رسالة إلى مصلٍ


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:

أيها الإخوة في الله: هذه الليلة سنوجه رسالة إلى المصلي، أي: إلى كل مسلم، إذ ليس بمسلم من لا يصلي، فأهل العلم يجمعون على أن تارك الصلاة كافر؛ للأدلة الصريحة من كتاب الله، ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الصلاة صلة بين العبد وبين الله، إذا قطعها الإنسان وتركها قطع صلته بالله، وهي آخر موقع يتركه الإنسان من الإسلام، يقول عمر رضي الله عنه: [أما إنه لا حظ في الإسلام لمن أضاع الصلاة].

أهمية الخشوع

ولأهمية الصلاة وعظم شأنها وسمو منزلتها في الإسلام كانت الأوامر الربانية والنبوية في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تحث وتؤكد على ضرورة الالتزام بها شكلاً ومضموناً، والذي يؤسف له أن الكثير يتقن الشكل الخارجي في البناء لكنه يهمل المضمون، يهمل الروح التي هي حقيقة الصلاة ألا وهي: الخشوع.

وحتى لا ينخدع الإنسان بكونه يصلي ويضيع المهم في الصلاة وهو الخشوع، فإنني أوجه هذه الرسالة إلى كل مصلٍ ليتق الله عز وجل في نفسه، ولا يخدع نفسه، وليجاهدها حتى يؤدي الصلاة كما أراد الله وكما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليعلم من قرارة نفسه أنه إن صلى من غير خشوع أن صلاته كأنها ما وقعت؛ لأنه يكتب للعبد من صلاته ما حضر فيها قلبه، الصلاة حركة قلب قبل أن تكون حركة بدن، فإذا تحرك البدن وقام وقعد وركع وسجد ولكن القلب خالٍ من ذكر الله وعظمته، مشغول بالدنيا، مفكر في حطامها خارج المسجد، فهذا مسكين ما صلى، ولذا قد يصلي الرجلان ويكون بينهما كما بين السماء والأرض، شخص خاشع يجول في العرش، والآخر غافل قلبه يدور في الحش، يعني: في الدنيا -والعياذ بالله- ولذا يذكر الإمام ابن القيم رحمه الله وهو خير من تناول هذا البحث، وقد عني العلماء في القديم والحديث بأمر الخشوع في الصلاة بما له من أهمية؛ لأنه يترتب عليه قبول الصلاة أو ردها.

عني ابن القيم بهذا الأمر في مجموع كتبه وبالأخص منها كتاب الوابل الصيب من الكلم الطيب ، وشيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً، وبعض علماء الإسلام منهم الإمام الآجري في كتابه: الخشوع في الصلاة، وفي رسالة حررتها أحد الأخوات في الله اسمها رقية بنت محارب بعنوان كيف تخشعين في الصلاة وجهتها إلى الأخت المسلمة، وقد قرأت هذه الرسالة مع مجموع ما قرأت من المراجع الأخرى، وحصلت على هذه المجموعة من الكلمات التي أوجهها إلى كل مسلم ومسلمة في هذه الحياة ليتقوا الله عز وجل في أمر صلاتهم ويدافعوا الشيطان، ولا يستسلموا لنزغاته فإن الشيطان حريص كل الحرص على أن يقطعك عن الله عن طريق ترك الصلاة، فإذا عجز وبرهنت على قوة إيمانك وصدق يقينك بأن تركت الدنيا وراء ظهرك وجئت إلى المسجد لتصلي ولتقف بين يدي الله عز وجل فإن الشيطان لا يتركك لهذا الأمر، بل يجلب عليك بخيله ورجله، ويأتيك من بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك، ويزين لك الدنيا ويذكرك بكل ما لم تكن تذكره قبل الصلاة؛ حتى تخرج من الصلاة وليس معك منها شيء.

ولذا ورد في بعض الآثار أن الشيطان يقول للداخل إلى المسجد: ادخل فوالله لأخرجنك منها مثلما أدخلتك. يعني: قم واركع واسجد وتوضأ واترك أهلك ونومك لكن الطريق من عندي.

فلا ينبغي أيها الإخوة! أن نصدق ظن الشيطان، بل علينا أن ندحره وأن نستعيذ بالله من شره، وأن نحصر اهتمامنا في عشر دقائق، فإن الصلاة مهما طالت كانت مغرباً، أو عشاء أو فجراً، أو ظهراً، أو عصراً لا تتجاوز في الغالب عشر دقائق .. جاهد نفسك بقوة وبعنف في ألا تتفكر إلا في الصلاة، ولا تتفكر إلا في الجنة والنار بحيث تخرج من الصلاة وقد اطمأن قلبك، وخشعت جوارحك، وعرفت أنك قدمت عملاً صالحاً؛ لأن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان صالحاً، يقول الله عز وجل: فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً [الكهف:110] ما هو العمل الصالح؟ قال العلماء: الصالح أصوبه وأخلصه، أصوبه على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخلصه لله تبارك وتعالى.

