شرح لمعة الاعتقاد [4]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله تعالى:

[ فصل في كلام الله عز وجل:

ومن صفات الله تعالى أنه متكلم بكلام قديم، يسمعه من شاء من خلقه، سمعه موسى عليه السلام منه من غير واسطة، وسمعه جبريل عليه السلام ومن أذن له من ملائكته ورسله، وأنه سبحانه يكلم المؤمنين في الآخرة ويكلمونه، ويأذن لهم فيزورونه، قال الله تعالى: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً [النساء:164]، وقال سبحانه: يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي [الأعراف:144]، وقال سبحانه: مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ [البقرة:253]، وقال سبحانه: وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ [الشورى:51]، وقال تعالى: فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ [طه:11-12]، وقال سبحانه: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي [طه:14]، وغير جائز أن يقول هذا إلا الله.. ].

الكلام صفة من صفات الله تعالى

في هذا المقطع إثبات لأصل من أصول أهل السنة والجماعة فيما يتعلق بكلام الله تعالى، وما ورد فيه من تفصيل في كتاب الله، وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما اتفق عليه سلف الأمة.

فأولاً: ذكر أن من صفات الله تعالى أنه متكلم بكلام قديم، يعني: أن الله عز وجل يوصف بهذا الوصف، أي: أن الله متكلم كما يشاء على ما يليق بجلاله عز وجل.

وقوله: (بكلام قديم)، يشير به إلى أن كلام الله عز وجل أزلي، من حيث إنه من صفاته، وصفات الله عز وجل أزلية؛ لأن الله عز وجل هو الأول الذي ليس قبله شيء، بذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله.

وكلمة (قديم) لم تكن معهودة في عصر الصحابة ومن بعدهم إلى القرن الثاني، وفي منتصف القرن الثاني وما بعده جاء المتكلمون بمصطلحات جديدة لم يكن يعرفها المسلمون، ومن ذلك كلمة (قديم)، فزعموا أن صفات الله عز وجل لا تقبل أن ترتبط بمشيئة الله عز وجل.

ومن ذلك كلامه، فمنهم من أنكر كلام الله إطلاقاً؛ كالجهمية والمعتزلة، ومنهم من أثبت كلام الله عز وجل؛ كطوائف من المعتزلة وأهل الكلام، لكنهم زعموا أن كلام الله معنىً وليس بحروف ولا أصوات، أما السلف فقد فصلوا في كلام الله عز وجل وقالوا: إن كلام الله من حيث هو أصل وصفة أزلي، قالوا: فهو أزلي النوع، أي: نوع الكلام، وهذه صفة كمال، فإن الله متصف بذلك منذ الأزل.

ثم قالوا: إن الكلام حادث الآحاد، بمعنى أن الله يتكلم متى شاء بما شاء، أي أن كلام الله مرتبط بمشيئته، وقد وردنا شيء من آحاد كلام الله عز وجل على جهة التفصيل، فقد ورد إلينا على سبيل القطع أن الله عز وجل كلم موسى، وكلم محمداً صلى الله عليه وسلم.

نرجع إلى كلمة (قديم)، فإنها لم تكن معهودة في عهد السلف، أي: وصف كلام الله، أو شيء من صفاته وأفعاله وأسمائه بأنه قديم، هذا لم يرد على ألسنة السلف الأوائل، لكنهم اضطروا إليه فيما بعد؛ بسبب أن هذه الكلمة صارت تحتمل معان، فمن معاني كلمة (قديم): أزلي، بمعنى أن الله متصف بصفات الكمال منذ الأزل، أي: أن صفاته لا أول لها سبحانه.

وهناك معنىً آخر لكلمة (قديم) يرده السلف ويرفضونه، وينزهون الله عنه، وهو القديم بمعنى: المتهالك البالي.

إذاً: كلمة (قديم) الأولى أن تستبدل بـأزلي، أو لا أول له، أو ليس قبله شيء.

