شرح لمعة الاعتقاد [8]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ومن السنة السمع والطاعة لأئمة المسلمين وأمراء المؤمنين برهم وفاجرهم ما لم يأمر بمعصية الله، فإنه لا طاعة لأحد في معصية الله، ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس رضوا به أو غلبهم بسيفه حتى صار خليفة وسمي أمير المؤمنين وجبت طاعته وحرمت مخالفته والخروج عليه وشق عصا المسلمين ].

في هذا المقطع يقرر المؤلف رحمه الله أصلاً من أصول السنة.

من السنة طاعة أئمة المسلمين في غير معصية

وقوله: (من السنة) أي: من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ومن سنة الخلفاء الراشدين، ومن سنة السلف الصالح، ومن سبيل المؤمنين: السمع والطاعة لأئمة المسلمين ما لم يأمروا بمعصية، وأئمة المسلمين هم كل من ولاه الله أمر المسلمين، سواء كان خليفة كالخلفاء الراشدين، ومن بعدهم ممن تسمى بهذا الاسم كبعض خلفاء بني أمية وبعض الخلفاء العباسيين، ومن جاء بعدهم، أو كان إماماً وهو بمعنى الخليفة، وهو الإمام الأعظم الذي يتولى أمور المسلمين في دينهم ودنياهم.

أو كان سلطاناً، وهو أيضاً من ولاه الله أمر المسلمين بسلطان، وهو إما أن يكون شرعياً تولى السلطة بطريق الشورى أو بطريق اختيار أهل الحل والعقد، أو بطريق الغلبة.

أو كان ملكاً، سواء تولى عن طريق الشورى أو أهل الحل والعقد، أو عن طريق الغلبة..

أو كان أميراً، وهو أيضاً بمعنى السلطان والملك، وهو من ولاه الله أمر المسلمين وسمي أميراً، سواء كان بالشورى أو بعقد أهل الحل والعقد أو بالغلبة، أو بنحو ذلك من الطرق التي يتولى بها الناس أو يتولى بها أحد أمور المسلمين، فكل من ولاه الله أمر المسلمين فهو له حق السمع والطاعة بالمعروف ما لم يأمر بمعصية.

لكن لهذه الأوصاف درجات من الناحية الشرعية، فخلافة المسلمين أحياناً تكون خلافة لرسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر المسلمين، وهذه في الخلفاء الراشدين الأربعة المهديين، وبعضهم يلحق بهم عمر بن عبد العزيز ، وبعضها خلافة على عباد الله، أي خلافة الأرض في الدين والدنيا، وهذه لا يلزم أن يكون فيها الخليفة راشداً كالخلفاء الراشدين، وكلمة الإمام تُطلق على من يغلب عليه الاهتمام بالشرع، ومع ذلك قد يتسمى إماماً من هو دون ذلك.

وعلى أي حال كل هذه الألفاظ هي ولاية للمسلمين، الخليفة والإمام والسلطان والملك والأمير والرئيس، أو ما اصطلح الناس على اسمه، فالعبرة بوصفه، ما دام وصفه أن يكون أميراً أو والياً لأمر المسلمين بأي وصف وبأي اسم، فإن له حق السمع والطاعة ما لم يأمر بمعصية.

وجوب طاعة ولي الأمر براً كان أو فاجراً

ثم قال: (برهم وفاجرهم).

أي سواء كان هذا الإمام براً أي تقياً صالحاً، أو فاجراً أي مسلماً فاجراً، وهذا التفصيل جاء في أحاديث كثيرة صحيحة بعضها في الصحيحين وبعضها في غير الصحيحين، وكلها تأمر بالسمع والطاعة حتى للظالم الفاجر العاصي، والذي يُنكر منه ما يُنكر فإنه لا بد من السمع والطاعة له في المعروف ما لم يأمر بمعصية، أما ما يأمر به من معصية الله عز وجل فلا يُسمع له ولا يطاع.

أما ما يفهمه بعض قليلي الفقه من أن كل من ارتكب معصية من الولاة فلا يُسمع له ولا يُطاع مطلقاً حتى في الطاعة فهذا فهم منكوس، وهو فهم الخوارج والمعتزلة وفهم سائر أهل الأهواء، فإن الطاعة تبقى بالمعروف والمعصية إنما تكون فيما يُنكر فقط، بمعنى أنه إذا أمر بمعصية لا تنخرم طاعته في كل شيء، بل فيما أمر به مما يخالف أمر الله.