الخشوع في الصلاة روح الصلاة.

الصلاة جسد والخشوع روحها، فإذا توفر الجسد والروح بقيت حياة الصلاة، أما إذا وجد الجسد وخرجت الروح فلا قيمة للجسد، شأن الصلاة شأن الإنسان، الإنسان له قيمة بمجموع أمرين: روحه التي بين جنبيه وجميع جوارحه، فإذا خرجت روحه هل يبقى للجسد قيمة؟! لا يبقى له قيمة أبداً، فالمعول الأول والأخير على الروح وهو الخشوع فهو روح الصلاة، فمن كان خاشعاً في صلاته فهو يصلي، أما الذي يصلي وقلبه في الدكان أو المزرعة أو الزوجة أو المدرسة، أو التجارة، أو مشاكل الدنيا، فلا يصلي. فبعض الناس لا تنتهي أشغاله، دائماً مشغول طوال اليوم فمتى يخلو إلى أفكاره؟ إذا صليت.

فإذا دخل في الصلاة بدأ يفكر في عمارته وسيارته ومشاكله، لماذا؟ لأنها فرصة ليس عنده وقت يفكر، إذا خرج يفكر في الدنيا من جديد ولكن هناك فرصته، فيأتيه الشيطان ليقذف في قلبه الوساوس والأفكار والخطرات حتى يخرج منها، بدرجة أنك لو أجريت استفتاء في أي مسجد للمصلين بعد أي صلاة من صلاة الجهر وقلت لهم: ماذا قرأ الإمام في الصلاة؟ فإنه لا ينجح إلا القليل، وهذا الكلام يمكن أن نجريه الآن في هذا الوقت، لو نسأل أنفسنا الآن وقد صلينا وسمعنا القراءة من الإمام: ماذا قرأ الإمام في الركعة الأولى وفي الركعة الثانية من صلاة المغرب؟ الذي يعرف هو الذي صلى، والذي ما عرف إنما هو قائم مثل العمود، العمود يصلي أربعاً وعشرين ساعة لكن لو سألنا العمود وقلنا له: يا عمود ماذا قرأ الإمام؟ يقول: لا أعلم، حسناً اسأل العمود الثاني الذي وقف عشر دقائق: يا عمود ماذا قرأ الإمام؟ قال: لا أدري، إذاً: ما الفرق بين العمودين؟ الفرق شاسع، إن هذا يقف أربعاً وعشرين ساعة فهو من الإسمنت موجود دائماً وأنت عشر دقائق وما قدرت أن تفهم ما يلقى عليك من أوامر الله ومن أوامر النبي صلى الله عليه وسلم.

كان السلف رحمهم الله يولون اهتماماً كبيراً لهذه الصلاة وللخشوع فيها.

ولذا يروى عن حاتم الأصم -وكان من التابعين رحمه الله- أنه كان من أخشع عباد الله في صلاته، قيل له: كيف تصنع إذا صليت؟ قال: إذا سمعت نداء ربي توضأت، ثم أقبلت على مسجدي -يعني: يصلي في المسجد- ثم وقفت بين يدي الله، فأتصور أن الصراط تحت قدمي، وأن الجنة عن يميني، وأن النار عن يساري، وأن الكعبة أمامي، وأن ملك الموت سيقبض روحي بعد أداء الصلاة. فربما لا أصلي إلا هذه الصلاة، ومن الذي عنده يقين أنه يعيش إلى الفجر؟ ربما لا تصلي إلا هذه الصلاة وتكون آخر شيء من حياتك، فصلِّ صلاة مودع، وإذا صليت بخشوع ومت، ختم الله لك بالمضبوط، لماذا؟ لأن الله يعطيك يوم القيامة على أحسن عمل لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا [النور:38] يعني: يأتي بصلاته كلها، وإذا مت على آخر صلاة مضبوطة يضرب الله صلواتك في أحسن شيء صليت، فصل صلاة مودع.

قال: فأتصور أن ملك الموت خلف ظهري يقبض روحي فلعلي لا أصلي بعدها صلاة، ثم أكبر بتحقيق، وأقرأ بترتيل، وأركع في خضوع، وأسجد في خشوع، وأتشهد في يقين، وأسلم في رجاء، ولا أدري أقبلت صلاتي بعد هذا أم ردت عليَّ؟!

هذا موقفه وهذا عمله مع صلاته ولا يدري أقبلت صلاته أم ردت عليه!

علاقة موقف الصلاة بموقف الآخرة أمام الله

الإنسان في هذه الدنيا وفي الآخرة له موقفان:

موقف بين يدي ربه في الصلاة، وموقف بين يدي ربه يوم يلقاه، فمن اهتم بهذا الموقف خفف الله عليه ذاك الموقف، ومن أهمل هذا الموقف شدد عليه في ذلك الموقف، وقد أثنى الله عز وجل على الخاشعين في الصلاة، يقول الله تبارك وتعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:1-2] ويثني الله عز وجل في سورة الأنبياء عندما ذكر الأنبياء فيقول في آخر الآيات: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء:90].

