهم من قلوبهم، ولكن والحمد لله تواجه كل هذه الجهود بالالتزام والتمسك، والعودة إلى الله، غير أن الشباب الملتزم بعد الالتزام يواجهون ببعض المشاكل.
منها أولاً: الجهل بما يجب أن يفعله بعد التزامه، يقول: التزمت؛ لكن ماذا أعمل الآن؟! ليس لديه منهج، وليس له برنامج، وليس عنده خطوات يمشي عليها، مجرد أنه التزم ثم أين يذهب؟
فيرتب له هذا الجهل الوقوع في بعض المعضلات، أهمها:
الانتكاس؛ لأنه إذا التزم ومشى فترة ولا يعرف ماذا يفعل، ماذا يعمل بعد ذلك؟ يرجع إلى ما كان عليه والعياذ بالله.
ومنها: الالتزام الأعوج، بدل أن يلتزم التزاماً مستقيماً؛ يلتزم التزاماً أعوجاً، أعوج في أخلاقه، أعوج في تصرفاته، أعوج في فهمه للنصوص، أعوج في تعامله مع نفسه، أعوج في تعامله مع زوجته وأولاده، أعوج في تعامله مع والده ووالدته، أعوج في تعامله مع مديره وزملائه في العمل، لماذا؟ لأنه التزام خاطئ، ما عرف الالتزام، ويظن أنه على هدى بسبب جهله بمعنى الالتزام، وبما تقتضيه عملية الالتزام من عملٍ بعد ذلك.
وفيها: الالتزام الأجوف، ونعني بالالتزام الأجوف: أن يلتزم الإنسان في الشكل، ولا يلتزم في المضمون، فيكون أجوف، ظاهره طيب، لكن باطنه خراب، هذا لا ينفع، لا بد من الالتزام الكامل الذي يشمل الظاهر والباطن.
ومنها: الفهم المغلوط للدين، لم يفهم الدين كما أراد الله، ولم يتلقاه عن كتاب الله، وسنة رسول الله؛ لكن فهمه فهم مغلوط، أو أحياناً يتلقى بعض الأفكار الضالة، والعقائد المنحرفة، كعقيدة الخوارج، أو كعقيدة المعتزلة ، أو كعقيدة الأشاعرة ، أو كعقيدة -والعياذ بالله- القدرية ، أو عقيدة المرجئة ، هذه عقائد كانت واندثرت؛ لكن بقيت مضامينها موجودة في الناس، قد يقول أحدكم: كيف؟
أقول: عقيدة الإرجاء تعتمد على: أن الإيمان ليس لـه علاقة بالعمل، إذ لا يضر مع الإيمان عندهم معصية ، ولا ينفع مع الكفر عمل، فيقولون: أنت تؤمن بالله، وتصدق بلسانك، أما العمل ليس من الدين وليس من الإيمان، هذه العقيدة ضيعت دين الله، وأذهبت شريعة الله، ولكنها الآن موجودة في كثيرٍ من الناس، عندما تأتي تكلمه عن أوامر الله مثل الصلاة في المسجد، وإطلاق لحيته، قال: يا شيخ! ربنا رب قلوب، إن الله لا ينظر إلى صوركم، الله ينظر للقلوب، أنا مؤمن بربي بس فقط، هذه العقيدة موجودة عند خمسين أو ستين في المائة من الأمة، يقول: يا شيخ! الدين في القلوب، الدين ليس في اللحية، ولا في الصلاة في المسجد، الدين في القلب، أنا قلبي طيب، بل بعضهم لا يعمل عملاً قط ويقول: قلبه طيب.
