خطب ومحاضرات
الفرقة الناجية والفرقة الضالة
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
أما بعــد:
نتكلم في هذا الدرس -إن شاء الله- عن إشارات تربوية في السنة النبوية، وفي اعتقادي أن طالب العلم لا ينبغي أن يكتفي بأخذ الأحكام والحلال والحرام، وهذا وإن كان لا بد منه إلا أنه لا يكفي وحده، فأنت حين تقرأ القرآن الكريم تجد أن الله عز وجل ينـزل آية الوعيد بادئةً ببيان حكم من الأحكام، وكذلك آية الرحمة، فإذا حرَّم أمراً عقب عليه بذكر عقاب الله تعالى وأخذه للعصاة، وإذا أوجب أمراً عقب عليه بذكر الجنة ونعيمها وما أعده فيها، وذلك من أجل أن يكون قلب الإنسان مستعداً لتلقي الأحكام الشرعية.
ومن حكمة الله: أن الرسول صلى الله عليه وسلم مكث في مكة ثلاث عشرة سنة، وهو يدعو إلى العقيدة، ولم ينـزل من الأحكام إلا القليل، فلما هاجر إلى المدينة وقوي الإيمان في نفوس الناس، وصار لديهم استعداد قوي لتنفيذ الأوامر، وصار الواحد منهم كالجندي في المعركة ينتظر الأوامر لينفذ، بدأت الأحكام تنـزل بكثرة.. حتى نـزل في المدينة كثير من الأحكام الشرعية التفصيلية، وهذا يؤكد أن طالب العلم مع شدة حاجته إلى معرفة الحلال والحرام والأحكام التفصيلية، أيضاً حاجته أشد إلى معرفة الأمور القلبية، والأشياء التي تزيد من حرصه على التطبيق والتنفيذ، ومن تباعده عن مخالفته لأوامر الله عز وجل، وتجعله أكثر انتفاعاً بالقرآن والسنة.
وهناك أحاديث كثيرة جداً، فيها فوائد عظيمة في هذا الموضوع، وأذكر منها الحديث الذي رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، في وصف الخوارج حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: {يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم وصيامه إلى صيامهم، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية -ثم قال صلى الله عليه وسلم في كلام عجيب بليغ- يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ينظر إلى نصله فلا يرى فيه شيء، وينظر إلى رصافه فلا يرى فيه شيء، وينظر إلى نضيه فلا يرى فيه شيء، وينظر إلى قدحه فلا يرى فيه شيء، قد سبق الفرث والدم}.
أولاً: الكلمات والمعاني الموجودة في الحديث، بقوله صلى الله عليه وسلم: { يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم} ما معنى كونه لا يجاوز تراقيهم؟
خلاصة كلام العلماء وشراح الحديث في تفسير هذه الكلمة، أمران:
عدم فهم الخوارج لمعاني النصوص
فدل هذا عندهم على أن من دخل النار لا يخرج منها، وبذلك أنكروا خروج عصاة الموحدين من النار إلى الجنة، وهذا أمر ثابت متواتر بالقرآن والسنة، وأنكروا شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، والشفاعة أمر ثابت بالقرآن والسنة، وحكموا بكفر مرتكب الكبيرة، أو مرتكب المعصية، أخذاً بهذه الآية، وكأنهم لم يقرءوا في مقابلها قول الله عز وجل: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا [الحجرات:9] ثم قال في الآية التي تليها: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ [الحجرات:10].
فإن الله تعالى قد أثبت للمتقاتلين الإيمان والأخوة: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الحجرات:9] فأثبت لهم الإيمان، وأثبت لهم الأخوة: فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ [الحجرات:10].
فدل هذا على أن الإنسان قد يقع في المعصية، ومع ذلك لا يكفر إلا أن تكون هذه المعصية هي الشرك والعياذ بالله فالشرك بالله مخرج من الإسلام، أما المعاصي فهي من أمر الجاهلية كما قال الإمام البخاري: باب المعاصي من أمر الجاهلية، ولا يكفر بها صاحبها إلا بالشرك، فـالخوارج أخذوا ما يناسبهم، ويناسب مذهبهم فيما يزعمون، وهو قوله تعالى مثلاً: فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى [الليل:14] أو وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً [الجن:23] ونسوا قوله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ [الحجرات:10] وقوله: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ [البقرة:178] وهو القاتل هاهنا والمقتول، فاعتبرهم إخوه، إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة.
بل من أصرحها قوله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48].
فهذا هو الوجه الأول في معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: {لا يجاوز تراقيهم } أي: لا يفهمون معانيه ولا يتدبرونه ولا يعملون به.
لا يرفع لهم أجر
الأول: وكلا المعنيين صحيح، فيقال: إنه لا يجاوز تراقيهم ولا يكتب لهم أجرهم، لماذا؟
لأنهم لم يقرءوا القرآن ليعرفوا الحلال والحرام، والحق والباطل، والهدى والضلال، بل قرءوا القرآن ليعلموا ما يوافق بدعتهم في الظاهر، فيؤلونه على ما يريدون، وأما ما يخالف بدعتهم فيردونه ويئولونه، فما يوافق بدعتهم يأخذونه كما يريدون، وما يخالف بدعتهم يؤولونه ويصرفونه عن ظاهره، ولذلك لا يكتب لهم أجره.
مروقهم من الدين
المقصود بالرمية: هي الشيء المرمي، فهي كما يقول أهل اللغة: فعيل بمعنى مفعول أي: المرمي، والشيء المصيد.