ويقول الله عن الصلاة: وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ يعني: ثقيلة إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ [البقرة:45] والذي يشعر بثقل في الصلاة دليل على أنه ما عرف الصلاة.

أما الذي يخشع في الصلاة فإنه لا يشبع منها! لماذا؟ لأنه مع الله، كيف يشبع من يقف بين يدي الله؟! لكن من هو الذي يضيق ويريد أن ينصرف بأي وسيلة؟

من قلبه ليس موجوداً، فالجسد يتبع القلب، فإذا كان القلب في الخارج فإن الجسد يريد أن يلحق به، القلب ملك الجوارح، فإذا كان القلب موجوداً فإن الجوارح ساكنة، وإذا كان القلب بالخارج فالجوارح غير مطمئنة، ولذا ترى كل جارحة تشتغل في جانب، جارحة العين تتلفت، وجارحة اليد تحك ظهره وأنفه ورأسه، ويصلح عقاله وغترته، وتراه يوازن بين رجليه، وظهره يؤلمه، لماذا؟ لأنه غير موجود في الصلاة، ولهذا يقول ابن القيم : والله لو سلمت منا القلوب ما شبعت من كلام الله ولا من الصلاة.

إذا صح القلب فلن يشبع من كلام الله ولن يشبع من الصلاة، لكن متى يثقل عليه القرآن وتثقل عليه الصلاة؟ إذا مرض القلب -نعوذ بالله وإياكم من مرض القلب- يقول الله عز وجل عن عباد الله الصالحين: وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً [الإسراء:109] يعني: تلاوة كتاب الله تزيدهم خشوعاً.

أصناف الناس في الخشوع

يذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه الوابل الصيب : أن الناس في الصلاة على خمسة أصناف: الأول: صنف ظالم لنفسه، وهو الذي نقص من وضوئها ومواقيتها وأركانها وحدودها وواجباتها، مثل أكثر الناس لا يصلي في الوقت المعين ولا مع جماعة المسلمين، وإذا صلى فهو لاهٍ وغافل، يقول: فهذا معاقب.

الثاني: صنف يحافظ على المواقيت، ولا يصلي إلا في الوقت، ويحافظ على الجماعة في المسجد، ويحافظ على الأركان كاملة، ويحافظ على الواجبات كاملة، وعلى الوضوء كاملاً، لكنه ضيع المجاهدة في قضية الخشوع، فهذا محاسب، وعلى قدر ما حضرت صلاته في قلبه يعطى، والذي لم يحضر قلبه ليس له.

الثالث: صنف حافظ على الحدود والأركان وجاهد نفسه في دفع الشيطان والوساوس والأفكار فهو مشغول بمجاهدة عدوه حتى لا يسرق من صلاته شيئاً، فهو في صلاة وجهاد فهذا معفو عنه، يعني: سالم.

الرابع: من إذا قام إلى الصلاة، أكمل حقوقها وأركانها وحدودها، واستغرق قلبه في مراعاة حدودها وحقوقها، بل همه كله مصروف في إقامتها كما ينبغي لها بإكمالها وإتمامها، فهذا مثاب عند الله عز وجل.

نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من هذه الدرجة والتي بعدها.

والصنف الخامس وهؤلاء لا أظنهم موجودين في الأرض الآن إلا من رحم الله.

يقول: وصنف إذا قام إلى الصلاة قام إليها كذلك مثل الرابع ولكن مع هذا يأخذ قلبه ويضعه بين يدي الله ناظر في قلبه إلى الله، مراقب لله، ممتلئً من محبة الله، وعظمة الله، كأنه يراه ويشاهده، وقد اضمحلت وذهبت تلك الوساوس والخطرات والأفكار، وارتفعت الحجب بينه وبين الله عز وجل، يقول: فهذا بينه وبين بعض المصلين أعظم مما بين السماء والأرض، فهذا مقرب.

نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من المقربين، إذا طلبت فاطلب الله العليا، اجعل همتك عاليه حتى إذا نزلت فيكون نزولاً بسيطاً، نعم اطلب دائماً المرتبة العليا، ولهذا جاء في الحديث: (سلوا الله الفردوس الأعلى) نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من عباد الله المخلصين.

فضل البكاء من خشية الله

امتدح النبي صلى الله عليه وسلم الخشوع في الصلاة، وفضل الذي يبكي من خشية الله، يقول عليه الصلاة والسلام والحديث رواه الترمذي في السنن : (لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في ضرع البقرة) لا يلج أبداً أي لا يدخل النار حتى يعود اللبن في الضرع، (ولا يجتمع غبار جهاد في سبيل الله ودخان جهنم) لا يجتمع هذا وهذا، غبار الجهاد في سبيل الله مانع وحافظ وحائل دون أن يدخل الإنسان النار نسأل الله السلامة من النار، ونسأل الله الفضل مما يمتع به أهل الجهاد في الجنة.