كنت مرة قبل فترة في قطر وأثناء وجودي في الفندق سمعت أزيز الموسيقى يكاد الفندق يرقص بآلة صاخبة لها ضجيج وأنا أطلع في المصعد أنظر من أين الصوت، وإذا هناك رجلٌ أبيضٌ، رأسه كبير وأصلع، عنده أجهزة موسيقى ضخمة، وهو الذي رج الفندق كله بدقته على هذه الأجهزة، قلت: إنه غربي، ثم بعد فترة نزلت أصلي وبينما أنا أنظر إذا به واقف عند العلاقات العامة للفندق فدعاني صاحب العلاقات يعطيني رسالة، فجئت وإذا بهذا يسلم علي، نفس الرجل الطويل الكبير الذي رأيته يعزف الموسيقى، قلت: أنت عربي؟ قال: نعم. قلت: مسلم؟ قال: نعم. قلت: من أهل السنة؟ قال: نعم. قلت: من أي بلاد الله؟ قال: من لبنان ، قلت له: أنت الذي كنت تدقدق وتغني؟ قال: نعم، هل أعجبك غنائي؟ قلت: أسألك سؤالاً بالله عليك، هل هذا الغناء والطرب وهذا اللعب ينفعك بعد الموت يوم تقف بين يدي الله؟ قال: لا والله يا شيخ! -باعترافه يقول: والله يا شيخ! ما ينفعني، وفعلاً لا ينفع- قلت له: فكيف تعيش على عمل لا ينفعك بعد الموت؟ قال: والله يا شيخ! أنا مؤمن بقلبي وهذه عقيدتي، قلت: يعني أنك لا تصلي، قال: لا والله لا أكذب عليك، قلت: لماذا؟ قال: أمي تصلي. أمه تصلي بالنيابة، انظر العقيدة! يعني: كون أمه تصلي إذاً سقط عنه التكليف، وكونه يؤمن بالله بقلبه؛ فلا يوجد تكليف.
هذا نموذج من الناس من مئات الملايين من المسلمين ليس في بلادنا فقط، الملايين من المسلمين ألف مليون مسلم، ليس في بلادنا إلا ستة عشر مليوناً من المسلمين، والبقية في العالم وهذه عقيدة أكثر الناس.
عقيدة الخروج والخوارج تأتي عند المتدينين الذين يفهمون الدين ويتحمسون لـه ويندفعون إليه، ثم يكبر في قلبهم الحماس حتى يتجاوزونه، ولهذا سموا المارقة، لماذا؟
لأنهم يمرقون من الدين، يقول عليه الصلاة والسلام فيهم: (يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم، وعبادته إلى عبادتهم، ثم قال: يمرقون من الدين كما تمرق السهم من الرمية ثم لا يعودون إليه) يقرءون القرآن؛ لكن لا يجاوز حناجرهم، حظهم من القرآن التلاوة، لكن لا يفهمون منه شيئاً، ولا يدخل في قلوبهم منه شيء، موجودة هذه في كثير من المجتمعات تراه يتوقد ويحترق حماساً للدين، لكن ليس هذا هو الدين، الدين ما شرع الله، وشرع رسوله صلى الله عليه وسلم.
من أين تأتي مثل هذه الأشياء؟ تأتي من الخطأ في الالتزام، الالتزام يحتاج إلى ضوابط، وإلى موازين بحيث لا ينحرف الملتزم فيضل أكثر من ضلال ذاك المفلوت؛ لأن المفلوت في الشر، والواقع في الغناء والزنا والمعاصي منحرف ويعرف أنه منحرف، ولذا يمكن أنه في يوم من الأيام يتوب، أما الملتزم خطأ، يمشي في الخطأ ويظن أنه على هدى، ولذا ليس هناك أمل أنك تصلحه؛ لأنه يحسب أنه على الهدى زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ [التوبة:37] فتأتي الخطورة في انحراف الملتزم من هذا الجانب.
يبدأ السؤال: ما الواجب عليَّ بعد الالتزام؟
هذا السؤال يتردد في ذهن كل شخص، ماذا أعمل بعد الالتزام؟
العمل بعد الالتزام كالتالي:
تغيير ما كان عليه في السابق
لأنك ملتزم تغيرت ما عدت كما كنت، عينك تغيرت، كانت تحب النظر في النساء، والآن لاتلتفت ولا تنظر، أذنك تغيرت كانت تسمع الغناء والآن لا تسمع، لسانك تغير كان يتكلم في الحرام والآن لا يتكلم، كل شيء تغير في حياتك، ويجب أن توطن نفسك، وتشعر نفسك، وتستشعر من قرارة نفسك أنك قد انتقلت من حياة إلى حياة، ومن وضعٍ إلى وضع، فينبغي لك أن تتكيف على الجو الجديد، وعلى المناخ الجديد، وأن تتعامل معه على هذا الأساس، هذا أول شيء، وهو شعور قلبي يترجم إلى واقع عملي ينبعث من عمق النفس البشرية، وهذا يتطلب منه الخطوة الثانية.