وهذا كما هو معروف مبني على المصالح العظمى للمسلمين، فالمصالح العظمى للمسلمين تقتضي ضرورة السمع والطاعة بالمعروف حتى وإن رأى المسلمون معاصي وفجوراً، فإنهم لا يجوز أن يخلوا بمبدأ السمع والطاعة ولا يخلوا بالبيعة، لكنهم ينكرون المنكر ويأمرون بالمعروف، وينصحون لولي الأمر.. فإن ظهر منه معصية فإنها تُنكر بالطرق الشرعية المعروفة وحسب قواعد الشرع المعروفة.

والمعاصي تتفاوت فإن السمع والطاعة بالمعروف لا يعني ترك إنكار المنكر كما يفهم بعض الناس، فهذا أيضاً فهم معكوس كفهم من ظن أن من عصى لا يُطاع مطلقاً، فإنه لا طاعة لأحد في معصية الله، وإن كان خليفة أو سلطاناً أو أميراً أو والياً أو ملكاً، لكن لا تنزع منه يد الطاعة.

طاعة من ولي الخلافة ورضي به الناس أو غلبهم بسيفه

(ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس رضوا به أو غلبهم بسيفه حتى صار خليفة وسمي أمير المؤمنين)، يعني من أسمائه أمير المؤمنين كما هو معهود في عصور السلف، لكن قد يُسمى بغير هذه الأسماء فيُسمى والياً، ويسمى أميراً، ويسمى ملكاً، ويسمى سلطاناً، ويسمى رئيساً.. أو يسمى بأي اسم ما دام الأمر في حدود المفهوم اللغوي والشرعي.

قال: (وجبت طاعته).

بمعنى أن الطاعة واجبة شرعاً فيما تجب فيه الطاعة.

(وحرمت مخالفته)، أي: مخالفته فيما فيه مصالح المسلمين من أمر المعروف، سواء ما يتعلق بدين الناس أو بدنياهم.

وكذلك يحرم الخروج عليه، وشق عصا المسلمين.

بمعنى أن الخروج دائماً يقتضي الشق، أي شق عصا الطاعة وشق عصا المسلمين، بمعنى تفريق كلمتهم والخروج على أصلهم الذي هو هذا الاعتقاد الذي ذكرته.

وهذه القواعد كلها أيضاً مبنية على نصوص وقد أجمع عليها السلف، ولذلك عدوا من خالف في أمر من هذه الأمور من أهل الأهواء.

الحكم على ولاة الأمر من حيث البر والفجور

مما يتعلق بهذه المسألة أو بهذا الأصل الأمور التالية:

أولاً: الحكم على ولاة الأمور من حيث البر والفجور أو الكفر أو نحوه؛ لأنه ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث آخر في وجوب الأمر بالسمع والطاعة، ثم قال: (إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم عليه من الله برهاً).

فيما يقتضي مخالفة هذه الأصول ليس الحكم للفرد إنما الحكم للجماعة، وهم أهل الحل والعقد في الأمة، وأهل الحل والعقد هم أهل العلم ومن يلحق بهم من طلاب العلم والدعاة، وأهل الرأي والمشورة في الأمة من رؤساء وقواد ووزراء وموظفين وغيرهم.. فإن هؤلاء يدخلون في عموم أهل الحل والعقد ما داموا يلتزمون شرع الله في هذا الأصل.

إذاً فالحكم بكل ما يتعلق بولي الأمر في الأمور العامة ومصالح الأمة الكبرى كعقد البيعة، أو نقلها، أو الحكم بكفر معين، أو بكفر حالة من الحالات التي يقع فيها الحاكم، ولوازم الخروج على البيعة، كل ذلك يرجع إلى أهل الحل والعقد؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم خاطب الجماعة فيما يتعلق بالولايات ولم يخاطب الأفراد، فالخطاب يرجع إلى الجماعة، والجماعة يمثّلون بأهل الحل والعقد منهم، هذا أمر.

حكم الأخذ برأي العوام في مصالح الأمة وقضاياها الكبرى

الأمر الآخر: أن ما يتعلق بمصالح الأمة الكبرى مثل تولية السلطان أو البيعة له، أو تقدير أمر من الأمور الشرعية العظمى التي ترجع إلى أهل العلم وأهل الحل والعقد، لا يصح أن يؤخذ فيها رأي عامة الناس، فعامة الناس تبع للعلماء وأهل الرأي وأهل الحل والعقد.. وهذا ما كان عليه سلف الأمة.