قوله: يَسمَعه (من شاء من خلقه)، أو يُسمِعه، أي: يسمعه الله عز وجل من شاء من خلقه، فالله عز وجل قد أسمع موسى من غير واسطة، وسمعه جبريل عليه السلام، ومن أذن له من ملائكته، كما ورد في صحيح مسلم وغيره أن الملائكة يسمعون كلام الله عز وجل حينما يتنزل الوحي.

تكليم المؤمنين في الآخرة

قوله: (وأنه سبحانه يكلم المؤمنين في الآخرة)؛ هذا ورد في الصحيحين مقروناً بأحاديث الرؤية ومنفصلاً عنها.

كما ورد أن الله عز وجل يكلم الخلائق يوم القيامة بكلام يسمعه من قرب كما يسمعه من بعد، وورد هذا في أحاديث حسنة أقرها السلف.

كما ورد أنه يكلم عباده أفراداً.. المؤمن وغير المؤمن، يكلمهم بواحاً ليس بينه وبين أحدهم ترجمان، كما ورد في الأحاديث الصحيحة، وأنه يعاتب عباده ويقرر لهم أفعالهم في الدنيا: ألم تفعلوا كذا؟.. ألم أنعم عليكم بكذا؟.. ألم أقدر لكم كذا؟ فيقول أحدهم: بلى يا رب!.. بلى يا رب! هذا أيضاً تكليم خاص، لكنه عز وجل يكلم الكفار على جهة التوبيخ، فلا يشعرون بلذة هذا التكليم، ولا يهنئون به؛ لأنهم مذنبون، والمذنب يحس بذنبه أمام ربه.

أما المؤمنون فإنهم ينعمون بهذا التكليم كما ينعمون برؤيته نسأل الله عز وجل أن يجعلنا جميعاً منهم.

قوله: (ويأذن لهم فيزورونه)، هذا ورد في أحاديث بعضها موقوف وبعضها مرفوع، لكن أغلبها فيه ضعف، وفيها أحاديث حسنة، وقبل أن يورد الآيات أحب أن أذكر الخلاصة التالية بإيجاز:

أولاً: أن كلام الله عز وجل -كما ذكرت- أزلي النوع، يعني: أنه متكلم سبحانه منذ الأزل؛ لأنه عز وجل الأول الذي ليس قبله شيء، بما في ذلك صفاته وأفعاله.

أحاديث الآحاد لها تعلق بالكلام بمشيئة الله، ويعني ذلك: أن الله عز وجل يتكلم متى شاء بما يشاء سبحانه وتعالى، وأن كلامه بحروف وأصوات مسموعة.

ثانياً: أن كلام الله يسمع من قبل من يكلمهم، يسمعه الله عز وجل من يشاء من عباده، فقد أسمع بعض رسله، وأسمع ملائكته، ويسمع عباده يوم القيامة، ويسمع من يشاء في الدنيا ممن ورد فيهم النص، أما دعوى السماع من الله عز وجل بغير نص فهي ضلالة، فمن ادعى أنه سمع من الله عز وجل بغير وحي فإنه بذلك كاذب، ومن ادعى أنه يسمع كلام الله عز وجل من غلاة الصوفية ونحوهم؛ فقد كذب على الله وأعظم عليه الفرية، إنما يثبت ما ورد في النصوص، وقد انقطع الوحي؛ فلا سبيل إلى إثبات ما لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

الأدلة على كلام الله

أما ما ورد في دلالة الآيات فإن الآية الأولى: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء:164]، ومعنى هذا: أن الله عز وجل هو الذي كلم موسى، وليس موسى هو الذي كلم الله؛ هذا من ناحية.

الناحية الأخرى: أن التكليم لا يمكن أن يحمل على معنىً آخر؛ لأن الآية قاطعة ومحكمة في التصريح بالتكليم؛ لأن الله عز وجل أشار إلى المصدر على جهة التأكيد فقال: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى ، ثم قال: تَكْلِيمًا [النساء:164]؛ لئلا يقال: كلمه وحياً غير مباشر، أو كلمه إلهاماً، أو كلمه برؤيا، أو كلمه بالشجرة، أو كلمه بحروف وأصوات مخلوقة؛ كل ذلك -أي: ما تأول به المتأولون- باطل قطعاً بنص الآية وصريح نطقها.