تعلم العلوم الشرعية
فلا بد أول شيء بعد الشعور أنك انتقلت إلى الحياة الإيمانية، أن تبدأ في الحياة العملية بطلب العلم، وترفق العلم بالعمل سواء، ولا تقل: أتعلم ثم أعمل، لا. كلما علمت تعمل، أي شيء تعرف أنه من الدين بدليل من الكتاب والسنة تطبقه مباشرة، فتتعلم وتعمل في آنٍ واحد.
إجراء بعض التعديلات في أسلوب الحياة
يقول: سعيد بن المسيب : [والله ما نظرت إلى ظهر مصلٍ] يعني: لا يصلي إلا في الصف الأول، ويقول: [والله ما سمعت الأذان من خارج المسجد خمسين سنة، ولا خرجت إلى المسجد يوماً فلقيني الناس وقد انصرفوا] يقول: ما خرجت ولقوني وقد انصرفوا من الصلاة هذه هي العبادة، هذا هو الالتزام الصحيح، فتجري تغييراً في أسلوب أدائك للصلاة، بأن تؤدي الصلاة مع أول الناس، ثم في الصلاة كيف تصلي؟ الصلاة هي حركة جسد، وحركة قلب، فتكبر بتحقيق وتقرأ بترتيب، وتتأمل معاني القراءة، ثم تركع بخشوع، وتسجد بخضوع، وتجلس بيقين، وتتشهد بطمأنينة، وتسلم في رجاء، وبعد هذا لا تدري أقبلت صلاتك منك، أم ردت عليك.
يقول أحد السلف: والله لأن تختلج الأسنة بين كتفي أحب إليَّ من أن أذكر شيئاً من دنياي في صلاتي، فكيف بصلاتنا يا إخواني؟! -لا إله إلا الله- فيتغير وضعك مع العبادة، ثم يتغير وضعك مع النافلة، كنت قبل ذلك تصلي الفرض وتذهب، لا. الآن أنت ملتزم، تصلي الفرض وتصلي الرواتب، وتصلي النوافل وتقوم الليل، وتصلي ركعتي الضحى، هذه لا تتركها؛ لأنك ملتزم، والله إنه شيء يؤلم -أيها الإخوة- أن نرى في بعض المساجد أكثر من يقضي الركعات في الصلاة الملتزمين، وتجد العوام العاديين في الصف الأول، إذاً من الملتزم الحقيقي؟ الذي في الصف الأول، أما ذاك ولو كانت سيماه سيما الالتزام، لكن عمله ليس عمل التزام.
أيضاً في الإنفاق أنت ملتزم، يجب أن تدخر لك شيئاً عند الله، من مصروفك الشخصي إن كنت طالباً، أو من مصروفك العائلي إن كنت رب الأسرة، اجعل شيئاً لله من دخلك، ولو عشرة ريال في الشهر، أو خمسين أو مائة ريال.
وأيضاً في علاقتك بالعلماء، وفي علاقتك بمجالس العلم بالندوات، في علاقتك بكل عملٍ يحبه الله ويرضاه أجر تغييراً على الوضع.
أيضاً في السلوك والتعامل والأخلاق، كنت تمر في الشارع وتمشي بالسيارة، وتفحط وتسرع، لكن الآن بعد أن التزمت لا بد أن تمشي بهدوء. إذا شغلت السيارة قل: بسم الله، سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا لـه مقرنين، تحركت السيارة تتحرك بأدب؛ لأنهم يقولون: القيادة فن وذوق وأخلاق، وأنا أقول: القيادة دين وذوق وأخلاق، تعرف دين الإنسان من قيادة السيارة، تمشي تمسك جانبك الأيمن، تريد أن تتجاوز؟ تتجاوز بأصول، أتيت الإشارة تقف، لا تسرع: وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً [الإسراء:37] لماذا؟ لأن مشيك في الشارع وأنت ملتزم عبادة ودعوة، إذا رآك الناس وأنت تمشي في الشارع وجاء شخص يريد أن يدخل توقفت له لكي يمشي ونظر إليك وشكرك ورأى لحيتك؛ ماذا يقول؟ يقول: ما شاء الله! انظروا كيف هم المتدينون، الدين يا جماعة! خير عظيم، الدين يهذب الأخلاق، كيف تعلم هذا من الدين أن يترك لي فرصة السير، لكن لو أتيت ورأيته يريد أن يدخل، وهو داخل وأنت تريد أن تسبقه ونظر لحيتك، قال: انظر المطوع المعقد هذا، ولا أعقد من المطاوعة هؤلاء، هذا (أبو دقنة)، هذا يضايقني، مشيك في الشارع إما دعوة لك وإما دعوة عليك.
