الابتلاء


الحلقة مفرغة

أهل الجنة بين عابد وزاهد وصديق

أيها الأخ المسلم الكريم! أنت في هذه الدنيا إما في حالة نعمة أو في حالة بلية، وتحدثنا كثيراً عن هاتين الحالتين، ولكن ننظر إليهما في هذه الخطبة وفي هذه الدقائق المعدودة من زاوية أخرى، عسى رب العباد أن يجعلنا وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يتم علينا وعليكم نعمه ظاهرة وباطنة، وأن يصبرنا على ما ابتلانا إن ربنا على ما يشاء قدير.

أنت في الدنيا لست في دار تكريم، ولكن أنت في دار عناء وابتلاء واختبار، والبلاء كما قلنا من قبل: إما بلاء عام أو بلاء خاص، أو إن شئت فقل: بلاء مطلق أو بلاء مقيد، وهكذا أيضاً في النعم، فإما أن تكون النعمة مطلقة وإما أن تكون مقيدة ولنا مع كل حالة من هذه الحالات الأربع وقفة تختلف عن الأخرى.

أيها الأخ المسلم الكريم! بينك وبين الجنة قنطرة تستطيع أن تعبرها بخطوتين: خطوة عن نفسك، وخطوة عن الناس.

يعني: أن أهل الجنة في الدنيا أنواع ثلاثة:

إما عابد، وإما زاهد، وإما صديق.

فالعابد من يعبد الله مع العلائق، والزاهد من يعبد الله بدون علائق، والصديق من يعبد الله على الرضا، هذا كلام ربما يكون ثقيلاً على الأسماع وسوف أبينه إن شاء الله رب العالمين، فاللهم علمنا ما جهلنا، وذكرنا ما نسينا يا رب العالمين.

فالدنيا جعلت مزرعة للآخرة، وأهل الآخرة الذين قال الله فيهم: تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا [القصص:83] جعلت لأصناف ثلاثة:

إما أن يكون عابداً.

وإما أن يكون صديقاً

وإما أن يكون زاهداً.

فالعابد هو إنسان لا يرتكب الكبائر من الآثام والفواحش، ولكنه يتعرض لما يتعرض له البشر من اللمم ومن صغائر الذنوب، ولكنه يتوب أولاً بأول، فما بين الصلاة إلى الصلاة، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، والعمرة إلى العمرة، والحج إلى الحج، كفارة لما بينهن ما اجتنبت الكبائر؛ لأن أفضل ما يعبد الله به قلة الذنوب، وأفضل شيء يدخل السرور والانشراح على قلبك أن تكون قليل الذنوب كثير الحسنات.

اللهم اجعلنا قليلي الذنوب ومن التائبين عنها يا رب العالمين!

فالإنسان العابد في الدنيا يأتمر بما أمر الله وينتهي عما نهى الله سبحانه، ثم هو بعد ذلك وقاف عند حدود الله، فهو يرى الله في كل خطوة وفي كل نظرة وفي كل كلمة وفي كل حركة وسكنة، فشغله الشاغل رضوان مولاه عز وجل.

مثل أقسام السائرين إلى الله

ولقد قسمنا من قبل السائرين في الطريق إلى الله إلى أقسام ثلاثة، وضربنا لكم مثلاً: برجل غني أو أمير أو رئيس أو وزير أو ملك جاء بعمال يصنعون له في بيته شيئاً، وبعد أن وزع الأعمال عليهم صباحاً تركهم فانقسم العمال ثلاثة أصناف:

الصنف الأول قال: طالما أنني سوف آخذ أجراً فيجب أن أعمل بجد وإخلاص، سواء كان صاحب العمل يراني أو لا يراني، فهذا الصنف يعمل بجد من طلوع الشمس إلى مغيبها لا يكل ولا يستريح.

الصنف الثاني: يعمل ساعة ويستريح ساعة؛ لأن صاحب العمل غير موجود.

الصنف الثالث قال: إن صاحب العمل غير موجود ولا يراني فسوف أنام طوال النهار وأكسب صحتي وأوفر جهدي؛ لأن عندي عملاً بالليل سوف أقوم به في مكان آخر، وآخر اليوم سوف آخذ أجري، كالمدرس المهمل الذي يقول: لو نجح الفصل كله فمرتبي كما هو، ولو رسب الفصل كله فمرتبي كما هو، إذاً أنام فيرسب الفصل كله؛ لأنني لا أريد أن أتعب.