ثم قال: قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي [الأعراف:144]، وهذا يعني أن الله عز وجل نادى موسى، وهذا ينفي أن يكون الكلام جاء من الشجرة؛ لأن المنادي هو الله، ولو كان الكلام كلام الشجرة، أو كلاماً خلقه الله في الشجرة، أو حروفاً وأصواتاً اجتمعت فتوافرت على الكلام؛ لكان المنادي هو هذا المخلوق، ولا يليق بأن يكون المنادي هو المخلوق باسم الله عز وجل؛ لأنه قال: إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي [الأعراف:144]، والمرسل هو الله والمصطفي هو الله والمتكلم هو الله؛ إذاً لا يمكن أن يكون الكلام إلا كلام الله.

كذلك قوله عز وجل: مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ [البقرة:253]، وهذا يعني أن الله خص البعض بالتكليم، ومعناها: منهم من كلمه الله، لا كما يفهم بعض المبتدعة بأن منهم من كلم ربه، فكل الناس يخاطبون ربهم بالدعاء والعبادة.

وقوله: وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ [الشورى:51]، بمعنى أن الله عز وجل يكلم بعض عباده بأنواع التكليم، منها ما هو وحي مباشر، ومنها ما هو من وراء حجاب، فكلام الله عز وجل لموسى من أنواع الوحي المباشر، وكلام الله لمحمد صلى الله عليه وسلم الأرجح أنه من وراء حجاب، أي كلامه له عند الإسراء والمعراج.

وكذلك الآية التي بعدها: فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى [طه:11]، يعني: المنادي هو الله عز وجل، إذاً هو المتكلم؛ لأنه قال: إِنِّي أَنَا رَبُّكَ [طه:12]، فلو كان الكلام من الشجرة، أو من مخلوق، أو حروفاً وأصواتاً اجتمعت وهي مخلوقة؛ لما جاز أن تقول هذه الحروف وهذه المخلوقات: إِنِّي أَنَا رَبُّكَ [طه:12]، فلا بد أن يكون المتكلم هو الله عز وجل، وكذلك قوله: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي [طه:14].

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إذا تكلم الله بالوحي سمع صوته أهل السماء، وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وروى عبد الله بن أنيس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يحشر الخلائق يوم القيامة حفاة عراة، فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب: أنا الملك أنا الديَّان)، رواه الأئمة، واستشهد به البخاري .

وفي بعض الآثار: أن موسى عليه السلام ليلة رأى النار فهالته وفزع منها ناداه ربه: يا موسى! فأجاب سريعاً استئناساً بالصوت فقال: لبيك لبيك! أسمع صوتك ولا أرى مكانك فأين أنت؟ فقال: أنا فوقك وأمامك، وعن يمينك وعن شمالك؛ فعلم أن هذه الصفة لا تنبغي إلا لله تعالى، قال: فكذلك أنت يا إلهي! أفكلامك أسمع أم كلام رسولك؟ قال: بل كلامي يا موسى! ].

في هذا المقطع أشار المؤلف رحمه الله إلى كلام ابن مسعود : إذا تكلم الله بالوحي سمعه أهل السماء، وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله: (روي) هو على وجوه:

منها: ما ورد من أن الملائكة تسمع وحي الله عز وجل إذا نزل، وهذا ثابت، في أحاديث صحيحة، قال المحقق: ذكر البخاري تعليقه موقوفاً على ابن مسعود ، باب قول الله تعالى: لا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ [طه:109]، بلفظ: سمع أهل السماوات شيئاً. وهذا اللفظ قد يكون فيه كلام وإسناده حسن، لكن المقصود بسماع كلام الله عز وجل من قبل أهل السماوات وخاصة الملائكة وارد في نصوص أخرى منها النص التالي الذي ورد في البخاري وغيره، فقد يوهم تضعيف الحديث أو القول بأنه حسن هنا عند بعض المعلقين هداهم الله يوهم أن أصل هذه العقيدة فيه كلام، بينما ليس فيه كلام من حيث إنه ورد بألفاظ أخرى صحيحة، وهو أن الله عز وجل إذا تكلم بالوحي سمعه أهل السماء -يعني الملائكة- فهذا ثابت عند البخاري وغيره.