بل كنت مرة من المرات وأنا في أبها إمام مسجد، وأنا آتي من بيتي وفي شارع عام ذي اتجاهين يفصلني عن المسجد، فوقفت على الشارع أريد أن تمر السيارات وأمشي، فجاء أحد المصلين ووقف بجانبي، وأحد الإخوة جاء مسرعاً، ولحيته ما شاء الله! تملأ صدره؛ لكنه مسرع، وإذا بهذا الأخ يقول لي: انظر انظر لحيته يا شيخ! قلت: وما في لحيته؟ قال: يسرع، قلت: من الذي يسرع لحيته أم رجله؟ من الذي داس بنزين؟ قال: رجله، قلت: حسن ولماذا لا تقول: انظر أنفه أو انظر عينه؟ لماذا ما نظرت إلا للحيته، أم أنك لا تريد اللحية، قال: لا. هذا مطوع مفروض أنه لا يسرع، انظروا كيف الناس! يقول: المطوع من المفروض أن لا يسرع.
فأنت إذا التزمت؛ عليك أن تجري تغييراً حتى في قيادة السيارة. ثم تجري تغييراً في التعامل، وأنت موظف تدخل الفصل أو المكتب تقول: السلام عليكم، وتبتسم، وتقول: صبحكم الله بالخير يا إخوان! كيف حالكم؟ عساكم طيبين؟ بعد ذلك تكون سباقاً إلى الخير في الخدمة، والأخلاق، والكرم، وفي كل شيء؛ لماذا؟ لأنك ملتزم، علمك الدين الالتزام، كنت قبل ذلك لا تبالي، ليس عندك أخلاق، ولا عندك ذوق، ولا تراعي، ولا تكرم الناس، ولا تسلم على الناس؛ لكن عندما التزمت يفرض عليك التزامك أن تغير أخلاقك بأخلاق الإسلام.
لكن الحقيقة أن هناك الآن توجه عكسي، تجد بعض الشباب لديه أخلاق، فإذا التزم تغيرت أخلاقه، يدخل على زملائه في المكتب ينظر إلى لحاهم محلوقة فيجلس، ماذا هناك؟ قال: لا أسلم على العصاة، ما شاء الله! هل هذه دعوة؟ إذا كانوا عصاة في حلق لحاهم؛ فأنت أكبر عاصٍ في تعاملك السيئ معهم، عليك أن تسلم وأن تبش، وأن تبتسم، وأن تكرم، لكي تكسب قلوبهم، لكن إذا تعاملت معهم بهذا المنطق؛ تبغضهم في الله، ولا تسلم عليهم ماذا يعملون هم؟ يبغضونك، وإذا أبغضوك أبغضوا من؟ أبغضوا دعوتك ودينك، فتكون أنت بتصرفك هذا بدل أن تدعوهم تطردهم، تنفر الناس عن دين الله، فيجب أن يتغير وضعك.
تغيير الوضع في البيت مع الأهل
لكن إذا التزم بعض الشباب وعنده زوجة، لم تعد تراه أبداً، تقوله له: أين كنت؟ قال: مع الإخوة في الله -من المغرب إلى الفجر- وإذا أتى في الصباح صلى الفجر وعاد للبيت ينام إلى الظهر، وخرج فتقول له: إلى أين أنت ذاهب؟ فيقول: عندي رحلة، عندي التزام، عندي موعد، عندي ندوة، قالت: الله أكبر عليك! من يوم التزمت لم نعد نراك، وتكره الالتزام.
إذاً الالتزام يقتضي منك أن تكون موجوداً في بيتك.
أيضاً تعاملك مع والدك ومع والدتك، من يوم أن تلتزم تعود إلى الوالد.. تلتصق بالوالد.. تكون ظل الوالد، إذا خرج إلى السوق تخرج معه، أو تتقضى له أنت، وإذا جاءه ضيف ترحب به وتصب القهوة له، وتفتح البيت له، وقبل أن تخرج من البيت تقول: يا أبي تريد شيئاً؟! تريد أن تذهب إلى مكان؟ تأذن لي؟ إذا قال أبوك: اذهب؛ فاذهب، وإذا قال: اجلس، تقول: حاضر يا أبي! فماذا يكون انعكاس هذا على والدك، يقول: الحمد لله ولدنا منذ هداه الله والتزم بالدين والله إنه طيب، وأخلاقه صارت طيبة، وبدأنا نراه، والآن ينفعنا، ويقوم بلازمنا، ويحب الالتزام؛ لكن بعض الشباب إذا التزم انقطعت صلته بوالده، لماذا؟ قال: أبي عاصي لا تجوز خدمته، فيكره الوالد الولد، ويكره الالتزام، وإذا رأى ولداً آخر من أولاده يريد أن يلتزم ضربه، قال: لا. تريد أن تكون مثل فلان.