وفي الحديث الآخر في الصحيحين يقول عليه الصلاة والسلام: (سبعة يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله وذكر منهم: رجل قلبه معلق بالمساجد، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه -أي: خشعت عيناه- من خشية الله تبارك وتعالى) وهذا هو الذي ينفع كثيراً؛ لأن البكاء ينقسم إلى قسمين: بكاء في الخلوة، وبكاء في الجلوة، فالبكاء في الخلوة دليل قطعي على صدق الإنسان ويقينه.

أما البكاء مع الناس فهذا يحتمل أن يكون خشوع الإيمان ويحتمل أن يكون خشوع النفاق والرياء، ولكن يرجع إلى عمل الباكي، فإن وجد الباكي في الناس صالحاً في الأوامر مبتعداً عن النواهي كان بكاؤه دليل صدقه، أما إذا كان يبكي في الملأ ويعصي في الخلاء فهو كذاب؛ يبكي في المسجد لكنه في الليل يسمع الأغاني، وإذا كان في الشارع نظر إلى البنت، وإذا جاء هنا جاء يبكي، هذا كذاب؛ لأن الله سبحانه وتعالى يحاسبه على الأمر والنهي، إن درت مع الأمر ووقفت عند النهي فأنت مؤمن وإن لم تبك، وإن بكيت -البكاء فضل من الله ونعمة- أما إن عصيت الأوامر وارتكبت النواهي وبكيت من خشية الله وأنت ترتكب النهي وتترك الأمر كان هذا البكاء بكاء النفاق والعياذ بالله!

أيضاً كان صلى الله عليه وسلم من أخشع عباد الله في الصلاة، تقول عائشة رضي الله تعالى عنها والحديث صحيح: (كان يحدثنا ويحدثنا، وينادمنا وننادمه، فإذا سمع المؤذن قام إلى الصلاة كأن لا يعرف منا أحداً) وكان أبو بكر إذا وقف في الصلاة كأنه الشعرة في مهب الريح لا يعرف ما يقرأ من كثرة بكائه.

وعمر كذلك وكل السلف كانوا على هذا الوضع.

ضرورة استشعار عظمة الله في الصلاة

يقول ابن رجب الحنبلي في كتابه لطائف المعارف وفي كتابه الذي نوصي كل مسلم بشرائه وهو كتاب: جامع العلوم والحكم فهذا لا ينبغي أن يخلو منه بيت؛ لأنه شرح الأربعين النووية وأضاف من عنده عشرة صحيحة وشرحها شرحاً وافياً لم يسبقه أحد إلى ذلك، ولم يأت بعده أحد يشرح مثل شرحه، فكل حديث علق عليه أكثر من خمس أو ست صفحات وجمع فيه كل ما قيل في الموضوع الذي يتناوله هذا الحديث.

ولذا نوصي كل مسلم أن يشتري هذا الكتاب وثمنه أظن (12) ريالاً أو (10) ريالات، جامع العلوم والحكم لـابن رجب الحنبلي رحمة الله عليه، يقول: إن الخشوع لين القلب ورقته وسكونه وانكساره وحرقته وحضوره في الصلاة، وهو يحصل بالتأمل في أسماء الله وصفاته، فإذا ما أدرك العبد عظمة من يقف بين يديه وعظمة الموقف الذي يمارسه فإنه يحصل له الخشوع، ثم يدلل على هذا ويقول: إذا وقفت بين يدي ملك فاسأل نفسك كيف تكون في مثل هذا الموقف، لا أحد يستطيع أن ينظر إلى أنفه بين يدي الملك أو يحك ظهره؟ أيستطيع أن يفكر في شيء غير ما يتكلم فيه مع الملك، إذا قام بين يدي الملك أو الأمير أو المسئول وقدم له مطلبه هل يمكن أن يخطر في باله غير الكلام الذي ينادي به الملك؟ لا. سوف تضيع كل الأفكار إلا هذا الموضوع لأن الموقف جليل، فهل أعظم من أن تقف بين يدي الملك الجليل، ملك السماوات والأرض، لا إله إلا الله!