في آخر النهار اكتشف العمال جميعاً وهم الأصناف الثلاثة أن صاحب البيت ناظر إليهم يراهم من فوهة وهم لا يرونه، فهو يراهم ويرى أعمالهم منذ صبيحة اليوم إلى مغرب الشمس، فمن عمل بجد فله أجره؛ لأن صاحب العمل كان يراه بعينه، والذي قصر بعض الساعات ندم وعض أصبع الندم، والذي نام طوال اليوم كان له الخسران والخزي، فلم يعطه صاحب العمل أجراً.

ولله المثل الأعلى، فهو مالك الدنيا وخالقها، فالله سبحانه أوجدنا في الدنيا وقال: يا عبادي اتقون، يا عبادي انزلوا إلى الدنيا بعضكم لبعض عدو، أي: نحن والشيطان وسائر الشياطين أعداء بعضنا لبعض، سواء شياطين الإنس أو شياطين الجن.

إذاً: العابدون يعبدون الله عز وجل على أن الله يراهم، وهم يعبدونه على درجة الإحسان، والإحسان هو: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك).

فأنا في الدنيا يجب أن أعلم أن الله ناظر إلي من صبيحة اليوم إلى مغربها، وبالليل أيضاً يراني، لا يعزب عن الله مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، ولا يغفل رب العباد سبحانه فلا تأخذه سنة ولا نوم، قيوم السماوات والأرض، ولا يئوده حفظهما وهو العلي العظيم.

فالله عز وجل ناظر إلى عباده في الدنيا منذ أن أوجدوا فيها إلى أن يموتوا، وهذا العمر كنهار العامل تماماً، يعني: منذ أن بلغت الحلم وكلفت أيها الإنسان -رجلاً كنت أو امرأة- فالله عز وجل ناظر إليك يرى ماذا تصنع.

فانقسمنا في أعمالنا لله ثلاثة أقسام كما انقسم العمال:

قسم يعلم أن الله لا يغفل عنه؛ ولذلك هو يحب ربه، ويدعوه ليل نهار، ويعبده ليل نهار، ولا يغفل عن ذكره لحظة.

هذه الطائفة الأولى عندما يأتي يوم القيامة سوف يكونون من الفائزين الناجحين، اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين!

القسم الثاني: من تأتيهم غفلة على مر الأيام والزمن ينامون عن العبادة، تجد الواحد منهم يقصر في صلاته وعبادته، ويغتاب هذا، ويتكلم في حق هذا، وينم في حق هذا، ويسيئ إلى هذا، ولكنه رغم ذلك يعمل بعض الحسنات، هذا ندمه يوم القيامة كثير.

القسم الثالث: من ينكر الآخرة أو يمني نفسه بالأماني، قال بعض السلف: إن قوماً قد غرتهم الأماني يقولون: نحسن بالله الظن، فوالله لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل.

وجاء في الحديث القدسي: (لا أجمع على عبدي أمنين ولا خوفين، من أمنني في الدنيا أخفته في الآخرة، ومن خافني في الدنيا أمنته في الآخرة).

من مواقف الصالحين من الدنيا

هذا سفيان الثوري أمير المؤمنين في الحديث رضي الله عنه رزقه الله بخمسين ألف درهم فوزعها على إخوانه كلها، فتعجب الحاضرون وقالوا: يا إمام أتوزع عليهم خمسين ألف درهم، قال: عجباً إذا كنت في كل صلاة أطلب لهم الجنة أفلا أوزع عليهم شيئاً من حطام الدنيا؟!

يعني: أن المسألة أكبر من هذا، فليست القضية قضية كلام، وإنما القضية قضية عمل، فأنا أطلب لهم عقب كل صلاة أن يرزقهم الله الجنة ويرضى عنهم، فكيف لا أعطيهم من حطام الدنيا؟!

إذاً: عابد يعبد الله على العلائق، أي: على أمور متعلقة بالدنيا والغفلة التي تأتي.

الدرجة الأعلى: الزاهد الذي يعبد الله على غير العلائق، أي: من استولى الله عز وجل على قلبه فلا يذكر إلا الله، ولا يكون مقصده إلا الله عز وجل، قال تعالى: وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى [النجم:42] هذه هي الدرجة العليا.