تزكية النفس
ثم أن تعمل لهذا الدين، الله هداك لهذا الدين فما موقفك؟ أن تعمل له، وأن تخدمه، وأن تدعوا إليه، وأن تمد حبال المجال للآخرين لكي تأتي بهم، حتى يكثر سواد المسلمين، ويكثر الخير، وينتشر الخير، ويعم الفضل، وهذا من مسئولياتك؛ لأنه إن لم تدع أنت وأنت الملتزم بالدين؛ فمن تتوقع أن يدعو إليه غيرك، إنها مسئوليتك، وجزءٌ من عملك أمام الله سبحانه وتعالى.
قطع الصلة بالحياة السابقة
يقول ابن القيم رحمه الله: انظر إلى الظبي وكلب الصيد، فالظبي إذا رأيته كأنه خلق للطيران -بطن الظبي لاصقة بظهره- وإذا أسرع في المشي تظن أنه لا يمس الأرض وأنه يسبح في الهواء، وكلب الصيد ليس سريعاً كالظبي، ولكن لماذا يمسك بالظبي؟ السبب أن الظبي يجري ويلتفت، يريد أن يتأكد هل الكلب وراءه أم لا؟ والكلب يجري ولا يلتفت وعينه إلى الأمام، فكلما التفت الظبي خارت قواه درجة، وزادت في قوى الكلب درجة؛ لأن الكلب يُعرف أنه لا يلتفت إلا وهو متعب، فذاك يشد وذاك يضعف، إلى أن يمسك به، لكن يقول ابن القيم : لو أن الظبي مشى ولم يلتفت؛ لا يطلبه الكلب ولا يصل إليه.
وأنت تمشي إلى الله مسرعاً، يقول الله: وَسَارِعُوا [آل عمران:133] أي: سابقوا؛ لأن وراءك كلب يريد أن يمسك بك، وهو الشيطان، فإذا مشيت ولم تلتفت، لا يستطيع أن يقبض عليك؛ لأن الله يقول: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ [الحجر:42] لكن إذا التفت إلى الأغنية التي كنت تسمعها، ومرت عليك في الراديو قلت: أريد أن أسمعها قليلاً، أمسك بك الشيطان، التفت إلى المرأة، التفت إلى القهوة التي كنت تسمر فيها، والاستراحة التي كنت تقعد فيها على الدش، قلت: سأذهب هذه الليلة، هذه بداية الانتكاس، فاقطع صلتك بالماضي، وافطم نفسك عنه بالكلية، حتى ولو للدعوة؛ لأن الشيطان قد يأتي بك بطريق مبرر، ويقول لك: زملاءك، أقرانك، أحبابك، إن الله هداك؛ فلماذا لا تذهب لتهديهم؟
أنت في هذا الطور لا تستطيع أن تهدي، بالكاد تتعافى فقط، ما نريدك أن تهديهم، اهد نفسك فقط؛ لأنك إذا رجعت إليهم تريد أن تهديهم؛ سحبوك، وأرجعوك إلى ما كنت عليه؛ لأنك لست مؤهلاً لعلاجهم؛ لأن العلاج لا يأتي إلا على طريق الأطباء، أما المرضى إذا تعافى المريض يعافي نفسه، أما أن يتحول من مريض إلى طبيب فإنه سيرجع مريضاً.