بمعنى أنا لو أردنا أن نقرر مسألة من المسائل التي تتعلق بدنيا الناس أو دينهم، أو خلافتهم أو إمارتهم لا نذهب إلى ما يذهب إليه الأوروبيون والغربيون ومن سلك سبيلهم من المسلمين، فلا نسلك مسلك التصويت، ونقول بعدد الأصوات نقرر كذا أو نمنع كذا؛ لأن أغلب الناس دهماء ورعاع، وأغلب الناس تحكمهم العواطف والمصالح الشهوانية، وأغلب الناس فيهم جهل، حتى وإن وجد عندهم عواطف دينية، فإن هذا الأصل لا يؤخذ -كما يظن كثير من الشباب الآن- بالأكثرية، ولا يصح هذا في مصالح الأمة العظمى، والأكثرية هم الهالكون غالباً، حتى في المجتمع المتمسك.. لأن أغلب الناس غوغاء وعوام وأشباه عوام لا سيما في هذا العصر حينما كثر المتعالمون، فأكثر العوام من أنصاف المثقفين، وأكثر المثقفين هم عوام، فإذا أوقعنا مصالح الأمة تحت التصويت وما يشبهه فإن هذا هو الهلكة.

ولأضرب لكم مثالاً: من البلايا التي أُصبنا بها ما يسمى بالدش، هذه المضرة العظمى المؤكدة من يقرر الضرر فيها والنفع، أليس هم أهل العلم وأهل الفقه في الدين؟ نعم.

لو أخذناها بالتصويت ما الذي سيحدث؟

الآن صارت في البيوت فلا يكاد يخلو منها بيت، بل وجدناها في البادية وفي القرى وفي بيوت الشعر.. إذاً: هل يؤخذ رأي الناس في مصالحهم الكبرى بعددهم؟ لا، يؤخذ بالمصلحة الشرعية وإلا وقعنا في الهلكة.

وأنا أحببت بهذه المناسبة أن أنبه كثيراً من إخواننا طلاب العلم ألا ينجرفوا مع كثير من المثقفين العاطفيين من الإسلاميين وغيرهم الذين يريدون أن يجروا الأمة إلى هذا المسلك، ويأخذوا بأكثريتها إلى مهالك، ويبنوا أقوالهم وأحكامهم على مجرد رغبة أكثر الناس، وكثير من القضايا الحساسة المهمة التي تتعلق بدين الأمة وبكرامتها وبفضيلتها لو وضعناها للناس بالتصويت، لاختاروا طريق الهلاك، ولا أظن هذا يخفى عليكم.

إذاً: من ضمن هذا أيضاً ما يتعلق بالولاية والعزل والسلطة وغيرها، فهذه ترجع إلى أهل الحل والعقد من العلماء ومن كان في سبيلهم ممن يعرف للعلماء اعتبارهم من أهل الرأي والمشورة من الرؤساء والقواد وغيرهم.. هؤلاء لهم اعتبارهم لأنهم يرجعون إلى العلماء، فإذا لم يرجعوا للعلماء فلا اعتبار لهم.

وقوله: (من السنة) أي: من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ومن سنة الخلفاء الراشدين، ومن سنة السلف الصالح، ومن سبيل المؤمنين: السمع والطاعة لأئمة المسلمين ما لم يأمروا بمعصية، وأئمة المسلمين هم كل من ولاه الله أمر المسلمين، سواء كان خليفة كالخلفاء الراشدين، ومن بعدهم ممن تسمى بهذا الاسم كبعض خلفاء بني أمية وبعض الخلفاء العباسيين، ومن جاء بعدهم، أو كان إماماً وهو بمعنى الخليفة، وهو الإمام الأعظم الذي يتولى أمور المسلمين في دينهم ودنياهم.

أو كان سلطاناً، وهو أيضاً من ولاه الله أمر المسلمين بسلطان، وهو إما أن يكون شرعياً تولى السلطة بطريق الشورى أو بطريق اختيار أهل الحل والعقد، أو بطريق الغلبة.

أو كان ملكاً، سواء تولى عن طريق الشورى أو أهل الحل والعقد، أو عن طريق الغلبة..

أو كان أميراً، وهو أيضاً بمعنى السلطان والملك، وهو من ولاه الله أمر المسلمين وسمي أميراً، سواء كان بالشورى أو بعقد أهل الحل والعقد أو بالغلبة، أو بنحو ذلك من الطرق التي يتولى بها الناس أو يتولى بها أحد أمور المسلمين، فكل من ولاه الله أمر المسلمين فهو له حق السمع والطاعة بالمعروف ما لم يأمر بمعصية.