أما الدرجة الأعلى من الجميع، فهي درجة الصديقية، والصديق هو الذي يعبد الله على الرضا، كما كان أبو بكر رضي الله عنه، اللهم لا تحرمنا مجاورة الصالحين في الجنة يا أرحم الراحمين.

أعود إلى ما ابتدأت فيه من حديث: يا أخا الإسلام بينك وبين الجنة قنطرة وحاجز، وتستطيع أن تعبر هذه القنطرة بخطوتين: خطوة عن نفسك، وخطوة عن الناس.

أيها الأخ المسلم الكريم! أنت في هذه الدنيا إما في حالة نعمة أو في حالة بلية، وتحدثنا كثيراً عن هاتين الحالتين، ولكن ننظر إليهما في هذه الخطبة وفي هذه الدقائق المعدودة من زاوية أخرى، عسى رب العباد أن يجعلنا وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يتم علينا وعليكم نعمه ظاهرة وباطنة، وأن يصبرنا على ما ابتلانا إن ربنا على ما يشاء قدير.

أنت في الدنيا لست في دار تكريم، ولكن أنت في دار عناء وابتلاء واختبار، والبلاء كما قلنا من قبل: إما بلاء عام أو بلاء خاص، أو إن شئت فقل: بلاء مطلق أو بلاء مقيد، وهكذا أيضاً في النعم، فإما أن تكون النعمة مطلقة وإما أن تكون مقيدة ولنا مع كل حالة من هذه الحالات الأربع وقفة تختلف عن الأخرى.

أيها الأخ المسلم الكريم! بينك وبين الجنة قنطرة تستطيع أن تعبرها بخطوتين: خطوة عن نفسك، وخطوة عن الناس.

يعني: أن أهل الجنة في الدنيا أنواع ثلاثة:

إما عابد، وإما زاهد، وإما صديق.

فالعابد من يعبد الله مع العلائق، والزاهد من يعبد الله بدون علائق، والصديق من يعبد الله على الرضا، هذا كلام ربما يكون ثقيلاً على الأسماع وسوف أبينه إن شاء الله رب العالمين، فاللهم علمنا ما جهلنا، وذكرنا ما نسينا يا رب العالمين.

فالدنيا جعلت مزرعة للآخرة، وأهل الآخرة الذين قال الله فيهم: تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا [القصص:83] جعلت لأصناف ثلاثة:

إما أن يكون عابداً.

وإما أن يكون صديقاً

وإما أن يكون زاهداً.

فالعابد هو إنسان لا يرتكب الكبائر من الآثام والفواحش، ولكنه يتعرض لما يتعرض له البشر من اللمم ومن صغائر الذنوب، ولكنه يتوب أولاً بأول، فما بين الصلاة إلى الصلاة، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، والعمرة إلى العمرة، والحج إلى الحج، كفارة لما بينهن ما اجتنبت الكبائر؛ لأن أفضل ما يعبد الله به قلة الذنوب، وأفضل شيء يدخل السرور والانشراح على قلبك أن تكون قليل الذنوب كثير الحسنات.

اللهم اجعلنا قليلي الذنوب ومن التائبين عنها يا رب العالمين!

فالإنسان العابد في الدنيا يأتمر بما أمر الله وينتهي عما نهى الله سبحانه، ثم هو بعد ذلك وقاف عند حدود الله، فهو يرى الله في كل خطوة وفي كل نظرة وفي كل كلمة وفي كل حركة وسكنة، فشغله الشاغل رضوان مولاه عز وجل.

ولقد قسمنا من قبل السائرين في الطريق إلى الله إلى أقسام ثلاثة، وضربنا لكم مثلاً: برجل غني أو أمير أو رئيس أو وزير أو ملك جاء بعمال يصنعون له في بيته شيئاً، وبعد أن وزع الأعمال عليهم صباحاً تركهم فانقسم العمال ثلاثة أصناف:

الصنف الأول قال: طالما أنني سوف آخذ أجراً فيجب أن أعمل بجد وإخلاص، سواء كان صاحب العمل يراني أو لا يراني، فهذا الصنف يعمل بجد من طلوع الشمس إلى مغيبها لا يكل ولا يستريح.

الصنف الثاني: يعمل ساعة ويستريح ساعة؛ لأن صاحب العمل غير موجود.