حقيقة إنه موقف مخزٍ أن يقف الإنسان بين يدي الله ثم ينصرف بقلبه عن الله، ولذا ورد في الأثر: "أن العبد إذا وقف بين يدي الله نصب الله وجهه له في الصلاة، فإذا صرف العبد قلبه صرف الله عنه وجهه، وينادي: أإلى خيرٍ مني"، تقف بين يدي وتفكر في الدنيا وتذهب، ضع قلبك معي عشر دقائق، ثم اذهب وسوس من العشاء إلى الفجر كم ساعة الآن من بعد العشاء، إلى الفجر لو صلينا الساعة الثامنة فكم إلى صلاة الفجر ساعات فراغ، أكثر من تسع ساعات لا يوسوس الواحد فيها! لكن إذا صلى جاءت الوسوسة، فهذا يدل على أنك محارب ومطارد من قبل قوة وهي قوة الشيطان بتضييع الصلاة عليك، إذ لا يفكر الإنسان أبداً وهو على الأكل لا يفكر، إذا كان في الدوام لا يفكر، إذا جلس أمام الفيلم إذا كان ممن يرى الأفلام لا يفكر إلا في الفيلم، حتى لو سرقت فلوسه من جيبه ولو جاءت مكالمة لو كلمته امرأته يقول: صه صه، لأنه معلق مشدود لا يفكر في شيء غير هذا، لماذا تجلس ساعات أمام الفيلم لا تفكر إلا به، وعشر دقائق ما قعدت تفكر بين يدي الله، لماذا؟ لأن الصلاة ترضي الله والشيطان يريد أن يسحبك منها.

أما الفيلم فيبغضه الله، والشيطان يريد أن يركز ذهنك فيه ويضيع حياتك في هذه الخزعبلات والخرافات والأكاذيب، كلها كذب في كذب فلا تتابع الكلام الفارغ، المسلسل هذا كذب كتبه كذاب ومثله عشرون كذاباً وأنت تعيش عليه وتحزن، وبعضهم لا ينام في الليل، ماذا بك؟ يقول: والله النهاية المؤلمة التي صارت للبنت، ولا توجد نهاية وكلها كذب في كذب، كن رجلاً واحتفظ بعقلك، لكن!! إنا لله وإنا إليه راجعون ضاعت عقول الأمة وراء هذه الأفلام والفيديو الذي يشتريه بعض الناس بخمسين أو ستين ريالاً ليري أولاده ويدربهم على المفاسد والحب والعشق والغرام والجرائم والأفلام البوليسية، هذه مصيبة والله من أعظم المصائب؛ لأن الله استرعاك هذه الرعية وأنت خنت هذه الرعية، والله يسألك يوم القيامة، فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الحجر:92-93]، سيسألك الله هل حفظت هذه الرعية وهم زوجتك وأولادك، أم ضيعتهم؟ بعضهم يبكي مع دموع زوجته ودموع أولاده إذا منعهم من الفيلم قاموا يبكون، قال: إذاً دعهم ينظرون، دعهم يتفرجون، دعهم ينظرون إلى الكراتين من أجل أن يكون ولده (كرتوناً) يربيه على الكراتين من صغره، لا حول ولا قوة إلا بالله! وإنا إليه راجعون!

ولأهمية الصلاة وعظم شأنها وسمو منزلتها في الإسلام كانت الأوامر الربانية والنبوية في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تحث وتؤكد على ضرورة الالتزام بها شكلاً ومضموناً، والذي يؤسف له أن الكثير يتقن الشكل الخارجي في البناء لكنه يهمل المضمون، يهمل الروح التي هي حقيقة الصلاة ألا وهي: الخشوع.

وحتى لا ينخدع الإنسان بكونه يصلي ويضيع المهم في الصلاة وهو الخشوع، فإنني أوجه هذه الرسالة إلى كل مصلٍ ليتق الله عز وجل في نفسه، ولا يخدع نفسه، وليجاهدها حتى يؤدي الصلاة كما أراد الله وكما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليعلم من قرارة نفسه أنه إن صلى من غير خشوع أن صلاته كأنها ما وقعت؛ لأنه يكتب للعبد من صلاته ما حضر فيها قلبه، الصلاة حركة قلب قبل أن تكون حركة بدن، فإذا تحرك البدن وقام وقعد وركع وسجد ولكن القلب خالٍ من ذكر الله وعظمته، مشغول بالدنيا، مفكر في حطامها خارج المسجد، فهذا مسكين ما صلى، ولذا قد يصلي الرجلان ويكون بينهما كما بين السماء والأرض، شخص خاشع يجول في العرش، والآخر غافل قلبه يدور في الحش، يعني: في الدنيا -والعياذ بالله- ولذا يذكر الإمام ابن القيم رحمه الله وهو خير من تناول هذا البحث، وقد عني العلماء في القديم والحديث بأمر الخشوع في الصلاة بما له من أهمية؛ لأنه يترتب عليه قبول الصلاة أو ردها.