أولاً: أن تعرف أنك بالالتزام قد انتقلت من حياة إلى حياةٍ جديدة، وأقبلت على الله، فينبغي أن تهيئ لنفسك مناخاً يتناسب مع الحياة الجديدة، وأن تجري تغييرات في أسلوب حياتك، الكتاب الذي كنت تقرأه؛ تغيره بالكتاب الإسلامي، المجلة التي كنت تقرأها وهي غير إسلامية؛ تبدأ تغيرها بمجلة إسلامية، والشريط الغنائي الذي كنت تسمعه؛ تغيره بشريط إسلامي، وإذا كنت تنام متأخراً تبدأ تنام مبكراً؛ لأنك ستقوم لصلاة الفجر، الصديق والزميل الذي كنت تمشي معه على الباطل تغيره بصديق وزميل تمشي معه على الحق، العلاقة التي كنت تربطها بالقهوة وبالشارع وبالرصيف وبالسوق تقطعها وتبدأ علاقة جديدة بالمسجد وبحلقات العلم، لماذا؟
لأنك ملتزم تغيرت ما عدت كما كنت، عينك تغيرت، كانت تحب النظر في النساء، والآن لاتلتفت ولا تنظر، أذنك تغيرت كانت تسمع الغناء والآن لا تسمع، لسانك تغير كان يتكلم في الحرام والآن لا يتكلم، كل شيء تغير في حياتك، ويجب أن توطن نفسك، وتشعر نفسك، وتستشعر من قرارة نفسك أنك قد انتقلت من حياة إلى حياة، ومن وضعٍ إلى وضع، فينبغي لك أن تتكيف على الجو الجديد، وعلى المناخ الجديد، وأن تتعامل معه على هذا الأساس، هذا أول شيء، وهو شعور قلبي يترجم إلى واقع عملي ينبعث من عمق النفس البشرية، وهذا يتطلب منه الخطوة الثانية.
أن يتعرف ويتعلم هذا الدين الذي التزم به، فيبدأ في العلم بحفظ القرآن الكريم، ويبدأ بدايات مرشدة، يحفظ جزء عم، ثم جزء تبارك، ثم جزء قد سمع، ثم تحفظ إلى (ق) واسمه المفصل؛ لأن سوره مفصلة، وكلما قرأت سورة تأخذ تفسيرها من القرآن، ماذا أراد الله مني؟ ماذا يطلب الله مني؟ تقف عند الآيات، تراجع نفسك مع مضمون هذه الآيات، كما كان السلف رضي الله عنهم يعملون، يقول عبد الله بن مسعود : [كنا لا نتجاوز العشر آيات من القرآن حتى نعيهن ونعمل بهن] إذا أكمل العشر الآيات وطبقها انتقل إلى العشر الأخرى، ولذا فهم يتعلمون ويعملون، واليوم نقرأ القرآن من أوله إلى آخره، وإذا أكمل الفرد منا القرآن أوقفه وقل: بالله ما قرأت؟ يقول: القرآن، حسناً.. ماذا أمرك الله فيما قرأت؟ قال: لا أعرف، وماذا نهاك الله فيما قرأت؟ قال: لا أعرف، ما هي القصة التي مررت عليها في القرآن؟ ما هي النواهي؟ وما الأخبار؟ لا شيء، يقرأه ولا يدري ماذا قرأ، هذا ليس تعاملاً شرعياً مع القرآن، الله أنزل القرآن ليُعمل به بعد التدبر، يقول عز وجل: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص:29] ويقول عز وجل: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24] فأول شيء أن تتعلم الدين الذي التزمت به، وتعرف الطريق الذي سرت فيه، أنت التزمت الآن؛ لكن لا تدري ما الذي التزمت به؟ فتبدأ بحفظ القرآن، الأجزاء الأولى منه، دراسة تفسيرها، وحفظ شيء من السنة، تبدأ بـالأربعين النووية ، وتقرأ شروحها من كتاب ابن رجب الحنبلي جامع العلوم والحكم ، وتبدأ بـآداب المشي إلى الصلاة الذي ألفه الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، تبدأ بـالأصول الثلاثة في العقيدة، تقرأ مختصر السيرة النبوية لـمحمد بن عبد الوهاب أيضاً، تبني نفسك علمياً لكي يوجهك العلم، وأنت ماشي تجد العلم يوجهك؛ لأن العلم نور، والذي يمشي بغير علم مثل الذي يمشي في الظلام، والذي يمشي في الظلام يقع في الحفر ويقع في الآفات، وربما يصاب في طريقه وهو لا يشعر.
فلا بد أول شيء بعد الشعور أنك انتقلت إلى الحياة الإيمانية، أن تبدأ في الحياة العملية بطلب العلم، وترفق العلم بالعمل سواء، ولا تقل: أتعلم ثم أعمل، لا. كلما علمت تعمل، أي شيء تعرف أنه من الدين بدليل من الكتاب والسنة تطبقه مباشرة، فتتعلم وتعمل في آنٍ واحد.