الصنف الثالث قال: إن صاحب العمل غير موجود ولا يراني فسوف أنام طوال النهار وأكسب صحتي وأوفر جهدي؛ لأن عندي عملاً بالليل سوف أقوم به في مكان آخر، وآخر اليوم سوف آخذ أجري، كالمدرس المهمل الذي يقول: لو نجح الفصل كله فمرتبي كما هو، ولو رسب الفصل كله فمرتبي كما هو، إذاً أنام فيرسب الفصل كله؛ لأنني لا أريد أن أتعب.

في آخر النهار اكتشف العمال جميعاً وهم الأصناف الثلاثة أن صاحب البيت ناظر إليهم يراهم من فوهة وهم لا يرونه، فهو يراهم ويرى أعمالهم منذ صبيحة اليوم إلى مغرب الشمس، فمن عمل بجد فله أجره؛ لأن صاحب العمل كان يراه بعينه، والذي قصر بعض الساعات ندم وعض أصبع الندم، والذي نام طوال اليوم كان له الخسران والخزي، فلم يعطه صاحب العمل أجراً.

ولله المثل الأعلى، فهو مالك الدنيا وخالقها، فالله سبحانه أوجدنا في الدنيا وقال: يا عبادي اتقون، يا عبادي انزلوا إلى الدنيا بعضكم لبعض عدو، أي: نحن والشيطان وسائر الشياطين أعداء بعضنا لبعض، سواء شياطين الإنس أو شياطين الجن.

إذاً: العابدون يعبدون الله عز وجل على أن الله يراهم، وهم يعبدونه على درجة الإحسان، والإحسان هو: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك).

فأنا في الدنيا يجب أن أعلم أن الله ناظر إلي من صبيحة اليوم إلى مغربها، وبالليل أيضاً يراني، لا يعزب عن الله مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، ولا يغفل رب العباد سبحانه فلا تأخذه سنة ولا نوم، قيوم السماوات والأرض، ولا يئوده حفظهما وهو العلي العظيم.

فالله عز وجل ناظر إلى عباده في الدنيا منذ أن أوجدوا فيها إلى أن يموتوا، وهذا العمر كنهار العامل تماماً، يعني: منذ أن بلغت الحلم وكلفت أيها الإنسان -رجلاً كنت أو امرأة- فالله عز وجل ناظر إليك يرى ماذا تصنع.

فانقسمنا في أعمالنا لله ثلاثة أقسام كما انقسم العمال:

قسم يعلم أن الله لا يغفل عنه؛ ولذلك هو يحب ربه، ويدعوه ليل نهار، ويعبده ليل نهار، ولا يغفل عن ذكره لحظة.

هذه الطائفة الأولى عندما يأتي يوم القيامة سوف يكونون من الفائزين الناجحين، اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين!

القسم الثاني: من تأتيهم غفلة على مر الأيام والزمن ينامون عن العبادة، تجد الواحد منهم يقصر في صلاته وعبادته، ويغتاب هذا، ويتكلم في حق هذا، وينم في حق هذا، ويسيئ إلى هذا، ولكنه رغم ذلك يعمل بعض الحسنات، هذا ندمه يوم القيامة كثير.

القسم الثالث: من ينكر الآخرة أو يمني نفسه بالأماني، قال بعض السلف: إن قوماً قد غرتهم الأماني يقولون: نحسن بالله الظن، فوالله لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل.

وجاء في الحديث القدسي: (لا أجمع على عبدي أمنين ولا خوفين، من أمنني في الدنيا أخفته في الآخرة، ومن خافني في الدنيا أمنته في الآخرة).

هذا سفيان الثوري أمير المؤمنين في الحديث رضي الله عنه رزقه الله بخمسين ألف درهم فوزعها على إخوانه كلها، فتعجب الحاضرون وقالوا: يا إمام أتوزع عليهم خمسين ألف درهم، قال: عجباً إذا كنت في كل صلاة أطلب لهم الجنة أفلا أوزع عليهم شيئاً من حطام الدنيا؟!

يعني: أن المسألة أكبر من هذا، فليست القضية قضية كلام، وإنما القضية قضية عمل، فأنا أطلب لهم عقب كل صلاة أن يرزقهم الله الجنة ويرضى عنهم، فكيف لا أعطيهم من حطام الدنيا؟!