عني ابن القيم بهذا الأمر في مجموع كتبه وبالأخص منها كتاب الوابل الصيب من الكلم الطيب ، وشيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً، وبعض علماء الإسلام منهم الإمام الآجري في كتابه: الخشوع في الصلاة، وفي رسالة حررتها أحد الأخوات في الله اسمها رقية بنت محارب بعنوان كيف تخشعين في الصلاة وجهتها إلى الأخت المسلمة، وقد قرأت هذه الرسالة مع مجموع ما قرأت من المراجع الأخرى، وحصلت على هذه المجموعة من الكلمات التي أوجهها إلى كل مسلم ومسلمة في هذه الحياة ليتقوا الله عز وجل في أمر صلاتهم ويدافعوا الشيطان، ولا يستسلموا لنزغاته فإن الشيطان حريص كل الحرص على أن يقطعك عن الله عن طريق ترك الصلاة، فإذا عجز وبرهنت على قوة إيمانك وصدق يقينك بأن تركت الدنيا وراء ظهرك وجئت إلى المسجد لتصلي ولتقف بين يدي الله عز وجل فإن الشيطان لا يتركك لهذا الأمر، بل يجلب عليك بخيله ورجله، ويأتيك من بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك، ويزين لك الدنيا ويذكرك بكل ما لم تكن تذكره قبل الصلاة؛ حتى تخرج من الصلاة وليس معك منها شيء.

ولذا ورد في بعض الآثار أن الشيطان يقول للداخل إلى المسجد: ادخل فوالله لأخرجنك منها مثلما أدخلتك. يعني: قم واركع واسجد وتوضأ واترك أهلك ونومك لكن الطريق من عندي.

فلا ينبغي أيها الإخوة! أن نصدق ظن الشيطان، بل علينا أن ندحره وأن نستعيذ بالله من شره، وأن نحصر اهتمامنا في عشر دقائق، فإن الصلاة مهما طالت كانت مغرباً، أو عشاء أو فجراً، أو ظهراً، أو عصراً لا تتجاوز في الغالب عشر دقائق .. جاهد نفسك بقوة وبعنف في ألا تتفكر إلا في الصلاة، ولا تتفكر إلا في الجنة والنار بحيث تخرج من الصلاة وقد اطمأن قلبك، وخشعت جوارحك، وعرفت أنك قدمت عملاً صالحاً؛ لأن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان صالحاً، يقول الله عز وجل: فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً [الكهف:110] ما هو العمل الصالح؟ قال العلماء: الصالح أصوبه وأخلصه، أصوبه على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخلصه لله تبارك وتعالى.

الخشوع في الصلاة روح الصلاة.

الصلاة جسد والخشوع روحها، فإذا توفر الجسد والروح بقيت حياة الصلاة، أما إذا وجد الجسد وخرجت الروح فلا قيمة للجسد، شأن الصلاة شأن الإنسان، الإنسان له قيمة بمجموع أمرين: روحه التي بين جنبيه وجميع جوارحه، فإذا خرجت روحه هل يبقى للجسد قيمة؟! لا يبقى له قيمة أبداً، فالمعول الأول والأخير على الروح وهو الخشوع فهو روح الصلاة، فمن كان خاشعاً في صلاته فهو يصلي، أما الذي يصلي وقلبه في الدكان أو المزرعة أو الزوجة أو المدرسة، أو التجارة، أو مشاكل الدنيا، فلا يصلي. فبعض الناس لا تنتهي أشغاله، دائماً مشغول طوال اليوم فمتى يخلو إلى أفكاره؟ إذا صليت.

فإذا دخل في الصلاة بدأ يفكر في عمارته وسيارته ومشاكله، لماذا؟ لأنها فرصة ليس عنده وقت يفكر، إذا خرج يفكر في الدنيا من جديد ولكن هناك فرصته، فيأتيه الشيطان ليقذف في قلبه الوساوس والأفكار والخطرات حتى يخرج منها، بدرجة أنك لو أجريت استفتاء في أي مسجد للمصلين بعد أي صلاة من صلاة الجهر وقلت لهم: ماذا قرأ الإمام في الصلاة؟ فإنه لا ينجح إلا القليل، وهذا الكلام يمكن أن نجريه الآن في هذا الوقت، لو نسأل أنفسنا الآن وقد صلينا وسمعنا القراءة من الإمام: ماذا قرأ الإمام في الركعة الأولى وفي الركعة الثانية من صلاة المغرب؟ الذي يعرف هو الذي صلى، والذي ما عرف إنما هو قائم مثل العمود، العمود يصلي أربعاً وعشرين ساعة لكن لو سألنا العمود وقلنا له: يا عمود ماذا قرأ الإمام؟ يقول: لا أعلم، حسناً اسأل العمود الثاني الذي وقف عشر دقائق: يا عمود ماذا قرأ الإمام؟ قال: لا أدري، إذاً: ما الفرق بين العمودين؟ الفرق شاسع، إن هذا يقف أربعاً وعشرين ساعة فهو من الإسمنت موجود دائماً وأنت عشر دقائق وما قدرت أن تفهم ما يلقى عليك من أوامر الله ومن أوامر النبي صلى الله عليه وسلم.

كان السلف رحمهم الله يولون اهتماماً كبيراً لهذه الصلاة وللخشوع فيها.