وما ورد هنا في آخر المقطع من القصة التي فيها أن موسى ليلة رأى النار فهالته.. إلخ، هذا لم يثبت بهذا النص وهذا التفصيل، لكن معناه العام ثابت، فقد ثبت أن موسى رأى ناراً، ثم جاء إلى الشجرة فكلمه ربه عند الشجرة، فهذا كله صحيح ووارد في كتاب الله عز وجل، وأن موسى طلب الرؤية، وأن الله عز وجل بين له أنه لا يمكن أن يراه.. إلخ.

أما التفاصيل التي في هذا الأثر فإنها لم تثبت والله أعلم، أي قوله: أنا فوقك وأمامك وعن يمينك ..

ورد أن الله عز وجل هو القاهر فوق عباده، لكن تفصيل الأمام واليمين لا يوجد، أما إذا حمل على أن الله عز وجل مع عباده بحفظه وعلمه ورعايته لخلقه فهذا صحيح، وأنه عز وجل مع جميع الخلق أيضاً بعلمه، ومع عباده المؤمنين برعايته وحفظه ونصره.

في هذا المقطع إثبات لأصل من أصول أهل السنة والجماعة فيما يتعلق بكلام الله تعالى، وما ورد فيه من تفصيل في كتاب الله، وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما اتفق عليه سلف الأمة.

فأولاً: ذكر أن من صفات الله تعالى أنه متكلم بكلام قديم، يعني: أن الله عز وجل يوصف بهذا الوصف، أي: أن الله متكلم كما يشاء على ما يليق بجلاله عز وجل.

وقوله: (بكلام قديم)، يشير به إلى أن كلام الله عز وجل أزلي، من حيث إنه من صفاته، وصفات الله عز وجل أزلية؛ لأن الله عز وجل هو الأول الذي ليس قبله شيء، بذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله.

وكلمة (قديم) لم تكن معهودة في عصر الصحابة ومن بعدهم إلى القرن الثاني، وفي منتصف القرن الثاني وما بعده جاء المتكلمون بمصطلحات جديدة لم يكن يعرفها المسلمون، ومن ذلك كلمة (قديم)، فزعموا أن صفات الله عز وجل لا تقبل أن ترتبط بمشيئة الله عز وجل.

ومن ذلك كلامه، فمنهم من أنكر كلام الله إطلاقاً؛ كالجهمية والمعتزلة، ومنهم من أثبت كلام الله عز وجل؛ كطوائف من المعتزلة وأهل الكلام، لكنهم زعموا أن كلام الله معنىً وليس بحروف ولا أصوات، أما السلف فقد فصلوا في كلام الله عز وجل وقالوا: إن كلام الله من حيث هو أصل وصفة أزلي، قالوا: فهو أزلي النوع، أي: نوع الكلام، وهذه صفة كمال، فإن الله متصف بذلك منذ الأزل.

ثم قالوا: إن الكلام حادث الآحاد، بمعنى أن الله يتكلم متى شاء بما شاء، أي أن كلام الله مرتبط بمشيئته، وقد وردنا شيء من آحاد كلام الله عز وجل على جهة التفصيل، فقد ورد إلينا على سبيل القطع أن الله عز وجل كلم موسى، وكلم محمداً صلى الله عليه وسلم.