إذاً: عابد يعبد الله على العلائق، أي: على أمور متعلقة بالدنيا والغفلة التي تأتي.

الدرجة الأعلى: الزاهد الذي يعبد الله على غير العلائق، أي: من استولى الله عز وجل على قلبه فلا يذكر إلا الله، ولا يكون مقصده إلا الله عز وجل، قال تعالى: وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى [النجم:42] هذه هي الدرجة العليا.

أما الدرجة الأعلى من الجميع، فهي درجة الصديقية، والصديق هو الذي يعبد الله على الرضا، كما كان أبو بكر رضي الله عنه، اللهم لا تحرمنا مجاورة الصالحين في الجنة يا أرحم الراحمين.

أعود إلى ما ابتدأت فيه من حديث: يا أخا الإسلام بينك وبين الجنة قنطرة وحاجز، وتستطيع أن تعبر هذه القنطرة بخطوتين: خطوة عن نفسك، وخطوة عن الناس.

الفرق بين الكبر والعزة

خطوة عن نفسك: أن تفرق بين الكبر وبين الكرامة والعزة، فلو آذاك أخوك فقلت: إن هذا شيء يخص كرامتي وأنا لن أذهب إليه ولن أصافحه ولن أعزيه ولن يجمعني وإياه مجلس واحد؛ لأنه أساء إلى كرامتي، نقول: أنت متكبر، رأينا كيف كان الصالحون رضي الله عنهم يصلح الواحد منهم أمره مع أخيه، قيل للحسين بن علي : ادخل فاصطلح مع أخيك الحسن ؟ فتبسم الحسين وقال: الحسن أخي أكبر مني سناً ومقاماً، ولكني بلغني عن جدي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الأخوان المتخاصمان أسرعهما صلحاً لأخيه أسرعهما دخولاً إلى الجنة) وأنا أتباطأ حتى يسرع أخي الحسن إلى الصلح معي فيدخل قبلي الجنة. هذه درجة وخطوة عن نفسك.

وأبوهما رضي الله عنه لما أراد أن يجهز على عدوه ورفع السيف بصق الرجل في وجه علي فأغمد علي سيفه، فقيل له: لمَ لم تجهز عليه وأنت في معركة يا أمير المؤمنين؟ قال: رفعت السيف في أول مرة كي أضربه ابتغاء مرضات الله، فلما بصق على وجهي خشيت أن يكون قتلي له انتقاماً لنفسي، فأغمدت سيفي لكي لا أكون خاسراً يوم القيامة.

كذلك من سلك خطوة عن نفسك، كما قال عمر رضي الله عنه وهو يسير مرة مع الصحابة وابنه عبد الله بجواره فقال: رأيتني مرات وأنا أرعى الإبل للخطاب في هذا المكان، وكان رجلاً فظاً غليظ القلب، وصرت اليوم وليس فوقي أحد إلا الله رب العالمين، قال ابنه: يا أبت ماذا قلت؟ لم تعجب الكلمة عبد الله بن عمر كأنما لمح لمحة كبر في أبيه رضي الله عنه وحاشا لأمير المؤمنين عمر أن يكون متكبراً، فقال: يا بني! استشرفت نفسي-أي: أرادت أن تتكبر- فأردت أن أضعها أمام أصحابي، أي: أذكرهم بماضيَّ الذي كنت فيه فقيراً أرعى الإبل لأبي وكان فظاً غليظ القلب، فصرت اليوم أميراً للمؤمنين.

ولذلك لما عين سلمان الفارسي رضي الله عنه في زمن عمر حاكماً على بلاد فارس التي جاء منها ودخل إلى المدائن عاصمة كسرى سابقاً، دخل وعليه ثوب قصير، فقال له رجل من بلاد فارس: يا حمال! قال: نعم، قال: احمل حزمة الحطب هذه، فحمل سلمان رضي الله عنه حزمة الحطب، فلما رأى الصحابة وهم يستقبلون سلمان ويقولون: مرحباً بالأمير، مرحباً بالأمير، أسقط في يد الرجل، قال سلمان : لا عليك أخا الإسلام، أنت قلت: احمل يا حمال، فأنا حملت فصرت حمالاً، قال الرجل: ضعها لكي أحملها وتعفو عني، قال: والله لن أضعها إلا في المكان الذي تريد أن أوصلها إليك فيه، سبحان الله! هذه خطوة عن نفسك، فأنت إن أردت أن تصل إلى الجنة وتقطع القنطرة التي بينك وبين الجنة فعليك أن تخطو خطوة عن نفسك.