ولذا يروى عن حاتم الأصم -وكان من التابعين رحمه الله- أنه كان من أخشع عباد الله في صلاته، قيل له: كيف تصنع إذا صليت؟ قال: إذا سمعت نداء ربي توضأت، ثم أقبلت على مسجدي -يعني: يصلي في المسجد- ثم وقفت بين يدي الله، فأتصور أن الصراط تحت قدمي، وأن الجنة عن يميني، وأن النار عن يساري، وأن الكعبة أمامي، وأن ملك الموت سيقبض روحي بعد أداء الصلاة. فربما لا أصلي إلا هذه الصلاة، ومن الذي عنده يقين أنه يعيش إلى الفجر؟ ربما لا تصلي إلا هذه الصلاة وتكون آخر شيء من حياتك، فصلِّ صلاة مودع، وإذا صليت بخشوع ومت، ختم الله لك بالمضبوط، لماذا؟ لأن الله يعطيك يوم القيامة على أحسن عمل لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا [النور:38] يعني: يأتي بصلاته كلها، وإذا مت على آخر صلاة مضبوطة يضرب الله صلواتك في أحسن شيء صليت، فصل صلاة مودع.

قال: فأتصور أن ملك الموت خلف ظهري يقبض روحي فلعلي لا أصلي بعدها صلاة، ثم أكبر بتحقيق، وأقرأ بترتيل، وأركع في خضوع، وأسجد في خشوع، وأتشهد في يقين، وأسلم في رجاء، ولا أدري أقبلت صلاتي بعد هذا أم ردت عليَّ؟!

هذا موقفه وهذا عمله مع صلاته ولا يدري أقبلت صلاته أم ردت عليه!

الإنسان في هذه الدنيا وفي الآخرة له موقفان:

موقف بين يدي ربه في الصلاة، وموقف بين يدي ربه يوم يلقاه، فمن اهتم بهذا الموقف خفف الله عليه ذاك الموقف، ومن أهمل هذا الموقف شدد عليه في ذلك الموقف، وقد أثنى الله عز وجل على الخاشعين في الصلاة، يقول الله تبارك وتعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:1-2] ويثني الله عز وجل في سورة الأنبياء عندما ذكر الأنبياء فيقول في آخر الآيات: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء:90].

ويقول الله عن الصلاة: وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ يعني: ثقيلة إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ [البقرة:45] والذي يشعر بثقل في الصلاة دليل على أنه ما عرف الصلاة.

أما الذي يخشع في الصلاة فإنه لا يشبع منها! لماذا؟ لأنه مع الله، كيف يشبع من يقف بين يدي الله؟! لكن من هو الذي يضيق ويريد أن ينصرف بأي وسيلة؟

من قلبه ليس موجوداً، فالجسد يتبع القلب، فإذا كان القلب في الخارج فإن الجسد يريد أن يلحق به، القلب ملك الجوارح، فإذا كان القلب موجوداً فإن الجوارح ساكنة، وإذا كان القلب بالخارج فالجوارح غير مطمئنة، ولذا ترى كل جارحة تشتغل في جانب، جارحة العين تتلفت، وجارحة اليد تحك ظهره وأنفه ورأسه، ويصلح عقاله وغترته، وتراه يوازن بين رجليه، وظهره يؤلمه، لماذا؟ لأنه غير موجود في الصلاة، ولهذا يقول ابن القيم : والله لو سلمت منا القلوب ما شبعت من كلام الله ولا من الصلاة.

إذا صح القلب فلن يشبع من كلام الله ولن يشبع من الصلاة، لكن متى يثقل عليه القرآن وتثقل عليه الصلاة؟ إذا مرض القلب -نعوذ بالله وإياكم من مرض القلب- يقول الله عز وجل عن عباد الله الصالحين: وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً [الإسراء:109] يعني: تلاوة كتاب الله تزيدهم خشوعاً.

يذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه الوابل الصيب : أن الناس في الصلاة على خمسة أصناف: الأول: صنف ظالم لنفسه، وهو الذي نقص من وضوئها ومواقيتها وأركانها وحدودها وواجباتها، مثل أكثر الناس لا يصلي في الوقت المعين ولا مع جماعة المسلمين، وإذا صلى فهو لاهٍ وغافل، يقول: فهذا معاقب.

الثاني: صنف يحافظ على المواقيت، ولا يصلي إلا في الوقت، ويحافظ على الجماعة في المسجد، ويحافظ على الأركان كاملة، ويحافظ على الواجبات كاملة، وعلى الوضوء كاملاً، لكنه ضيع المجاهدة في قضية الخشوع، فهذا محاسب، وعلى قدر ما حضرت صلاته في قلبه يعطى، والذي لم يحضر قلبه ليس له.

الثالث: صنف حافظ على الحدود والأركان وجاهد نفسه في دفع الشيطان والوساوس والأفكار فهو مشغول بمجاهدة عدوه حتى لا يسرق من صلاته شيئاً، فهو في صلاة وجهاد فهذا معفو عنه، يعني: سالم.