نرجع إلى كلمة (قديم)، فإنها لم تكن معهودة في عهد السلف، أي: وصف كلام الله، أو شيء من صفاته وأفعاله وأسمائه بأنه قديم، هذا لم يرد على ألسنة السلف الأوائل، لكنهم اضطروا إليه فيما بعد؛ بسبب أن هذه الكلمة صارت تحتمل معان، فمن معاني كلمة (قديم): أزلي، بمعنى أن الله متصف بصفات الكمال منذ الأزل، أي: أن صفاته لا أول لها سبحانه.

وهناك معنىً آخر لكلمة (قديم) يرده السلف ويرفضونه، وينزهون الله عنه، وهو القديم بمعنى: المتهالك البالي.

إذاً: كلمة (قديم) الأولى أن تستبدل بـأزلي، أو لا أول له، أو ليس قبله شيء.

قوله: يَسمَعه (من شاء من خلقه)، أو يُسمِعه، أي: يسمعه الله عز وجل من شاء من خلقه، فالله عز وجل قد أسمع موسى من غير واسطة، وسمعه جبريل عليه السلام، ومن أذن له من ملائكته، كما ورد في صحيح مسلم وغيره أن الملائكة يسمعون كلام الله عز وجل حينما يتنزل الوحي.

قوله: (وأنه سبحانه يكلم المؤمنين في الآخرة)؛ هذا ورد في الصحيحين مقروناً بأحاديث الرؤية ومنفصلاً عنها.

كما ورد أن الله عز وجل يكلم الخلائق يوم القيامة بكلام يسمعه من قرب كما يسمعه من بعد، وورد هذا في أحاديث حسنة أقرها السلف.

كما ورد أنه يكلم عباده أفراداً.. المؤمن وغير المؤمن، يكلمهم بواحاً ليس بينه وبين أحدهم ترجمان، كما ورد في الأحاديث الصحيحة، وأنه يعاتب عباده ويقرر لهم أفعالهم في الدنيا: ألم تفعلوا كذا؟.. ألم أنعم عليكم بكذا؟.. ألم أقدر لكم كذا؟ فيقول أحدهم: بلى يا رب!.. بلى يا رب! هذا أيضاً تكليم خاص، لكنه عز وجل يكلم الكفار على جهة التوبيخ، فلا يشعرون بلذة هذا التكليم، ولا يهنئون به؛ لأنهم مذنبون، والمذنب يحس بذنبه أمام ربه.

أما المؤمنون فإنهم ينعمون بهذا التكليم كما ينعمون برؤيته نسأل الله عز وجل أن يجعلنا جميعاً منهم.

قوله: (ويأذن لهم فيزورونه)، هذا ورد في أحاديث بعضها موقوف وبعضها مرفوع، لكن أغلبها فيه ضعف، وفيها أحاديث حسنة، وقبل أن يورد الآيات أحب أن أذكر الخلاصة التالية بإيجاز:

أولاً: أن كلام الله عز وجل -كما ذكرت- أزلي النوع، يعني: أنه متكلم سبحانه منذ الأزل؛ لأنه عز وجل الأول الذي ليس قبله شيء، بما في ذلك صفاته وأفعاله.

أحاديث الآحاد لها تعلق بالكلام بمشيئة الله، ويعني ذلك: أن الله عز وجل يتكلم متى شاء بما يشاء سبحانه وتعالى، وأن كلامه بحروف وأصوات مسموعة.

ثانياً: أن كلام الله يسمع من قبل من يكلمهم، يسمعه الله عز وجل من يشاء من عباده، فقد أسمع بعض رسله، وأسمع ملائكته، ويسمع عباده يوم القيامة، ويسمع من يشاء في الدنيا ممن ورد فيهم النص، أما دعوى السماع من الله عز وجل بغير نص فهي ضلالة، فمن ادعى أنه سمع من الله عز وجل بغير وحي فإنه بذلك كاذب، ومن ادعى أنه يسمع كلام الله عز وجل من غلاة الصوفية ونحوهم؛ فقد كذب على الله وأعظم عليه الفرية، إنما يثبت ما ورد في النصوص، وقد انقطع الوحي؛ فلا سبيل إلى إثبات ما لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.