خطوة عن نفسك: أن تفرق بين الكبر وبين الكرامة والعزة، فلو آذاك أخوك فقلت: إن هذا شيء يخص كرامتي وأنا لن أذهب إليه ولن أصافحه ولن أعزيه ولن يجمعني وإياه مجلس واحد؛ لأنه أساء إلى كرامتي، نقول: أنت متكبر، رأينا كيف كان الصالحون رضي الله عنهم يصلح الواحد منهم أمره مع أخيه، قيل للحسين بن علي : ادخل فاصطلح مع أخيك الحسن ؟ فتبسم الحسين وقال: الحسن أخي أكبر مني سناً ومقاماً، ولكني بلغني عن جدي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الأخوان المتخاصمان أسرعهما صلحاً لأخيه أسرعهما دخولاً إلى الجنة) وأنا أتباطأ حتى يسرع أخي الحسن إلى الصلح معي فيدخل قبلي الجنة. هذه درجة وخطوة عن نفسك.

وأبوهما رضي الله عنه لما أراد أن يجهز على عدوه ورفع السيف بصق الرجل في وجه علي فأغمد علي سيفه، فقيل له: لمَ لم تجهز عليه وأنت في معركة يا أمير المؤمنين؟ قال: رفعت السيف في أول مرة كي أضربه ابتغاء مرضات الله، فلما بصق على وجهي خشيت أن يكون قتلي له انتقاماً لنفسي، فأغمدت سيفي لكي لا أكون خاسراً يوم القيامة.

كذلك من سلك خطوة عن نفسك، كما قال عمر رضي الله عنه وهو يسير مرة مع الصحابة وابنه عبد الله بجواره فقال: رأيتني مرات وأنا أرعى الإبل للخطاب في هذا المكان، وكان رجلاً فظاً غليظ القلب، وصرت اليوم وليس فوقي أحد إلا الله رب العالمين، قال ابنه: يا أبت ماذا قلت؟ لم تعجب الكلمة عبد الله بن عمر كأنما لمح لمحة كبر في أبيه رضي الله عنه وحاشا لأمير المؤمنين عمر أن يكون متكبراً، فقال: يا بني! استشرفت نفسي-أي: أرادت أن تتكبر- فأردت أن أضعها أمام أصحابي، أي: أذكرهم بماضيَّ الذي كنت فيه فقيراً أرعى الإبل لأبي وكان فظاً غليظ القلب، فصرت اليوم أميراً للمؤمنين.

ولذلك لما عين سلمان الفارسي رضي الله عنه في زمن عمر حاكماً على بلاد فارس التي جاء منها ودخل إلى المدائن عاصمة كسرى سابقاً، دخل وعليه ثوب قصير، فقال له رجل من بلاد فارس: يا حمال! قال: نعم، قال: احمل حزمة الحطب هذه، فحمل سلمان رضي الله عنه حزمة الحطب، فلما رأى الصحابة وهم يستقبلون سلمان ويقولون: مرحباً بالأمير، مرحباً بالأمير، أسقط في يد الرجل، قال سلمان : لا عليك أخا الإسلام، أنت قلت: احمل يا حمال، فأنا حملت فصرت حمالاً، قال الرجل: ضعها لكي أحملها وتعفو عني، قال: والله لن أضعها إلا في المكان الذي تريد أن أوصلها إليك فيه، سبحان الله! هذه خطوة عن نفسك، فأنت إن أردت أن تصل إلى الجنة وتقطع القنطرة التي بينك وبين الجنة فعليك أن تخطو خطوة عن نفسك.




استمع المزيد من د. عمر عبد الكافي - عنوان الحلقة اسٌتمع
قيم المتقين 3319 استماع
ثمرات المعاصى 3259 استماع
سوابق الهمم لا تخرق أسوار الأقدار 3246 استماع
الشكر لله 3160 استماع
المحاسبة 3067 استماع
المال أمانة 3018 استماع
الرضا 3005 استماع
العطاء من المخلوق حرمان والمنع من الله إحسان 2986 استماع
قصة حياة 2898 استماع
الشوق لله 2895 استماع