ثم إجراء التعديل في أسلوب حياتك -مثلاً- في العبادة، كنت تصلي لكن تصلي صلاة عادية، مثلما يصلي أكثر الناس الآن، يأتي متأخراً، ويدخل ويكبر ثم يستسلم للأفكار وللخطرات والمعاني، ثم يسلم ويذهب بلا سنة، لا. الآن انتهى. أنت ملتزم، متى تأتي؟ قبل الأذان، وإذا تأخرت فمع الأذان، أما تكبيرة الإحرام، فلا تفوتك، يقول أحد السلف: إذا رأيت الرجل تفوته تكبيرة الإحرام فانزع يدك منه فإنه ليس بشيء -هذا الذي تفوته تكبيرة الإحرام كيف الذي لا يصلي؟!- فتكون في صلاتك ملتزماً، الصف الأول لك، بل الروضة لك، بئس العبد الذي لا يأتي إلا إذا دعي، الذي لا يأتي إلا بعد الأذان هذا بئس العبد، ولذا كان معظم السلف لا يسمعون الأذان من خارج المسجد.
يقول: سعيد بن المسيب : [والله ما نظرت إلى ظهر مصلٍ] يعني: لا يصلي إلا في الصف الأول، ويقول: [والله ما سمعت الأذان من خارج المسجد خمسين سنة، ولا خرجت إلى المسجد يوماً فلقيني الناس وقد انصرفوا] يقول: ما خرجت ولقوني وقد انصرفوا من الصلاة هذه هي العبادة، هذا هو الالتزام الصحيح، فتجري تغييراً في أسلوب أدائك للصلاة، بأن تؤدي الصلاة مع أول الناس، ثم في الصلاة كيف تصلي؟ الصلاة هي حركة جسد، وحركة قلب، فتكبر بتحقيق وتقرأ بترتيب، وتتأمل معاني القراءة، ثم تركع بخشوع، وتسجد بخضوع، وتجلس بيقين، وتتشهد بطمأنينة، وتسلم في رجاء، وبعد هذا لا تدري أقبلت صلاتك منك، أم ردت عليك.
يقول أحد السلف: والله لأن تختلج الأسنة بين كتفي أحب إليَّ من أن أذكر شيئاً من دنياي في صلاتي، فكيف بصلاتنا يا إخواني؟! -لا إله إلا الله- فيتغير وضعك مع العبادة، ثم يتغير وضعك مع النافلة، كنت قبل ذلك تصلي الفرض وتذهب، لا. الآن أنت ملتزم، تصلي الفرض وتصلي الرواتب، وتصلي النوافل وتقوم الليل، وتصلي ركعتي الضحى، هذه لا تتركها؛ لأنك ملتزم، والله إنه شيء يؤلم -أيها الإخوة- أن نرى في بعض المساجد أكثر من يقضي الركعات في الصلاة الملتزمين، وتجد العوام العاديين في الصف الأول، إذاً من الملتزم الحقيقي؟ الذي في الصف الأول، أما ذاك ولو كانت سيماه سيما الالتزام، لكن عمله ليس عمل التزام.
أيضاً في الإنفاق أنت ملتزم، يجب أن تدخر لك شيئاً عند الله، من مصروفك الشخصي إن كنت طالباً، أو من مصروفك العائلي إن كنت رب الأسرة، اجعل شيئاً لله من دخلك، ولو عشرة ريال في الشهر، أو خمسين أو مائة ريال.
وأيضاً في علاقتك بالعلماء، وفي علاقتك بمجالس العلم بالندوات، في علاقتك بكل عملٍ يحبه الله ويرضاه أجر تغييراً على الوضع.