فهم يمرقون من الدين، كما يمرق السهم من الرمية، وكيف يمرق السهم من الرمية؟
بين لك الرسول صلى الله عليه وسلم كيف يمرق السهم من الرمية، والعرب: لهم طريقة خاصة في صناعة السهام معروفة لدى بعضكم، وهي تجعل السهم إذا أصاب طائراً فإنه ينفذ فيه ثم يخرج بسرعة شديدة جداً، حتى أنك تأخذ السهم بعد ما خرج من الرمية، فتنظر في نصله -وهي الحديدة- فلا ترى فيه شيئاً من دم، وتنظر في رصافه وهو العصب الذي يعصب فيه السهم فلا ترى فيه شيئاً من الدم ولا من الفرث، وتنظر في نضيه: وهي الخشبة التي تبرى حتى تصبح دقيقة جداً فهو نضي بمعنى دقيق ضعيف، فلا تجد فيها شيئاً من أثر الفرث والدم، وتنظر في قدحه -أو كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: {في قذذه} وهو القدح، وهو ريش السهم- فلا تجد فيه أثراً لهذه الأشياء.
خلاصة التشبيه
عموم الحديث في أهل البدع
الأمر الأول: أن هؤلاء القوم يقرءون القرآن، ولا يفهمون معانيه، ولا يتدبرونه، ولا ينتفعون به، بل ما وجدوا من القرآن مما يناسبهم أخذوا به، وما وجدوا مما يخالف ما هم عليه اشتغلوا بتأويله وصرفه عن ظاهر معناه، فمثلاً: إذا سمعوا قول الله عز وجل: فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى * لا يَصْلاهَا إِلَّا الْأَشْقَى * الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى [الليل:14-16] قال الخوارج: هذا دليل على أن كل من عصى الله فهو كافر مخلد في النار، وأن من دخل النار لا يخرج منها، حيث قال تعالى: لا يَصْلاهَا إِلَّا الْأَشْقَى [الليل:15] أي: لا يصلاها إلا البالغ الغاية في الشقاء: الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى [الليل:16].
فدل هذا عندهم على أن من دخل النار لا يخرج منها، وبذلك أنكروا خروج عصاة الموحدين من النار إلى الجنة، وهذا أمر ثابت متواتر بالقرآن والسنة، وأنكروا شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، والشفاعة أمر ثابت بالقرآن والسنة، وحكموا بكفر مرتكب الكبيرة، أو مرتكب المعصية، أخذاً بهذه الآية، وكأنهم لم يقرءوا في مقابلها قول الله عز وجل: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا [الحجرات:9] ثم قال في الآية التي تليها: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ [الحجرات:10].
فإن الله تعالى قد أثبت للمتقاتلين الإيمان والأخوة: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الحجرات:9] فأثبت لهم الإيمان، وأثبت لهم الأخوة: فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ [الحجرات:10].
فدل هذا على أن الإنسان قد يقع في المعصية، ومع ذلك لا يكفر إلا أن تكون هذه المعصية هي الشرك والعياذ بالله فالشرك بالله مخرج من الإسلام، أما المعاصي فهي من أمر الجاهلية كما قال الإمام البخاري: باب المعاصي من أمر الجاهلية، ولا يكفر بها صاحبها إلا بالشرك، فـالخوارج أخذوا ما يناسبهم، ويناسب مذهبهم فيما يزعمون، وهو قوله تعالى مثلاً: فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى [الليل:14] أو وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً [الجن:23] ونسوا قوله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ [الحجرات:10] وقوله: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ [البقرة:178] وهو القاتل هاهنا والمقتول، فاعتبرهم إخوه، إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة.
بل من أصرحها قوله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48].
فهذا هو الوجه الأول في معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: {لا يجاوز تراقيهم } أي: لا يفهمون معانيه ولا يتدبرونه ولا يعملون به.
والوجه الثاني: أن قوله: { لا يجاوز تراقيهم} معناه: لا يرفع لهم أجره ولا يكتب لهم ثوابه، فهم يقرءون القرآن وعملهم هذا حابط عليهم، وليس لهم، فالقرآن لا يجاوز تراقيهم لسببين:
الأول: وكلا المعنيين صحيح، فيقال: إنه لا يجاوز تراقيهم ولا يكتب لهم أجرهم، لماذا؟
لأنهم لم يقرءوا القرآن ليعرفوا الحلال والحرام، والحق والباطل، والهدى والضلال، بل قرءوا القرآن ليعلموا ما يوافق بدعتهم في الظاهر، فيؤلونه على ما يريدون، وأما ما يخالف بدعتهم فيردونه ويئولونه، فما يوافق بدعتهم يأخذونه كما يريدون، وما يخالف بدعتهم يؤولونه ويصرفونه عن ظاهره، ولذلك لا يكتب لهم أجره.
استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
أحاديث موضوعة متداولة | 5155 استماع |
حديث الهجرة | 5026 استماع |
تلك الرسل | 4157 استماع |
الصومال الجريح | 4148 استماع |
مصير المترفين | 4126 استماع |
تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة | 4054 استماع |
وقفات مع سورة ق | 3979 استماع |
مقياس الربح والخسارة | 3932 استماع |
نظرة في مستقبل الدعوة الإسلامية | 3874 استماع |
العالم الشرعي بين الواقع والمثال | 3836 استماع |