لكن لهذه الأوصاف درجات من الناحية الشرعية، فخلافة المسلمين أحياناً تكون خلافة لرسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر المسلمين، وهذه في الخلفاء الراشدين الأربعة المهديين، وبعضهم يلحق بهم عمر بن عبد العزيز ، وبعضها خلافة على عباد الله، أي خلافة الأرض في الدين والدنيا، وهذه لا يلزم أن يكون فيها الخليفة راشداً كالخلفاء الراشدين، وكلمة الإمام تُطلق على من يغلب عليه الاهتمام بالشرع، ومع ذلك قد يتسمى إماماً من هو دون ذلك.

وعلى أي حال كل هذه الألفاظ هي ولاية للمسلمين، الخليفة والإمام والسلطان والملك والأمير والرئيس، أو ما اصطلح الناس على اسمه، فالعبرة بوصفه، ما دام وصفه أن يكون أميراً أو والياً لأمر المسلمين بأي وصف وبأي اسم، فإن له حق السمع والطاعة ما لم يأمر بمعصية.

ثم قال: (برهم وفاجرهم).

أي سواء كان هذا الإمام براً أي تقياً صالحاً، أو فاجراً أي مسلماً فاجراً، وهذا التفصيل جاء في أحاديث كثيرة صحيحة بعضها في الصحيحين وبعضها في غير الصحيحين، وكلها تأمر بالسمع والطاعة حتى للظالم الفاجر العاصي، والذي يُنكر منه ما يُنكر فإنه لا بد من السمع والطاعة له في المعروف ما لم يأمر بمعصية، أما ما يأمر به من معصية الله عز وجل فلا يُسمع له ولا يطاع.

أما ما يفهمه بعض قليلي الفقه من أن كل من ارتكب معصية من الولاة فلا يُسمع له ولا يُطاع مطلقاً حتى في الطاعة فهذا فهم منكوس، وهو فهم الخوارج والمعتزلة وفهم سائر أهل الأهواء، فإن الطاعة تبقى بالمعروف والمعصية إنما تكون فيما يُنكر فقط، بمعنى أنه إذا أمر بمعصية لا تنخرم طاعته في كل شيء، بل فيما أمر به مما يخالف أمر الله.

وهذا كما هو معروف مبني على المصالح العظمى للمسلمين، فالمصالح العظمى للمسلمين تقتضي ضرورة السمع والطاعة بالمعروف حتى وإن رأى المسلمون معاصي وفجوراً، فإنهم لا يجوز أن يخلوا بمبدأ السمع والطاعة ولا يخلوا بالبيعة، لكنهم ينكرون المنكر ويأمرون بالمعروف، وينصحون لولي الأمر.. فإن ظهر منه معصية فإنها تُنكر بالطرق الشرعية المعروفة وحسب قواعد الشرع المعروفة.

والمعاصي تتفاوت فإن السمع والطاعة بالمعروف لا يعني ترك إنكار المنكر كما يفهم بعض الناس، فهذا أيضاً فهم معكوس كفهم من ظن أن من عصى لا يُطاع مطلقاً، فإنه لا طاعة لأحد في معصية الله، وإن كان خليفة أو سلطاناً أو أميراً أو والياً أو ملكاً، لكن لا تنزع منه يد الطاعة.

(ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس رضوا به أو غلبهم بسيفه حتى صار خليفة وسمي أمير المؤمنين)، يعني من أسمائه أمير المؤمنين كما هو معهود في عصور السلف، لكن قد يُسمى بغير هذه الأسماء فيُسمى والياً، ويسمى أميراً، ويسمى ملكاً، ويسمى سلطاناً، ويسمى رئيساً.. أو يسمى بأي اسم ما دام الأمر في حدود المفهوم اللغوي والشرعي.

قال: (وجبت طاعته).

بمعنى أن الطاعة واجبة شرعاً فيما تجب فيه الطاعة.

(وحرمت مخالفته)، أي: مخالفته فيما فيه مصالح المسلمين من أمر المعروف، سواء ما يتعلق بدين الناس أو بدنياهم.

وكذلك يحرم الخروج عليه، وشق عصا المسلمين.

بمعنى أن الخروج دائماً يقتضي الشق، أي شق عصا الطاعة وشق عصا المسلمين، بمعنى تفريق كلمتهم والخروج على أصلهم الذي هو هذا الاعتقاد الذي ذكرته.

وهذه القواعد كلها أيضاً مبنية على نصوص وقد أجمع عليها السلف، ولذلك عدوا من خالف في أمر من هذه الأمور من أهل الأهواء.