الرابع: من إذا قام إلى الصلاة، أكمل حقوقها وأركانها وحدودها، واستغرق قلبه في مراعاة حدودها وحقوقها، بل همه كله مصروف في إقامتها كما ينبغي لها بإكمالها وإتمامها، فهذا مثاب عند الله عز وجل.

نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من هذه الدرجة والتي بعدها.

والصنف الخامس وهؤلاء لا أظنهم موجودين في الأرض الآن إلا من رحم الله.

يقول: وصنف إذا قام إلى الصلاة قام إليها كذلك مثل الرابع ولكن مع هذا يأخذ قلبه ويضعه بين يدي الله ناظر في قلبه إلى الله، مراقب لله، ممتلئً من محبة الله، وعظمة الله، كأنه يراه ويشاهده، وقد اضمحلت وذهبت تلك الوساوس والخطرات والأفكار، وارتفعت الحجب بينه وبين الله عز وجل، يقول: فهذا بينه وبين بعض المصلين أعظم مما بين السماء والأرض، فهذا مقرب.

نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من المقربين، إذا طلبت فاطلب الله العليا، اجعل همتك عاليه حتى إذا نزلت فيكون نزولاً بسيطاً، نعم اطلب دائماً المرتبة العليا، ولهذا جاء في الحديث: (سلوا الله الفردوس الأعلى) نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من عباد الله المخلصين.

امتدح النبي صلى الله عليه وسلم الخشوع في الصلاة، وفضل الذي يبكي من خشية الله، يقول عليه الصلاة والسلام والحديث رواه الترمذي في السنن : (لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في ضرع البقرة) لا يلج أبداً أي لا يدخل النار حتى يعود اللبن في الضرع، (ولا يجتمع غبار جهاد في سبيل الله ودخان جهنم) لا يجتمع هذا وهذا، غبار الجهاد في سبيل الله مانع وحافظ وحائل دون أن يدخل الإنسان النار نسأل الله السلامة من النار، ونسأل الله الفضل مما يمتع به أهل الجهاد في الجنة.

وفي الحديث الآخر في الصحيحين يقول عليه الصلاة والسلام: (سبعة يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله وذكر منهم: رجل قلبه معلق بالمساجد، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه -أي: خشعت عيناه- من خشية الله تبارك وتعالى) وهذا هو الذي ينفع كثيراً؛ لأن البكاء ينقسم إلى قسمين: بكاء في الخلوة، وبكاء في الجلوة، فالبكاء في الخلوة دليل قطعي على صدق الإنسان ويقينه.

أما البكاء مع الناس فهذا يحتمل أن يكون خشوع الإيمان ويحتمل أن يكون خشوع النفاق والرياء، ولكن يرجع إلى عمل الباكي، فإن وجد الباكي في الناس صالحاً في الأوامر مبتعداً عن النواهي كان بكاؤه دليل صدقه، أما إذا كان يبكي في الملأ ويعصي في الخلاء فهو كذاب؛ يبكي في المسجد لكنه في الليل يسمع الأغاني، وإذا كان في الشارع نظر إلى البنت، وإذا جاء هنا جاء يبكي، هذا كذاب؛ لأن الله سبحانه وتعالى يحاسبه على الأمر والنهي، إن درت مع الأمر ووقفت عند النهي فأنت مؤمن وإن لم تبك، وإن بكيت -البكاء فضل من الله ونعمة- أما إن عصيت الأوامر وارتكبت النواهي وبكيت من خشية الله وأنت ترتكب النهي وتترك الأمر كان هذا البكاء بكاء النفاق والعياذ بالله!

أيضاً كان صلى الله عليه وسلم من أخشع عباد الله في الصلاة، تقول عائشة رضي الله تعالى عنها والحديث صحيح: (كان يحدثنا ويحدثنا، وينادمنا وننادمه، فإذا سمع المؤذن قام إلى الصلاة كأن لا يعرف منا أحداً) وكان أبو بكر إذا وقف في الصلاة كأنه الشعرة في مهب الريح لا يعرف ما يقرأ من كثرة بكائه.

وعمر كذلك وكل السلف كانوا على هذا الوضع.




استمع المزيد من الشيخ سعيد بن مسفر - عنوان الحلقة اسٌتمع
كيف تنال محبة الله؟ 2924 استماع
اتق المحارم تكن أعبد الناس 2920 استماع
وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً 2800 استماع
أمن وإيمان 2672 استماع
حال الناس في القبور 2671 استماع
توجيهات للمرأة المسلمة 2596 استماع
فرصة الرجوع إلى الله 2568 استماع
النهر الجاري 2472 استماع
دور رجل الأعمال في الدعوة إلى الله 2464 استماع
مرحباً شهر الصيام 2394 استماع