أيضاً في السلوك والتعامل والأخلاق، كنت تمر في الشارع وتمشي بالسيارة، وتفحط وتسرع، لكن الآن بعد أن التزمت لا بد أن تمشي بهدوء. إذا شغلت السيارة قل: بسم الله، سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا لـه مقرنين، تحركت السيارة تتحرك بأدب؛ لأنهم يقولون: القيادة فن وذوق وأخلاق، وأنا أقول: القيادة دين وذوق وأخلاق، تعرف دين الإنسان من قيادة السيارة، تمشي تمسك جانبك الأيمن، تريد أن تتجاوز؟ تتجاوز بأصول، أتيت الإشارة تقف، لا تسرع: وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً [الإسراء:37] لماذا؟ لأن مشيك في الشارع وأنت ملتزم عبادة ودعوة، إذا رآك الناس وأنت تمشي في الشارع وجاء شخص يريد أن يدخل توقفت له لكي يمشي ونظر إليك وشكرك ورأى لحيتك؛ ماذا يقول؟ يقول: ما شاء الله! انظروا كيف هم المتدينون، الدين يا جماعة! خير عظيم، الدين يهذب الأخلاق، كيف تعلم هذا من الدين أن يترك لي فرصة السير، لكن لو أتيت ورأيته يريد أن يدخل، وهو داخل وأنت تريد أن تسبقه ونظر لحيتك، قال: انظر المطوع المعقد هذا، ولا أعقد من المطاوعة هؤلاء، هذا (أبو دقنة)، هذا يضايقني، مشيك في الشارع إما دعوة لك وإما دعوة عليك.
بل كنت مرة من المرات وأنا في أبها إمام مسجد، وأنا آتي من بيتي وفي شارع عام ذي اتجاهين يفصلني عن المسجد، فوقفت على الشارع أريد أن تمر السيارات وأمشي، فجاء أحد المصلين ووقف بجانبي، وأحد الإخوة جاء مسرعاً، ولحيته ما شاء الله! تملأ صدره؛ لكنه مسرع، وإذا بهذا الأخ يقول لي: انظر انظر لحيته يا شيخ! قلت: وما في لحيته؟ قال: يسرع، قلت: من الذي يسرع لحيته أم رجله؟ من الذي داس بنزين؟ قال: رجله، قلت: حسن ولماذا لا تقول: انظر أنفه أو انظر عينه؟ لماذا ما نظرت إلا للحيته، أم أنك لا تريد اللحية، قال: لا. هذا مطوع مفروض أنه لا يسرع، انظروا كيف الناس! يقول: المطوع من المفروض أن لا يسرع.
فأنت إذا التزمت؛ عليك أن تجري تغييراً حتى في قيادة السيارة. ثم تجري تغييراً في التعامل، وأنت موظف تدخل الفصل أو المكتب تقول: السلام عليكم، وتبتسم، وتقول: صبحكم الله بالخير يا إخوان! كيف حالكم؟ عساكم طيبين؟ بعد ذلك تكون سباقاً إلى الخير في الخدمة، والأخلاق، والكرم، وفي كل شيء؛ لماذا؟ لأنك ملتزم، علمك الدين الالتزام، كنت قبل ذلك لا تبالي، ليس عندك أخلاق، ولا عندك ذوق، ولا تراعي، ولا تكرم الناس، ولا تسلم على الناس؛ لكن عندما التزمت يفرض عليك التزامك أن تغير أخلاقك بأخلاق الإسلام.
لكن الحقيقة أن هناك الآن توجه عكسي، تجد بعض الشباب لديه أخلاق، فإذا التزم تغيرت أخلاقه، يدخل على زملائه في المكتب ينظر إلى لحاهم محلوقة فيجلس، ماذا هناك؟ قال: لا أسلم على العصاة، ما شاء الله! هل هذه دعوة؟ إذا كانوا عصاة في حلق لحاهم؛ فأنت أكبر عاصٍ في تعاملك السيئ معهم، عليك أن تسلم وأن تبش، وأن تبتسم، وأن تكرم، لكي تكسب قلوبهم، لكن إذا تعاملت معهم بهذا المنطق؛ تبغضهم في الله، ولا تسلم عليهم ماذا يعملون هم؟ يبغضونك، وإذا أبغضوك أبغضوا من؟ أبغضوا دعوتك ودينك، فتكون أنت بتصرفك هذا بدل أن تدعوهم تطردهم، تنفر الناس عن دين الله، فيجب أن يتغير وضعك.
استمع المزيد من الشيخ سعيد بن مسفر - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
اتق المحارم تكن أعبد الناس | 2930 استماع |
كيف تنال محبة الله؟ | 2929 استماع |
وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً | 2805 استماع |
أمن وإيمان | 2678 استماع |
حال الناس في القبور | 2676 استماع |
توجيهات للمرأة المسلمة | 2605 استماع |
فرصة الرجوع إلى الله | 2572 استماع |
النهر الجاري | 2478 استماع |
دور رجل الأعمال في الدعوة إلى الله | 2468 استماع |
مرحباً شهر الصيام | 2403 استماع |